الثلاثاء، 17 فبراير 2015

عندما لا تكون فضيحة المصرف خبرا

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")




"هذا العالم تحكمه الوحوش، ولا بد من التعاطي معهم. بعضهم يحكمون دولا، وبعضهم الآخر يديرون مصارف، وآخرون يتحكمون بالأخبار"
كين ليفنجستون عمدة لندن السابق

كتب: محمد كركوتـــي

ليس هناك خبر ماحق في التسريبات التي أطلق عليها "سويس ليكس" الخاصة بمصرف "إتش إس بي سي" البريطاني. الفضائح السابقة للمصرف وغيره من المؤسسات المالية الكبرى، تعج بالأخبار التي باتت عادية من فرط حجمها وتنوعها. وأغلب هذه الفضائح تطورت لتصل إلى مرحلة المحاسبة لدى الجهات القضائية لاسيما الأمريكية منها. بعضها يختص بغسل الأموال، وبعضها الآخر بإخفاء ثروات المودعين لمساعدتهم على التهرب من الضرائب، وغيرها يتعلق بتهرب المصرف نفسه من الضرائب، إلى جانب أموال منظمات إرهابية. كانت هناك فضائح مرتبطة بأنواع من التجارة السوداء. دون أن نذكر بالطبع الأموال المنهوبة من الشعوب، التي دخلت خزائن المصرف المذكور. ولذلك لم يكن غريبا، عندما تبين في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية، أن الأموال المشينة القذرة أنقذت عددا كبيرا من المصارف الكبرى، وحتى المتوسطة.
وجد "إتش إس بي سي" سويسرا أرضا خصبة للقيام بالأعمال المالية غير المشروعة. وأيضا لا عجب هنا، لأن الساحة المالية السويسرية صارت على مدى عقود مرتعا لأغلب الأموال غير المشروعة. وحتى عندما تقدمت السلطات السويسرية وفرضت مزيدا من القيود واللوائح، قامت المصارف السويسرية نفسها باللجوء إلى أماكن أكثر أمنا خارج النطاق الجغرافي السويسري. ومن المفارقات، أن المصارف السويسرية المتهمة بإخفاء أموال غير مشروعة، باتت غير أمينة على هذه الأموال، أين؟ في سويسرا نفسها فحتى السرية المصرفية التي تحكم النظام المالي في هذا البلد، لم تعد قوية بما يكفي لحماية الأموال، أو إخفائها أو "شرعنتها". لأن الأوقات تتغير. والأماكن المظلمة سابقا، باتت شيئا فشيئا في بؤرة الضوء. وهذا آخر ما تريده مصارف سويسرا ومودعوها الهاربون من العدالة والقوانين والأخلاق.
في التسريبات الجديدة، هناك حسابات مصرفية لدى فرع "إتش إس بي سي" السويسري تعود لمجرمين دوليين، وسياسيين، ومشاهير فاسدين، إضافة إلى شخصيات من عالم الأزياء والاستعراض والرياضة، وهؤلاء جميعا من كل الجنسيات تقريبا. وهنا حسابات تعود لأشخاص يديرون أموال حكومات خاضعة لعقوبات دولية. وفي السنوات الماضية، ظهر عديد من هذه القضايا على السطح، وخضع المصرف للتحقيقات وحتى لمحاكمات قضائية. الجديد في التسريبات، أن هناك قائمة بأسماء المودعين وصلت إلى الإعلام. وهذا أمر لم ينفه المصرف المذكور، ولكنه أسرع بإقرار وجود "مخالفات ماضية". أي أنه صار أفضل الآن مما كان عليه في السابق. غير أن المعلومات الجديدة، لا علاقة لها بقضايا (أو مخالفات) سابقة، بل تتضمن حراكا ماليا ضخما ضمن المصرف في الفترة الراهنة. وعلامات الفضائح الجديدة، أن المصرف الذي تخصص في تبييض أموال من مصادر غير مشروعة مختلفة، يقوم بتبييض هائل لأموال السياسيين.
حسنا، ستكون هناك تحقيقات. وكما أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، أنه يتعهد بالكشف عن ملابسات تورط المصرف في عمليات التبييض هذه. وستقوم السلطات الغربية بشكل عام في المساهمة في هذه التحقيقات، لاسيما الأمريكية التي أعلنت (قبل غيرها) الحرب على المصارف من عدة جبهات، في مقدمتها تبييض الأموال والتهرب من الضرائب، ومساعدة مواطنيها على إخفاء ثرواتهم الشرعية هربا من الضرائب المستحقة. غير أن القضية لا تتوقف عند مصرف واحد. كما أنه لم توضع آليات واضحة تتضمن أشكال العقاب، بما في ذلك كيفية نزع الأموال غير المشروعة من أيدي ناهبيها. صحيح أن التسريبات لا تشمل مصارف أخرى، لكن هناك معلومات لدى السلطات الغربية بتورط عشرات المصارف الكبرى بشكل أو بآخر بعمليات مشينة ومشينة جدا.
يبدو واضحا، أن الحملة التي شنت على المصارف في أعقاب الأزمة الاقتصادية، لم تثمر إلا شيئا واحدا فقط، وهو إنقاذها من الهلاك. وقد أنقذت في الواقع من أموال ضحاياها. واستحوذت قضايا التهرب الضريبي على حراك السلطات الأمريكية، أكثر من استحواذها على قضايا أخرى أكثر خطورة، لأنها تتعلق بمصير شعوب، سواء من خلال أموال منهوبة، أو التجارة السوداء بكل قطاعاتها، المخدرات والاتجار بالبشر والتهريب والتزييف والرشا وغيرها. ولا يمكن أن تدعي الحكومات الغربية نجاحا ما، إذا لم تضع في حساباتها كل مصادر الأموال القذرة. يضاف إلى ذلك، حقيقة أنه بات حتميا الآن، أن يعاد النظر في فهم الحكومات لأحجام المصارف. فالمصارف الكبيرة توجد مشكلات كبيرة. فالمشكلة كما صورها وزير المالية البريطاني جورج أوزبورن هي، أن المصارف كبيرة حيث لا يمكن أن تنهار، بل كبيرة بصورة لا يمكن إنقاذها.
والمؤسسات المصرفية الكبيرة، تعم فيها الممارسات المشينة الكبيرة أيضا دون ملاحظة. إن فضائح "إتش إس بي سي" الجديدة، لا يمكن أن تمر دون سلسلة جديدة من الإجراءات الحكومية، تضمن أداء طبيعيا للمصارف بصرف النظر عن أحجامها. والأهم، أن يلقى المذنبون العقاب الموازي لجرائمهم ومخالفاتهم. لا أن يتقاضوا مكافآت هائلة على أموال مشينة، وفي أفضل الأحوال على نتائج هزيلة.
 

ديون متوالدة في عالم مرتبك

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")





« ليس هناك طريق مختصر للخروج من الديون»
ديف رامزي مؤلف وكاتب اقتصادي أمريكي


كتب: محمد كركوتــي

تجمع الديون السيادية البلدان الكبيرة والصغيرة، وتلك التي تصنف عظمى أو أقل، والدول الاستعراضية والحقيقية، والأقطار التي تتسبب في الأزمات الاقتصادية العالمية والأخرى التي تتلقى هذه الأزمات بغير ذنب. يمكن القول: هناك "اتحاد" عالمي للديون، لكن ليس وفق قواعد الاتحاد التي تمنح الأعضاء الحقوق متساوية، وتوزع عليهم المهام بعدالة، وتحاسبهم سلبا أو إيجابا. لا يوجد على الساحة العالمية، من يحمل صفة الناجي من الديون. إنها جزء أصيل من الاقتصادات الوطنية، التي تحولت إلى ركن من أركان الاقتصاد العالمي. لم تكن الديون بهذا الحجم الهائل قبل الأزمة الاقتصادية العالمية. ورغم أنها لم تكن قليلة قبل الأزمة المذكورة، إلا أنها كانت أقل عدائية بالنسبة للاقتصادات المرهونة لها، أو المرهونة لجزء منها. العالم يتخبط في بحر الديون، وسيواصل التخبط لأمد بعيد.
لبنجامين فرانكلين الذي يوصف بـ"أب الولايات المتحدة" قول شهير. ماذا قال؟ "أفضل أن أذهب إلى سريري بلا عشاء، على أن أستيقظ بالديون". العالم "يطبق" مقولة فرانكلين ولكن بصورة معكوسة تماما. وبعض هذا العالم، يذهب إلى "السرير" بلا عشاء ويستيقظ على الديون. هناك حكومات استسهلت تحميل أزمة عام 2008 المسؤولية، في محاولات تستهدف نزع حقيقة أن الديون كانت موجودة قبل الأزمة، من الأذهان. لكن هذه الحقيقة على وجه الخصوص لا يمكن إخفاؤها، لأنها تظهر غصبا في أشكال عديدة، وفي مشكلات مختلفة، وفي محن طويلة. الحكومات الخائفة، تتناسى أن مواجهة الحقائق تبقى السبل الأفضل لحل المشكلات العالقة بها، أو لتخفيف وطأتها. والحق أن بعض البلدان الراشدة وقعت في هذه السلوكيات، إلا أنها سرعان ما عادت إلى المواجهة. بعضها بشجاعة، وبعضها الآخر بهشاشة.
تجاوزت ديون العالم 100 تريليون دولار، وارتفعت منذ منتصف عام 2007 (وهو العام الذي شهد ولادة الأزمة) 40 في المائة، حيث كان حجم الديون وقتها في حدود 70 تريليون دولار. وبحسب المؤسسات الدولية المختلفة، فقد ناهزت قيمة ديون الحكومات والأسر والشركات والمؤسسات المالية مائتي تريليون دولار في العام الماضي، وهو ما يمثل 286 في المائة من الناتج المحلي العالمي مقارنة بنسبة 269 في المائة في عام 2007. والمثير في الأمر، ليس حجم الديون الكبير جدا فحسب، بل في وتيرة نموها، في وقت كان ينبغي فيه على العالم أن يحد من الاقتراض، وأن يعمل على سد المديونية قدر المستطاع. الذي حدث، أن مئات المليارات من الدولارات أضيفت إلى الإجمالي الرهيب للديون، وسط ارتباك اقتصادي عالمي لم يسبق له مثيل في التاريخ الحديث.
ليست كل الحكومات تلتزم النزاهة في مسألة الديون، خصوصا تلك التي لا تزال تعيش حالة سياسية تسمح لها بإخفاء ما ترغب في إخفائه. فهناك الصين (مثلا) التي تضاعف حجم ديونها أربع مرات منذ عام الأزمة، تخفي الكثير من الأرقام الحقيقية، بما في ذلك معدلات النمو، التي تفخر بها عادة على الساحة الدولية. وهذا ينسحب حتى على أرقام المديونية الحكومية فيها. غير أن هذا النوع من السلوكيات لا يستمر طويلا، خصوصا عندما تقع أزمات مرتبطة بالأزمة الكبرى، واستحقاقات تلقائية تفرض معاييرها. الاقتراض العالمي ارتفع في الوقت الذي كان عليه أن ينخفض. وعلى أساس هذه المعادلة المقلوبة على الساحة حاليا، تشهد الغالبية العظمى من الدول، مشكلات كثيرة. بل إنها تساهم مباشرة في تقويض وتيرة النمو العالمي، دون أن ننسى المخاطر الهائلة التي تتركها على صعيد الاستقرار المالي عالميا أيضا.
والمشكلة الأكبر، أن الاقتصادات الرئيسية هي التي تمارس أعلى مستوى من الاقتراض، ولذلك فإن الناتج السلبي لهذه الممارسات سيصبغ الجميع بصبغته. فديون الولايات المتحدة قفزت من 4.5 تريليون دولار عام 2007، لتتخطى 16.5 تريليون. أما بعض دول الاتحاد الأوروبي، فتصل ديونها إلى تريليوني دولار. والمصارف الكبرى والمتوسطة حاضرة في الأزمة، ليس لحلها بل لتفاقمها. ويلفت خبراء في أوروبا (على سبيل المثال)، إلى أن المصارف الأوروبية كان لها الدور الأبرز في شراء الدين العام، ما عزز العلاقات "الخطرة" بين الدول الأوروبية والمصارف. ويتم ذلك في ظل محاولات المصرف المركزي الأوروبي والسلطات التنظيمية الأوروبية إقفال بعض المصارف.
لم يعد الاقتراض في العالم حالة عابرة، تفرضها ظروف آنية معينة. لقد أصبح منهجية اقتصادية ثابتة، بكل مخاطرها ومصائبها، والأهم بتبعاتها على الأجيال القادمة. إن الديون التي يصعب على أصحابها الإيفاء بها، تدخل عمليا في نطاق سرقة هذه الأجيال. والحق أن أولئك الذين لم يولدوا بعد، سيأتون إلى هذه الدنيا مكبلين بديون لم يقترضوها، وسيدفعون ثمن سلع لم يشتروها. وإلى أن تتغير المنهجية الاقتصادية في مسألة الاقتراض، فمن المتوقع أن يصبح حجم الدين العالمي في غضون عقد من الزمن 300 في المائة من إجمالي الناتج العالمي. إنها مصيبة تكبر الآن وتتضخم غدا.

أسعار الغذاء تنخفض .. لكن ليس على الكل

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")





«عندما تهدر الطعام، كأنك تسرق من الفقراء»
 البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان

كتب: محمد كركوتــــي

تتحسن بالفعل أوضاع الإنتاج الغذائي حول العالم. وهي تتحسن من ناحية طبيعة الإنتاج، وكذلك من جانب التكاليف التي تنخفض والأسعار التي تتراجع. وفي كل تطور بهذا الاتجاه، تكمن المطالب (بل الأمنيات)، بأن تتواصل أوضاع الغذاء في التحسن، والأهم أن تشمل مناطق واسعة حول العالم في الإفادة منها. فعلى الرغم من كل التطورات الإيجابية المشار إليها، إلا أن هناك بلدانا لم تستفد منها، لأسباب عديدة، من بينها، عدم تناغم أسعار الغذاء العالمية مع أسعارها المحلية، وكذلك الهدر المتصاعد في معظم بلدان العالم للغذاء، ومساوئ تخزين الغذاء في عديد من البلدان. دون أن ننسى، الجانب الخاص بالتجار، وتحديدا أولئك الجشعين، الذين يحاولون إطالة أمد الأسعار المرتفعة محليا قدر ما استطاعوا. فضلا عن ضعف وترهل القوانين الرقابية على الجودة والأسعار، وعلى وجه التحديد في البلدان التي تحتاج منذ عقود إلى قوانين واضحة، بل "ماحقة" للجشع التجاري.
في الموسمين الماضيين (حتى قبلهما) زخر العالم بمحاصيل زراعية قياسية، وفق "مؤسسة وحدة المخابرات الاقتصادية". وعززت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو"، بيانات المؤسسة المشار إليها، وفي الواقع سبقتها "فاو"، في أكثر من مناسبة للتأكيد على وفرة إنتاج الغذاء بأنواعه، ولاسيما الحبوب التي تمثل في حد ذاتها مؤشرا لمستوى الغذاء حول العالم. أما وصولها إلى مستويات قياسية أخيرا، فيعود إلى تحسن وضعية المناخ في غير منطقة من العالم، إضافة طبعا إلى هبوط أسعار النفط، الذي بدأ عمليا في منتصف العام الماضي. وهذا يؤكد أن استمرار الاستراتيجية النفطية التي وضعتها السعودية منذ سبعة أشهر، يحقق عددا من الأهداف في آن معا، ويفسح المجالات واسعة أمام تعاطٍ مختلف في النواحي الزراعية وغيرها.
الأرقام الجديدة للغذاء يمكن أن تخطف توصيف "التاريخية"؛ لأنه لم يسبق منذ عقود أن وصلت إليها. فأسعار الغذاء العالمية انخفضت 2.8 في المائة، وحولت الأسعار المحلية في 79 بلدا من أصل 109 إلى "أسعار معقولة". ورغم أن أسعار الحبوب لم تشهد انخفاضا يذكر –حسب فاو- إلا أن جميع السلع الغذائية شهدت الانخفاض المطلوب، ولاسيما منتجات الألبان والسكر. في حين سيصل إنتاج فول الصويا هذا العام إلى مستوى قياسي، بل إن إنتاج الذرة سيرتفع متجاوزا كل المستويات السابقة. وبالنظر إلى المعطيات العامة، يمكن لأسعار الغذاء العالمية أن تنخفض بأكثر من 2.8 في المائة في الأشهر القليلة المقبلة، إذا ما استمرت العوامل الراهنة المساعدة فترة معقولة. وعلى المنتجين استغلال كل عامل من هذه العوامل إلى آخر مدى. إنها فرصة يمكن الحفاظ على مكتسباتها، بمزيد من التخطيط والمنهجية.
في أواخر العام الماضي، انخفضت الأسعار فترة وجيزة بمعدل 3 في المائة، أي أنها تجاوزت المستوى القياسي المشار إليه. وفي بعض البلدان تراجعت الأسعار لتشمل حتى الحبوب، التي لم تشهد تراجعا ملحوظا عالميا. هذه الحقائق لم توفر بعد فوائد شاملة؛ أي أنها لم تنسحب على الجميع، وليس فقط على جملة من البلدان، حتى إن شكلت الأغلبية. ومن ضمن المشكلات التي يمكن حلها ببساطة، تلك المرتبطة برداءة التخزين، ولاسيما في البلدان غير المتقدمة، الأمر الذي ينتج كميات هائلة من الغذاء المهدور الذي تحتاج إليه شعوب هنا وأخرى هناك. ويمكن بيعه بأسعار معقولة لكلا الطرفين المشتري والبائع. والاستثمار في التخزين لا يقل أهمية عن الاستثمار في إنتاج السلع المخزنة نفسها. إنها عملية متكاملة لا يمكن أن تحقق كل النتائج إلا بوصل أطرافها بعضها ببعض.
ومن المشكلات الرئيسة أيضا أنه حتى في البلدان الراشدة، هناك مستويات مرتفعة من هدر الغذاء، على الرغم من قيام جهات في هذه البلدان باتخاذ إجراءات مثالية بالفعل للحد من الهدر بشكل عام، سواء المرتبط بالفرد أو بمحال بيع الأغذية. وعلينا أن نتصور مستويات الهدر في بلدان لم تصل بعد إلى الحد الأدنى من ثقافة "عدم الهدر"– إن جاز التعبير-. في أوربوا يهدر الفرد 90 كلج سنويا من الغذاء. وينخفض الهدر من منطقة إلى أخرى، وفق حقائق الوفرة، وليس النضج الاقتصادي والاجتماعي. وعندما تنخفض أسعار الغذاء عالميا ومحليا، يبدو واضحا أن مستويات الهدر ترتفع أيضا. ورغم قيام منظمة "فاو" بحملات مختلفة للتثقيف في هذا المجال، إلا أنها لم تحقق الأهداف كلها في هذا السياق. ولا شك أن الأمر يتطلب انطلاقا آخر جديدا، لتكريس الثقافة الموجودة ولكن الضعيفة.
صحيح أن تراجع أسعار الغذاء (ولاسيما السلع الأساسية) يمثل خطوة عظيمة إلى الأمام على صعيد خفض معدلات الجوع في غير منطقة من العالم، ولكن الصحيح أيضا أنه لا يوجد "استثمار" عالمي مواز للحفاظ على مكتسبات الانخفاض المشار إليه، والبناء عليه لمحاربة الجوع بالطبع، ولإحداث احتياطي غذائي عالمي يكون سندا في الأزمات والكوارث، وفي أزمنة الحاجة.
إنها مسؤولية عالمية لفائدة العالم أجمع. خصوصا عند أولئك الذين يجرمون السياسة في الغذاء.