الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

في سورية.. إفقار الفقير أيضاً

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")


«لكل شيء حدود. لا يمكن تحويل الحديد إلى ذهب»
مارك توين - أديب أمريكي


كتب: محمد كركوتـــي

بعد أن فرض بشار الأسد ''اقتصاد المقايضة'' على الشعب السوري، لا سيما في المناطق التي لديها شيء ما تقايض به. وبعد أن أفرغ البلاد من كل مقدراتها (أباً عن ابن)، ويواصل إفراغها من سكانها قتلاً وتهجيراً. وبعد أن سحب ما في جيوب السوريين من ليرات متبخرة القيمة أصلاً، لا يسندها إلا الوهم؛ لم يبق للسوريين شيء يساعدهم على متطلبات الحياة اليومية، بصرف النظر عن طبيعة هذه الحياة، التي تراوح بين القصف المتواصل بالطائرات الحربية، وإسقاط القنابل ''البرميلية'' عليهم مع القنابل الفوسفورية، واستهدافهم حتى على المخابز، وتحويل المدارس إلى ثكنات، والجامعات إلى مواقع عسكرية، وقنص ما أمكن منهم. فهي حياة لا بد أن تُعاش. وهي بحد ذاتها تحد لنظام لا يستمر إلا بالقضاء عليها. ألم تكن قبل الثورة ميتة؟
''اقتصاد المقايضة'' تلا مرحلة ''اقتصاد الفقر وما دونه''، في سياق أنواع لا حصر لها من ''اقتصادات الخراب''. هذا إذا كانت تستحق أساساً التوصيف الأول. فإذا كان سكان المناطق الزراعية التي لم تصل إليها آلة الأسد الماحقة (وهي قليلة جداً)، يجدون ما يقايضون به، من خلال ما ينتجونه لاستهلاك أسرهم، والحصول على منتجات أخرى ضرورية، فإن سكان المدن ليس لديهم هذا ''الثراء''. مع ضرورة الإشارة إلى أن ''حراك'' المقايضة يتم بعيداً عن المناطق التي توالي الأسد وعصاباته. دون أن ننسى أن النزوح الهائل الذي يتم على مدار الساعة في سورية، أضاف أعباء كبيرة على كاهل سكان المناطق الريفية بشكل عام. ولكي يكرس مصائبهم، يمنع الأسد عن هؤلاء كل الاحتياجات الخاصة بالإنتاج الزراعي، بما في ذلك الوقود والبذور والسماد وغيرها. فاستراتيجيته تتخلص بإما أن يُقَتلوا أو يموتوا جوعاً.
ومع ذلك، فإن هؤلاء يعيشون بنعمة (بصرف النظر عن مدتها وجودتها)، مقارنة بسكان المدن، الذين يحصلون على رواتب أقل 60 في المائة من قيمتها قبل سنة، ويعيشون جنباً إلى جنب، مع غول البطالة المتعاظمة. الآن في سورية أكثر من 55 في المائة من اليد العاملة لا تعمل، من فرط الإغلاق اليومي للشركات والمؤسسات على مختلف أحجامها. بل حتى المؤسسات ''الحكومية''، لم تعد تشكل ضمانة لنسبة من القوى العاملة. فهذه الضمانة لا تأتي إلا من خلال حكومة شرعية. وفي سورية لا توجد مثل هذه الحكومة، ولم تقم الثورة الشعبية العارمة إلا من أجل شرعنة الحكم ومؤسسات الدولة.
في ظل هذا المشهد الفظيع، ابتكر الأسد اقتصاداً تخريبياً آخر، وهو ''إفقار الفقير''! وهذا لوحده يشكل جريمة أخرى ضد الإنسانية، لأنه متعمد، ولأنه جزء أصيل من استراتيجية الأسد الشاملة. فطبقاً للإحصاءات الميدانية، بلغت نسبة المواطنين الذي باعوا ما يملكون من الذهب أكثر من 40 في المائة. وهؤلاء لم يبيعوا الألماس أو البلاتين أو اللؤلؤ المكنون، وغيرها من أنواع المجوهرات، لأنهم ببساطة لا يملكونها. ما باعوه ليس سوى خواتم الزواج والهدايا الرمزية التي تقدم عادة للمواليد. وحتى عمليات البيع هذه لا تتم بعد مراجعة ذاتية. يدخل ببساطة ''الزبون'' إلى محل المجوهرات، وينزع الخاتم من أصبعه، ويعرضه للبيع. ولنا أن نتخيل فداحة مشاعره وهو يقوم بهذه العملية التجارية الفظيعة. الجملة الوحيدة التي ينطق بها خجلاً، هي تلك التي يوجهها لصاحب المحل ''ألا يمكن أن تقدم لي سعراً أفضل''؟ وفي أغلب الأحيان الجواب: لا.
''إفقار الفقير'' ولد نوعاً جديداً من المرابين. فالبائعون هنا ليسوا تجار ذهب ومجوهرات، بل باحثون عن ثمن للقمة العيش. وهنا فقط يتوالد المرابون، وتنتعش أسواقهم. أليسوا دائماً تجار المحن، ومستثمري المصائب؟ أليس هذا ما يهدف إلى إنجازه النظام المتهاوي في سورية؟ منذ عام، بدأ الأغنياء في تحويل أموالهم إلى الذهب بكل أشكاله. والغالبية العظمى من الأغنياء في البلاد لا يمكن فصلهم عن النظام نفسه. فهم لا يكتسبون هذا التوصيف إلا إذا كان راضياً عليهم، وفي الأغلب الأحيان مشاركاً معهم. وهذا هو الذهب ''العاطفي'' لا التجاري، يصب في خزائنهم، وفي حقائبهم المهربة إلى الخارج. وإذا كانت نسبة أصحاب هذا الذهب بلغت 40 في المائة من السوريين، فإنها ستصل بلا شك إلى 100 في المائة، فيما لو طال أمد هذا النظام الوحشي.
سيزول الأسد بالتأكيد، وسيترك في سورية ''خراباً عاطفياً'' يضاف إلى الخراب الكلي الذي أوقع به البلاد لأكثر من أربعة عقود، بعد أن فرض كل أنواع الاقتصادات التي لم تترك شيئاً للسوريين ليبنوا عليه. إنهم مطالبون ببناء اقتصاد جديد في واحدة من أقدم دول العالم، وعليهم أن يتمسكوا بـ ''الذهب'' الحقيقي الذي تملكه ثورة اتُفق على أنها استثنائية بكل معايير الثورات. فهي الوحيدة الآن التي ستوفر الأساس لبناء دولة يستحقها كل سوري ضحى بكل شيء من أجل الخلاص من نظام ما كان ينبغي أن يكون.

الاثنين، 19 نوفمبر 2012

في إيران.. جهاد الاكتفاء الذاتي أيضاً!

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")




«ثمن العظمة.. المسؤولية»
ونستون تشرتشل، رئيس وزراء بريطانيا الراحل


كتب: محمد كركوتـــي


في إيران، لا يمكن تجاهل تشكيلة من ''الجهادات'' - إن جاز التعبير - المتنوعة و''المتميزة''، بل والفريدة، كما لا يمكن إلا الانتباه لتتطابقها مع ''الصرعات''، مع اختلاف واحد بينهما، وهو أن لـ''الصرعة'' أجل لا يكون طويلاً عادة. لنتذكر فقط ''البوهيمية'' و''الهيبز'' و''البانكس'' و''الروك'' و''الراي'' وغيرها، التي انفجرت كصرعات في مدد زمنية محددة ومختلفة. والحق، لم يفكر مفجروها في استدامتها أصلاً. بينما ''الجهادات'' الإيرانية، ليست متنوعة فحسب في الزمن الواحد والمكان الواحد، بل تحتضنها بيئة سياسية طائفية ''مهدية'' و''خمينية''، توفر لها كل أشكال الاستدامة، بل وتكرسها كمنهج للدولة نفسها. فالجهاد بأنواعه وألوانه، جزء لا يتجزأ من ''جودة'' الوطنية! في الدولة الوحيدة في هذا العالم التي ''دسترت'' - من دستور - الطائفية! ووضعتها جنباً إلى جنب، النشيد والعَلَم وشكل الحكم.
بعد ''الجهاد'' الطائفي، والسياسي، والاقتصادي، والشعبي، و''جهاد'' تصدير الثورة، و''جهاد'' حماية سفاح سورية بشار الأسد، و''جهاد'' الاستحواذ على العراق، وغيرها من ''الجهادات''، انطلق في إيران ''جهاد'' ماذا؟ الاكتفاء الذاتي! وهو ''جهاد'' ليس جديداً تماماً، متفرع من ''اقتصاد الحرب'' الذي أطلقه علي خامنئي ''مرشد'' الثورة، ولكن سرعان ما حوله إلى ''جهاد'' اقتصادي. فالخراب المعيشي الذي تشهده البلاد حالياً، فرض على ''المرشد'' هذا التحول. ولن أستغرب لو قام بتحويله مجدداً، إلى ''النفير'' الاقتصادي، وبذلك ينتقل الاكتفاء الذاتي من حالة ''الجهاد'' إلى ''النفير''. وفي الوقت الذي تتناقص فيه المواد الاستهلاكية بكل أنواعها في إيران، ما زال خامنئي يعتقد أن ''الجهاد'' المتجدد قابل للاستهلاك. وكأن الاضطرابات والمنازعات التي تحدث في البلاد، بحكم الأزمة الاقتصادية الداخلية المخيفة، تحدث في بلد آخر، دون أن ينتبه إلى أن بضاعته هذه لم تعد صالحة للاستهلاك الآدمي حقاً، وبالتالي يستحيل العثور على من يشتريها.
على خطى بشار الأسد، قرر النظام في إيران حظر استيراد عدد كبير من السلع الأجنبية، التي تدخل ضمن قوائم الكماليات في معيار الأسد، والفاخرة في تقدير خامنئي. وحسب اللوائح الجديدة، فقد شمل الحظر 70 سلعة على الأقل، تراوح بين السيارات الفارهة والكومبيوترات المحمولة والهواتف النقالة والأجهزة الكهربائية المنزلية ومستحضرات التجميل وغيرها. باختصار، شُطبت السلع التي يستحيل إنتاجها محلياً، وفُرض حظر استيراد السلع، التي يمكن إنتاجها داخل إيران. والسبب معروف، وهو حماية ما تمتلكه البلاد من العملات الأجنبية الصعبة. ولأن تناغم الخراب بين الأسد وخامنئي وصل إلى أوجه، لم يلتفت النظام الإيراني إلى أن خطوة سفاح سورية بهذا الخصوص لم توفر له حصانة تذكر للعملات الأجنبية المتبخرة، بل إن هذا الأخير، عاد عن قرار الحظر بعد أيام قليلة من فرضه، بصورة جسدت التخبط الذي يعيشه. فقد تحول القرار نفسه إلى مادة للسخرية لفترة طويلة، على اعتبار أنه لا يمكن أن تسند ناطحة سحاب آيلة للسقوط بعود ثقاب.
فالقرار الإيراني الجديد الذي صاحبه إطلاق ''جهاد'' الاكتفاء الذاتي، سيوفر للخزينة العامة 4 مليارات دولار أمريكي سنوياً. ويبلغ حجم إنفاقها السنوي على السلع الترفيهية ما يقرب من 12 مليار دولار. وفي زحمة ابتكار ''الجهادات''، لم ينتبه خامنئي إلى أن بوادر فشل ''جهاد الاكتفاء''، بدأت مع إطلاقه. فإذا كانت السلع الترفيهية غير الضرورية تمتص هذا القدر من العملات الصعبة، فلماذا لم يحم الـ12 مليار دولار مرة واحدة؟! أليس الأمر ''جهاداً'' أم أنه كغيره من ''الجهادات'' ليس سوى ''فقاعات'' تشبه تلك التي تتعلق بالمهدي التائه؟! وفي كل الأحوال، لن يقدم القرار الإيراني الجديد شيئاً في مجال ''الجهاد'' ضد العقوبات الغربية المتنوعة على البلاد. فإذا كانت هذه الخطوة ستوفر 4 مليارات دولار سنوياً، فإن خسائر إيران من العقوبات تصل إلى 5 مليارات دولار شهرياً.. وليس سنوياً.
والحقيقة، أن خامنئي لم يكن له الفضل في ابتكار ''جهاد الاكتفاء الذاتي''. فالفضل كله يعود إلى الخميني الذي أطلقه خلال الحرب العراقية-الإيرانية بين عامي 1980 و1988. الذي فعله ''مرشد'' الثورة، أنه أحياه رغم أنه لم يحقق شيئاً عملياً في التجربة الأولى له. وكل ما أنتجه هذا ''الجهاد'' في مرحلته الأولى (وسينتجه في مرحلته الجديدة)، أنه دفع بعمليات التهريب إلى مستويات عالية، بات حتى ''الجهاد'' ضدها مستحيل. فمن الآن، يمكن أن أنصح خامنئي بعدم إطلاق ''جهاد'' جديد يستهدف التهريب، في خضم إغراقه بلاده بكل أنواع ''الجهادات''.
لن تنفع كل الترقيعات الاقتصادية في إيران، مهما كان هول مسمياتها. فاقتصاد البلاد يسير بخطوات متسارعة ومرعبة نحو الانهيار. وما يملكه البنك المركزي اليوم، سيكون أقل غداً. وغداً يعني بالفعل اليوم التالي. والبلاد التي يتعاطى سكانها مع عملتها الوطنية كهم يومي، لا مكان لأي شكل من أشكال التهدئة الاقتصادية فيها. وفي ظل هذا المشهد البائس، تنمو بقوة إرادة شعبية ستوفر كل المعاول لجهاد شعبي وطني حقيقي، ستكون أولى ضحاياه، تلك ''الجهادات'' التي ستتطابق تماماً (في النهاية) مع الصرعات، بفقاعاتها وأزمنتها المحدودة.


الثلاثاء، 6 نوفمبر 2012

الغرب ضد الأسد اقتصادياً بالنقاط لا بالضربة القاضية

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")




«نحن لا نأخذ الصورة الأشمل للعقوبات. ينبغي لنا النظر إلى كل شركة لمعرفة إذا ما كانت العقوبات، مساعدة أم مؤذية».
روبرت بوزين اقتصادي أمريكي


كتب: محمد كركوتـــي

مع كل جولة من العقوبات الاقتصادية التي يرفضها الغرب (وخاصة الاتحاد الأوروبي) على نظام سفاح سورية بشار الأسد، يظهر السؤال التقليدي. إلى أي مدى تؤثر هذه العقوبات على الأسد؟ يستتبعه سؤال آخر، ما مدى الأضرار التي يتعرض لها السوريون من جراء هذه العقوبات؟ وعلى الرغم من أن التجارب السابقة المشابهة، تحمل معها أجوبة مناسبة، وفي كثير من الأحيان متطابقة، إلا أن الحالة السورية (كما الثورة السورية) تمثل استثناء، من جراء روابطها، وتداخلاتها، وسلوكيات (ونيات) تجسد أحد مبادئ وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، الذي يرى ألا تنتصر أو تنهزم أمم بعينها. الأمر الذي يترك مجالاً منطقياً، لمن يرغب بالتأكيد على أنه لا يُراد للثورة السورية الشعبية العارمة أن تحقق نصرها أو تنهزم. وهو ما يسهم في تكريس الاعتقاد السائد في الشارع السوري (والعربي أيضاً)، بـ ''الرابط الإسرائيلي''.
وبعيداً عن هذا الجانب، بمراراته وظنونه وحقائقه. فالسؤال الذي يُطرح مع كل جولة جديدة من العقوبات، يستحق الاهتمام والإجابة، بصرف النظر عن تكراره بصيغته الواحدة. لم تقض العقوبات على نظام في التاريخ. فكيف الحال بعصابة اغتصبت سورية أكثر من أربعة عقود، وتسعى الآن إلى أن يتحول ''جسد'' البلاد إلى أشلاء، في سياق اعتمادها القتل المؤدي إلى نشر أكبر عدد من أعضاء الضحية الواحدة. إنها حرب إبادة، بعنوان فرعي ''حرب لإنتاج الأشلاء''. التجارب السابقة، أثبتت أن الناتج المأمول من العقوبات التي تُفرض على نظام، أكبر بكثير من ناتجها على عصابة. فهذه الأخيرة تتمتع دائماً بـ''أفضلية'' امتلاكها لأهداف مجهولة يصعب استهدافها. وهذه حقيقة، تفرض على فارض العقوبات أن ينفذها بسلوكيات وآليات العصابات، لا الأنظمة، وتحتم عليه (لكي يحقق هدفه)، أن يبحث في المجهول لا المعلوم فقط، وأن يمر على قنوات تبدو بريئة. خصوصاً أن العقوبات، مهما كانت ''ذكية'' ومُحكمة ومتطورة، تتحول إلى ''غبية'' وفوضوية ومتخلفة، إذا ما طال أمدها. وعندما نقول: طال أمدها، يعني أن أمد النظام-العصابة طال أيضاً. وهذا يجيب على السؤال الثاني، المرتبط بأضرار العقوبات على الشعب السوري، التي يفترض أنها أُطلقت من أجله، لا ضده!
صارت جولات العقوبات الاقتصادية الأوروبية و(الأمريكية) على الأسد، مثل مباريات الملاكمة التي تنتهي بالنقاط لا بالضربة القاضية. ورغم تنوعها وتعدد جولاتها، لم يُخضِعها المعاقِبون لمعايير الجودة، وإن أخضعوها لشيء من معايير ''الذكاء''. والحق، أن هذه الجولات بدأت تُظهِر الغرب، على أنه ''يعتذر'' من خلالها بطريقة غير مباشرة، عن تقاعسه في التحرك غير الاقتصادي، والمساهمة في تعجيل زوال نظام وحشي، ليس لمصلحة الشعب السوري فقط، ولكن لفائدة الإنسانية نفسها، بصرف النظر عن المبررات الإجرائية، التي لم تعد تقنع أحداً، خصوصاً إذا ما استعرضنا سوابق مشابهة لم تخضع لمثل هذه المبررات أبداً. ومن الجوانب السلبية في فرض هذه العقوبات، أنها تأتي تدريجياً، مما يوفر لبشار الأسد (وأعوانه وبعض الدول المارقة الحالمة ببقائه) مساحة زمنية ليس فقط للالتفاف حول العقوبات، بل لتأمين المؤسسات والشركات والكيانات التي يمكن أن تُستهدف لاحقاً، فضلاً عن أفراد سوريين وأجانب.
فعلى سبيل المثال، ضمت الجولة العشرون من العقوبات الأوروبية التي أُطلقت في الشهر الماضي، 28 فرداً جديداً من السوريين الذين يمدون الأسد بالتمويل المالي المطلوب لاستكمال حرب الإبادة على الشعب السوري. وأسماء هؤلاء ليست مجهولة تماماً، وكان من الأجدى أن تكون ضمن الجولات الأولى التي فرضها الأوروبيون، وكذلك الأمر بالنسبة لرحلات شركة الطيران ''السورية'' التي مُنعت من الهبوط في المطارات الأوروبية. وهي شركة كبقية الشركات والمؤسسات في سورية، ليست سورية، بل ملكية خاصة للأسد وأعوانه. وهذا الأمر لا يحتاج إلى تحقيقات ومعلومات استخباراتية للتأكد من ذلك. ولا يزال هناك ما لا يقل عن 100 اسم، يمكن فرض العقوبات المباشرة على أصحابها فوراً، ودون الحاجة إلى انتظار جولات جديدة، إلى جانب عدد آخر من الكيانات الاقتصادية داخل سورية. هذا طبعاً، إضافة إلى بعض المؤسسات والشركات غير السورية (إيرانية وعراقية ولبنانية وفنزويلية، وروسية.. وحتى زيمبابوية)، التي توفر للأسد وأعوانه، تسهيلات وأدوات مبتكرة للاحتيال على العقوبات.
إن العقوبات ''الذكية'' التي يسعى الغرب (عموماً) إلى فرضها على جولاته، لن تحقق الأهداف المرجوة منها. ولن ينفع مع نظام-عصابة كهذا، إلا حصار اقتصادي شامل، يحرمه من النفاذ إلى هيكلية العقوبات والاحتيال عليها والالتفاف حولها، خصوصاً في ظل وجود أعوان له، ليس فقط على حدود سورية، بل وعلى مسافات أبعد منها. هذا الحصار، سيزيل بصورة أكبر اللوم الواقع على الغرب من جراء تقاعسه، واختبائه وراء حجج لا يقتنع بها من يطلقها، ويتعاطى معها كـ ''حبل إنقاذ'' من نقمة التاريخ والإنسانية. إن حسم نهاية الأسد، لن ينجز على مراحل، ولا عبر عقوبات تدريجية.. بل ولا حتى من خلال حصار اقتصادي شامل. المهم أن يبتعد الراغبون بالمساهمة في نصرة الإنسانية، عن متاهات السياسة وأروقتها.