الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011

في عيد ميلاد اليورو.. سنوات بشعة يا "جميل"

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")






"اليورو هو مصيرنا المشترك، وأوروبا هي مستقبلنا الواحد"
أنجيلا ميركل مستشارة ألمانيا

 
 
 
 
كتب: محمد كركوتـــي
 
مع حلول العام 2012، سيجد قادة منطقة اليورو صعوبة في طلب قالب من الكيك على شكل العملة الأوروبية، للاحتفال بمرور عشر سنوات على إطلاق (ولادة) اليورو، ليس لأنهم مصابون بمرض السكري، وعليهم تجنب تناول الحلوى، بل لأن المحتفى به مصاب بأوبئة وأمراض يبدو أمامها "السكري"، كـ "نزلة برد" تنتهي في يومين، بحبة أسبيرين أو بدونها. بل هناك من يعتقد بأنه مهدد بالموت ولم يتجاوز العاشرة من عمره، وأن الأجواء لم تعد صحية لاستمرار ربطه "بأجهزة" الإنعاش. ومن المتطرفين من يعتقد بضرورة "عقد زواج" جديد، يستولد عملة أخرى، يمكن الاحتفال والرقص والغناء بميلادها دون حرج. ومن المفارقات أن فرنسا البلد الأكثر ابداعاً بقوالب الكيك (والأكثر "حنقاً" لمرضى السكري)، لن يطلب رئيسها ذلك القالب التقليدي، وإذا ما قفز على "توقعاتي" وطلبه، سيكون الأمر بمنزلة احتفال في مأتم، أو حفلة راقصة وسط إعصار مدمر، أو مهرجان للضحك أمام أناس يموتون جوعاً. لكنه هل يستطيع أن يردد الأنشودة التقليدية "سنة حلوة يا جميل"؟ أحسب أنه سيكون واقعياً حتى وإن قرر الاحتفال وأكل من قالب الحلوى، وسيضطر للتصرف بالأنشودة ويرددها على الشكل التالي: "سنوات بشعة يا جميل"! مهلاً.. ألم يقل هذا الرئيس (نيكولا ساركوزي): "إن خطر تفكك أوروبا لم يكن يوماً كبيراً كما هو اليوم"؟

"سنوات بشعة يا يورو"، هي تلك التي مرت بها هذه العملة بعد الأزمة الاقتصادية العالمية، وستواصل المرور بها في مرحلة أزمة الأزمة. ولأن قادة اليورو تجنبوا التعليق بمناسبة مرور عقد من الزمن على اليورو، فإن المفوضية الأوروبية كانت صادقة وصريحة إلى أبعد الحدود في بيانها الوحيد بهذه المناسبة. ماذا قالت؟ "بينما يوفر اليورو والاتحاد الاقتصادي والنقدي أساساً سليماً لتحقيق التقدم الاقتصادي، فإن الأزمة المصرفية في عام 2008 وعواقبها، شكلت اختباراً قوياً للنظام". والحقيقة أنها شكلت وتشكل اختباراً صارماً وقاسياً للاتحاد الأوروبي برمته، الذي كان يفخر في السنوات الثماني الأولى من عمر العملة الموحدة، بأنها عملة لا تُقهر، فرضت نفسها بقوة على الساحة العالمية، وهددت القوة التقليدية للدولار الأميركي نفسه. بل أن بعض الدول غير الأوروبية اعتمدتها (بصرف النظر عن الأسباب) بديلاً عن العملة الأميركية.

لم تكن العملة الموحدة فأل شؤم على الاتحاد الأوروبي، وذلك على عكس ما يروج الكارهون لها، ولاسيما أولئك الذين لا يزالون يصرون على العيش في أحلام الوطنية والمحلية المغلقة. ورغم اعتلال اليورو، من فرط ديون أوروبية حكومية تاريخية هددت دولاً بالخروج من هذه العملة، فإن الاتحاد الاقتصادي والمالي، وفر بالفعل الحماية لدول منطقة اليورو، من آثار الاختلالات التي تراكمت في هذه المنطقة وارتبطت بالمال والاقتصاد الكلي، من خلال تداعيات الأزمة العالمية. ولا أزال أتذكر تصريحاً هاماً لرئيس الوزراء الفرنسي السابق جان بيير رافاران، سبق هذه الأزمة، وعزز في الوقت نفسه أهمية الاتحاد النقدي الأوروبي، قال فيه: "يجب علينا أن نعترف أن اليورو يمثل أهمية قصوى للاتحاد الأوروبي. فبدونه - وخلال الأزمات العالمية- ستضطر كل دولة إلى تخفيض قيمة عملتها". وكان كلام زميله السابق أيضاً جان لوك ديهانة رئيس وزراء بلجيكا، متطابقاً حين قال –قبل الأزمة أيضاً- : "إن الاتحاد النقدي هو المحرك للتكامل الأوروبي".

إذا كانت أزمة منطقة اليورو مصيبة اقتصادية حقيقية، لن تنتهي ولن تزول آثارها قبل سنوات عديدة، قد تصل إلى يوم الاحتفال بمرور عشرين سنة على إطلاق هذه العملة، فإن انهيارها سيكون كارثة لا يمكن لأحد أن يتوقع أين ومتى تنتهي. وقد عرف قادة الدول الأوروبية الكبرى هذه الحقيقة، وعلى أساسها يسعون إلى الحفاظ على اليورو ومنطقته، بالرغم من التكاليف الباهظة التي تتكبدها هذه الدول، ولاسيما فرنسا وألمانيا، وبصرف النظر عن مناكفات بريطانيا المعهودة في هذا المجال. فإنقاذ دولة أو اثنتين أو حتى عشر دول، هو في الواقع إنقاذ لكل دول اليورو، والوصول إلى اتفاقية جديدة تفرض قيوداً بلا تسامح على الديون الحكومية، سيكون بمنزلة حبل نجاة لهذه المنطقة، التي أُطلقت عملياً من أجل إتاحة المجالات كلها أمام تحسن الاقتصاد الأوروبي، وخلق المزيد من فرص العمل، وتهيئة حياة أفضل للأوروبيين. فاليورو –حسب المفوضية الأوروبية- ليس مجرد ترتيبات فنية نقدية، وإنما رمزاً للعزم على العمل معاً بروح التضامن.

وعلى هذا الأساس، لا توجد حكومة أوروبية تعتمد اليورو مستعدة للتفكير بالتخلص منه، مهما كانت قوية سياسياً، ومهما كانت قوة بلادها. ولا يهم الآن الاحتفال بمرور عشر سنوات على ميلاد اليورو. المهم أن تتمكن هذه العملة من الاحتفاظ بحياتها، والاحتفال بمئويتها وألفيتها، ولن يتحقق ذلك، إلا بمنهجية أوروبية، لا وطنية. منهجية تحفظ قيمة ووزن ووقع عملتها التي باتت مرتبطة بصورة متلاحمة بهيبة أوروبا نفسها، وبمكانة اتحاد أصبح مثالاً عالمياً وتاريخياً للاتحادات والكيانات الناجحة.

الاثنين، 19 ديسمبر 2011

في أوروبا.. حرب للحفاظ على الهيبة؟

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")






"حسب معرفتي، فإن أفضل شيء يجمع بريطانيا وفرنسا، هو البحر"
دوجلاس جيرولد كاتب بريطاني

 
 
 
كتب: محمد كركوتـــي
 
في زحمة استمرار ما اصطُلح على تسميته بـ "الربيع العربي"، هناك في القارة الأوروبية خريف، لا يبدو أنه سينتهي قريباً، بعد أن اختصر الفصول الثلاثة الأخرى فيه، مشكلاً أعاصير تاريخية سياسية اقتصادية اجتماعية، دفع البعض المُبالِغ من الأوروبيين إلى الاعتقاد، بأنه خريف قد يزج بأوروبا في الحرب! وعلى الرغم من عدم واقعية هذا الاعتقاد، إلا أن مجرد طرحه من قبل سياسيين أوروبيين، يمثل نقطة خطرة في القارة التي تحارب ديونها، بل وتحارب نفسها من أجل الانتصار على الديون وتوابعها وعلى الفشل وروابطه وعلى الانهيار ومصائبه. تحارب من أجل حماية عملة لا تزال "طفلة" من حيث الزمن، ومن أجل الحفاظ على هيبة ظلت في الأجواء، حتى بعد تراجع نفوذ وقوة أوروبا (وتحديداً بريطانيا وفرنسا)، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ومن أجل اتحاد، كان حتى وقت قريب رمزاً من رموز النجاح على الساحة العالمية، بل ومرجعاً لأي اتحادات مشابهة، أو مشاريع اتحادات مماثلة. وعلى الرغم من أن الحرب التي تخوضها أوروبا بلا أسلحة، إلا أنها حرب شرسة، استجلبت بعضاً من "الأسلحة" القومية والوطنية والمحلية، رغم الصدأ الذي علاها، ورغم التحديات التي عطلتها منذ الأزمة الاقتصادية العالمية.

لا زلت أعتبر أن العنوان الأخطر في الأزمة المالية الأوروبية الراهنة، هو ذاك الذي أطلقه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. ماذا قال؟ "إن خطر تفكك أوروبا لم يكن يوماً كبيراً كما هو اليوم". ولن يكون هناك عنوان آخر سيوازيه من حيث الصدمة، ومن جهة الوقِع. ولأنه كذلك، فإننا يمكن أن نفهم كيف تجنب رئيس فرنسا مصافحة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في القمة الأوروبية التاريخية التي عقدت في بروكسل، من أجل معاهدة جديدة لضبط الموازنات العامة لدول منطقة اليورو. كان سلوكاً يعبر عن أكثر من فتور في العلاقات، وأكبر من خلاف سياسي.. سلوك لرجل خائف على أوروبا وهيبتها وعملتها (بل وكيانها)، مع رجل لا يزال يعيش وهم الهيبة البريطانية، وأحلام الأنجلو-سكسونية، رغم أن هذه الأخيرة لم تعد ذات معنى عند الطرف الأميركي المكمل لها، ليس فقط لقناعة إدارة أميركية بضرورة الإشراك العالمي، بل لأن الجامع البريطاني- الأميركي التاريخي التقليدي، انتهى مع أول ضربة للأزمة الاقتصادية العالمية قبل ثلاث سنوات. فما كان ينفع قبلها، أصبح ضاراً بعدها. واشنطن عرفت ذلك، لكن يبدو أنه لم يصل الخبر بعد إلى حكومة "الرأس والنصف" (لا الرأسين) في بريطانيا.

والحقيقة أن موقف كاميرون المعارض (والمنسحب) لمعاهدة أو اتفاقية جديدة تصون الموازنات العامة الأوروبية، وتحاكي استحقاقات الأزمة الاقتصادية العالمية ومصائبها، شكل صدمة كبيرة، لمن؟ لشركائه في الحكم! فحزب الديمقراطيين الأحرار المؤتلف (لا المتآلف) مع المحافظين، وجد نفسه بين خيارين اثنين لا ثالث لهما. الأول: أن ينسحب من الحكومة ويسقطها، والثاني: أن يظل صامتاً. والمشكلة في الخيار الأخير، أنه لا يملك كثيراً من الوقت لمواصلة الصمت. فالصدمة لم تكن أوروبية خالصة، بل سياسية بريطانية محلية أيضاً. وكم كان المشهد تاريخياً، عندما كان كاميرون يدافع عن قراره هذا في مجلس العموم البريطاني، وإلى جانبه "نصف الرأس الآخر" في حكومته زعيم "الديمقراطيين الأحرار" نيك كليج، الكاره لما يقوله رئيس الوزراء. ولو كنت مكان كليج، لارتكبت حادثاً مرورياً "مع نفسي"، ليكون عذراً مقنعاً لعدم حضوري هذه الجلسة تحديداً.

يرتكب ساركوزي والمسؤولون الفرنسيون، خطأ كبيراً الآن بتركيز الهجوم على بريطانيا، وتعريتها اقتصادياً، من خلال دعوة وكالات التصنيف العالمية، إلى تخفيض تصنيف المملكة المتحدة، قبل التطرق إلى دول منطقة اليورو، وعن طريق إطلاق التصريحات على أعلى المستويات، التي تتحدث عن أن بريطانيا أكثر مديونية من فرنسا، بما في ذلك ما قاله وزير المالية فرنسوا باروان "إن وضع بريطانيا العظمى مقلق جداً حالياً، ونفضل أن نكون فرنسيين على أن نكون بريطانيين على الصعيد الاقتصادي". ويخطئ الفرنسيون أيضاً، بوصف كاميرون بـ "الأخرق" و" الولد العنيد". فـ "الردح الاقتصادي- السياسي" لا يساعد فرنسا وبقية دول الاتحاد الأوروبي (وتحديداً دول اليورو)، في استعادة الهيبة الأوروبية المهددة. والتاريخ أثبت، أن هذا النوع من "الردح"، لم ينقذ معاهدة أو اتفاقية أو تفاهم أو عقد، كما لم يدفع "المردوح" –إن جاز التعبير- لتغيير مواقفه.

ليس أمام فرنسا ومعها بقية الدول الأوروبية المحورية والثانوية، إلا أن تصل إلى تلك المعاهدة أو الاتفاقية، التي ستحفظ في النهاية مكانة الاتحاد الأوروبي، ووضعية اليورو، وأهمية أوروبا وهيبتها. إن الأزمة التاريخية التي تعيشها أوروبا حالياً، ليست خالية من معاول الحلول، شرط أن تقلل بعض الدول الخائفة على مصير الاتحاد، من اعتباراتها القومية والوطنية، وأن تعترف بأن هذا الاتحاد (رغم المصائب والمصاعب التي يمر بها)، يشكل في النهاية الضامن الوحيد للازدهار الاقتصادي في القارة الأوروبية. ولا شك أن بريطانيا، ستواصل تشكيكها بمستقبل اليورو، وستبقي رأسها في جزيرتها، لكنها لن تنزع جسمها من أوروبا.

قارة الاكتئاب

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")



"الاكتئاب هو عدم القدرة على بناء المستقبل"
رولو ماي عالم وجودي أميركي



كتب: محمد كركوتـــي

رُزق الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بابنة من زوجته الشهيرة الجميلة، وشهد نتائج سياساته ومخططاته التي أدت إلى سقوط معمر القذافي أحد أسوأ الطغاة في العصر الحديث، لكنه لم يبتسم بصورة تتوازى من الحدثين. فقد كان الاكتئاب ضافياً عليه مع كل الأحداث المفرحة. اكتئاب ساركوزي ليس حديثاً، عمره من عمر الأزمة الاقتصادية العالمية، لكنه ازداد عمقاً وكرباً وخوفاً من مجهول معلوم، وبات جزءاً أصيلاً من المشهد الأوروبي العام في نطاق القيادات، وهو كذلك –في الواقع- في محيط الشعوب أيضاً. ويشهد العالم حالياً، نسمات الربيع العربي في قلب أوروبا، بعد أن مرت على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي. والفارق أن الناس في أوروبا لا يُقتلون، وقادتهم لا يَقتلون من أجل البقاء.

في القارة التي رسمت معالم العالم أجمع. ضاعت العناوين المبهجة في زحمة عناوين وحقائق قاتمة، يائسة، محبطة، متشائمة، منذرة، مخيفة. وكلها عناوين مستلهَمة من "نص" الأزمة، ومن "متن" مصائبها، مستخرجة من تاريخ أوروبي يتشكل، لم يرغب الرئيس الفرنسي (وزملائه الأوروبيون، ولاسيما المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل) أن يشهده، أو أن يرتبط به في سجلاته ووثائقه. فبعد تردد دام أشهراً طويلة، يعترف رئيس فرنسا، الدولة التي لا تتنازل تدافع عن "أحقيتها بحضانة" أوروبا، ليقول: "إن خطر تفكك أوروبا لم يكن يوماً كبيراً كما هو اليوم". مهلاً.. هل سرق ساركوزي العنوان-التصريح من زعيم حزب قومي بريطاني أو الماني أو فرنسي أو إيطالي متطرف؟! إنه بلا شك "أب" العناوين كلها. بعد ذلك يتجرأ وزير المالية البولندي جاسيك روستفيسكي ليقول: إن مخاطر الكارثة الاقتصادية التاريخية قد تؤدي -كأزمة انكماش الثلاثينيات من القرن الماضي- إلى الزج بأوروبا، أين؟ في الحرب!!

لنستعرض "عناوين الاكتئاب"، ولا أبلغ إن وصفتها بـ "الخراب"، التي تزخر بها ألسن الاقتصاديين الغربيين (ولاسيما الواقعيين منهم)، وتغطي المساحات الأكبر في واجهات الإعلام. تلك العناوين التي كانت تهمين (في الأشهر السابقة) على الاجتماعات في الغرف المغلقة فقط، لكنها باتت جزءاً من الاجتماعات المفتوحة والمعلنة: ركود جديد. انكماش آت. أزمة أخرى. انزلاق نحو المجهول. اليونان تترنح بديونها. إيطاليا تنتظر دورها. الاقتصادي الأميركي الشهير نورييل روبيني يتوقع خروجاً لهذا البلد من اليورو. البنوك الفرنسية تستسلم. وكالة "ستاندارد اند بورز"، تهدد بتخفيض التصنيف الائتماني الممتاز لفرنسا. الوكالة نفسها تعلن تهديدها لـ 15 دولة من دول منطقة اليورو الـ17 بتخفيض تصنيفها جميعاً. الألمان غاضبون. الدول الدائنة ستصبح مدينة. هل من الأفضل لألمانيا احتلال اليونان؟! ألمانيا ذاتها تنزلق إلى الكساد. اليابان تُعنف الأوروبيين على أزماتهم. أخطر أزمة تواجه منطقة اليورو في تاريخها. اليورو رصاصة قاتلة للاتحاد الأوروبي. وفي الصيف الماضي انطلق هذا العنوان: الخناق يضيق على اليورو، ويُقرب خريف أوروبا. الحكومات الأوروبية تتساقط، انظروا كيف سقط باباندريو في اليونان، وثاباتيرو في إسبانيا، وبرلسكوني في إيطاليا. أوروبا قد تلجأ إلى من؟ إلى صندوق النقد الدولي! منطقة اليورو تبحث عن منقذ، لكن الصين ترد رسمياً بـ "ألا تتوقع هذه القارة أن تستخدم بكين جزءاً من احتياطياتها من القطع الأجنبي البالغة 3,2 تريليون دولار أميركي لإنقاذ القارة". الأميركيون يؤنبون الأوروبيين.. أميركا (نفسها) تتراجع ائتمانياً. الأميركيون يفكرون في احتلال "وول ستريت". الأميركيون احتلوا "وول ستريت" فعلاً. الديون تدق إسفيناً في العلاقات الأميركية الأوروبية. صندوق النقد والبنك الدوليين: العالم في خطر داهم. الأسواق تكتسي اللون الأحمر الناري. أزمة اليورو تفاقم الجوع في إفريقيا.لا جسارة عند السياسيين الغربيين.

قبل الأزمة الاقتصادية العالمية، كانت هذه التحذيرات والعناوين تعتبر مجرد كلمات تهويل غير واقعية، من اقتصاديين وإعلاميين لا يحبون التفاؤل. بل كان هؤلاء متهمون بشن حملات تستهدف عن قصد نشر الإحباط والاكتئاب في الأجواء. الذي حدث أن الأزمة الكبرى وقعت وأوقعت معها العالم. وبعد الأزمة، اختفت أصوات من تبقى من المتفائلين، لينضم السياسيون إلى الواقعيين. فكل عنوان يحمل حقيقة كارثة تحتضن برهانها، ويضع خطاً في لوحة تحتوي معالم مستقبل اقتصادي عالمي، ستكون "لوحة الأزمة" (بالمقارنة) أكثر إشراقاً. إن العناوين لن تتوقف عن الانطلاق في كل الأرجاء، ومن المرجح (والبعض يقول من المؤكد) أن تكون العناوين المقبلة بمضامين أشد رعباً وشؤماً، مثل: الإعلان رسمياً عن إفلاس اليونان، وخروج إيطاليا من اليورو، وألمانيا عاجزة عن مواصلة إنقاذ الدول الغارقة بالديون، والمنقذون يبحثون عن منقذين لهم، والبنك المركزي الأوروبي يدرس طرد بعض الدول من منطقة اليورو، ودعوات لتفكيك منطقة اليورو، ورصاص اقتصادي يدمر منطقة اليورو، وأثنين وثلاثاء وأربعاء وخميس وجمعة سوداء في الأسواق العالمية، ومرحى للأزمة السابقة، وتعاظم فواتير الأزمات الغربية التي تدفعها الدول النامية، وربما سيبرز عنواناً هو: الشعوب الأوروبية تحتل بورصات بلدانها كلها، والعالم يبحث عن حلول لأزمتين تاريخيتين مفجعتين في آن معاً.

ستكون عناوين صادمة، لعالَم اقتصادي مشوه، من المستحيل تجميله.

الثلاثاء، 6 ديسمبر 2011

وجدانيات اقتصادية سورية لضرب العقوبات!

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")





"الذي يشعر بأن العالم أجمع يغشه.. هو على حق، لأنه يفتقد الشعور الرائع بالثقة في أي إنسان أو أي شيء"
إيريك هوفير كاتب وأديب أميركي

 
 
كتب: محمد كركوتـــــي
 
يوم أن أعلنت جامعة الدول العربية عقوبات اقتصادية ضد بشار الأسد وأعوانه، جمعني برنامج تلفزيوني في محطة (سي إن بي سي عربية)، مع محمد الشعار وزير اقتصاد الأسد الذي لم يستطع أن يخفي رعبه من هذه العقوبات، لاسيما وأنه قبل يومين فقط أعلن في نفس المحطة "استحالة أن يقوم العرب بفرض عقوبات". الوزير المصدوم والمرتبك والبائس، لم يتحدث عن هذه العقوبات من زاوية الاقتصاد، بقدر إطلاقه لجُملٍ تحاكي عواطف العرب، مما دفعني إلى القول –في البرنامج نفسه- بأنه تناول قضية مهمة ومصيرية بالنسبة للسلطة، بـ "وجدانيات اقتصادية". وحتى وجدانياته هذه، لم تكن متطورة، فقد كرر ما يعرفه كل العالم وليس العرب فقط، بأن ما يربط سورية بأشقائها العرب، اللغة والمصير والجغرافية والدين.. إلى آخر تلك الروابط المعلومة لطفل في فصله الأول. ولكن ما دخل هذا كله، في عقوبات عربية على نظام يستحق "كأس العالم" في استحواذه على المُهل والفرص العربية والعالمية، من أجل وقف عمليات القتل والسحل والاعتقال والتعذيب والتهجير، ضد شعب أعزل أراد حرية؟!

وإذا كانت الحرية مكفولة لأي إنسان في أن يستغرب العقوبات كلها (أو ما شاء منها)، على سلطة تقتل شعبها، فإن حق الاستغراب مرفوع عن أركان هذه السلطة. وتكفي الإشارة، إلى أن العرب الذين اتُمهوا –ولا يزالون- من قبل الأسد وأعوانه، بأنهم ينفذون أجندات خارجية، تركوا ضمن بنود عقوباتهم منفذاً جديداً آخراً لهذه السلطة، بأقل التكاليف الممكنة لها. وللتذكير، قالوا للأسد: اسمح بدخول لجنة تقصي الحقائق إلى سورية، نوقف العقوبات التي لم نطبقها بعد. ولأن الجرائم التي يرتكبها الأسد فظيعة بحق شعب أعزل، فقد وجد وأعوانه أن العقوبات العربية (مهما كانت ضاربة) تبقى أهون من كشف الحقائق، ويظل منع سفر أي ركن من أركان السلطة، أقل وطأة من اكتشاف مقبرة جماعية، أو من إحصاء عدد المعتقلين، أو من الاطلاع على الأعمال المريعة لقطاع الطرق الموظفين لدى هذه السلطة، أو من معرفة مصير مئات (وربما آلاف) المفقودين، أو من توثيق استخدام الطائرات المقاتلة والمدفعية والسفن الحربية ضد المدنيين، أو معاينة تدمير المآذن وتخريب المساجد ودور العبادة.

وبعيداً عن وجدانيات وزير الاقتصاد (لا وزير الثقافة)، وبعيداً أيضاً عن المُهل والفرص والمنافذ والمخارج والأبواب والنوافذ، التي وفرها العرب للأسد وأعوانه، في نطاق حرص عربي لحل الكارثة السورية عربياً، يبقى السؤال الدائم المُحق، وهو: إلى أي مدى ستنال العقوبات العربية من السوريين؟ وكان هذا سؤال محوري في الحلقة التلفزيونية التي شاركت فيها. لم يشهد التاريخ سقوط نظام -بصرف النظر عن وحشيته- بفعل عقوبات اقتصادية فُرضت عليه، ومهما كانت العقوبات "ذكية"، لن تستمر في "ذكائها" إذا ما طال أمدها، يضاف إلى ذلك، أن "براعة" العقوبات تكمن في اختيار مُحْكم لأهدافها، فضلاً عن توفر معلومات عالية الجودة، عن الجهات والشخصيات المستهدفة. وقبل هذا وذاك، براعة التنفيذ، وهي المرحلة الأصعب في كل الأحوال. وفي العقدين الماضيين، وجدنا كيف أن أنظمة وحشية نهبت بلادها وقتلت ما أمكن لها من شعبها، كنظام تشارلز تيلور في ليبيريا، وروبرت موغابي في زيمبابوي وغيرهما، لم تسقط من جراء العقوبات، بل أن هذا الأخير لا يزال يحكم بلاده بأفظع طريقة ممكنة. وبالتأكيد لا أحد ينسى العقوبات التي فُرضت على العراق في عهد صدام حسين، كيف نالت من كل العراقيين، إلا هو وأعوانه.

ومهما بلغ "ذكاء" العقوبات، لا بد من وجود ذراع سياسية ودبلوماسية قوية تدعمها، وفي الحالة السورية، ربما استوجب الأمر في مرحلة لاحقة ذراعاً ميدانية، تكفل للمدنيين العزل الحماية. إن العقوبات العربية على الأسد وأعوانه، ستكون مؤثرة عليه في المرحلة القصيرة فقط، خصوصاً فيما يرتبط بتجفيف ما أمكن من الموارد المالية التي يحتاجها في حربه ضد شعبه. لكن لو طالت المدة (مع استمرار بقاء السلطة في الحكم)، ستشكل هذه العقوبات عبئاً لا يستطيع السوريون تحمله، فهم أصلاً يمرون بظروف معيشية مريعة، ليس في موسم أو موسمين أو أكثر، بل في أربعة عقود. وكما الأسد الأب في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، كذلك الأسد الابن، سيستخدم هذه العقوبات ضد شعبه. فالذي يقتل الأطفال، لا تهمه معاناة شعبه من شح وقود التدفئة. وفي مقال سابق لي، ذكرت أن الأسد لن يتردد في أخذ شعبه "رهينة اقتصادية"، فهو يعتقد بأنه امتلكه بصك وراثة، وهو يؤمن بأنه امتلك جمهورية وأخذ معها الشعب هدية.

ليس أمام العرب سوى الاختيار الدقيق والناجع للأهداف الاقتصادية، وفي الوقت نفسه الوقوف المباشر إلى جانب الشعب السوري، ولا يوجد المزيد من الوقت، إذا ما أرادوا أن يقدموا نموذجاً ناجحاً واحداً، من خلال جامعتهم. فوجدانيات وزير اقتصاد الأسد صحيحة، لكن الروابط التي تحدث عنها، لا تستقيم مع سلطة لا شرعية. إنها في الواقع روابط لا دخل للحكومات والسلطات بها.

الاثنين، 28 نوفمبر 2011

قارئة فنجان لليرة السورية!

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")

"غالبية الناس عنيدون في متابعة مسيراتهم التي اختاروها في الحياة، لكن القليلين منهم يحققون الأهداف في هذه المسيرات"
فريدريك نيتشه فيلسوف ألماني



كتب: محمد كركوتــــي

سيطبع بشار الأسد الأوراق النقدية السورية في روسيا. هكذا قال حاكم مصرفه المركزي، الذي لا يزال مُصراً على أن سورية محسودة و "العين تضربها"! دون أن يحدد الحاسدين، والمواقع التي أُصيبت بها البلاد "بعيون الحساد"، بينما لم يُعلن عن هوية "شيخ الطريقة الاقتصادي"، الذي ستلجأ له سورية لفك الحسد. ولا أعرف إن كان الدعاء بـ "الخمسة وخميسة" لا يزال يفقأ عيون الحاسدين! في الوقت نفسه، يقول وزير اقتصاد الأسد إن سورية تمر بأسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها. لن أتحدث هنا عن الاكتفاء الذاتي الذي روج له الوزير، كحل أمثل للوقوف في وجه العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على الأسد وأسرته وأعوانه. فحتى الولايات المتحدة الأميركية بقوتها الاقتصادية الكبرى، تجد صعوبة شديدة في الحديث عن اكتفاء ذاتي محلي، فكيف الحال، باقتصاد سوري انتقل على مدى أربعة عقود من الحالة الوطنية إلى الوضعية الأسرية الخالصة، أو شبه الخالصة؟! فقد كان على وزير الاقتصاد، أن يستعرض حالة واحدة في التاريخ مشابهة للحالة السورية، نجحت عن طريق الاكتفاء الذاتي، في مواجهات عقوبات اقتصادية متصاعدة. وهو يرى –وأنقل بالحرف عنه-: "ضرورة الاهتمام بالزراعة والغذاء، اللذين عانيا من الاهمال خلال السنوات الاخيرة".. ولكن مهلاً، من كان وزيراً للزراعة في هذه السنوات؟ الجواب يا وزير هو، رئيس الوزراء الحالي! أي أن الخراب الزراعي كان ثانوياً، ليصبح الآن رئيسياً.

أعود إلى الليرة السورية التي ستطبع في روسيا. بما أن خبراء الأسد الاقتصاديين يتحدثون عن الحسد، فأقترح عليهم "قارئة فنجان" قهوة سورية (لا تركية بالطبع في هذا الوقت بالذات) لمستقبل الليرة، التي اعتادت المهانة الاقتصادية و"التشبيحية" طوال عقود. وأزعم أنها (أي القارئة) ستقول: أمامكِ طريق قصير جداً، سيزداد عددكِ، وستقل قيمتك فيه. ستكونين جديدة بلا ثمن، منتشرة بلا قبول، ولا أرى حجاباً في هذه الدنيا، يقلل من عددك ويرفع من قيمتك. وإذا كانت هذه القارئة شجاعة بما يكفي، فإنها ستقول: إنكِ بلا ثمن، تماماً كما هي دماء السوريين العزل عند سلطة لا شرعية.

يروج الأسد وأعوانه، أنهم هم الذين يختارون المكان الذي تُطبع فيه أوراق النقد السورية، في إشارة إلى حظر المطابع التقليدية الأوروبية طباعة هذه العملة (وبشكل خاص المطابع النمساوية) في إطار العقوبات الأوروبية ضده. والحقيقة أن هذا ليس صحيحاً، خصوصاً عندما يتعلق الأمر ببلد كسورية لا أحد يثق بتركيبته الاقتصادية، حتى القائمين عليها. فالمعايير الفنية (المرتبطة بالتصميم لا بقواعد الأمان) في طباعة الأوراق النقدية، هي بالتأكيد من حق أصحاب هذه الأوراق، مع الإشارة هنا، إلى أن واحدة من أسوأ التصميمات السورية هي ورقة الألف ليرة التي تحمل صورة الأسد الأب. وربما كان هذا فأل نحس على هذه الورقة. وإذا كان الأمر متعلق بأوراق نقدية لحساب بلد يعج بالسرقات والنهب، وامتلاك أفراد للبنك المركزي "الوطني" فيه، فلا تعود حرية انتقاء المطابع خياراً. هناك استحقاقات رقابية لن توفرها دولة منحازة لسلطة غير شرعية (كروسيا)، التي هي نفسها تحوم حول اقتصادها الكثير من الشبهات. فكيف يمكن أن يقبل العالم بأوراق نقدية، لا توجد جهة ذات مصداقية يمكنها أن تحدد أعدادها؟! ولا تستطيع في الوقت نفسه، أن تقدم سنداً (أو تغطية أو رصيداً) واقعياً لهذه الأوراق!

والحقيقة أن خبراء الأسد من الاقتصاديين (كما خبرائه لشؤون القتل والسحل والتعذيب والاعتقال والتهجير والتشريد)، يسقطون في مطب ليقعون في آخر على التوالي، وهذا أمر يبرز مرة أخرى مدى اليأس الذي يعيشونه، ومعه التخبط الاقتصادي المريع، والرعب من انطلاق عصيان مدني لن يكون بعيداً. فقد وجدوا، أن طباعة الأوراق النقدية محلياً بلا رصيد، دفعت المؤسسات الأجنبية على الفور لرفض التعامل بهذه الأوراق، خصوصاً تلك من فئتي الـ 500 والألف ليرة. فلم تُملئ رائحة الحبر الجديد والألوان الزاهية والتصاميم المبتكرة، فراغ القيمة. وما كان ينفع في ثمانينات القرن الماضي، لم يعد يصلح في زمن التحولات التاريخية الراهنة. وفي الوقت الذي ينظر فيه العالم (الآسف على قتل المدنيين العزل في سورية على مدار الساعة)، بعين الاستهجان والامتعاض مصحوبة بمشاعر الغضب من موقف روسيا الداعم بصورة مباشرة لعمليات القتل هذه، يتوجه الأسد إلى هذا البلد لطبع أوراقه النقدية باسم سورية.

إن قيمة ما سيُطبع من أوراق نقدية سورية في روسيا، لن تكون أعلى من قيمة تلك التي طبعها الأسد الابن، في أعقاب انطلاق الثورة الشعبية السلمية العارمة. ستكون مجرد أوراق، ستسرِع عمليات التداول بها بالوزن، لا بالعدد، إذا ما طال بقاء سلطة، ربما تطبع في مرحلة لاحقة، أوراقاً نقدية تستبدل اسم الجمهورية العربية السورية فيها، باسم جمهورية الأسد وشركاه، ولا بأس من أوراق بفئات دنيا، تحمل اسم جمهوريته العائلية وأعوانه.

الأربعاء، 23 نوفمبر 2011

وفد المبادرة الوطنية السورية يلتقي بنبيل العربي


القاهرة:

التقى الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد نبيل العربي مع وفد من (( المبادرة الوطنية لتوحيد المعارضة السورية )) . وقدّم الوفد من خلال اللقاء نسخة من المبادرة التي أُعلنت في القاهرة بتاريخ 20-11-2011 .
وأكد الوفد على ضرورة توحيد جميع أطياف المعارضة السورية ، وأشار إلى جهود الجامعة العربية لحل الأزمة في سوريا طالبين تفعيل هذا الدور .
وأوضح وفد المبادرة الوطنية لتوحيد المعارضة السورية جهود المبادرة المبذولة في اطار توحيد المعارضة أنه لايحق لأي طيف من الأطياف الادعاء بتمثيل الشارع السوري أو الثورة السورية لوحده . ولفت الوفد إلى أنه لاعودة عن قرارات الجامعة العربية ، وأن الأمانة الملقاة على عاتق الجامعة والمعارضة على حد سواء كبيرة جدا .
وطلب وفد المبادرة الوطنية من الأمين العام دورا فاعلا للجامعة العربية بحيث يكون أكبر من دور الرعاية نحو الإشراف والمساعدة باتجاه تجميع المعارضة السورية.
وتباحث الجانبان دعوة الجامعة العربية لمؤتمر توحيد المعارضة ، وامكانية تشكيل لجنة تحضيرية لهذا المؤتمر تضم كافة أطياف المعارضة .ونبّه وفد المبادرة الى أن النظام السوري لا يرى في مبادرات الجامعة العربية إلا مزيدا من الوقت للقتل والتنكيل .وحضّ على وجوب ارسال لجنة اغاثة فورية للشعب السوري المنكوب .
وشدد الأمين العام للجامعة العربية على أن الجامعة سترسل بعثة المراقبين العرب إلى المناطق الساخنة لكن الوفد نبّه أن السلطات السورية تقوم بتغيير معالم المناطق التي قام النظام بقصفها ، وطالب الأمين العام للجامعة من أعضاء الوفد التواصل لاعطاء الجامعة خريطة تجمع المناطق الساخنة التي ستزورها بعثة المراقبين العربية واطلاعه على التطورات في الملف السوري.
وضمّ الوفد مجموعة من المشاركين بالمبادرة وهم:
1- صلاح بدر الدين
2- نوفل معروف الدواليبي
3- وحيد صقر
4- بهية مارديني
5- ضياء دغمش
6- حازم العرعور
7- د.عمار قربي

القاهرة في 23-11-2011

الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

أسهل وسيلة عربية لخنق الأسد اقتصادياً

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")








"لكي نوقف القتل الأعمى الذي يقوم به نظام الأسد في سورية، سوف نواصل فرض المزيد من العقوبات على هذا النظام"
وليم هيج وزير خارجية بريطانيا

 
 
كتب: محمد كركوتــــي
 
ما أسرع وأسهل طريقة لبدء فرض عقوبات اقتصادية عربية على بشار الأسد وأسرته وأعوانه، في سياق تصاعد حدة الموقف العربي سياسياً وإجرائياً؟ الجواب جاهز لدى أي مراقب أو متابع، بل وأي فرد لا يعرف "فنيات" العقوبات، وهو تجميد أرصدة الأسد وأركان سلطته من السوريين، وأعوانه من غير السوريين. والأمر ببساطة يحتاج إلى كشف المصارف العربية، ما تخزنه من هذه الأموال المنهوبة، وجهود استخباراتية للكشف عن الأرصدة المالية التي خُبئت في حسابات وهمية، أو حسابات بأسماء أشخاص لا تمت بصلة ظاهرية للزمرة المستهدفة. وليس صعباً في هذه الأيام، أن تصل إلى هذه الحسابات، مع ظهور أدوات كشفٍ جديدة على الساحتين العربية والعالمية، لم تفرزها في الواقع (مع الأسف) ضرورات الكشف عن الأموال المنهوبة، بل أوجدتها القوانين والمعايير التي فرضتها الأزمة الاقتصادية العالمية. بمعنى آخر، لو لا هذه الأزمة، لبقيت الأدوات المشار إليها صدأة بلا جدوى.

وتجميد أرصدة سلطة تشن حرب إبادة ضد شعبها الأعزل، لا يحقق فقط الهدف الأول الآني، وهو قطع بعض الإمدادات المالية عن هذه السلطة، التي تستخدمها منذ تسعة أشهر لتمويل هذه الحرب، بل يوفر الأرضية المثلى (على الساحة العربية)، لإعادة هذه الأموال إلى شعب نُهبت منه على مدى أكثر من أربعة عقود، لتدخل (بعد الزوال الحتمي للأسد وأسرته وأعوانه)، في المهمة الكبرى، وهي بناء اقتصاد وطني حر نزيه، بعد عقود تحول فيها الاقتصاد السوري من وطني إلى أُسري، عن طريق اقتصادات "مبتكرة" فردية لم تحدث في التاريخ، وهي على التوالي: اقتصاد التفقير، واقتصاد الفقر وما دونه، واقتصاد "التشبيح". وعلى هذا الأساس، فقرار تجميد أرصدة الأسد، ليس لقهره وقهر سلطته اللاشرعية، وتجفيف منابعه المالية فحسب، بل للقيام بواجب إعادة حق مسلوب لشعب لم يتبقى له ما يملك.. إلا كرامته.

بات واضحاً، أن جزءاً كبيراً من أموال الأسد وزمرته، تحرك في الأشهر الماضية بين الدول، هرباً من موجات العقوبات الاقتصادية التي أطلقتها الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، وعدد من الدول المؤثرة على الساحة الدولية، وصب قسم منها في بعض الدول العربية، وفي مقدمتها لبنان. والحقيقة أن هذه الأموال تحركـت، حتى قبل اندلاع الثورة الشعبية السلمية العارمة في سورية، باتجاه بلدان بعينها، هرباً من الملاحقات الأميركية (تحديداً) للأموال السورية المنهوبة. ومع معرفتي (ومعرفة الجميع طبعاً) بوجود حكومة "سورية إيرانية" في لبنان، إلا أن الدول العربية المؤثرة، وبالتعاون مع الدول الكبرى، تستطيع أن تعري أكاذيب المسؤولين المصرفيين اللبنانيين، بأنه لا توجد أموال سورية مهربة فيها، ويمكنها بعد ذلك (بالتأكيد)، أن تجبر هذه الحكومة المستقلة عن بلادها، على تجميد أرصدة الأسد وأعوانه. ولعل من المفيد الإشارة، إلى أن ما بين 20 و23 مليار دولار أميركي، هُرِبت من سورية إلى لبنان في الأشهر الأربعة الأولى للثورة الشعبية السلمية في البلاد.

أما فيما يتعلق بالدول العربية، التي تبذل حالياً جهوداً مضنية، للوصول إلى مجموعة من العقوبات تفرضها على الأسد، دون أن تطال الشعب السوري الذي يعيش ظروفاً معيشية مريعة، حتى قبل ثورته، فإن قوائم الأشخاص الذين يستحقون تجميد أرصدتهم جاهزة، وقد وردت بصور متتالية في العقوبات المتلاحقة الأميركية والأوروبية. أي أن الأمر لا يحتاج لمزيد من الوقت والجهود الاستخباراتية، لتحديد الأسماء الناهبة لثروات ومقدرات السوريين. وبعد ذلك، تستطيع الدول العربية بمجلس "جامعتها" الاقتصادي والاجتماعي، مدعوماً بالمجلس الوزاري "لـلجامعة"، أن تتفرغ لوضع قائمة عقوبات اقتصادية "ذكية" على السلطة في سورية، مستفيدة أيضاً من بحوث واستنتاجات الأميركيين والأوروبيين بهذا الصدد، الذين استفادوا وتعلموا في الواقع، من فوضى العقوبات التي فرضوها على العراق في عهد صدام حسين.. تلك العقوبات التي نالت من الشعب العراقي، دون أن تنال من المُستهدَف نفسه. بمعنى آخر، أن عقوبات اليوم، لم تعد كعقوبات الأمس. فهي خاصة محددة وقاصمة لمعذبي الشعوب، لا للمعذَبين.

ورغم "ذكاء" العقوبات الجديدة و"تهديفها" المصوب، فإنها تفقد "ذكائها" وهدفها نهائياً إذا ما طال أمد بقاء السلطة (أو النظام) المُستهدَف. فالصرامة الاقتصادية لن تحقق غاياتها، إلا بصرامة سياسية أقوى.. وفي بعض الحالات، إلا بصرامة ميدانية.

مرة أخرى، ليس أسهل وأسرع على العرب حالياً، سوى إطلاق حملة تجميد أرصدة الأسد وأعوانه وأسرته، وهم (أي العرب) يملكون غطاءً أخلاقياً لا أحد يستطيع الدخول في جدل حوله. لينظروا إلى الثروات السورية المنهوبة على مدى أكثر من أربعين عاماً، ليراجعوا كيف أمكن لشخص واحد في سورية (رامي مخلوف ابن خال الأسد الابن) السيطرة على ما بين 60 و65 في المائة من اقتصاد البلاد، ليستعرضوا كيف سرق رفعت الأسد (شقيق الأسد الأب)، كل موجودات المصرف المركزي، ووضع مكانها أوراقاً نقدية سورية بدون سند أو رصيد.. ليتذكروا المساعدات التي قدموها للأسد الأب والابن، ولم يشهدوا آثارها على الأرض.

الأحد، 20 نوفمبر 2011

المبادرة الوطنية لتوحيد المعارضة السورية










انطلاقا من احساسنا بالمسؤولية تجاه اخوتنا وألنا والثوار في داخل سورية وخارجها ، ووفاء لدماء شهداءنا ، ولايماننا العميق بان توحيد الجهود والعمل المشترك هو من أهم الاسباب التي تسرع في اسقاط النظام الغاشم المجرم ، وفي ظل عدم وجود رؤية مشتركة موحدة تعبر عن مطالب الشعب وغياب جسم معارض موحد يحظى بثقة السوريين والمجتمع الدولي كبديل مرحلي حقيقي ينتزع اعتراف المجتمع الدولي ويعتمد كمفاوض وسفير حقيقي للثورة والشعب.


فقد عقدنا العزم على أن نطرح مبادرتنا الرامية للتخاطب مع كافة مكونات وقوى المعارضة السورية بهدف الوصول إلى صيغة مشتركة تقرّب جميع وجهات النظر وترأب أي صدع موجود منطلقين من إيماننا بوطنية غالبية القوى العاملة واهدافها ، مستمدين الشرعية الوطنية من شعبنا وثوارنا الصامدين وشعاراتهم وأهدافهم ومن دماء الشهداء ,وسنبقى دعاة الوحدة والتفاهم مع جميع الأطراف وكل من يعمل من أجل اسقاط النظام وفق الأهداف والمهام التالية :

الأهداف والمهام :

1- إسقاط النظام بكامل أركانه وعلى رأسه بشار الاسد.

2- مطالبة المجتمع الدولي بحماية المدنيين.

3- ايجاد منطقة آمنة او أكثر مع حظر جوي فوق السماء السورية.

4- المطالبة بتفعيل سحب الشرعية الدولية عن النظام وعزلـه.

5- إحالة الملف السوري فيما يخص انتهاكات حقوق الإنسان الى مجلس الأمن ومحكمة الجنايات الدولية.

6- دعم الجيش السوري الحر والمنشقين ودعوة الجيش للانشقاق.

7- دعوة كوادر الدولة للانحياز لقضية شعبها المنادي بالحرية.

8- مطالبة الجهات الدولية بالحجز على كافة الحسابات والاموال التي تعود للنظام وكافة أركانه.

9- التعاون مع هيئات الاغاثة الدولية لرعاية أسر الشهداء والمفقودين والمهجرين والمعتقلين.

10- الضغط من أجل اطلاق سراح جميع المعتقلين.

11- العمل مع كافة المنظمات والجهات العربية والدولية بمافيها جامعة الدول العربية في كل مايخدم قضية شعبنا ويسرع في اسقاط النظام.

الــرؤيــا :

بناء دولة سورية الحديثة قائمة على أسس الديموقراطية والعدالة الاجتماعية والتعددية والتوافق بين مكوناتها الوطنية بعد تفكيك نظام الاستبداد الشمولي العائلي. واعادة هيكلة جميع مؤسسات الدولة بما يكفل تحقيق المبادئ التالية :

1. سورية دولة مدنية ديموقراطية تعتمد النظام البرلماني والتداول السلمي للسلطة والفصل بين السلطات الثلاثة .

2. سورية الجديدة وطن لكل السوريين بكامل مكوناتهم العرقية والدينية والسياسية مع الغاء مصطلح الاقليات من القاموس السياسي السوري.

3. الالتزام بكافة المعاهدات والعقود والاتفاقيات الدولية ، والتصديق على كافة المواثيق المتعلقة بحقوق الانسان.

4. إقامة علاقات دولية مبنية على المصالح الوطنية.

5. الدعوة إلى تشكيل لجنة من الخبراء والمختصين تقوم باعداد مسودة دستور جديد يعرض على الاستفتاء العام .

6. تشكيل لجنة الانصاف والمصالحة في إطار برنامج العدالة الانتقالية لرد الحقوق والمظالم الى أهلها ونشر ثقافة التسامح في المجتمع.

7. العمل على إيجاد حل عادل وشامل لكافة القضايا بشكل عام والقضية الكوردية بشكل خاص يضمن رفع الاضطهاد عن كاهل الكورد وغيرهم من القوميات والمكونات السورية الاخرى والاستجابة لحقوقهم القومية ضمن سورية الواحدة وضمان ذلك في بنود مشروع الدستور.

يؤكد المجتمعون رغبتهم الأكيدة في توحيد الجهود الوطنية والعمل المشترك مع كافة مكونات المعارضة السورية وعليه تم تشكيل لجنة اتصال مع جميع هذه القوى للوصول لرؤية مشتركة وجسم موحد يخدم القضية الوطنية وسنوافى شعبنا بنتائج هذه الاتصالات خلال اسبوع من الان علما ان اعضاء اللجنة هم:

أعضاء اللجنة:

الدكتور/ صادق جلال العظم ، الدكتور عبدالرزاق عيد ، نوفل الدواليبي ، صلاح بدر الدين ، وحيد صقر ، بسام جعارة ، مشل الطحان، الدكتور/ عمار القربي ، بسام انطوان بيطار ، حازم العرعور، ضياء الدين دغمش ، الدكتور/ رضوان باديني ، السيدة/ خولة يوسف ، الدكتور/ عمرو العظم ، محمد كركوتي ، شادي الخش، الأمير/ جمال الشايش، صلاح الدين بلال ، السيدة/ ايمان شاكر، سيد السباعي ، وسيم الابازيد، فهد النجرس ، ماهر اسبر، أمير الدندل ، لما التلاج ،ممدوح راكان الطحان.

القاهرة : السبت 20-11-2011



الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

المساعدات المالية المنهوبة في سورية

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")








"سنكون غير أخلاقيين لو سمحنا لهذا المصاص أن يحتفظ بالأموال التي سرقها"
ونستون تشرتشل رئيس وزراء بريطانيا الراحل

 
 
 
كتب: محمد كركوتــــي
 
في منتصف تسعينات القرن الماضي جمعتني جلسة خاصة في لندن، مع حاكم عربي راحل كان ساخطاً بصورة عبرت عن مكنونات الغيظ والغضب بداخله حيال حافظ الأسد (الأول والأخير). ومن فرط غضبه وامتعاضه، خرج (وربما لأول مرة في حياته)، عن تحفظه النادر في الهجوم على أي حاكم عربي، حتى ولو كان في جلسات خاصة ومحدودة جداً. كان يؤمن بأن انتقاداً بسيطاً لحاكم عربي ما، لن يولد سوى أزمة (وربما أزمات) في بيئة سياسية عربية، تعج بكل "معاول" ومحفزات صناعة الأزمات. وبتعبير شعبي "نحنا مش ناقصين".

أما لماذا كان هذا الحاكم ساخطاً وغاضباً وممتعضاً من الأسد الأب؟ فلأن هذا الأخير رفض وهاجم (بعد أن انتقد) خطة وضعها الحاكم العربي، لتحويل المساعدات المالية المباشرة التي كانت تقدمها بلاده لسورية، إلى مشاريع تنموية يشرف عليها مختصون من الدولة المانحة، وذلك بعد أن تأكد له ولدوائره المختصة على مدى سنوات، أن هذه المساعدات لا تنتهي في محطاتها الطبيعية، بل تستقر في خزائن الأسد وأسرته، ولا بأس من الأعوان الذين يقدمون الخدمات الأهم له، وهي تلك التي تحصن وتحمي سلطته غير الشرعية. وعلى الفور قرر هذا الحاكم العربي الغاضب، أن يحتج على الأسد الأب (الذي بهجومه على خطة المساعدات الجديدة، عزز المعلومات بأنها تُسرق)، بأن اختصر أيام زيارته الرسمية لسورية، بحجج دبلوماسية عرف الجميع أنها وهمية.

والحقيقة، أن الدولة العربية المانحة هذه، عممت في منتصف العقد التاسع من القرن الماضي، تحولها الجديد على غالبية البلدان التي تتلقى منها المساعدات، بغية أن تصل هذه المساعدات فعلاً إلى مستحقيها. إلا أنها وجدت صعوبات لا حدود لها مع حافظ الأسد من بعده ابنه بشار. فالأب (ومنذ مطلع سبعينات القرن الماضي) تعاطى مع سورية، كمتصرفية عائلية خاصة، "تصادف" أن يكون فيها شعب، فمَلَك نفسه هذا الشعب، وتخلص في الوقت نفسه من غير المرغوب فيهم. وعندما مات الأب، وجد بشار الأسد (الوريث غير الشرعي لأي شيء في سورية)، نفسه مالكاً لجمهورية ومعها الشعب هدية. وعلى هذا الأساس، استهجن الأسد الأب واستشاط غضباً، أن تكون المساعدات المالية، عبارة عن مشاريع تنموية يشرف عليها مانحوها على المديين المتوسط والبعيد.

تتشابه المساعدات المالية التي تلقاها الأسد الأب والابن، بعوائد النفط السوري المنهوب على أيديهما، مع فارق وحيد، هو أن الشعب السوري كان يستفيد من نسبة ضئيلة جداً من المساعدات، لا أحد يستطيع أن يحددها، بينما لا ينتفع فرد سوري واحد من عوائد بلاده النفطية. وهذه النسبة، ليست سوى وسيلة تمويه للمساعدة على سرقة المساعدات. فعلى مدى أربعة عقود تلقت سورية مساعدات مالية عربية لوحدها تبلغ 30 مليار دولار أميركي، أي ما يوازي 750 مليون دولار في العام الواحد، أو ما يساوي 3 مليون دولار يومياً، وذلك طبقاً للبنك الدولي، الذي أورد في تقرير له أن سورية ومصر انفردتا لوحديهما، بـ 47 في المائة من المساعدات العربية للدول العربية، التي بلغ مجموعها 136 مليار دولار. ورغم تردي أسعار النفط في الأسواق العالمية في فترة ثمانينات القرن الماضي وتسعينياته، إلا أن وتيرة المساعدات العربية لسورية لم تتراجع كثيراً، على اعتبار أنها دولة مواجهة، رغم أنها لو تواجه أحداً منذ حرب 1973 إلا شعبها. ولأن الأسرار لا تبقى عادة في مخابئها، فقد أظهرت وثائق روسية، أن التعاون العسكري بين حافظ الأسد والاتحاد السوفييتي السابق، وفر للأسد أكثر من 12 مليار دولار أميركي من قيمة المعدات العسكرية، وهو بذلك حصل على مساعدات للمجهود الحربي، من السوفييت والعرب، في حين لم تصل تكاليف تسلح الجيش السوري (الذي يقتل السوريين العزل حالياً) إلى أكثر من 15 وفي أفضل الأحوال إلى 18 مليار دولار، وفق التقديرات المحايدة! يضاف إلى ذلك، أن نسبة المساعدات الخارجية الكُلية لسورية بلغت في عقدي الثمانينات والتسعينات أكثر من 60 في المائة من الإيرادات!

في سورية تُعتبر المساعدات العربية تحديداً (كما النفط السوري) من أسرار أمن الأسد وأسرته، فقد فشلت كل الجهات الرقابية العربية والدولية، في تحديد الآثار التنموية لهذه المساعدات على الساحة السورية، وظلت التنمية ما دون الحد الأدنى، مقارنة مع أي دولة تتشابه اقتصادياً مع سورية، فمعدلات الفقر ارتفعت ومعها البطالة، وانتقلت الشرائح المتعددة في المجتمع السوري من حالة دنيا إلى وضعية أدنى، بفعل اقتصاد مريع يستحق بجدارة توصيف "اقتصاد الهلاك"، الذي مر بمراحله المريعة "التفقير، والفقر وما دونه، والتشبيح". ولا توجد مساعدات مالية، مهما علت قيمتها، يمكن أن تصمد أمام هذه الأنواع من الاقتصادات المبتكرة. فلا غرابة إذن.. ألا تظهر آثار 30 مليار دولار في سورية. المحاولات التي قامت بها الدول العربية المانحة، من أجل أن تصل أموالها إلى مستحقيها السوريين، ولتنمية اقتصاد متهالك ومشوه، اصطدمت بممانعة الأسد الأب والابن. فنجاح المحاولات العربية، يعني بالضرورة "قطع الدم" عن واحد من الأوردة المالية التي تعيش السلطة بها.

الثلاثاء، 8 نوفمبر 2011

في سورية «مُندس» اقتصادي

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")




''الأفضل أن تبقى صامتا وتعطي الانطباع أنك أحمق، على أن تتحدث وتزيل الشكوك حول حمقك''
مارك توين كاتب وأديب أمريكي



كتب: محمد كركوتــــي
 
لأول مرة منذ حافظ الأسد (الأول والأخير)، إلى بشار الأسد (الأول والأخير أيضا)، يُعلَن رسميا في سورية عن طبيعة وحجم الموارد العامة، رغم كل الشكوك حول الأرقام. فعلى مدى أكثر من أربعة عقود، كانت هذه الموارد تدخل (دون إعلان ذلك بالطبع) ضمن نطاق الأمن القومي، ولكنها في الحقيقة، تصب في إطار أمن السلطة في البلاد، التي مزجت بين أمنها الخاص وأمن الوطن، ووحَّدت حالة الدولة فيها وليس العكس. هذه السلطة (كما الحكومات المارقة التي اندثرت في هذا العالم) تخفي ثروة البلاد، ليس خوفا من الحسد، ولكن حفاظا على إمدادات مالية سرية منهوبة، تكفل لها الاستمرار في الحكم أطول فترة ممكنة، وتوفر لها أرضية صلبة لتوريث السلطة من الأب إلى الابن إلى الحفيد.. وإلى حفيد الحفيد! وكلنا يعرف، أن السارق لدولار واحد أو السارق لمليارات الدولارات، لا يتركان قائمة بمسروقاتهما. وكنت قد أشرت في مقال سابق لي، إلى أن السارق المحترف، يكمل سرقته، بنهب ما أمكن له من الدفاتر التي تحتوي على الموجودات المسروقة، كجزء من عملية تضليل تستهدف أولئك الذين يوجهون الأسئلة، عن مصير الموجودات.

ولهذا السبب وضع الأسدان الأب والابن، استراتيجية يمكن أن نطلق عليها توصيف ''استراتيجية الصمت الاقتصادي''، وهي تقوم على إعلان الإنفاق العام في الموازنات السنوية، مع ''الإعلان'' عن ناتج وطني وهمي بلا دفاتر ولا سجلات، وبلا اقتصاديين سوريين يتحدثون عنه، وبلا نواب للشعب (إن وجدوا أصلا بصورة شرعية) يوجهون الأسئلة حوله. ولأن الأمر كذلك، لم يظهر مسؤول واحد على الساحة الدولية، بما في ذلك المسؤولون في المؤسسات الدولية الاقتصادية المعروفة، مستعد لقراءة موازنة واحدة من الموازنات السورية على مدى أربعة عقود، وكان هؤلاء يتعاطون مع الاقتصاد السوري وفق تقديراتهم، وليست استنادا إلى ما توزعه السلطة من معلومات لا قيمة لها.

وعلى الرغم من أن محمد الشعار وزير اقتصاد بشار الأسد، كسر ''استراتيجية الصمت الاقتصادي''، إلا أنه لم يستطع أن يستقطب أية جهة ذات قيمة ومصداقية، يمكنها أن تمنح أرقامه الخاصة بالناتج الوطني (المحلي)، أي شكل من أشكال المصداقية. فقد فضح نفسه ومعه السلطة التي يتحدث باسمها، قبل أن ينتهي من خطابه الذي ألقاه في ''الملتقى الوطني للإصلاح الاقتصادي''، الذي تنظمه السلطة نفسها! والحقيقة أن الأسد كان يريد من خلال خطة ''كسر'' الاستراتيجية عبر وزير اقتصاده، أن يمهد الطريق ''نفسيا'' لخطة جديدة تضاف إلى الخطط الاقتصادية ''الصبيانية'' الأخرى، التي أطلقها منذ اندلاع الثورة الشعبية السلمية العارمة في البلاد. وهذه الخطة تهدف إلى رفع الدعم الحكومي عن المواد الاستهلاكية الأساسية. ولأن الأمر كذلك، فقد بدأ الأسد الخطة فعلا، من خلال الإعلان بأن الاقتصاد السوري يمر بحالة طوارئ. بل مضى أبعد من ذلك، حين أوعز للشعار ليقول ''من واجب البنك المركزي دعم مشتريات الدولة، وليس حاجات المواطن''! وهو من دون أن يدري، أكد مجددا أن البنك المركزي السوري ليس مركزيا؛ لأنه وُجد لدعم مشتريات الدولة، التي اختصرها الأسد الأب والابن في عائلة واحدة.

''أشكر'' وزير اقتصاد الأسد، لأنه ذكرني بقول للفيلسوف والمؤلف الأمريكي المثالي هنري ثورو عن الحمقى. ماذا قال؟ ''أي أحمق يمكنه أن يضع القوانين، وأي أحمق آخر يقبلها''. وكان وليام شكسبير الأديب الإنجليزي سبقه، عندما قال ''الأحمق يظن نفسه أنه حكيم، لكن الحكيم يعتقد نفسه أنه أحمق''. لقد عزز الأسد مرة أخرى الاعتقاد بأن الثورة السورية، أدخلته في عالم لا ينتهي من الاضطراب والفوضى والتخبط في صنع القرارات. فقد أضاف (في تسويقه المبدئي لرفع الدعم عن المواد الاستهلاكية)، آلية جديدة إلى الآليات التي تعج بها سورية، لإنهاء نظامه إلى الأبد. فلا يوجد حاكم له من الحكمة حدها الأدنى، يمكن أن يفكر في هذه الخطوة، حتى وإن كان يعيش استقرارا سياسيا، فكيف الحال وسقوط الأسد المتوقع بات قاب قوسين أو أدنى؟ والمؤكد أن بشار الأسد لا يقرأ التاريخ؛ لأن التاريخ هو حصيلة إجمالية لأشياء كان من الممكن تفاديها، وربما لا يقرأ أعوانه التاريخ أيضا. ليسترجعوا فقط الانتفاضات التي اندلعت ضمن محيطهم العربي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي؛ جراء قرارات مشابهة اتخذتها حكومات مصر وتونس والجزائر والأردن.

لا أعرف من اقترح على الأسد البدء بتسويق حملة رفع الدعم عن المواد الأساسية (الخبز والرز والسكر والزيت من بينها)، وأيا كان هذا المستشار ''النابغة''، فهو يستحق الشكر والثناء من الشعب السوري الذي يواصل ثورته السلمية، ويستحق أيضا توصيف ''مندس اقتصادي''. وأنا أقترح (إذا ما عُرف هذا المستشار) ألا يحاكم بعد زوال الأسد وسلطته. إنه بخطته هذه يُسرِع استكمال الثورة السورية؛ لأن ما بدأته هذه الثورة يمكن ببساطة أن ينهيه الاقتصاد. أليس العصيان المدني في البلاد بات على الأبواب؟

فلكلور اقتصادي سوري

(هذا المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")






''كما يمكن من خلال الصوت معرفة إذا ما كانت السفينة متشققة أم لا. يمكن من الخطابات معرفة إذا ما كان قائلوها حكماء أم حمقى''.
ديموستيني ـــ رجل دولة إغريقي



كتب: محمد كركوتــــي

لفتني تعليقان متناقضان لقارئين علقا على تصريحات لي لموقع ''العربية نت'' حول نية السلطة في سورية تحويل المعاملات التجارية من اليورو إلى الروبل الروسي، كـ ''عقاب'' أحمق من الأسد للاتحاد الأوروبي بسبب العقوبات التي يفرضها عليه. الأول قال ''إن فكرة وليد المعلم وزير خارجية الأسد، بمحي أوروبا من الخارطة، يمكن أن تتحقق من خلال انفراط السبحة الأوروبية، الذي قد يؤدي إلى انهيار اليورو''، والثاني قال مستغرباً ''حتى الروس أنفسهم يستخدمون الدولار واليورو في تجارتهم، سنأتي نحن ونقبض روبل!''. الأول، اعتبر أن الخطوة السورية ستساعد في تحقيق ''فكرة'' المعلم! والثاني (رغم بساطة طرحه) استند إلى حقيقة اقتصادية لا تحتاج إلى إقتصاديين للكشف عنها أو إبرازها، وهي، كيف يمكن استبدال عملات قوية وثابتة ومضمونة، بعملة ضعيفة ومهزوزة؟! وإذا أردت أن أضيف شيئاً إلى ما قاله القارئ الثاني، أقول: إن الحماقة الاقتصادية هي مولودة طبيعية للحماقة السياسية عند السلطة السورية، يضاف إليها عامل رئيس آخر هو الفساد الاقتصادي بكل أنواعه (النهب المنظم والفوضوي في مقدمته) على مدى أكثر من أربعة عقود.

وللإنصاف لم يتخذ الأسد الأب الذي ألغى الاقتصاد السوري بمفهومه العام، قرارات مماثلة بتغيير عملات المعاملات التجارية، على مدى ثلاثة عقود حكم فيها البلاد، على الرغم من أن سلطته كانت تخضع أيضاً لعقوبات دولية مختلفة، باعتبارها سلطة لا تملك شرعية، وحاضنة رئيسة للإرهاب. لكن الأمر ليس كذلك عند الأسد الابن، الذي يعبر عن غضبه بآليات تحاصره ومعه أعوانه، وتزيد هموم وخراب اقتصاد بات خاصاً أكثر من كونه وطنياً. لقد تحول استبدال العملات في المعاملات التجارية في عهد بشار الأسد إلى ''فلكلور اقتصادي'' يثير سخرية بلا حدود، مع اضطراب مهيمن في صنع القرار الاقتصادي. فقد سبق أن قرر وقف التعامل بالدولار الأمريكي كرد على العقوبات الأمريكية عليه، واستبدله باليورو، والآن يريد استبدال اليورو! ولا أدري إن صوتت روسيا (مثلاً) ضد الأسد في مجلس الأمن الدولي، هل سيقوم باستبدال الروبل الروسي بالريالات الثلاثة الفنزويلي واليمني والإيراني (أو أحدها) مثلاً؟!

والحقيقة، أن هذه القرارات التي تتخذها السلطة في سورية، لا تخرج عن كونها ''فقاعات إعلامية''، تماماً مثل الفقاعات التي تُحدِثها قرارات الإصلاح السياسي في البلاد. والفقاعات الثقيلة تنفجر عادة فوق رأس مطلقها، وهذا ما حدث فعلاً، عندما قرر الأسد وقف التعامل بالدولار الأمريكي، وكذلك الأمر بالنسبة لليورو. وكنت قد قلت في تصريح سابق ''إذا كان الأسد يعتقد أنه بتحوله إلى الروبل سيؤذي أوروبا، فهذا يثبت مجدداً أنه يتصرف سياسياً واقتصادياً خارج الواقع تماماً''، فحجم التجارة السورية ليس كبيراً بما يكفي ليؤثر على عملة مثل اليورو. والناتج الحاصل من ''الفلكلور'' والفقاعة، ليس أقل من خسارة السوريين في عمليات تبديل العملات، وهو أمر يحاول أي تاجر تفاديه. وعندما أوقف الأسد التعامل بالدولار، وجد التجار السوريون طرقا التفافية على هذا القرار. وللتذكير فقط، فقد اعترف حاكم المصرف المركزي السوري أديب ميالة علانية، بأنه أخفق في تطبيق هذا القرار.

والمتابع العادي يستطيع أن يصل إلى استنتاج واضح، بأن التحول إلى عملات غير مستقرة (والروبل في مقدمتها)، ليس سوى حركة اقتصادية صبيانية. والمثير للسخرية، أن هناك في سورية من طالب بالتحول إلى الروبية الهندية! وهذا يدفعني إلى أن أقترح على الأسد، أن يعتمد سلة عملات الدول التي تقف عثرة في استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لحماية المدنيين السوريين من حرب الإبادة التي يشنها عليهم. ولأنني أعرف أنه مشغول بقيادة هذه الحرب، أسهل عليه الأمر، بأن يضع في هذه السلة عملات البرازيل والهند وروسيا والصين ولبنان وجنوب إفريقيا. ولمزيد من التنويع، أقترح أيضاً إضافة عملات إيران وفنزويلا واليمن والجزائر، مع مقاطعة عنيفة للدينار الليبي. ولأنه مشغول في حربه، ألفت انتباهه إلى أن حجم تداول الروبل الروسي اليومي في الأسواق العالمية، يقل عن 1 في المائة، ولأنه يهدد أيضاً باستخدام اليوان الصيني، أقول له: إن هذه العملة ليست قابلة للتحويل كلياً. إن السلطة في سورية أخذت شعبها واحتياجاته المعيشية كرهينة، وهي تحكم القبضة عليه من خلال قرارات اقتصادية مريعة، إلى جانب مدرعاتها وطائراتها وسفنها الحربية ودباباتها ومدفعيتها وشبيحتها.

سأعتبر أن الأسد لا يعرف (وهو أمر مستحيل ليس من فرط الذكاء، ولكن من فرط نفي الحقيقة)، وأتبرع له بمعلومات ''سرية''. فسورية تحتاج سنوياً لاستيراد أكثر من مليوني طن من الذرة، و300 ألف طن من الأرز، و800 ألف طن من الشعير، وآلاف الأطنان من السكر، وعمليات الاستيراد هذه لا تتم إلا بعملات لها قيمتها ووزنها وحصانتها وفي مقدمتها الدولار الأمريكي واليورو. وللأسد أيضاً أقول: قبل هذا وذاك، تحتاج سورية إلى الحرية، تلك التي يسعى إلى جلبها شعب عن طريق ثورة استثنائية في التاريخ، ثورة سلمية شعبية عارمة.

عناوين اقتصادية سورية غريبة

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")







''اكتب دائماً رسائل غاضبة إلى أعدائك.. لكن إياك أن ترسلها''
جيمس فالوس ـــ كاتب وصحافي أمريكي



كتب: محمد كركوتــــــي
 
بالطبع لا يوجد عنوان سوري يقارع العناوين السورية الأخرى بالفكاهة الميلودرامية، مثل العنوان ــــ التصريح التاريخي لوليد المعلم وزير خارجية بشار الأسد، الذي قرر فيه ''محو أوروبا عن الخارطة''، دون أن يعرض على الحاضرين الباسمين بالطبع طرازاً من ''الممحاة'' التي سيستخدمها في إزالة هذه القارة، إذا ما كانت العملية تقليدية، ومن غير أن يستعرض طبيعة مفتاح الـ Delete، إذا ما كانت إلكترونية متطورة. ربما اعتبرها أسلحة استراتيجية لا يجوز عرضها على الملأ، خصوصاً أنه ــــ كما رئيسه ـــ ملتزم التزاماً تاريخياً، بالمبدأ الوحيد لدى السلطة في سورية ''الاحتفاظ بحق الرد''، وهو ''حق'' مجمد إلى الأبد، ما عدا الرد الوحشي على الثورة الشعبية السلمية العارمة التي تجتاح البلاد. هذا العنوان، فتح شهية من يرغب في توقع طبيعة الرد من خلال عقوبات سورية على أوروبا تشمل، حظر تصدير الصابون الحلبي (ومعه الزعتر)، أو البرازق الشامية، أو الناطف اللاذقاني (يُستخدم كطبقة حلوة المذاق فوق الكرابيج)، أو المعجوقة الحمصية، أو الجبنة القديمة المعروفة باسم الشنكليش ومعها الجبن البلدي (خصوصاً لفرنسا)!

وهناك من يرى تنافساً واضحاً بين عنوان المعلم، وعنوان آخر أطلقه رامي مخلوف (ابن خال الأسد الذي يمتلك أكثر من 60 في المائة من الاقتصاد الوطني)، في زحمة استهدافه (وأعوان الأسد) من قبل أوروبا والولايات المتحدة كأكبر ناهب للمقدرات السورية. ماذا قال؟ ''قررت التقاعد عن مزاولة الأعمال وإدارة المؤسسات، والتفرغ للعمل الخيري''! وقتها قلت في إحدى مقابلاتي التلفزيونية: ''لو كانت ماما تيريزا على قيد الحياة، وسمعت ما قاله مخلوف، لقررت هي التحول إلى إرهابية، ولا بأس أن تتحول إلى حرامية''. لكني لا أزال أعتقد، بأن المعلم يستحق كأس العالم في بطولة إطلاق العناوين، ويستحق مخلوف الكأس، ولكن في دورة أخرى.

والحقيقة أن أي وزير لدى الأسد، لم يقترب في عناوينه من ''جودة'' عنوان المعلم. ورغم أن حاكم المصرف المركزي أديب ميالة، استطاع أن يحقق تقدماً في ''موسوعة'' العناوين السورية، إلا أنه لم يتمكن من الميل نحو ''براعة'' المعلم. لكن هذا لا يقلل من عنوانه الطريف ''إن سورية محسودة على استقرار صرف عملتها الوطنية''، دون أن يعلن، إذا ما كان قد أحاطها بحجاب يمنع الحسد، والعنوان الآخر الظريف بعد موجة العقوبات الأوروبية على سلطة الأسد ''على الشعب السوري أن يأكل الخبز الأسمر، والاستغناء عن البسكويت''، ربما كانت لديه ''إحصائيات''، تفيد بأن هذا الشعب مصاب بداء السكري، لا بشعور المرارة. وميالة الميال للأسد إلى حد التوحد كداء، لا كحالة تضامنية، يهدد أوروبا (لكن لا يمحوها من الخارطة)، بأن سورية تخطط ''لاستبدال اليورو بالروبل الروسي في تعاملاتها التجارية الخارجية''، عقاباً لها على عقوباتها. ولمن نسي فقط.. كان هو نفسه من قام بوقف التعامل التجاري في عام 2005 بالدولار الأمريكي، واستبداله باليورو، رداً على العقوبات الأمريكية التي فرضت على السلطة، في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. الذي حدث وقتذاك، أن التجار السوريين التفوا بطرق مختلفة على هذا القرار، وواصلوا التعامل بالدولار. ولكي يدب ''الرعب'' في قلب أوروبا قال: ''إن الروبل واليوان الصيني سيضافان إلى الجدول اليومي الصادر عن البنك المركزي السوري حول أسعار العملات الأجنبية''.
ولأن سلطة بشار الأسد خائفة على مصيرها من الثورة الشعبية، وكذلك الأمر بالنسبة لأعوانها، فقد أوقع حاكم المصرف ''المركزي'' نفسه بمجموعة من التصريحات ـــ العناوين. فالمعروف أن حكام المصارف المركزية في أي مكان، من أكثر المسؤولين شحاً في التصريحات. وفي الوقت الذي يخوض فيه ميالة حرباً على المضاربين على العملة، لم يتردد في القول: ''إن هناك خمسة مليارات دولار مخصصة لدعم سعر صرف الليرة، صُرف منها ما يعادل مليارين''، وهو بذلك كشف أوراقه في عز حربه هذه! ومن جملة عناوينه ''اللذيذة'' أن ''الاحتياطي النقدي في المصرف المركزي يصل إلى 17 مليار دولار''، والأمر لا يحتاج لخبراء في الاقتصاد لمعرفة أن السرقات الكبرى التي ارتفعت وتيرتها في أعقاب الثورة على الأسد، أوصلت الاحتياطي إلى ما يقرب من 12 مليار دولار. ويقول أيضاً ''إننا لا نطبع الأوراق النقدية دون رصيد''، لكن الرد يأتي من المؤسسات الأجنبية برفض قبول الأوراق النقدية السورية من فئتي الألف والـ 500 ليرة. ومن العناوين الاقتصادية السورية الفكاهية، قرار بحظر استيراد 25 في المائة من الواردات، وقرار آخر في غضون أقل من أسبوع يلغي القرار الأول!
لا أعرف ماذا سيكون عليه الشكل العام ''لإنتاج'' العناوين ـــ التصريحات السورية في الأيام المقبلة. ربما نسمع عن حظر سوري على تصدير الطائرات للولايات المتحدة، والسيارات لألمانيا، والسفن لبريطانيا، والشاحنات لفرنسا، وأجهزة الكمبيوتر لليابان، والورق لفنلندا، والأحذية لإيطاليا. خصوصاً إذا ما ضرب الحظر السوري على تصدير البقلاوة والصابون والمعجوقة والناطف واللبان والجبنة البيضاء، قلب الاقتصاد الأوروبي!

الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

"المركزيان السوري والإيراني".. الاستثمار في قطاع الهلاك

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")



"الطغاة لا يؤسسون طغيانهم لحماية الثورة، إنهم يقومون بالثورة لتأسيس الطغيان"
جورج أورويل كاتب وأديب بريطاني



كتب: محمد كركوتــــي

بين المصرفين المركزيين الإيراني والسوري.. يا قلبي احزن، ليس على مصيرهما المتداعي بالطبع، ولكن على دورهما المركزي في تمويل الخراب والإرهاب والقتل، وتوظيف قُطاع الطرق، وتخصيص الميزانيات للاغتيالات والتفجيرات، ورصد "المكرمات" للعصابات المأجورة الخارجة عن القوانين البشرية، حيث يتصدر حزب الله اللبناني الطائفي الإيراني قائمة هذه العصابات، ولا بأس من تمويل "دولة" حماس "المستقلة"، التي وجدت أن المرأة الفلسطينية التي تدخن الشيشة، ليست سوى آلية من الآليات المعطلة لتحرير فلسطين! وعلى الرغم من أن هذه الأموال الداخلة في "قطاع الهلاك"، هي ببساطة مسروقة من الشعبين الإيراني والسوري، إلا أن السرقات الجانبية الكبرى لا تتوقف، خصوصاً من خزائن "المركزي السوري".

في مقابلة أجرتها معي مؤخراً قناة "العربية"، سألتني المذيعة عن العقوبات الأوروبية المزمعة على المصرف المركزي السوري، وأجبت : أن هذا المصرف ليس سورياً بالمعيار الوطني، وليس مركزياً بالمعيار الاقتصادي. هو مصرف تملكه عائلة واحدة، ملكت في طريقها سلطة غير شرعية، لكن لا تضير هذه الأسرة مشاركتها في "الغنائم" الوطنية، بعض الأشخاص المحدودين جداً من خارجها. وفي مقال سابق لي في "الاقتصادية" حول العقوبات الأميركية المزمعة على المصرف المركزي الإيراني، أشرت إلى أن هذا المصرف ليس إيرانياً بالمعيار الوطني، وعلى عكس "زميله" السوري لا تملكه أسرة، بل يملكه نظام يؤمن بأن "الثورة" الإيرانية لا تزال بضاعة قابلة للتصدير، رغم انتهاء صلاحيتها زمناً وأخلاقاً، مع ضرورة الإشارة إلى أدوات التصدير السافرة.

لن تكون العقوبات الأوروبية على "المركزي السوري"، بمثابة رد من الأوروبيين على كل من روسيا والصين، لاستخدامهما حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، ضد قرار إدانة السلطة في سورية على جرائمها ضد شعبها، كما تحب هذه السلطة أن تروج. إنها عقوبات تأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التدريجية التي قرر الأوروبيون اتخاذها. أما لماذا تدريجية؟ فلكي تكون أكثر استهدافاً للسلطة ورموزها وأعوانها، وأكثر ابتعاداً عن الشعب السوري. ولأن هذا المصرف ليس عاماً، فاستهدافه مشروع، لأنه يوفر منجماً مالياً غير شرعي، لسلطة غير شرعية. فبعد أن جفف الاتحاد الأوروبي ما أمكن له من مصادر تمويل السلطة في سورية، في سبع موجات من العقوبات، بات من الضروري فرض عقوبات على هذا المصرف، الذي تنقص ودائعه على مدار الساعة، ليس بسبب الإنفاق العام، بل لسد النقص في الأموال التي تصب في خزائن السلطة، خصوصاً مع تعاظم المخاوف لدى بشار الأسد، بأن الإمدادات المالية الإيرانية لا يمكن أن تستمر إلى ما نهاية، لأن إيران بنظامها المُصدِر للخراب في كل الأرجاء، تعيش ظروفاً اقتصادية أكثر من صعبة. وجاء على مصرفها المركزي "الدور يا دكتور".

وعلى هذا الأساس تشكل العقوبات على المصرف المركزي السوري، ضربة أخرى لسلطة الأسد، التي بدأت تعاني من شح السيولة لتمويل حرب الإبادة ضد شعبها. والحقيقة أن حاكم المصرف نفسه (ميالة)، حذر حتى قبل أن تقدم أوروبا على خطوتها هذه، بأن الاحتياطي النقدي في المصرف يتناقص. ورغم أنه تحدث عن وجود ما يقرب من 17 مليار دولار أميركي في خزائن هذا المصرف، إلا أن المعطيات الاقتصادية على الأرض، تفيد بأن الاحتياطي وصل إلى ما بين 12 و13 مليار دولار، الأمر الذي شغَل آلات الطباعة السورية الخاصة بالسلطة، لطباعة أوراق نقدية بلا رصيد أو سند أو غطاء، ترفض المؤسسات الخارجية قبولها.

ومع هروب أكثر من 23 مليار دولار أميركي في الأشهر الأربعة الأولى من الثورة السلمية الشعبية العارمة، ستكون العقوبات المزمعة على المصرف المركزي، بمثابة مسمار آخر في نعش الكيانات التي توفر الإمدادات المالية للأسد وأعوانه. وربما هذا ما يفسر تخبط السلطة في إصدار قرارات اقتصادية، لا سيما المرتبطة بالعمليات التجارية المستهلكة للقطع الأجنبي. فقد تراجعت خلال أسبوع واحد فقط، عن قرار يحظر استيراد ما يقرب من 25 في المائة من الواردات، وذلك خوفاً من نقمة التجار الذين لا يزالون يعتقدون بإمكانية نجاة الأسد وسلطته. والطريف، أن الأسد أوقف في العام 2005 عبر المصرف المركزي الصفقات التي كانت تتم بالدولار الأميركي والتحول إلى اليورو، كـ "عقاب" منه للولايات المتحدة الأميركية، على عقوباتها التي فرضتها عليه وعلى أعوانه في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. وبالتأكيد لم تتأثر الولايات المتحدة بهذا "العقاب" (ولم ينهر اقتصادها من جرائها)، الذي أحدث اضطرباً كبيراً في الأوساط التجارية السورية. ويمكنني أن أتوقع، أن الأسد "يهرش" رأسه الآن بحثاً عن عملة أخرى غير اليورو، كـ "عقاب" لأوروبا على عقوباتها، لاسيما بعدما فشل وزير خارجيته وليد المعلم، في إزالة القارة الأوروبية عن الخارطة. لاشك بأن العقوبات الأوروبية على "المركزي السوري"، ستكون قاصمة للسلطة على صعيد التمويل المالي، خصوصاً وأنها (أي السلطة) لم تنجح حتى الآن في إيجاد من يشتري النفط السوري المرفوض أوروبياً، الذي يوفر لها (وليس للشعب السوري) أكثر من 450 مليون دولار أميركي شهرياً.

إيران.. الممول المالي والإجرامي الوحيد حالياً لبشار الأسد، جاءها الدور في مصرفها المركزي. وسوف تسبب لها العقوبات الأميركية ومعها الأوروبية، مزيداً من العزلة المالية على الساحة الدولية، لأن بعض الشرق الذي لجأت إليه في تعاملاتها المالية والتجارية والاستثمارية، فشل في سد الفراغ الذي أحدثه كل الغرب. وكما قال الأديب والشاعر الأميركي رالف إيمرسون "المال يكلف كثيراً، فالتكاليف الإيرانية ستكون باهظة. صحيح أنه لا يزال أمام نظام الملالي في إيران متنفس اقتصادي شرقي، لكن الصحيح أيضاً، أن نسبة الكربون تتعاظم في تركيبة الهواء الآتي من الشرق. وتكفي الإشارة هنا، إلى أنه بمجرد الحديث عن فرض عقوبات أميركية على "المركزي الإيراني"، انخفضت قيمة الريال الإيراني أكثر من 13 في المائة.

لا شيء أفضل من زيادة العزلة المالية على سلطة بشار الأسد، ونظام خامنئي. سوف يستخدم الأسد هذه العقوبات لمواصلة حملته الفارغة، بأنها تستهدف الشعب السوري. والحقيقة أنها حملة أطلقها الأسد الأب، ولم يطورها الابن، ولذلك بقية مثيرة للسخرية. فالذي كان (ولايزال) يستهدف الشعب السوري، هو تحويل الممتلكات العامة، على مدى أربعة عقود، إلى غنائم خاصة جداً. ولا أعرف إن كان نظام الملالي سيرد على العقوبات الجديدة، بمزيد من الانتظار لوصول "المهدي المنتظر"، الذي قرر أحمدي نجاد، أنه سيحل مشاكل الأرض والكواكب وما بعدها!

الثلاثاء، 11 أكتوبر 2011

كيف تُسرق سورية؟

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")




"الرجل الذي يكون أول الصارخين حرامي.. حرامي، غالباً ما يكون سارق الخزنة"
وليام كونجريف كاتب وأديب إنجليزي

 
 
كتب: محمد كركوتــــي
 
أتلقى رسائل الكترونية كثيرة، يطلب مرسلوها معرفة حجم الأموال التي نهبها سفاح سورية بشار الأسد وأسرته وأعوانه. المعلومات كثيرة، لكن الأدلة قليلة. فلم يحدث أن ترك الناهبون وراءهم وثائق عن سرقاتهم، خصوصاً عندما يكونون في السلطة، يتحكمون بالأختام ومفاتيح المصارف المركزية (وحتى الخاصة)، ومنابع الثروة. واللص (أياً كان) عندما يسرق، لا يترك لائحة بالمسروقات، والغنيمة المثالية له، هي تلك غير المسجلة. وتكون السرقة كاملة، عندما ينهب في طريقه السجلات والدفاتر، أي أنه يسرق المال ويمحي آثاره. ومع التضييق العالمي على الناهبين الكبار، بات الهم الأول لهؤلاء، إيجاد ملاذات آمنة لأموال شعوب، نصفها يعيش في ساحة ما دون الفقر، والغالبية الأخرى من هذه الشعوب، تحيا في الفقر نفسه، بلا صوت صادر عنها، لأن فداحة الآلام تخفي أبسط الكلمات.

التقديرات تتحدث عن ثروة للأسد وأسرته تتراوح ما بين 30 و40 مليار دولار. وحرصاً على النزاهة في الطرح، فهذه الأرقام الفلكية في بلد كسورية، اتفقت حولها جهات معارضة للسلطة، مع بعض المؤسسات التي لا يربطها بسورية ولاء أو معارضة. ويرى البعض أن هذه الأموال هي أقل مما قد تكون الأسرة، قد جمعته على مدى أكثر من أربعة عقود. مستندين في ذلك إلى أن محمد مخلوف خال الأسد الابن، تمكن من تكديس ما بين 12 و15 مليار دولار. فإذا كان الخال لوحده اقتنص هذا الكم الهائل من الأموال، فهل تكون أموال "القائد"، إلا ضعف أو ربما أضعاف هذه المبالغ؟ دون الحديث عن أموال الشقيق ماهر، والصهر آصف شوكت والأعمام وأبنائهم. ولمن نسي، فقد تمكن رفعت شقيق الأسد الأب (بطل مجازر حماة وحلب وتدمر) في منتصف ثمانينات القرن الماضي، من حمل أكثر من 3 مليارات دولار أميركي إلى الخارج (ربما كمكافأة نهاية الخدمة!)، عندما كانت سورية تعيش "اقتصاد التفقير". فكيف الحال الآن؟

عمليات النهب التي يتعرض لها اقتصاد ومقدرات السوريين، لم تبدأ بوصول بشار الأسد إلى السلطة، وإن اتخذت أشكالاً مختلفة عما كانت عليه في عهد الأسد الأب، مع إبقائها على الجانب النفطي، كمصدر ثابت ومضمون للأموال التي تدخل مباشرة في خزائن السلطة لا الدولة (العوائد النفطية تصل إلى 6 مليارات دولار سنوياً). ففي عهد الأب كان الاقتصاد مغلقاً، وكانت السرقات تتم (بالإضافة إلى النفط)، عن طريق العمولات (خصوصاً تلك المرتبطة بشراء الأسلحة)، وعمليات التهريب بكل أشكالها، بما في ذلك المخدرات، واستبدال الاحتياطي من العملات الصعبة بكميات مريعة من أوراق النقد السورية المطبوعة في دمشق بدون سند أو رصيد أو غطاء، الأمر الذي أوصل قيمة الليرة إلى ما دون الحضيض. يضاف إلى ذلك، العوائد المالية الضخمة الناجمة على أعمال 17 ميناء غير شرعي (لاسيما في منطقة اللاذقية)، كان يسيطر عليها أشقاء الأسد الأب وأبنائهم. ولأن الاستيراد كان ممنوعاً على مدى أكثر من 17 سنة، فقد "استثمر" الناهبون في المنع! ليستوردوا كل شيء بدون أن يدفعوا قرشاً واحداً للخزينة العامة. وحالهم كان كحال زعيم المافيا الشهير آل كابون، الذي قال في إحدى المرات مستغرباً "كيف يمكن أن أدفع الضرائب والرسوم على أعمال غير شرعية"؟!

في عهد الأسد الابن، كبر من كانوا صغاراً من أبناء الناهبين، ليبتكرو أشكالاً أخرى لأعمال السرقة، تتناسب وتوجه الاقتصاد نحو الانفتاح. والحقيقة أن هذا الاقتصاد لم يكن منفتحاً، إلا على عدد محدود جداً من الأشخاص غالبيتهم من أفراد الأسرة الحاكمة-المالكة، ولا بأس بعدد آخر من الأعوان. ولأنه أصبح للاقتصاد السوري وجه آخر، فقد تحددت مستويات النهب طبقاً لقرابة الشخص من قمة هرم السلطة وولائه لها. فكلما كان قريباً ومقرباً، كلما كانت حصته من الأموال المسروقة كبيرة. وكانت "القطاعات" المولدة لهذه الأموال واسعة ومتعددة ومتشعبة، من عمولات على مشاريع تتعلق بالبنى التحتية، إلى مشاركات قسرية للتجار ورجال الأعمال التقليديين الذين سُمح لهم بمواصلة العمل، مروراً باستثمارات وهمية، وسرقة ما يقرب من 50 في المائة من رواتب السوريين، من خلال تخفيضات غير قانونية في سعر صرف الليرة، لم تفرضها أية حاجة تطويرية أو اضطرارية، وطبعاً هناك الأموال الضخمة الناجمة عن خصخصة عدد من المؤسسات، وإقامة مؤسسات جديدة (مثل الاتصالات) لم يُسمح لغير أفراد الأسرة الاقتراب منها، بالإضافة إلى السيطرة الكاملة على المؤسسات الانتاجية العامة. ولم يكن الشعب السوري وحيداً في استهداف مقدراته، فقد نال "رجال الأعمال" المُعينين من أموال مستثمرين عرب وأجانب، في عمليات احتيال كبرى، الأمر الذي دفع العديد من المستثمرين الآخرين، إلى التراجع عن أية خطوة باتجاه الاستثمار في البلاد.

هذه الأشكال الجديدة –المتجددة للسرقات، إلى جانب بعض ما تبقى من الأشكال القديمة، ولدت أموالاً هائلة، يمكن أن توفر حياة كريمة طبيعية للشعب السوري، الذي يعيش أكثر من 30 في المائة منه تحت خط الفقر، ويعج في بطالة ترهب أكبر الدول اقتصاداً وثروة. ولم يكتف الناهبون بذلك، فهم يقومون بتهريب الأموال أولاً بأول إلى خارج البلاد، ويخزنوها في ملاذات آمنة، يصعب الوصول إليها. فعلى سبيل المثال، هرب رامي مخلوف ابن خال الأسد الذي يسيطر عملياً على ما بين 60 و65 في المائة من اقتصاد البلاد، أكثر من 8 مليارات دولار أميركي في غضون خمس سنوات فقط، وكذلك الأمر بالنسبة لبقية "رجال أعمال" الأسرة، الذي هربوا أمولاً متفاوتة القيمة، كل حسب مرتبته وسرقاته. وعلى الرغم من توقف الأسد منذ سنوات عن إيداع الأموال المنهوبة في المصارف السويسرية، خوفاً من الملاحقة والعقوبات، فقد اكتشف المصرفيون السويسريون أرصدة له بلغت 2,5 مليار دولار أميركي، في حين يقول هؤلاء: إن هذه الأموال هي فقط أرصدة مالية تديرها البنوك السويسرية، ولا تشمل أي أسهم قد يملكها الأسد في سويسرا!

لم تهرب الأموال المنهوبة من سورية بعد اندلاع الثورة الشعبية السلمية العارمة، فهذه الأموال تخرج من البلاد فور انتهاء موسم حصادها! لتُزرع في أماكن أخرى تفيد الناهبين. فلم يحدث أن أفادت أموال منهوبة.. المنهوبين.



الأحد، 2 أكتوبر 2011

من كم سنة ميالة ميال

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")






"لا طاغية ولا محتل، يمكنه اعتقال أمة بأكملها بقوة السلاح إلى الأبد"
مايكل ستازينكي كاتب أميركي

 
 
كتب: محمد كركوتــــي
 
لست ممن يفضلون الرد على الأكاذيب (أياً كانت)، ليس لعدم توفر ما يدحضها أو ما يدحرها، بل لأنها دائماً تحمل في متنها وعلى مسرحها ما يفندها ويعريها من جلدها، لأن للأكاذيب في كل الأحيان ثوباً وهمياً لا يستر، مهما بلغت "عفة" الحملات لتسويقها. وإذا كانت نصف الحقيقة هي أكثر الأكاذيب جُبناً، فكيف الحال بالأكاذيب المطلقة؟! ونحن نعلم أن كذبة واحدة فقط، تدمر كل النزاهة (إن وجدت)، كيف سيكون الأمر، إذا كان الكاذب يحيا من إمدادات أكاذيبه؟! كما أنني لست من أولئك الذين يستعذبون الأغنيات الحديثة، لعدم تجاوبها معي شعراً ولحناً.. وغالباً صوتاً، غير أن هذا لم يمنعني من استعارة اسم إحدى أغنيات عمرو دياب، عنواناً لهذا المقال، طالما أن الحديث يتناول في جانبه الأهم "حاكم" المصرف المركزي السوري أديب ميالة، الذي أثبت قدرة هائلة على مَيلٍ تاريخي لسفاح سورية بشار الأسد. وإذا كان المغني دياب يستحق اعتذراً على تصرفي في عنوان أغنيته، فإن للشعب السوري الحق في جلب ميالة إلى المحاكمة، حتى ولو قدم اعتذارات، توازي حجماً المعلومات المضللة التي يطلقها، رغم حقيقة أن ميالة ليس سوى حاكماً ورقياً للمصرف، الذي ملكه الأسد الأب والابن منذ أكثر من 41 سنة.

سأخرج هذه المرة عما ألفت، لاعتقادي بأنه لا يزال هناك من يُصدِق غير المُصَدَق. يسعى ميالة (كما قال)، إلى توفير 6 مليارات دولار أميركي، من خلال القرار الذي فاجأ حتى أعوان السلطة من قُطاع الطرق والتجار، بوقف استيراد ما يقرب من 25 في المائة من الواردات التي وصفت بالكمالية، وذلك كـ "رد على العقوبات الأميركية والأوروبية". ماذا يقول "حاكم" المصرف المركزي؟ "إن هذا القرار جاء بفعل عقوبات تطال مباشرة الشعب السوري". لم يأت الرد على هذا الكلام من متآمرين أو مندسين أو مسلحين، جاء من أكثر الجهات موالاة لبشار الأسد. فبعد أن استكمل ميالة تحليلاته الوهمية مباشرة، خرجت غرفة صناعة حلب ببيان، تناشد فيه الحكومة إعادة النظر بقرار تعليق الاستيراد، لماذا؟ (أنقل جانباً من نص البيان) لأن القرار "يسبب ضرراً بالغاً لمعظم الفعاليات الاقتصادية الصناعية والتجارية والتي تعيش ظروفاً اقتصادية صعبة جداً، وتحاول جاهدةً تجاوز آثار العقوبات الاقتصادية، وهي حتماً غير قادرة على تحمل المزيد من الخسائر والعراقيل، في تأمين مستلزمات انتاجها بالكلف المقبولة وبالسرعة الكلية، لكي تتمكن من الاستمرار والحفاظ على عمالتها وتأمين الأمن المعيشي والاجتماعي للوطن".

لا نتوقع أن يقول "حاكم" المصرف المركزي السوري الحقيقة، فهو ميال إلى درجة متطرفة لسلطة آيلة إلى السقوط حتماً. والحقيقة أن الـ 6 مليارات دولار التي يسعى لها من خلال حظر عدد كبير من الواردات، هي جزء من أموال تنهب من المصرف المركزي منذ عقود، وارتفعت وتيرة النهب في أعقاب الثورة الشعبية السلمية العارمة التي تجتاح البلاد. وتكفي الإشارة هنا إلى تقرير لمجلة "الإيكونومسيت" البريطانية الرصينة، الذي أكد هروب ما يزيد عن 23 مليار دولار من البلاد في غضون أربعة أشهر فقط. كما أن العقوبات الأميركية والأوروبية، لم تستهدف الشعب السوري، لأنها تركزت في القطاع النفطي الذي تدخل عوائده مباشرة في خزائن الأسد وأسرته، ولا بأس من بعض أعوانه، ونالت من شخصيات محددة في السلطة (في مقدمتها بشار الأسد)، تستحوذ تاريخياً على مقدرات الاقتصاد السوري. والعملات الصعبة التي يسعى ميالة إلى توفيرها، هي جزء من الخسائر التي منيت بها السلطة (وليس سورية) من جراء العقوبات المشار إليها. فالأسد يخشى من تراجع حجم الإمدادات المالية الإيرانية له، وإن كان مطمئناً من عدم تراجع إمدادات طهران الإجرامية، التي تصل سوريا على شكل مرتزقة وأسلحة مخصصة لقتل المدنيين وقمع المظاهرات، فضلاً عن تلك التي تصل للأسد من حزب الله الإيراني في لبنان.

والحقيقة أن إيران التي تعاني من أزمات اقتصادية داخلية جمة، قد تواجه مصاعب في توفير الدعم المالي للأسد إلى ما نهاية، خصوصاً وأن الثورة السورية ستتواصل إلى أن تحقق أهدافها في إسقاط الأسد وعائلته الحاكمة. كما أن هذه الثورة قلصت أعداد الإيرانيين الذين "يحجون" إلى سورية وينشئون "الحسينيات الاستثمارية" هناك. وكان هؤلاء يوفرون دخلاً جيداً من العملات الصعبة للسلطة. وحرصاً من نظام الملالي الإيراني على استمرار التفقد المالي للأسد، فقد مارست طهران ضغوطاً كبيرة على الحكومة العراقية الموالية لها، لتصدير قسم من النفط العراقي عبر الأراضي السورية. فالدخل الناجم عن عمليات التصدير، سيسد جزءاً من الدخل الذي كان يصب في خزائن السلطة من جراء بيع النفط لأوروبا، لاسيما وأن الأسد أبثت –حتى الآن- أنه مسوق فاشل للنفط المرفوض أوروبياً، تماماً كما هو حاكم فاشل بلا شرعية. ولم تنفع – الآن على الأقل- محاولات أعوان الأسد وفي مقدمتهم ابن خاله رامي مخلوف، لإنشاء شركات ومؤسسات وهمية تلتف على العقوبات الأوروبية والأميركية. وباستثناء حكومتي لبنان والعراق في الجوار، وحكومتي روسيا والصين، ومعهما بالطبع النظام الإيراني، فإن الحصار الاقتصادي يأخذ كل يوم شكل حبل يطوق رقبة الأسد. دون أن ننسى أن إيران هي نفسها تخضع لعقوبات دولية مختلفة، وتخضع مؤسسات لبنانية (لاسيما المصرفية منها) لعقوبات مماثلة.

مرة أخرى.. إن قرار وقف استيراد المواد والبضائع التي سُميت بالكمالية، لا يهدف إلى حماية الاحتياطي من العملات الصعبة في سورية، و "حاكم" المصرف المركزي كُلف في الواقع من قبل الأسد، لتوفير ما أمكن من هذه العملات، لسد مساحة من الفجوة التي أحدثتها العقوبات. ولو كان الأمر يرتبط بالفعل بحماية الاحتياطي وبالتالي حماية قيمة الليرة السورية، لما أشرف هو نفسه (ولايزال) على طباعة العملة السورية بدون سند أو رصيد، إلى درجة دفعت المؤسسات الخارجية إلى رفض قبول الأوراق النقدية من فئتي الألف والـ 500 ليرة، المطبوعة في مطابع السلطة.

ولمن نسي، كان حافظ الأسد، متخصصاً على مدى سنوات طويلة في منع استيراد البضائع من خارج سورية، لأن السرقات الكبرى التي حدثت في عهده التهمت كل احتياطي البلاد من القطع الأجنبي. وماذا فعل أيضاً؟ أدخل البلاد كلها في دائرة التهريب الفظيعة. فكان القائمون على عمليات التهريب (وكلهم من السلطة)، يهربون كل شيء، من السيارات والمعدات الثقيلة والأجهزة الإلكترونية، إلى مناديل "الكلينكس" والسجائر.. وحتى الموز والفراولة! وكانت السلعة المهربة تدل على مكانة المهرب (ومنصبه) في السلطة نفسها. ولأن التاريخ يعيد نفسه، فإن المهربين الذين يشتغلون الآن كـ "شبيحة" ( والأفضل وصفهم بقُطاع الطرق)، يمارسون اليوم مهنتان، الأولى: قتل المدنيين العزل وسحلهم والتمثيل بهم وتقطيع أوصالهم، والثانية: تدمير ما تبقى من اقتصاد البلاد. إن وجد لهذا الاقتصاد بقية.

الاثنين، 26 سبتمبر 2011

الأسد بائع القمع والنفط

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")




"الطغاة يصنعون الحرية لأنفسهم، باستعبادهم للناس"
تشارلي تشابلن ممثل كوميدي بريطاني

 
 
كتب: محمد كركوتــي
 
لم تمض أيام على التصريحات "العنترية" لأعوان سفاح سورية بشار الأسد، وتحديهم للعقوبات الغربية (لاسيما الأوروبية)، واستعراض "عضلاتهم" اللغوية البائسة، و"تشبيحهم" اللفظي، حتى بدأت آثار العقوبات بمجملها تظهر على الساحة، وتحديداً على سلطة الأسد نفسها. فالأكاذيب التي يطلقونها، تجعلهم في مقدمة مُطلِقي الأكاذيب ذات الحبال القصيرة جداً.. جداً، وهم الوحيدون الذين تنكشف أكاذيبهم، حتى قبل أن ينتهوا من إطلاقها. وللإنصاف لم ينجحوا في مد حبل طويل، إلا لكذبة واحدة في تاريخ الأسد الأب والابن، هي تلك التي أوهموا فيها من يحبون وهْمَ النفس، بأن السُلطة التي حكمت البلاد لأكثر من أربعة عقود، هي سُلطة ممانعة، ولا بأس من سُلطة مقاومة، أو صمود، أو تصدي، أو كلها مع بعضها البعض على شكل "سَلَطة". الذي حدث في الحقيقة، أن إسرائيل أدمنت هذه الممانعة، لدرجة اعتبرها المسؤولون في تل أبيب، خياراً استراتيجياً إسرائيلياً، ينبغي الحفاظ عليه إلى آخر مدى!

قبل أسبوعين تقريباً، أطلق وزير المالية محمد الجليلاتي تصريحاً مجلجلاً متحدياً، بأن "العقوبات لن تضر سورية. ستظل سورية واقفة على قدميها. لا مشكلة ما دامت احتياجاتنا المحلية مكفولة". وقال أيضًا "إننا نبحث عن مشترين للنفط المخصص للبيع". لكن أين هم المشترون الآن؟ كان الأسد يسعى إلى الالتفاف على العقوبات النفطية المفروضة عليه، ليبيع النفط المنهوب من مقدرات الشعب السوري، إلى روسيا أو الصين أو الهند. وهذه الدول لا تزال تعتقد بأن هناك فرصة لبقاء الأسد في السلطة، ليس من جهة استقراء عميق للأحداث، بل من ناحية مصالحها المعروفة. الذي حدث أن أياً من هذه البلدان، لم ترد على عروض البائع الأسد، وأخذت تتهرب من ذاك البائع. والحقيقة أنه لا توجد جدوى اقتصادية من شراء هذا النفط، لأن الكميات صغيرة، ولا تبرر المخاطر التي ستنجم عنها. ولأن الدول (ومعها الشركات) تتحرك بالمصالح، فإن قلة المعروض، لا يستقطب في العادة المشترين، حتى لو كان هؤلاء يسعون إلى بقاء الأسد في سلطة لا يستحقها، يضاف إلى ذلك أن هناك فائضاً نفطياً عالمياً، لا يشكل فيه النفط السوري سوى 0.5 في المائة.

والذي يقلق بشار الأسد وأعوانه، حالة غريبة أزعم أن أحداً منهم يمكنه تناولها، وهي أن الصادرات النفطية السورية توقفت نهائياً، على الرغم من أن العقوبات الأوروبية باستيراد هذا النفط لا تبدأ قبل منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بموجب العقود الموقعة قبل الثاني من سبتمبر/أيلول الجاري. فقد توقفت المصارف عن تمويل عمليات التصدير، في حين عبرت شركات روسية عن عدم رغبتها في المجازفة. لو أضفنا إلى توقف الصادرات، العقوبات الأوروبية الجديدة القاضية بحظر الاستثمارات في قطاع النفط السوري، يعني ذلك أن المال آخذ في الشح بأيدي السلطة، الذي تستخدمه عملياً في تمويل حملة الإبادة التي يتعرض لها الشعب السوري. فالنفط السوري لم يكن على مدى أكثر من أربعين عاماً للسوريين. كان سلعة خاصة بالسلطة فقط.

وعلى الرغم من التأثيرات المباشرة للعقوبات الأوروبية والأميركية على سلطة الأسد، إلا أنها لا تضمن انهياره على المدى القصير، بل وحتى المتوسط. فلا تزال السلطة تمتلك قوة عسكرية رهيبة تستخدمها ضد المدنيين العزل، كما أنها لا تزال تتمتع بإمدادات اقتصادية وعسكرية و"إجرامية" من إيران، تستدعي بالفعل تحركاً تركياً عن طريق فرض عقوبات واضحة على الأسد، ومنع الإمدادات الإيرانية له من خلال المراقبة البحرية. لكن يبقى في النهاية العزل السياسي الكامل، وقرار واضح من مجلس الأمن الدولي، هما الخياران الأكثر نجاعة في تقصير عمر الأسد وإنهاء سلطته غير الشرعية. فلم يحدث في السابق أن انهار نظام مباشرة من جراء العقوبات الاقتصادية التي تفرض عليه. الذي يحدث عادة، أنه كلما طالت العقوبات (بصرف النظر عما إذا كانت ذكية أو "غبية")، كلما اقتربت آثارها من الناس. وقد استخدم الأسد الأب على مدى أكثر من عقدين من الزمن، العقوبات المفروضة عليه، ضد شعبه. فقد كانت حجة حظيت بمن صدقها، للتغطية على عمليات السرقة التاريخية التي كان يقوم بها، والتي أدت إلى اقتصاد سوري متهالك بصورة مزمنة، لا تزال سائدة على الساحة حتى الآن.

الآن عاد "مسلسل" الأسد الأب الاقتصادي نفسه، مع تغيير في التاريخ فقط. فقد شرع الابن في تعليق استيراد السيارات وبعض الكماليات (حسب وزير الاقتصاد)، وذلك للحفاظ على الاحتياطي من العملات الصعبة. هل يعود ذلك إلى العقوبات المفروضة على الابن؟ لا يحتاج الأمر لمتخصص في الاقتصاد لكي يعرف بأنه لا دخل للعقوبات في هذا القرار، وأن تعليق استيراد الكماليات (ولا أحد يعرف ماهيتها)، سينسحب بعد فترة على مناديل "الكلينكس". ولمن نسي، كانت هناك ضروريات مُنع استيرادها في عهد الأسد الأب، بحجة العقوبات، وكانت القصة المختلقة، أن الغرب لا يريد للسوريين العيش الكريم، بل يسعى إلى تجويعهم. لم تكن هذه القصة سوى كتلة هائلة من الأكاذيب. فلم يكن لا للغرب ولا الشرق دخل في هذا الأمر، لأن العقوبات لم تكن تشمل آنذاك سوى الصادرات المرتبطة بالسلاح. فقد منع الأب استيراد كل شيء تقريباً وعاش الشعب السوري محروماً منها، لأن خزائن المصرف المركزي السوري باتت خاوية، نتيجة السرقات الكبرى، وسيطرة شقيقه رفعت على مقدرات البلاد، بما في ذلك سرقته للاحتياطي المالي كله، وضخ مكانه أوراقاً نقدية سورية طُبعت محلياً بدون سند أو تغطية.

قبل شهرين اتبع الأسد الابن الشيء نفسه، بعد أن تم تهريب أكثر من 23 مليار دولار أميركي من البلاد، وهروب كل المستثمرين الأجانب، وتوقف المشروعات، في حين "تناضل" الليرة السورية للبقاء كعملة يمكن الاعتراف بها ولو بنطاق ضيق. أخذ يسير على نفس درب الأب والعم، ولكن هذه المرة وسط ثورة شعبية سلمية عارمة، لم تشهد سورية مثيلاً لها في تاريخها.

ستُحضِر السلطة في سورية المزيد من الحجج، في محاولات بائسة لإقناع السوريين بأن التضييق الاقتصادي عليهم لا دخل لها به. لكن ما كان ينفع في عهد الأب، يبدو (في ظل هذه الثورة) مضحكاً في عهد الابن. فالذي كان يسرق وينهب ويقتل آنذاك، كان مطمئناً لوجود ملاذات آمنة له في النهاية، ولمجتمع دولي خفيض الصوت والإرادة. لم يعد المسرح بمُخرِجه كما كان في عهد الأب. المُخرِجون الآن هم الجمهور.

الأحد، 18 سبتمبر 2011

الأسد الابن كما الأب يطبع الليرة بلا غطاء

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")






"طريق الخراب يكون دائماً جيد في تشييده، والعابرون يدفعون تكاليف التشييد"
جوش بيلينج كاتب فكاهي أميركي

 
 
كتب: محمد كركوتــــي
 
حسناً، يقول من تبقى من أعوان سفاح سورية بشار الأسد، إن العقوبات الأميركية والأوروبية لن تؤثر على تماسك سلطة هذا الأخير، وإن الموجة الأوروبية الجديدة من هذه العقوبات، لن تضر الأسد، حتى ولو طُبق القرار القاضي بمنع الشركات الأوروبية من القيام باستثمارات جديدة في مجالات التنقيب عن النفط وإنتاجه وتكريره، الذي يتضمن أيضاً، منع إنشاء مشروعات مشتركة جديدة مع مؤسسات في قطاع الطاقة السوري، ومنحها قروضاً، وكذلك شراء حصص في الشركات السورية أو زيادة هذه الحصص. الأمر لا يحتاج إلى خبراء في الاقتصاد، لمعرفة أن هذه العقوبات ستضرب قدرة الأسد في الحصول على أموال في الأجل الطويل. بوضوح شديد، يسعى الأوروبيون لاستكمال خنق بشار الأسد مالياً، بالتعاون مع الأميركيين، لأن "الخنق المالي"، هو المعول الوحيد المتاح حالياً، لمواجهة الأعمال الوحشية المتصاعدة، التي تقوم بها السلطة غير الشرعية في سورية، ضد السوريين العزل، بما في ذلك استئجار قُطاع الطرق من الخارج والداخل، ناهيك عن استخدامها لكل أنواع الأسلحة، من بينها الطائرات والمروحيات المقاتلة والبوارج الحربية، بالإضافة طبعاً إلى الدبابات والمدرعات وغيرها من آلة القتل.

لا يعترف الأسد ومن تبقى من أعوانه، بأنهم يتعرضون لـ "الخنق المالي"، رغم أن آثار هذا الخنق بدأت تظهر على الساحة، والتي كان آخرها، تهديدات قُطاع الطرق بإلغاء "عقود الهلاك" التي أبرموها مع السلطة، لأن "مستحقاتهم" بدأت تتأخر. وسواء اعترف رئيس السلطة أم لم يعترف بأن حبل الاقتصاد يضيق حول رقبته، في خضم تجفيف موارده المالية، فإن الآتي من الأوروبيين أعظم. فقد وضع الاتحاد الأوروبي خطة متسلسلة ومتدرجة من العقوبات، بحيث يخنق السلطة وأعوانها، مع الحد الأدنى من الأضرار التي قد تصيب الشعب السوري. ولذلك يسعى الأوروبيون إلى عقوبات ذكية، لا تشبه العقوبات التي فُرضت في السابق على عدد من البلدان (من بينها العراق)، والتي نالت من الشعوب أكثر من نيلها من الحكام المستبدين. ولعل هذا يعطي الاتحاد الأوروبي تبريراً يراه البعض واقعياً لتأخره في فرض عقوبات قوية وحاسمة وسريعة، علماً بأن العزل السياسي الكامل، يبقى هو العامل الأهم والأكثر نجاعة وسرعة لزوال الأسد إلى الأبد، وأن ترويض روسيا ومعها الصين (إن أمكن)، سيكون أثره أكبر بكثير من كل العقوبات سواء كانت ذكية أم غير ذلك.

الخطوة الأوروبية التالية، والتي تمثل تحولاً جديداً على صعيد العقوبات، هي حظر طباعة وتصدير أوراق النقد السورية والعملات المعدنية، التي تطبع وتصك في بلدان أوروبية، إلى جانب فرض عقوبات على مصارف سورية جديدة، وحظر على شركة "سيرياتيل"، الممول الرئيس للأسد وجماعته، والتي يملكها ابن خاله رامي مخلوف، الذي يسيطر (بالمناسبة) على 60 في المائة من الاقتصاد الوطني السوري. المثير هنا، أن قرار حظر طباعة الأوراق النقدية، سيعجل وتيرة طباعة الأوراق النقدية السورية داخل سورية، والتي بدأت بالفعل منذ أكثر من شهرين، في أعقاب تآكل الاحتياطي من العملات الصعبة في البلاد. ففي شهر أغسطس/آب الماضي، أقدم المصرف المركزي السوري، من تلقاء نفسه (وليس بفعل أية عقوبات)، على الاستعاضة عن خدمات المصرف النمساوي المتخصص بطبع الأوراق النقدية، وقام بطباعة هذه الأوراق في دمشق. وبالغ في الطباعة، ليتجاوز التغطية الذهبية، أو حجم الاقتصاد السوري ، الذي يجب أن يكون موازياً، لحجم الكتلة النقدية التي يتم تداولها. سيظهر أحد ممن تبقوا من أعوان الأسد ليقول ما هو الدليل؟ والحقيقة أن الدليل المطلوب، لا يأتي من ضبط آلات الطباعة والطابعين معها، لأن ذلك هو المستحيل نفسه، لكنه أتى من الهيئات الاقتصادية الأجنبية المختلفة، والمؤسسات الحكومية خارج سورية، عندما رفضت التعامل والتعاطي وقبول الأوراق النقدية من فئة الألف ليرة سورية المطبوعة في دمشق. ولمن لا يعرف أشكال الأوراق النقدية السورية، تتصدر ورقة الألف ليرة صورة الأسد الأب، التي ربما جلب لها النحس، كما جلب للبلاد على مدى أكثر من ثلاثة عقود الخراب.

لم تكن سورية في عهد الأسد الأب بعيدة عن طباعة الأوراق النقدية دون سند، بل قام هذا الأخير في مراحل عدة بطباعة هذه الأوراق التي لم تكن ذات قيمة فعلية. ففي بلد لا تطبع فيه المطابع بطاقات الدعوة إلى الأعراس (بالمناسبة أي حفلة عرس في سورية تحتاج إلى موافقة أمنية)، إلا بموافقة خمس جهات حكومية، وعدد مماثل من الأجهزة "الأمنية"، طبعت في السابق (وتطبع الآن)، كميات هائلة ومرعبة من الأوراق المالية غير المغطاة، مما جعل الليرة لا تحمل قيمة، إلا ثمن الورقة التي طبعت عليها. ولمن نسي.. في منتصف ثمانينات القرن الماضي اتفق الأسد الأب مع الأسد الأخ (رفعت)، أن يكون هذا الأخير حراً في التصرف بمصير الاقتصاد السوري، ضمن تفاهم بينهما على أن يوقف هذا الأخ خطته للانقضاض على حكم أخيه. ماذا فعل سفاح مدينتي حماة وحلب؟ قام بسحب عدة مليارات من الدولارات الأميركية من المصرف المركزي، بعد أن ضخ قيمتها عن طريق طباعة الليرات السورية غير المغطاة. ولم يكتف الأسد الأخ بذلك، فقد طلب من شقيقه الخائف، مزيداً من المليارات التي سددها وقتها سفاح ليبيا معمر القذافي، بعد أن وجد حافظ الأسد، أن خزائن المصرف المركزي باتت خاوية تماماً. السرقة التاريخية الكبرى هذه، أدت إلى شل الاقتصاد الوطني، وتركت آثاراً لا تزال باقية على الساحة المحلية حتى اليوم. ففي العام 1986 كان الدولار الأميركي يساوي 12 ليرة، وبعدها بأربع سنوات بلغ 48 ليرة، ليصبح في العام 1995 أكثر من 52 ليرة! في حين كان الدولار في العام 1970 (عندما وصل الأسد الأب إلى السلطة) يساوي 3,90 ليرة سورية.

بدأت إذن.. المطابع المشينة في سورية بطباعة الأوراق النقدية، وبدأ معها عهدا جديد مظلم للاقتصاد السوري، الذي مر بمجموعة من العهود المريعة بفضل الأسد الأب والأخ والابن، من اقتصاد التفقير، إلى اقتصاد الفقر وما دونه، إلى اقتصاد "التشبيح". وبينما لا تزال سرقات الأسد الأخ (رفعت) تضرب الاقتصاد السوري حتى الآن، ظهرت سرقات أخرى منذ الأيام الأول للأسد الابن في الحكم. سرقات من نوع "ذكي" لكنه سافر. غير أن هذه السرقات لم تعد "ذكية" في ظل الثورة الشعبية السلمية العارمة التي تجتاح البلاد، لأن ناتجها مع الناتج المخيف عن طباعة الأوراق النقدية بلا رصيد أو سند أو تغطية، سيسرع من اقتراب المرحلة الأخرى من هذه الثورة، وهي العصيان المدني، لاسيما عندما يجد السوريون، أن ما يحملونه من أوراق مالية في جيوبهم (رغم قلتها)، ليست سوى أوراق فقط، لا مالية ولا نقدية. وهذا آخر ما يريده الأسد الذي أقسم على أنه لن ينتهي، قبل أن يُنهي سورية.