الاثنين، 27 ديسمبر 2010

هل تشتري الصين أوروبا؟

( هذا المقال خاص بجريدة " الاقتصادية")




" إذا لم تُغير وجهتك، سوف تنتهي في الوجهة التي تسير نحوها"
ليو توز فيلسوف صيني

 
 
محمد كركوتـي
 
أحسب أنه لو كانت ألمانيا تُدار في القرن الحادي والعشرين بمبادئ وذهنية النازية، وسلوكياتها العنيفة، لقامت مستشارة البلاد أنجيلا ميركل، باحتلال كل دولة أوروبية، تطلب معونات مالية إنقاذية، لتفادي الانهيار الاقتصادي، بسبب الديون الحكومية التاريخية. فوفق المفهوم النازي، يكون الاحتلال "أرخص" من تقديم المساعدات، ويكون إلغاء الهويات الوطنية، أسهل من العمل الجماعي وصيانة الأمم، وتكون العنجهية الرخيصة، أوفر من التسامح الغالي والرفيع. لكن النازية، لم تعد في ألمانيا منهجاً، ولهذا السبب استبدلت ميركل ( تلك المرأة الآتية من شرق ألمانيا، أو ألمانيا الشرقية سابقاً) السلوك النازي، بتوجيه اللعنات والإهانات والذل.. مع الأموال، إلى الدول الأوروبية الغارقة في الديون، على اعتبار أن ألمانيا هي الممول الأكبر لصندوق الإنقاذ الأوروبي، الذي يشبه صندوق الإنقاذ الأميركي ( بعد الأزمة الاقتصادية العالمية) مع فارق وحيد، هو أن هذا الأخير موجه لإنقاذ المؤسسات والشركات والمصارف، بينما "الأوروبي" مخصص لإنقاذ الدول، ومعها حكوماتها الهشة، سياسياً وشعبياً.

في قلب هذا المشهد، يظهر بطل على الساحة، يمكن أن يقوم بدور ( أو يحتل دور) المنقذين الأوروبيين للأوروبيين، ولكن من دون إهانات ولا إذلال ولا تهديد ولا وعيد. بطل – في الواقع – يقوم بنفس الدور في الولايات المتحدة الأميركية. بطل يمكنه أن يسدد الديون ( ليس مجاناً بالطبع ) بأعلى درجة من المعايير الاقتصادية العالمية. إنه الصين، ذلك المارد القادم من الشرق باتجاه الغرب، والذي استطاع – حتى في عز الأزمة العالمية – من تحويل مجرى الاقتصاد العالمي، من الغرب إلى الشرق. تَمكن هذا المارد الاقتصادي والبشري الهائل، من تحويل الأستاذة التقليديين للاقتصاد العالمي، إلى مجرد تلاميذ في مدارسه!. لماذا؟ لأن الصين استطاعت احتواء الأزمة بسرعة، وحققت نمواً كبيراً بلغ 10 في المائة، حتى في ذروة الركود. لقد باتت السرعة التي يخرج بها اقتصاد ما في هذا العالم من مطبات الأزمة، مؤشراً واضحاً لمدى قوة هذا الاقتصاد، وقابليته على الاستدامة، ومرونته في أوقات المحن والمصاعب. وعلى العكس تماماً أصبح البطء في خروج اقتصاد آخر منها، علامة أكثر من واضحة، على أنه ليس ضعيفاً فحسب، بل يعاني "موروثات" اقتصادية، كانت حتى وقت قريب، جزءاً أساسياً من عظمته.

بصرف النظر عن الجهود التي تبذلها الدول الأوروبية الكبرى – وتحديداً ألمانيا – لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الدول الأوروبية السابحة بالديون، فإن الصين تبرز على الساحة، كمنقذة محتملة لهذه الدول، ليس نظرياً بل عملياً. أما لماذا عملياً؟ فلأن للصين تجربة تاريخية مستمرة مع الولايات المتحدة، كأكبر دولة دائنة لها ( يقول الخبير الاقتصادي الأميركي توم وينيفريث: إن أميركا في الواقع مملوكة للصين)، ولأنها تمتلك احتياطي هائل من العملات ( بلغ 2684 مليار دولار أميركي في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي)، ولأن الإنقاذ الصيني يصب في مصلحة بكين نفسها. فالدفاع عن اليورو يخدمها، على اعتبار أن الاتحاد الأوروبي هو في الواقع شريك الصين التجاري الأول، وبذلك تضمن مواصلة شراء الأوروبيين للسلع والمنتجات الصينية، أو عدم اضطراب صادراتها إلى دول الاتحاد. ولأن الأمر في مصلحتها، فلا تخفي بكين توجهاتها في هذا الصدد، فقد أعلنت وزارة الخارجية الصينية رسمياً: " أن أوروبا ستكون في المستقبل سوقاً رئيسة لاستثمار احتياطينا من القطع، وأننا مستعدون لمساعدة دول منطقة اليورو على تجاوز الأزمة المالية، والنجاح في انتعاشها الاقتصادي". ولأن الأمر كذلك، أبدت الصين رغبة معلنة وقوية، في أن تساهم بصندوق النقد الدولي من أجل أوروبا.

إذن.. يمكن للصين أن "تشتري" أوروبا، بما تملك من احتياطيات مالية ضخمة، حتى وإن كانت هناك مخاطر. فالمخاطر الكبيرة تجلب عوائد كبيرة. وفي النهاية، فالضمانات الأوروبية هي من أجود الضمانات على الصعيد العالمي، وبالتالي فإن المخاطر – إن وجدت – لن تتحول إلى مصيبة للدائن. وقد وجد أستاذ الاقتصاد في جامعة "تسنغوا" الصينية باتريك شوفانيك، أن الدور الجديد الذي يلعبه الصينيون، يوفر لهم فائدة على الصعيد السياسي، كما أن هذا الدور يتفق مع خطط بكين للتنويع. ويقصد هنا أن الصينيين سيصبحون أقل ارتباطاً بالدولار الأميركي. وهذا صحيح إلى أبعد الحدود. فالتدخل الصيني في إنقاذ أوروبا من آثار ديونها، سيمنح بكين حصانة تسعى إليها، من الانتقادات الغربية ( بل والهجوم الغربي في بعض الأحيان)، الموجهة لها، على عدة أصعدة، في مقدمتها، حقوق الإنسان والحريات، وطبيعة ومفهوم اقتصاد السوق في الصين. فنحن نعرف – وخبرنا ذلك في أكثر من منطقة في العالم – بأن المعايير الأخلاقية والإنسانية، تنزوي أمام المصالح الاقتصادية. وإذا كانت الصين ستقوم بدور المنقذ لأوروبا، فلا مانع من الاعتراف الأوروبي المطلوب، بطبيعة الحراك الاقتصادي الصيني، ولا مانع أيضاً أن " تغضب" الولايات المتحدة قليلاً - أو حتى كثيراً – من هذا الاعتراف، مع الإشارة إلى أن الصين اشترت في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي سندات خزينة أميركية بقيمة 907 مليار دولار، رغم أن عائداتها ضعيفة. وليسمح لنا المسؤولون في المفوضية الأوروبية، أن نتجاهل تصريحاتهم، التي يمررون من خلالها " الأكليشيه" الممل، بأن التدخل المالي الصيني، لن يكون مقابل موضوعات أخرى قابلة للتفاوض.

في أعقاب الحرب العالمية الثانية، تدخلت الولايات المتحدة بمشروعها الشهير "مشروع مارشال" لإعادة إعمار أوروبا، ومع هذا المشروع احتلت مكانة الإمبراطوريتين الكبريين البريطانية والفرنسية، وإن تقاسمت النفوذ على العالم مع " الإمبراطورية" السوفيتية آنذاك. وفي خضم الحرب على الأزمة الاقتصادية العالمية، احتلت الصين بهدوء مركز ألمانيا كثالث أكبر اقتصاد عالمي، وبعدها بقليل احتلت – بهدوء أشد – مركز اليابان كثاني أكبر اقتصاد. وحسب دراسة لمؤسسة " كونفرس بورد" الكندية، التي وصفتها صحيفة "الديلي تلجراف" البريطانية الرصينة، بأنها تحظى باحترام كبير، فإنه يمكن للصين أن تتخطى الولايات المتحدة خلال عامين فقط، لتحل محلها كأكبر قوة اقتصادية في العالم، ليس من ناحية القيمة الدولارية، بل من جهة القدرة الشرائية. ومضت الدراسة أبعد من ذلك، حين حددت العام 2020 ليشهد تفوق الناتج الإجمالي الصيني على الناتج الأميركي. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار العوائد الضئيلة لشراء السندات (الديون)، أو المخاطر الناجمة عنها، فإننا لا نستطيع أن نتجاهل حقيقة أن للصين دوافع سياسية وإستراتيجية على الساحتين الأوروبية والعالمية، أكثر منها دوافع مالية.

لنضع المفارقات جانباً، خصوصاً فيما يرتبط بتدخل دولة نامية لإنقاذ دول متقدمة من الإفلاس. فالصين تسير بقوة لتكريس نفسها كقطب اقتصادي يناطح الولايات المتحدة، ويجني الكثير من "الثمار" السياسية والإستراتيجية. قطب يُغير – حباً أو كرهاً – المفاهيم الاقتصادية العالمية، التي كان الغرب حتى وقت قريب، "يرجم" كل من يمسها. هذا القطب هو الذي سيكون "اقتطاعي" النظام الاقتصادي الجديد المتُشكل عنوة. سيكون " اقتطاعي"، بلا عنجهية أو تكبر، وبلا أحكام مسبقة. سيتعاطى من السوق كسوق، لا كمكان لـ "العبادة" الاقتصادية، أو كساحة لـ " كهنوت" اقتصادي مريب، كان يجرم المُستفسر عما يحدث، تماماً كما كان يجرم من يحاول الإصلاح!.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الاثنين، 20 ديسمبر 2010

فقراء الأثرياء

( هذا المقال خاص بجريدة " الاقتصادية")



" إننا نرتكب إثماً، عندما يكون بؤس الفقير سببه قوانين المؤسسات، لا قوانين الطبيعة "
تشارلز داروين عالم الطبيعة الإنجليزي

 
 
 

محمد كركوتـي
 
يستطيع الفقراء "التقليديين" ( أو الذين لا يعرفون سوى الفقر في حياتهم)، أن يواسوا النفس قليلاً. فآفة الفقر لم تعد حكراً عليهم، ولم تعد صفة أبدية ملتصقة بهم، بصرف النظر عن ضخامة أعدادهم. وبإمكان هؤلاء النظر إلى جهة الغرب الثري ( أو الذي كان ثرياً قبل الأزمة الاقتصادية العالمية)، لا إلى بعض الشرق الفقير في آسيا، ولا كل الجنوب الفقير في أفريقيا وأميركا اللاتينية، لكي يشهدوا انضمام " زملاء" جدد لهم. من أين؟ من قلب القارة الأوروبية!. يمكن للفقراء والجوعى، الذي "يتوارثون" الفقر أباً عن جد، أن يستغربوا من هوية "الزملاء" الجدد، ويمكن أن يُشككوا في فقرهم، على اعتبار أن أوروبا، تجاوزت الفقر – بمفهومه العام - منذ قرنين من الزمن، وأسست لمجتمعات فيها الحد الأدنى من الكرامة الغائبة عن قارات بأكملها في هذا العالم. ويمكن أن يرتابوا أيضاً، لأن الفقراء الغربيين الجدد، انضموا إليهم من دول باتت جزءاً أصيلاً من هيكلية الاتحاد الأوروبي. هذا الاتحاد الذي يهدف أساساً – منذ بدء خطواته الأولى في خمسينات القرن الماضي – إلى جعل الرخاء السمة الأساسية لشعوبه، وتكريس الكرامة كجزء رئيسي من العمل السياسي – الاقتصادي – الاجتماعي، وقتل المعاناة أينما وجدت ضمن حدوده. لكن الأمر ليس كذلك في الواقع. نعم.. هناك ملايين الأوروبيين من الذين يعيشون في فقر مدقع، وهناك ملايين آخرين من أولئك الذين نالوا جانباً واحداً على الأقل من آثام الفقر، ومن شظف العيش، ومن فقدان الكرامة.

يقول نيكولاس تشامفورت الأديب والكاتب الفرنسي :" هناك طبقتان في المجتمع. الأولى: تمتلك الطعام أكثر من شهيتها، والثانية تمتلك الشهية أكثر من طعامها". وبعده قال الفيلسوف الأميركي وليام جيمس :" إن الفقر السائد في الطبقة المتعلمة، هو أسوأ الأوبئة الأخلاقية التي تعاني منها الحضارة". والحقيقة، أن فحوى المقولتين ينطبق بصورة واقعية على الحالة الغربية، لاسيما الأوروبية منها. فهناك طبقتان بالفعل. الأولى تستحوذ على الطعام أكثر مما تحتاج، والثانية "تستحوذ" على الشهية أكثر مما تملك من طعام. والطبقة المتعلمة في أوروبا، تشكل الشريحة الأعرض والأكبر فيها، فيما لو قورنت بالطبقات المماثلة في مناطق أخرى من العالم. أن تَعثر عن الفقر في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، هو أمر طبيعي. فبلدان هذه القارات، امتزجت حياةً وكرامةً، بالعوز والشح والقحط والجوع والمرض والأوبئة. لكن أن " تتعثر" بالفقر في قلب أوروبا، هو أمر يدعو إلى التأمل، ولا بأس من الاستغراب معه.

بعد عامين تقريباً من اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية، يتوصل المركز الأوروبي للإحصاء (يورستات)، إلى نتائج تنطبق على دول نامية، لا على الدول الـ 27 التي تشكل الاتحاد الأوروبي!. فقد وجدت دراسة المركز التي حملت عنوان " الدخل وظروف الحياة في الاتحاد الأوروبي"، أن 116 مليون إنسان ( أي ما يوازي ربع سكان الاتحاد تقريباً)، تعرضوا للفقر أو إلى شكل من أشكاله، منذ العام 2008، وأن 42 مليون من هؤلاء، عانوا من الحرمان الشديد، مثل عدم القدرة على دفع الفواتير، والمحافظة على دفء منازلهم، وامتلاك سيارة وهاتف. ويتركز أغلبهم في بلغاريا ورومانيا ولاتفيا، في حين كانت النسب الأقل في السويد وهولندا والدانمارك وإسبانيا ولوكسمبورغ. وعلى صعيد آخر من الفقر، فقد أظهرت الدراسة أن 34 مليون أوروبي ينتمون إلى أُسر ضعيفة مهنياً، حيث يعمل الراشدون بنسبة أقل بـ20 في المائة من قدراتهم، ومعظمهم في أيرلندا.

وعلى الرغم من أن الفقر نال من جميع شعوب الاتحاد الأوروبي، إلا أنه يبدو مستحكماً بصورة كبيرة في دول شرق القارة، الأمر الذي يكرس وجود طبقية أوروبية، لم تقم إستراتيجية الاتحاد بتخفيف فوارقها طوال السنوات الماضية. ففي داخل الاتحاد الأوروبي هناك غرب بوفرة – وإن تقلصت هذه الوفرة كثيراً بسبب الأزمة – وشرق بشح!. والحقيقة أن دول الشرق الأوروبي، تحولت بعد انضمامها إلى الاتحاد، من دول العالم الثاني على الصعيد الدولي، إلى دول نامية على ساحة الاتحاد!. فقد أثبتت آليات الاتحاد فشلها في رفع دول "الصف الثاني"، إلى "الصف الأول" عالمياً. وهذا الأمر يحتاج إلى مراجعة حقيقية وفورية، إذا ما أراد القائمون على الاتحاد، أن يكون منظومة متناغمة بشكل كامل، لا بصورة جزئية، وأن يستحق توصيفه، كواحد من أفضل الاتحادات العالمية.

هذا بالنسبة إلى الدول الأوروبية التي استحوذت على أكبر عدد من الفقراء منذ اندلاع الأزمة العالمية. أما فيما يتعلق بالدول التي "احتضنت" العدد الأقل، فالوضع ليس جيداً، بل ويتفاقم بصورة خطيرة، مع تفاقم أزمة الديون الحكومية، و"الاستحقاقات التقشفية" لهذه الأزمة. وقد شهدت الدول التي تعاني من أزمة الديون والعجز في موازناتها ( من بينها بريطانيا واليونان وأسبانيا وأيرلندا)، موجات خطيرة من الاحتجاجات الشعبية، وضعت مستقبل حكوماتها على المحك. وفي دولة كبريطانيا تتمتع بثالث أكبر اقتصاد أوروبي، وسادس أكبر اقتصاد عالمي ( بعد احتلال الصين المركز الثاني عالمياً)، يرغب ثلاثة أرباع سكانها – حسب استطلاع لجريدة " ديلي ميل" البريطانية – بالهجرة بسبب الصعوبات الاقتصادية!. وأن ربع هؤلاء يعتزمون فعلاً الهجرة، مع تآكل القوة الاقتصادية لبلادهم!. وفي النمسا – مثلاً – البلد الأوروبي الرابع من حيث الثراء في القارة، ارتفع عدد المتاجر الخيرية، التي تبيع بضائعها بأسعار رمزية جداً، وفي بعض الأحيان مجاناً، حسب حالة المشتري المعيشية. لا نتحدث هنا عن اليونان أو البرتغال أو أسبانيا، التي تمكنت منها مؤشرات الفقر بكل أشكاله، ونالت بعض الشرائح فيها، شكلاً واحداً على الأقل من الفقر والشح والحاجة، لاسيما شريحتا العاطلين عن العمل وكبار السن. وعلى الرغم من أن الاتحاد أعلن نهاية العام 2009، أن العام 2010 سيكون " عام أوروبي لمكافحة الفقر والإقصاء الاجتماعي"، إلا أنه لم يحقق أي تقدم في هذا المجال. فعدد الفقراء الأوروبيون، لم ينقص، ومعاناتهم لم تخف، بينما تزداد مخاوفهم من الآثار الاجتماعية لمخططات التقشف المختلفة.

لن تمر قضية الفقر في الاتحاد الأوروبي، ومعها أزمة الديون والعجز في الموازنات العامة، وارتفاع معدلات البطالة، دون أن تسبب تحولات سياسية واقتصادية، لا توجد حكومة في هذا الاتحاد ترغب فيها. وقد قذفت الأزمة الاقتصادية العالمية إلى السطح، قضايا لم تكن موجودة على طاولة الاجتماعات الأوروبية، أو على الأقل كانت قيد التأجيل الدائم ( أو إلى حين ميسرة!)، وفي مقدمتها الفجوة الهائلة بين دول غرب الاتحاد وشرقه. فالتفاوت في الرواتب والأجور وبعض المزايا الاجتماعية، يعكس بالضرورة التفاوت في الاقتصاد بين دول الاتحاد. وهذا أمر طبيعي. والحل الوحيد للقضاء على هذا التفاوت، أو حتى تقليل دائرته، ليس أقل من قيام الدول الثرية في الاتحاد، التخلي عن بعض مداخليها لصالح اقتصادات الدول الفقيرة فيه. وأستطيع أن أجزم، بأن هذا الأمر لن يحدث، بعد الأزمة الاقتصادية العالمية. فهذه الأزمة، لم تنل من المداخيل الأوروبية فحسب، بل نالت من التسامح الأوروبي نفسه، وأحيت مشاعر الوطنية – المحلية الضيقة. لقد أوجدت "قومية اقتصادية" متطرفة، تحتاج إلى عقود من الزمن لكي تزول عن الساحة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الاثنين، 13 ديسمبر 2010

"ويكيليكس" جرينسبان

(هذا المقال خاص بجريدة " الاقتصادية")










" الفضائح الكبرى تصنعها دول كبرى"
وليام شكسبير أديب ومؤلف وشاعر إنجليزي

 
محمد كركوتـي
 
 
ذكرتني أكوام الوثائق الأميركية على موقع " ويكيليكس" – فاضح الأسرار – بأغنية للمغني الأميركي الشهير بوب ديلان، أطلقها في العام 1965 تحت عنوان "لا بأس يا أمي.. إنني أنزُف فقط" أو It's Alright, Ma I'm Only Bleeding . ففي أحد مقاطع الأغنية يقول ديلان: ".. في بعض الأحيان، حتى رئيس الولايات المتحدة، يجب أن يقف عارياً". فقد أراد أن يقول: في العمل العام ( ولاسيما السياسي والاقتصادي)، لا أحد يمتلك القدرة على البقاء وراء الستار ( أو خلف القناع) إلى ما لا نهاية. وقتها كان ديلان ينشد هذه الأغنية على قارعة الطريق مقابل البيت الأبيض الأميركي. لا نعرف إذا ما كان موقع " ويكيليكس"، يمتلك وثائق سرية أميركية اقتصادية داخلية، أو أنه سيمتلكها في المستقبل. لكن المرجح أن هذا الموقع الذي أهان الدبلوماسية الأميركية بتعريتها على طريقة الـ "استربتيز" (أو التعري قطعة بعد أخرى)، بات متخصص في البرقيات التي ترسلها سفارات الولايات المتحدة الأميركية في العالم، إلى وزارة خارجيتها مصنفة تحت ختم "سري"، وتعد بعشرات الآلاف. وفي الواقع.. أن الموقع " الفاضح"، استبق الكشف عن الوثائق ثلاثين عاماً. فالغالبية العظمى من هذه الوثائق، تدخل في الغرب الخزائن الموصدة بكل الأقفال المتوافرة، قبل أن تُطرح للعامة بعد ثلاثة عقود من الزمن. وبعض هذه الوثائق تُقفل لمدة خمسين عاماً، وبعضها الآخر يبقى تحت الأرض لـ 75 عاماً، بعد أن يدخل أبطالها تحت الأرض إلى الأبد.

ماذا لو تمكن "جنود ويكيليكس" من الوصول إلى الوثائق المرتبطة بمقدمات الأزمة الاقتصادية العالمية؟. دون أن ننسى، أن هذه الأزمة التي اندلعت في العام 2008، تحفل بمقدمات تعود إلى أكثر من عشرين عاماً قبل الانفجار. ماذا يمكن أن تحتوي هذه الوثائق؟. كيف كانت سوق "وول ستريت" تعمل؟. كيف كانت البنوك المركزية – وتحدياً الأميركي - تغطي على الجريمة الاقتصادية الكبرى؟. ما هي التفاصيل الحقيقية الخاصة بالأدوار التي لعبتها الحكومات الغربية، في فوضى الأسواق والمصارف؟. كيف ستكون وثائق "البطل الاقتصادي" آلان جرينسبان رئيس المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) السابق؟. وكيف استطاع هذا "البطل" الإنفراد في القرار الاقتصادي دون تدخل من الإدارات الأميركية المتعاقبة على مدى 18 عاماً متواصلة؟. ما هي المراسلات والاتصالات الخاصة بنشاطات المحتال الأميركي الكبير برنارد مادوف؟. وهل تم بالفعل متابعة هذا المحتال؟. ماذا تضمنت الوثائق – إن وجدت – من معلومات عن القروض التي كانت تُمنح لمن يرغب، من دون الحد الأدنى من الضمانات؟. هل كانت هناك مراسلات (وثائق) تُحذر بالفعل من مغبة الفوضى المالية، وتجاوز المصارف الحدود الآمنة؟. ما هو محتوى الوثائق الخاصة بتحذيرات شخصيات غربية مختلفة، من العواقب المترتبة على ترك الأسواق تعمل بدون ضوابط أو حتى رقابة، وبالتأكيد بدون سلوك أخلاقي؟.

نحن نعلم أن "ويكيليكس" سينشر مجموعة من الوثائق الخاصة بالشركات، وذلك طبقاً لما أعلنه الموقع المذكور، ولكن غالبية هذه الوثائق تختص بنشاطات وتحركات شركات على الساحة العالمية، بما في ذلك علاقاتها المُريبة مع الحكومات الأجنبية، والضغوط – بل والتهديدات- التي تمارسها على بعض الحكومات للفوز بعقود تصب في مصلحتها أولاً وأخيراً، لا في مصلحة الدول المعنية. ولا بأس في أن تعم الفائدة بصورة أو بأخرى أولئك الذين يقومون بتسهيل وتمرير العقود!. ونعلم – حسب "ويكيليكس" – أن هناك مصارف تستعد لـ "دور البطولة" في الوثائق المزمع نشرها. لكن تبقى الوثائق ( المراسلات، محاضر الاجتماعات، الاتصالات) الاقتصادية المحلية في الولايات المتحدة، هي الأهم في معرفة ما خُفي من حقائق عن الأزمة الاقتصادية العالمية. وهذه الوثائق في الحقيقة لا يتم تداولها بين واشنطن وسفاراتها، وبالتالي لا تدخل ضمن الملفات "السرية" لوزارة الخارجية.

إذا كان العالم يحتاج إلى معرفة الحقائق عن عالم السياسة والدبلوماسية - بصرف النظر عن الطريقة – فإنه بحاجة قوية لمعرفة تفاصيل المقدمات التي سبقت الأزمة. لماذا؟ لأنها – أي الأزمة – نالت من كل شيء، الاقتصاد ومعه السياسة والثقافة والمجتمع والأخلاق والتسامح والانفتاح والتعاون. نالت من كل معاول البناء. والسؤال الذي يمكن طرحه هنا هو: هل لو كانت "ويكيليكس" حاضرة على الساحة الأميركية – العالمية قبل عشر سنوات أو أكثر، يمكن أن تساهم في كبح جماح مقدمات الأزمة الاقتصادية العالمية؟. وبصيغة أخرى للسؤال نفسه، هل لو تم الكشف عن الألاعيب الاقتصادية التي سادت الساحة الأميركية بصورة لم يسبق لها مثيل، يمكن أن توفر حصانة ضرورية ومطلوبة للاقتصاد العالمي؟. لا شك في أن ظهور الحقائق – أي حقائق – تسهم إلى حد بعيد في تغيير السياسات المتبعة، وتُحدِث تبدلاً في المنهج المعتَمد. ففي العادة، ما ينفع سراً لا يستوي علناً، مع الاعتراف بأن الكشف عن الحقائق والخبايا – والنيات – في السياسة والاقتصاد تحديداً، يعزز مواقع أولئك الذين يُحبون إسقاط نظرية المؤامرة على كل شيء. ولا شك في أن هؤلاء يتمسكون بما قاله المؤلف والكاتب الأميركي فينيمور كوبر "الجميع يقولونها. وما يقوله الجميع يجب أن يكون صحيحاً". ومعه قال مؤلف وكاتب أميركي هو لوجان سميث "إنه لأمر مفزع.. أن يكون ما يقوله الناس علينا صحيح".

محبو عامل المؤامرة – أو نظريتها – يستطيعون في ظل أكوام وثائق "ويكيليكس"، أن يمضوا قُدماً في إسقاطها على الأزمة الاقتصادية العالمية، رغم أنها – أي الأزمة – لم تكن مؤامرة بأي حال من الأحوال، وذلك طبقاً لنتائجها الكارثية على المُتَهمين أنفسهم بالمؤامرة. ولكن بلا شك، كان وراء الأزمة مؤامرة ما. أبطالها أولئك الذين تسيدوا الأسواق العالمية الكبرى، وفي مقدمتها "وول ستريت". مؤامرة تورط فيها السياسيون الكبار، لا حباً فيها، ولكن لإيمانهم الأعمى، بضرورة أن تبقى الأسواق بمعزل عن الرقابة والقيود والضوابط، بل والمحاسبة أيضاً!. ولأن الأمر كذلك، فقد انزوت القيم والأخلاق، وتقدمت على مدى أكثر من عقدين معايير تعالي السوق على المجتمع!. ومما لاشك فيه، لو ظهر "ويكيليكس" اقتصادي أميركي محلي، لاطلعنا على مراسلات بين آلان جرينسبان – مثلاً – ووزراء المالية الأميركيين الذين تبدلوا وهو في منصبه، تتضمن تطمينات منه على الأمور تجري على ما يرام، بل أفضل مما يرام!. وأن أولئك الذين يحذرون من وقوع أزمة، ليسوا سوى أفاقين أو متشائمين أو كارهي النجاح!. وسيقول جرينسبان: إن الأم تيريزا ليست أكثر أخلاقاً أو نظافة من سماسرة "وول ستريت"، وأن القروض التي تُمنح للناس بدون ضمانات، هي لمساعدتهم ومساعدة أسرهم، لا لتكبيلهم بديون لن يستطيعوا ما عاشوا تسديدها. سيقول: انظروا إلى برنارد مادوف، كيف يخصص عشرات الملايين من أمواله للجمعيات الخيرية. إن أولئك الذين يصفونه بالمحتال، هم المحتالون!. سيكتب جرينسبان في الوثائق: إن الأزمة الحقيقية، هي تلك التي يعيشها الذين لا يرغبون في اقتصاد حر، ويعتبرون النمو الراهن الذي يخلب الألباب.. عبثياً. لماذا؟ - والكلام لـ "بطل الأزمة" - لأنهم يريدون منا أن نعيش كما كان الشعب السوفييتي يعيش تحت الحكم الشيوعي!.

وبالطبع لن يقول جرينسبان في مراسلاته المفترضة – قبل الأزمة – ما قاله بعدها. ماذا قال؟ إن هذه الأزمة لا يمكن لأحد أن يتصورها. إنها لا تحدث إلا مرة واحدة كل مائة عام!!.

الثلاثاء، 7 ديسمبر 2010

لو كان "دفاع" إيطاليا الاقتصادي بقوة دفاع منتخبها لكرة القدم؟!

( هذا المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")





" في الحقيقة، إن الذين وضعوا اليورو، كانوا يهدفون إلى تسويق اتحاد سياسي "
جيرهارد شرويدر مستشار ألمانيا السابق




محمد كركوتـي

المشهد الأول من الفصل الرابع، لـ "الفيلم" الأوروبي المرعب الطويل "الديون الحكومية " أو "من أجل مئات المليارات من الدولارات"، تتنافس على "بطولته" كل من إيطاليا وأسبانيا. فالفصول الثلاثة الأولى من الفيلم نفسه، كانت بعنوان واحد، لكن بتوصيفات مختلفة، وفق الترتيب التالي: "المهمة اليونانية"، وبعدها "المهمة الأيرلندية"، وبعدهما "المهمة" البرتغالية. ولا يمكن لأي مراقب أن يحسم، وضعية “المهمة". هل هي مستحيلة أم لا؟!. وكما جوائز "الأوسكار"، هناك "تنافس" حاد بين دولتين أوروبيتين. أسبانيا كانت مرشحة لهذا الفصل بقوة، لكن "حظوظ" إيطاليا، تبدو أكبر، في ظل معطيات اعتقدت روما أنها لن تظهر على الساحة بهذه السرعة. علماً بأن هذا لا يعني على الإطلاق، أن أسبانيا لن "تفوز" بفصل من "الفيلم" الأوروبي المرعب. فالقضية تبدو مرتبطة بالزمن، لا بتحسن أو سوء الأوضاع الاقتصادية والمالية في هذا البلد. وبعبارة تقليدية.. القضية لم تعد "هل تطلب أسبانيا إنقاذا مالياً أوروبياً"؟، بل أصبحت منذ وقت "متى تطلب"؟.

وفي كل الأحوال، لا فرق بين الفصل الرابع والخامس، فالأحداث لن تكون ألطف أو أقل درامية في أي منهما، تماماً كما هي أحداث الفصول الثلاثة الأُول. ومحاور الأحداث، هي.. هي. عجز في تسديد الديون. ارتفاع العجز في الموازنة العامة. وفد زائر من صندوق الإنقاذ الأوروبي وصندوق النقد الدولي. فتح الملفات المالية. مراقبة خطط التقشف المريعة. تخصيص الأموال للإنقاذ. جولة جديدة من الإهانات والتجريح، لاسيما الألمانية منها. وبعض التهديدات، لاسيما الفرنسية منها. ولا بأس من بعض "المعاندة" الإعلامية فقط من جانب الدول الغارقة بالديون والعجز والمصير المالي شبه المجهول، كما أنه ليس هناك ما يمنع المسؤولين في هذه الدول من نفي الأخبار التي ستتحدث عن طلبهم للإنقاذ المطلوب، في بداية الفصل فقط.

يشتهر المنتخب الإيطالي لكرة القدم طوال عقود من الزمن، بأجود أنواع الدفاع على الإطلاق. إلى درجة أن إحدى شركات المنتجات الرياضية، نشرت إعلاناً في أوروبا في تسعينات القرن الماضي، كان عبارة عن سؤال هو : ما هي أسهل وظيفة في أوروبا؟.. في الإعلان نفسه تأتي الإجابة: أن تكون حارساً لمرمى المنتخب الإيطالي. لكن في حالة " المنتخب الاقتصادي الإيطالي" – إن جازت التسمية – لا يبدو الأمر كذلك، رغم ما أبداه هذا " المنتخب" من مقاومة شديدة. ففي العام المقبل، يتوجب على الحكومة تسديد 300 مليار يورو من الدَين العام، الذي بلغ قرابة 120 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، يضاف إلى ذلك أن نصيب إيطاليا من فاتورة الإنقاذ الأوروبية، سيضع موازنتها العامة تحت ضغط رهيب. وهذا وحده يشكل مخاطر تهدد ما تبقى من قوة الاتحاد النقدي الأوروبي. وعلى الرغم من أن غالبية الديون الإيطالية، هي من مصادر محلية، إلا أنها تبقى ديوناً قاصمةً، في ظل نمو اقتصادي هش، أو مهزوز، كما أنها في النهاية تظل محرك لعدم الاستقرار السياسي في البلاد. إذن.. تقهقرت قوة دفاع رئيس الوزراء سيلفيو برلسكوني على الصعيد الاقتصادي، ولم يستطع أن يقترب من قوة الدفاع التاريخية التي كان يتحلى بها – على سبيل المثال – مدافع المنتخب باولو مالديني، أو فابيو كانافارو، أو أليساندرو نيستا!.

الفصل الرابع من "الفيلم" الأوروبي المرعب "من أجل مئات المليارات من الدولارات"، بات يحمل عنوان " المهمة الإيطالية"، ومعه تزداد الضغوط على منطقة اليورو، ومصير هذه العملة. وعلى الرغم من أن الدول الكبرى في المنطقة المذكورة، لا تزال تُبدي دفاعاً قوياً عن اليورو ومستقبله كعملة "وطنية" أوروبية، غير أن هذا لم يمنع مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل، أن تهدد سراً خلال القمة الأوروبية التي عقدت في بروكسل أواخر أكتوبر/ تشرن الأول الماضي، بأنها قد تلغي اليورو إذا ما فشلت في وضع نظام جديد للعملة الأوروبية الموحدة!. وقد حاول المسؤولون الأوروبيون – بمن فيهم الألمان – جاهدين للحيلولة دون تسريب هذا التهديد إلى الإعلام، إلا أنهم فشلوا جميعاً. فأن تعلن دولة كالبرتغال – مثلاً - إمكانية انسحابها الطوعي من اليورو، هو أمر لا يشكل هزة. ولكن أن تهدد ألمانيا التي تمتلك مفتاح صندوق الإنقاذ الأوروبي، بإمكانية الانسحاب، فهذا أمر ليس خطيراً فحسب، بل كارثياً على الاتحاد الأوروبي برمته. مشهد في الفصل الرابع لـ " المهمة الإيطالية"، يحتوي على طرح، ربما يكون مقدمة لانهيار منطقة اليورو. هذا الطرح لم يتبناه أي من المسؤولين الألمان، لكنهم في الوقت نفسه، لم يوجهوا الانتقادات له!. إنه ببساطة يدعو إلى تقسيم منطقة اليورو، إلى منطقتين شمالية وجنوبية!. ويقول "كُتاب" هذا السيناريو: "إن هذا التقسيم هو أفضل الحلول الممكنة لإنقاذ العملة الأوروبية الموحدة من الانهيار".

والحقيقة، أنني أجد صعوبة في تبرئة أنجيلا ميركل من استمتاعها "بالألحان" المصاحبة لمشهد التقسيم. فهذا المقترح أو الطرح لا يصب إلا في المصلحة القومية الضيقة لألمانيا، التي ستجني الكثير من الفوائد في المرحلة الراهنة، لكن أحداً لا يضمن استمرار هذه الفوائد في المستقبل. إذن.. فلنتابع "مشهد التقسيم" باهتمام شديد، ونربطه بالمشهد الأول من الفصل الرابع، الذي تضمن تهديداً سرياً عنيفاً من ميركل بالانسحاب من اليورو. ولنتابع أيضاً، مشهداً في الفصل نفسه سيظهر على "الشاشة"، تدور وقائعه حول دولة مثل إيطاليا، قد تلجأ في النهاية إلى صندوق الإنقاذ الأوروبي، الذي تساهم فيه مباشرة!. وإذا ما استُكمل المشهد المذكور، فيمكننا بسهولة أن نغير اسم الصندوق إلى " صندوق التكافل الأوروبي"!. مهلاً.. مهلاً، هناك تكهنات لا تزال في نطاق الشائعات، تتحدث عن إمكانية أن تلجأ مَنْ؟ فرنسا نفسها إلى الصندوق، لأن هذه الأخيرة ليست عصية عن الانضمام إلى قائمة الدول الأوروبية المتعثرة!!.

لا نريد استباق الأحداث. وعلينا أن نعترف بأنه لا يزال في صندوق الإنقاذ المشار إليه ما يزيد قليلاً عن 500 مليار يورو. لكن السؤال الأهم هو: هل ما تزال السلسلة التي تجمع دول منطقة اليورو قوية بما يكفي لانضمام أعضاء جدد – بوزن إيطاليا مثلاً – إلى نادي الدول المتعثرة؟!. وفق المعطيات الموجودة على الساحة، بدأت هذه السلسلة بالتضعضع، مع انضمام أيرلندا (الفصل الثاني من "الفيلم") إلى هذا النادي، ليس بسبب الـ 85 مليار يورو التي حصلت عليها في سياق عملية نجدتها، ولكن لأسباب سياسية – اقتصادية، وُلِدَت في الواقع من معايير شعبوية – محلية. فلا عجب من إعلان وزير المالية الألماني راينر برودله، بـ " أن دافعي الضرائب الألمان، لن يقبلوا بضخ أموال إضافية لمضاعفة ميزانية صندوق إنقاذ اليورو، لمساعدة دول جديدة متعثرة". فهو يعلم أن إنقاذ دولة مثل إيطاليا، يعني استهلاك الحجم الأكبر من رصيد الصندوق، وبالطبع لا أحد يريد،وحتى أن يُفكر، بأضعف احتمالات انضمام فرنسا إلى نادي المتعثرين. ولو تخيلنا تحول هذا السيناريو إلى فصل جديد من "الفيلم" الطويل، ستبحث منطقة اليورو عن منقذ لها. وهو بالتأكيد لا وجود له في الكرة الأرضية، قد يكون في عالم آخر.. لكنه بالتأكيد ليس في عالمنا هذا!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ