الاثنين، 28 فبراير 2011

سارقون.. سارقون لآخر مدى

(هذا المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")





" الفأر ليس هو السارق، بل الفتحة التي تمكنه من المرور بها"
هيرمان جاكوب قاض أميركي





محمد كركوتــي

كانت حادثة تثير الاشمئزاز والشعور الفوري بالتقيؤ. كنت جالساً مع أصدقاء في بهو أحد الفنادق اللندنية، عندما أتى رجل بسمات عربية- إفريقية، وطلب مني (ربما لأني كنت أكبر الجالسين سناً)، أن ننتقل إلى جهة أخرى في المكان نفسه. وعندما استفسرت عن السبب قال لي: إن السيد سيف الإسلام القذافي (يحتل "منصب" نجل العقيد معمر القذافي منذ ولادته!) ومرافقيه، يرغبون في الجلوس في نفس المكان، وأن نجل "قائد الثورة" يعتبرنا ضيوفه. بمعنى آخر، إنه سيسدد الفاتورة. لم أكلف نفسي عناء الرد على هذا الرجل، فطلبت من أحد العاملين استدعاء مدير الفندق الذي أتى في غضون ثوان، وأمرته بصوت مسموع أن يُبعد هذا الرجل، معبراً عن عدم اهتمامي في أي مكان يرغب الجلوس فيه، هو أو حتى والده، إن وجد آنذاك. أخذ المدير رجل القذافي مبتعدان إلى حيث كان يقف سيف الإسلام، وعلى وجهه علامات "الغضب الباسم". فقد عرف، أن تطور المشهد لن يصب إلا في مصلحتي، وأن السلوك الاستبدادي لا يصلح إلا في ليبيا، وغيرها من الدول، التي اختُصرت حضاراتها وكراماتها وإمكانياتها ومقدراتها، مع تاريخها، في شخص واحد، يأسف في قرارة نفسه، أن زمن الأنبياء توقف قبل أكثر من 1400 سنة. مدير الفندق (الإنجليزي الأنيق)، همس لأحد أصدقائي عند خروجنا، بأن سيف الإسلام، كان يود نفحنا بمكرمات مالية، كما يفعل عادة في مثل هذه الظروف. فرد عليه الصديق: تقصد أنه ينفح بمسروقات مالية، وتركه بعد أن أودع في وجهه نظرة اشمئزاز.. وانصرف.

تذكرت هذه الحادثة، وسط طوفان من المعلومات عن الثروة المقدرة لمعمر القذافي وعائلته. ورغم اختلاف مصادر المعلومات، إلا أن هناك شبه تطابق حول قيمة الثروة، والأماكن التي تصب فيها. وتذكرت أيضاً الأموال التي بُددت على مدى أربعين عاماً، في كل الأرجاء. إقليمياً وعالمياً. وتذكرت، كيف أن هذه الثروة والأموال المبددة، ألغت اقتصاد دولة بأكملها، تماماً كما ألغت "الثورة" حضارة وطن بأكمله. في ليبيا الاقتصاد –إن استحق هذا التوصيف- يخص أسرة واحدة، ولا بأس من وجود أسرتين أو ثلاث إلى جانبها! والنمو لا يُحسب فيها بالمقدرات والحراك الاقتصادي، بل بالهبات التي يجود بها القذافي نفسه.

تلك الحادثة، دفعتني لاستعراض حال الليبيين البالغ عددهم 6 ملايين و400 ألف، بينهم 1,5 مليون عاطل عن العمل، و30 في المائة من المجموع الكلي للسكان، يعيشون تحت خط الفقر، في الوقت الذي ينبغي أن يكون فيه متوسط دخل الفرد السنوي 8400 دولار أميركي، وأكثر من 17 في المائة منهم في عداد الأميين. وماذا أيضاً؟ تنتج ليبيا من النفط ما يقرب من 2 مليون برميل يومياً، وتعيش فوق احتياطي مؤكد من النفط يصل إلى 42 مليار برميل، ويبلغ إجمالي الدخل القومي أكثر من 50 مليار دولار سنوياً، لكن قلة من الليبيين يشعرون بهذا الدخل. ماذا يفعلون؟ يقوم المئات من الشباب الليبي يومياً، بمحاولات الفرار باتجاه أوروبا، بل هناك من يحاول الهروب حتى إلى دول أفريقية، هي نفسها تحتاج إلى مساعدات لمواصلة الحياة! لا يوجد في ليبيا صندوق للأجيال القادمة، بل هناك صناديق للأنجال، يخصصون جزءاً منها لتشكيل كتائب عسكرية تسمى بأسمائهم! والنمو الاقتصادي في ليبيا يبدو سرياً، تماماً مثل النمو الذي تحققه الصناديق المشار إليها. والقرارات التي تحدد مصير الاقتصاد، هي إما تلقائية أو عفوية أو مزاجية. في إحدى المرات، قرر القذافي إلغاء الأوراق المالية، ودعا إلى التعامل بالمقايضة! أي أنك تقدم بيضاً لتحصل على وقود! وفي مرات أخرى، دعا إلى توزيع عوائد الثروة النفطية على شعبه نقداً، أي مثل عمال "التراحيل"! ودعا في المناسبة نفسها، إلى إلغاء المدارس والجامعات، وطالب الأسر الليبية بـ "تأجير" المعلمين والأساتذة لأبنائهم! لا غرابة في ذلك، عندما يتوصل "الفيلسوف" إلى اكتشاف هائل الوقع، ضمن نظرية لم يفهمها إلا هو. فقد اكتشف أن المرأة مختلفة عن الرجل، لأنها تحيض، والرجل لا يحيض، وأن الديمقراطية ديكتاتورية، لأنها تعني "ديمو كراسي"، أو الديمومة على الكراسي!

وسط هذه الفوضى المدمرة، تخرج التقديرات عن ثروة العقيد معمر القذافي بين 80 إلى 131 مليار دولار أميركي. وبحساب بسيط، فهي تعادل (بحدها الأقصى) 6 أضعاف ميزانية ليبيا كلها لعام 2011، والتي تبلغ 22,4 مليار دولار. وطبقاً لبحث عن الأمن الغذائي العربي، فإن واردات الوطن العربي من الغذاء سنوياً تتراوح بين 20 و25 مليار دولار، ما يعني أن ثروة القذافي تكفي لسد حاجة سكان الوطن العربي البالغ تعدادهم نحو (340 مليون نسمة) من واردات الغذاء بين 3 و4 سنوات. هذه الثروة موزعة في كل أنحاء الأرض، لاسيما عند صديقه المتهاوي رئيس وزراء إيطاليا سيلفيو برلسكوني، وفي بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية. إنها على شكل أرصدة، واستثمارات في شركات بترول وقصور ويخوت وأندية أوروبية. والحق أن القذافي "عادل" في توزيع الثروة على أبنائه. فحسب التقديرات المتداولة، منح 5 مليارات دولار أميركي بالتساوي لكل واحد منهم. لم يظلم أحد! واستناداً إلى جريدة "التايمز" البريطانية الرصينة، فإن القذافي (وعائلته) هو المسيطر الأوحد على كافة قطاعات الاستثمار في ليبيا، وعلى رأسها النفط، وهذه الاستثمارات يمرر معظمها من خلال إيطاليا.

الثروة التي لم يحتفظ بها معمر القذافي، وزعها تبديداً في كل الأرجاء. فقد أنفق مئات الملايين من الدولارات، دعماً لمنظمة الجيش الجمهوري الأيرلندي. ولأنه خاف من مصير زميله العراقي صدام حسين، فقد قدم لائحة بالأسلحة ومخابئها وبأسماء كبار المسؤولين في المنظمة، إلى المخابرات البريطانية. وقد دخل التاريخ أيضاً، كمُسدد لأكبر تعويض في التاريخ البشري بلغ 1,5 مليار جنيه إسترليني، عندما خاف على نفسه، ودفع تعويضات لأسر ضحايا طائرة الركاب الأميركية التي انفجرت في أواخر ثمانيات القرن الماضي فوق بلدة لوكربي الاسكوتلندية. أنفق مليارات الدولارات دعماً لفصائل أفريقية، هي في الواقع بمنزلة "قطاع الطرق". ولأنه أحب الألقاب، بدد مئات الملايين من الدولارات، على مجموعة من رؤساء القبائل الأفريقية، الذين يلبسون الريش ولا يعرفون الملابس، من أجل الحصول على لقب ملك ملوك أفريقيا. واشترى بمئات غيرها، لقب إمام المسلمين، من "بائع" مجهول!

بعد انتفاضة شعبه، انشغل معمر القذافي في شيئين، لا ثالث لهما. الأول: قتل ما أمكن من الليبيين، وتحويل البلاد من "خضراء" إلى حمراء من فرط سيلان الدم الليبي. والثاني: إخفاء ثروته بأسرع وقت ممكن، وبأفضل طرق متاحة. فهو يعرف، أن زمن هروب الطغاة بأموال شعوبهم قد تغير. صحيح أن هذا الزمن لم ينتهي تماماً، ولكنه بالتأكيد تغير بصورة لم يسبق لها مثيل في التاريخ. فهو مرة يأمر طائراته بضرب المدنيين العزل، ويوجه المرتزقة إلى أماكن القتل، ومرة يُجري الاتصالات ويرسل المبعوثين، لنقل المليارات من الدولارات، من مكان إلى آخر. لندن تحقق، روما برلسكوني تنتظر، واشنطن تجمد، باريس تتصل، بيرن (سويسرا) تحجز، برلين تتحرى. وفي ظل هذا المشهد، ارتبك القذافي، تماماً كما ارتبك أما المد الشعبي الليبي نحوه.

لم يفهم "ملك ملوك أفريقيا"، أن الوقت أهم من المال. بالإمكان نهب المزيد من الأموال، لكن يستحيل الحصول على مزيد من الوقت.

الاثنين، 21 فبراير 2011

أشباه الدول والأموال المنهوبة

(هذا المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")






"الذي يسند السُلَم للص لا يختلف عنه"
مَثَل ألماني




محمد كركوتــي

يدخل رجل (أو امرأة لا فرق) يرتدي بزلة إيطالية فاخرة جداً، يحمل حقيبة (أو حقائب) سفر جلدية فاخرة جداً، إلى أحد المكاتب الفاخرة جداً، في إحدى "أشباه" الدول المنتشرة حول العالم. يأتي موظف (أو موظفة لا فرق) لا يقل أناقة عن الرجل، يفتح الحقيبة، يحصي ما فيها من أموال مع مساعدين له، يعطي الرجل إشعاراً بهذه الأموال، ويصاحبه إلى حيث تقف سيارته الفارهة، ويتمنى له أوقاتاً سعيدة. المشهد يتكرر على مدار الساعة، لماذا؟ لأن أشباه الدول منتشرة جغرافياً وزمنياً حول الكرة الأرضية، بحيث ما أن تنام دولة منها حتى تستيقظ أخرى. بمعنى آخر أن مجموعة هذه الدول، مثل بريطانيا التي كانت في السابق لا تغيب عنها الشمس. ورغم ذلك، فمع الأموال المسلوبة أو المنهوبة، هناك دائماً معاملة خاصة "للموُدع"، تسمح له بأن يطلب فتح المكاتب المريبة، المرتبطة بالمصارف المشكوك بها، في الأوقات غير الرسمية. بل أن هناك كثير من هذه المكاتب تفضل عمليات الإيداع تحت جنح الظلام، تماماً مثل اللصوص الذين يمثل لهم الليل، الوقت الأكثر مثالية لسرقاتهم، ويمنحهم الغطاء المطلوب للنهب والسلب، ولا بأس من القتل لو استدعى الأمر ذلك.

الأموال في الحقائب الثمينة شكلاً ومحتوى، ليست سوى مغانم لحكام طغاة، يسرقون بلدانهم طالما ظلوا في الحكم، ويخبئون هذه الأموال لأيامهم السوداء. فهم يعرفون أنه لا بقاء لهم على كراسيهم إلى الأبد، وهم متأكدون من أن يوماً سيأتي، سيضطرون فيه للبحث في خارطة العالم، عن ملاذ يقبلهم من دون منغصات، وعن دولة ترضى بهم من غير تهديدات، وأن يعيشوا غارقين بأموال سُرقت غالباً من فقراء، ونُهبت حتماً من محتاجين، واختفت في حسابات معقدة، يصعب على أكبر المحققين وأفطنهم فك خيوطها كاملة. لماذا؟ لأن الغطاء الرسمي لها في أشباه الدول، وحتى في الدول الكاملة، لا يزال يوفر لها شيئاً من الحماية، حتى مع وجود قرارات أصدرتها الدول الكبرى، في أعقاب انفجار الأزمة الاقتصادية العالمية، بملاحقة الأموال الناجمة عن الفساد وسرقة المال العام، لاسيما في الدول التي تحكمها أنظمة أقرب إلى العصابات منها إلى أنظمة حكم. أنظمة تحتكر المال العام لنفسها، وتسرق منه ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً. أنظمة تدعي دائماً، أنها لم تسمع أنين جائع، ولا أنات مريض يحتاج إلى دواء، لا للتعافي، ولكن لتسكين الآلام.

أشباه الدول هذه، مرتبطة بصورة مباشرة بدول كبرى، يفترض أنها تقود الحملة الجديدة على أموال الفساد وسرقة المال العام. ورغم وضوح هذا الارتباط، فإن العلاقة بينها وبين الدول الكاملة يشوبها الغموض دائماً، بما في ذلك العلاقة التي تربط –مثلاً- بريطانيا بكل من جزر الكايمان وبرمودا وجزر العذراء البريطانية وجزر تركس وكايكوس وجبل طارق وجيرسي. وهذه الأقاليم أو التابعيات –إن صحت التسمية- تستقطب أكبر قدر من الأموال المسروقة من الشعوب، بالإضافة طبعاً إلى أموال الناجمة عن الجريمة المنظمة والمخدرات والاتجار بالبشر والسلاح غير الشرعي. وطبقاً لكتاب صدر حديثاً بعنوان "الملاذات الضريبية والرجال الذين سرقوا العالم"، للمؤلف نيكولاس شاكسون، فإن لندن تلعب دوراً كبيراً في ماذا؟ في إخفاء ثروات العصابات والسياسيين الفاسدين! وأن شبه دولة مثل جزر الكايمان (يتم تعيين الحاكم فيها من قبل الملكة البريطانية اليزبت الثانية)، تعتبر خامس أكبر مركز مالي في العالم، وتحتضن 80 ألف شركة مسجلة، وأكثر من ثلاثة أرباع صناديق التحوط المريبة الموجودة في العالم، كما أنها معقل ودائع قيمتها 1.9 تريليون دولار أميركي، أي 4 مرات أكثر مما هو موجود في بنوك نيويورك! ولعل من المفيد الإشارة هنا، إلى أن عالم "الأوفشور" في الدول أو المناطق أو الأقاليم الهجينة، منتشر في كل مكان حول الكرة الأرضية، إلى درجة أن نصف تجارة العالم تمر من خلاله، والغالبية العظمى من هذه التجارة، تكون في الواقع على الورق!

لم يجد الطغاة الذين حكموا –ويحكمون- بلداناً مختلفة في هذا العالم، سوى أشباه الدول لتأمين مسروقاتهم، ولا بأس ببعض الدول الأخرى التي كانت تدعي النزاهة، أو في أحسن الأحوال، عدم المعرفة بوجود هذه الأموال السليبة في مصارفها ومؤسساتها المالية. وتكفي الإشارة هنا، إلى أن جهات غربية رسمية (أميركية وأوروبية) اعترفت في العام الماضي، بأن بعض المصارف الكبرى في الدول الغربية، أنقذت نفسها من الانهيار، بماذا؟ بالأموال المسروقة من أصحابها، بالإضافة طبعاً إلى أموال المخدرات، وغيرها من السيولة المالية المشينة. ولأن الأموال المنهوبة تكاثرت في العقود الماضية –ولا تزال- مع تكاثر الأنظمة الاستبدادية وتوالد طغاتها، فقد قام المسؤولون المتعاقبون في أشباه الدول، بهدم المنازل القديمة فيها ومتاجر الهدايا والتذكارات التي تبيع للسياح منتجاتها، ومحال التجارة التقليدية البسيطة، والاستعاضة عنها بالمصارف ومجمعات المكاتب الفاخرة، بالإضافة طبعاً إلى الحانات وأماكن الدعارة، لكي يكتمل المشهد. فالأموال المسروقة هائلة، ولابد أن يتوفر لها أرضية لاستيعابها.

المصيبة أن الأموال المشينة، تُستثمر في الدول الكبرى، وتدخل إليها بطرق مختلفة. ولا يمكن بأي حال من الأحوال، أن يتبرأ المسؤولون منها، أو أن يُبعدوا أنفسهم عن التلوث بها. فالجميع يعلم أن كميات هائلة من هذه الأموال تحديداً، تدخل في صلب تعاملات أسواق المال الكبرى، وفي مقدمتها سوق لندن. ويقول نيكولاس شاكسون في كتابه الجديد: "في الربع الثاني من عام 2009، تلقت بريطانيا تمويلاً صافياً قدره 332.5 مليار دولار أميركي، من ثلاث تابعيات للتاج البريطاني فقط". ويمضي كاشفاً "أن التابعية البريطانية –شبه دولة- جيرسي تروج لنفسها بصفتها مركزاً مالياً عالمياً، وتقول عن نفسها: إنها تمثل جيرسي امتداداً لحي المال في لندن"! وعلينا أن نتخيل حجم الأموال المشكوك في مصادرها، التي تتدفق إلى لندن من بقية التابعيات.

لابد من الاعتراف بأن الأمور تغيرت في العامين الماضيين، فيما يرتبط بأموال الفساد، أو مسروقات الحكام السابقين. وقد صدرت مجموعة من القوانين الدولية التي تصب في مصلحة أصحاب الأموال الحقيقيين. وباستثناء الخطوة السويسرية السريعة لتجميد أموال وأصول الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، فقد جاءت الخطوات الغربية الأخرى متقاعسة أو متهادية. نحن نعلم أن سويسرا أرادت من خطوتها السريعة هذه، أن تبرهن أنها لم تعد ملاذاً آمناً للسارقين الكبار، بغية الحصول على تعاطف دولي معها، لكن تردد بقية الدول، يطرح علامات استفهام كبيرة، لاسيما موقف بريطانيا المتأني كثيراً، إلى درجة دفعت قادة حزب العمال البريطاني المعارض، بل ونواب من حزب الأحرار المشارك في الحكومة، إلى توجيه اتهامات لها بالتقاعس في قضية، ستوفر لبريطانيا تعاطفاً مطلوباً لها عند الشعب المصري، والشعوب الأخرى التي عاشت وتعيش في ظل أنظمة مشابهة.

إن العالم لم يعد يحتمل أشباه قرارات، ولا أشباه دول تمارس النشاط المالي، بسلوكيات "قُطاع الطرق".




الثلاثاء، 15 فبراير 2011

مصر التي في خاطرهم

(هذا المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")




"سر السعادة هو الحرية، وسر الحرية هو البسالة"
ثوكوديدس مؤرخ ومؤلف إغريقي




محمد كركوتــي

في 18 يوماً فقط، خرجت مصر من عصر إلى آخر. وفي هذه المدة الضئيلة زمناً، العميقة قوة، خرجت البلاد، من مرحلة طويلة جداً، كان يُكتب لها تاريخها السياسي والاقتصادي والاجتماعي بالنيابة، وكان يتقرر مصيرها على أيدي مفوضين لم يَتَفوضوا، وممثلين لم يُمثَلوا، ومندوبين لم يُنتَدبوا. وكانت مرحلة طويلة جداً، شهدت اتخاذ قرارات لم تُناقَش، وخطوات لم تُبحَث. شهدت خلطاً كبيراً بين العام والخاص. بين الملكية المطلقة، والملكية الغائبة. بين الأمل والواقع المفروض بقرار. شهدت ظهور رأسمالية سياسية، لا رأسمالية اقتصادية. رأسمالية من ذلك النوع، الذي يفرز رجال أعمال، يستحوذون على كل شيء على مدار العام، ويختارون يوماً من أيام هذا العام، يحرصون فيه على التقاط الصور مع مسؤولين عن جمعية خيرية هنا، أو ملجأ أيتام هناك، ولا بأس من صور لهم، خاشعين فيها داخل مساجد تحمل أسمائهم. رأسمالية ناشئة عن "زواج" بين سلطة معروفة، ورؤوس أموال بلا مصادر معروفة. المصدر ليس مهماً. المهم أن ينجح هذا الزواج بين المال والنفوذ، وبين الحرية الاقتصادية الخالية من الضوابط، وبين السياسة الضاغطة أو المفروضة قسراً. بين مال هو في دائرة الشك، وبين سلطة أحكمت الدائرة لمصلحته.

والمصيبة التي واجهتها مصر منذ الثالث والعشرين من يوليو/ تموز 1952 وحتى الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011، أنها عاشت بين رحى اقتصادين اثنين، لا ثالث لهما. الأول أغلق البلاد وقُذِف بالمفتاح عرض البحر، والثاني أغلق البلاد أيضاً، ولكنه منح مفاتيح قليلة جداً، لعدد قليل جداً، من الرأسماليين الجشعين جداً. رأسماليون، أقصوا ما تبقى من الرأسماليين الوطنيين (الذين يملكون أموالاً واستثمارات معروفة المصادر) على مدى ثلاثة عقود. رأسماليون، نجحوا باستثمار علاقاتهم بالسلطة (خِطبة وزواجاً وعشقاً)، لكنهم لم ينجحوا حتى في المساهمة بتوفير فرص عمل تبرر لهم، ما يجمعون من مال، وما ينعمون من ثروات. ماذا حدث؟ تحولت مؤسسات عامة، إلى مؤسسات خاصة جداً جداً، وبلغت الخسائر الناجمة عن التهرب الضريبي، وبعض أشكال الفساد، وليس كلها 6 مليارات دولار أميركي سنوياً، واستُثمرت ديون مصر، بأبشع طريقة ممكنة، وبيعت أراض هائلة المساحة بـ "تراب الفلوس"، وضاع النمو الاقتصادي منسلاً إلى جيوب الملوثين الاقتصاديين الجدد، بينما لم تجد الإصلاحات ولو نافذة واحدة للانسلال إلى الساحة الاقتصادية. في نهاية العام 2009 أوردت مؤسسة دولية تُعرف باسم "إيه إم بيست" في تقرير لها، إن مصر أصبحت دولة تعاني من وجود نسبة مخاطر عالية فيها، وأنه لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن يحدث فيها لاحقاً، ولا يمكن رسم صورة واضحة للمناخ السياسي والاقتصادي فيها. وهو ما يعني أنها صارت دولة تعاني من غياب تام للشفافية، وعدم قدرة الناس على الوصول لمعلومات حقيقية ودقيقة فيها، وهذا كله لا يمكن أن يخلق مناخاً آمناً للاستثمار. وقد ذهب التقرير أبعد من ذلك، عندما توقع إمكانية انهيار الاقتصاد المصري في نهاية العام 2010.

مصر لم تبرح خاطر المصريين أبداً. بل لم تبرح خاطر حتى غير المصريين أيضاً. لكن ما من شك في أنها برحت خاطر أولئك الذين يحبونها فقط، عندما يدوم التواصل بينهم وبين خيراتها. فلا عجب في أن هؤلاء كانوا أول الهاربين منها، عندما اندلعت الاحتجاجات، تماماً مثل الفئران التي تكون أول القافزين من السفينة الغارقة. لقد أثبت بعض المستثمرين الأجانب، حباً أكبر لمصر وولاءً لها، من أولئك المصريين الفارين. فظلوا يحتفظون بأموالهم واستثماراتهم، رغم التحذيرات بتعرضها للمخاطر من جراء استدامة الحالة الاحتجاجية.

حصل المصريون على حريتهم، وكما يقول الأديب الفرنسي ألبير كامو: "الحرية ليست سوى فرصة نحو الأفضل". وأمامهم الآن ما يمكن وصفه بـ "الثورة الاقتصادية"، لأن الحالة الاقتصادية في البلاد تجاوزت مرحلة الإصلاح والترقيع. وعلى العالم الذي بقيت أيديه الخفية –أو المعلنة لا فرق- بعيدة عن التحول التاريخي الذي شهدته مصر، أن يتقدم الآن، لوضع أيديه من أجل إعادة البناء. لقد أربكت الأحداث في مصر الاقتصاد العالمي. صحيح أنها لم تهزه، ولكنها أحدثت خسائر كبيرة، ومخاوف أكبر. وتكفي الإشارة هنا، إلى أنه بمجرد إعلان حسني مبارك تخليه عن رئاسة الجمهورية، قفزت البورصات العالمية نحو الأعلى، وهدأت المخاوف فيما يرتبط بالإمدادات النفطية، وأسرعت المؤسسات الكبرى لتخفيض تكلفة التأمين على الديون الحكومية المصرية، وتلقى الجنيه المصري دفعة "معنوية" هائلة، كان يحتاجها بالفعل. تستطيع مصر أن تعيد بناء اقتصادها، بما يكفل تكافؤ الفرص، وإشراك كل المصريين بالغنائم الناجمة عن النمو، واستئصال السرطان الذي خلفته الأموال الفاسدة والمسروقة، ويكفل أيضاً خارطة طريق واضحة ومحددة للتنمية الاقتصادية الشاملة. فقد كان النظام السابق مجرداً من الرؤى، رغم السنوات الطويلة التي حط فيها رحاله في الحكم، وقد بلغت المصيبة الاقتصادية في مصر حداً، لم يعد النظام قادراً حتى على ممارسة رد الفعل على ما يجري داخلياً وخارجياً.

المصريون يستطيعون تطوير نظام اقتصادي، يشمل كل شيء (الصناعة والزراعة والتجارة)، ويشمل في الوقت نفسه أحقية الناس في العمل والعيش الكريم. نظام يقلل من حجم شريحة أولئك الذين يعيشون على دولار أميركي واحد في اليوم (تصل نسبتهم إلى 40 في المائة)، ويخفض عدد الذين يعملون بنظام "المياومة" البالغين17 مليون إنسان. لقد هللت الولايات المتحدة الأميركية ومعها الاتحاد الأوروبي–بالتدريج- بالتغيير الذي حصل في مصر، إلى درجة أن قال الرئيس الأميركي باراك أوباما: "إن حركة الشباب في مصر ألهمتنا جميعاً". ورغم إيجابية هذا الموقف، إلا أنه لا يقدم شيئاً على الأرض، ولا يوفر آلية لدعم الجهود. الذي يفيد التحول التاريخي الهائل حالياً ، أن يقوم الغرب، بفتح أسواقه أمام المنتجات المصرية، وأن يعقد اتفاقات تضمن أفضلية للصادرات الآتية من مصر. إن هذا يضمن استقراراً اقتصادياً وسياسياً طبيعياً، وليس استقراراً مفروضاً. وكم من أنظمة في هذا العالم، حكمت عقوداً بحجته؟

إن مصر التي في خاطر المصريين، ليست تلك التي تعيش على مساعدات، غالباً ما كان يسرق جلها، ولا تلك التي تعيش دائماً تهديد وقف المساعدات أو المعونات. إنها مصر المحورية والقوية والمؤثرة. إنها مصر التي سجل التاريخ لها، كيف كانت هي التي تمنح المساعدات. إنها مصر بمقدراتها ومكتسباتها الهائلة. إنها مصر التي بقيت شامخة، حتى في ظل نظام لا يليق بها. وما أن تتخلص من الاقتصاد "المُسرطن" أو من السرطان الاقتصادي الذي أَعمل في جسدها، وامتص ما أمكن من دمها، فالطريق أمامها ليس سهلاً، ولكنه بالتأكيد سيكون طريقاً لعدالة تستحقها، ولحلم سيتحقق.




الاثنين، 7 فبراير 2011

نمو فاسد وآخر مسروق

(هذا المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")


"من السهل أن نراوغ في مسؤولياتنا، ولكن لا نستطيع أن نراوغ في تبعات مراوغتنا"
جوش ستامب كاتب اقتصادي بريطاني ومدير سابق لبنك إنجلترا المركزي





محمد كركوتــي

من الغرائب المفهومة، أن الدول العربية التي تشهد اضطرابات واحتجاجات، وطاقة هائلة مهيأة للانفجار السلبي في دول أخرى، الذي يدمر ما تبقى من مكونات اقتصاداتها الوطنية، تتمتع بنمو يعتبر كبيراً بالمعايير العالمية. ومن الغرائب أيضاً، أن هذا النمو موجود على الساحة، حتى في عز الانكماش الاقتصادي العالمي. ومنها أيضاً، أن النمو يسود غالبية القطاعات، من السياحة إلى النفط والغاز، ومن الاتصالات إلى الجامعات والمعاهد الخاصة الجيدة والرديئة، التي تنتشر كما تنتشر البضائع الصينية في كل مكان، باستثناء كوكب المريخ. ومنها –أي الغرائب- أن الحكومات تتغنى بالنمو، وسط أنين لا يتوقف، من فرط العوز والفقر والجوع والبطالة، ويصل الأنين إلى أعلى مستوى من "الطرب البائس"، بانضمام "جوقة" الأمية إلى المعزوفة. لم يحدث في تاريخ الدول الراشدة، أو تلك التي تتجه نحو الرشد، هذا التناقض المريع، بين نمو اقتصادي شبه شامل، موجود في الواقع، وبين فقر وجوع وبطالة تشكل المشهد الاجتماعي العام! لم تشهد دولة، حتى وإن كانت تحكمها حكومة هشة سياسياً، هذه المعادلة المضحكة إلى حد بكاء بلا دموع. فالمعادلة المعروفة هي نفسها في كل الأزمنة: النمو الاقتصادي –مهما بلغ حجمه- يساوي تقدماً معيشياً. والعكس صحيح بالتأكيد: الكساد الاقتصادي –مهما كان متواضعاً- يساوي تراجعاً معيشياً.

إن الأمر لا يحتاج إلى فذلكة اقتصادية لشرحه، كما أنه عصيٌ على أي مبرر. وقد أجهدت حكومات نفسها في التبرير على مر السنوات –ولا يزال بعضها يعيش حالات تبرير مستدامة- إلا أنها أخفقت حتى في إقناع نفسها. أرادت هذه الحكومات أن تراوغ في مسؤولياتها تجاه مجتمعاتها، لكنها فشلت. ورغب بعض منها في تحميل المسؤولية إلى أية جهة –إلا نفسها بالطبع- لكنها خسرت. ولو تذكرت ما قاله الكاتب الأميركي ألفريد منتابيرت، لأعفت نفسها من مشقة المراوغة ومن تعب البحث عن مبررات. ماذا قال؟ :"لا أحد استطاع أو سيستطيع الفرار من تبعات اختياراته". فالذين اختاروا إتباع المعادلة المقلوبة الغريبة المريعة، لن يستطيعوا الهروب، لا إلى الأمام ولا إلى الوراء، بل لن يتمكنوا من الخلاص من شرارات تبعات اختياراتهم، حتى ولو جنحوا إلى التنحي والانزواء. وعندما تكون القضية عامة، تكون تبعاتها أوقع وأعنف، فكيف الحال والقضية تمس أمماً، بحياتها ومستقبلها وبخبزها وكرامتها؟

هناك من يقول، إن الحالة المصرية المتفاعلة تختلف عن الحالة التونسية التي تفاعلت، بل وعن الحالات المرشحة للتفاعل. لكن الأمر ليس كذلك. ربما كان هناك اختلاف في طريقة نقل السلطة، أو في النسيج السياسي العام. لكن الحقائق التي دفعت الناس إلى الشارع هي ذاتها، والمسببات في انفصال الاقتصاد بنموه عن هؤلاء الناس هي نفسها. ونحن نعلم، أنه إذا كنا نريد أن نحل مشكلة ما، لابد من الرجوع إلى مسبباتها. الأمراض الاقتصادية المنتشرة في مصر، هي بعينها الأمراض التي تسود اقتصادات الغالبية العظمى من الدول العربية. ففي عز الأزمة الاقتصادية العالمية، وفي أوج ضرباتها، بلغت نسبة النمو في مصر العام 2009 قرابة 7,2 في المائة، وفي العام الماضي انخفضت إلى 4,2 في المائة –وهي نسبة مرتفعة أيضاً- بينما بلغت في تونس ما بين 4 و5 في المائة في الفترة نفسها. المصريون -كما التونسيون- لم يشعروا بهذا النمو. ففرص العمل التي وفرها، لم تحرك مؤشر البطالة نحو الأسفل، بل على العكس زادت نسبة الخريجين المكدسين في المقاهي وعلى زوايا الشوارع، وبعض رواد المقاهي من هؤلاء، انضموا إلى أولئك على النواصي، لأن ذلك لا تكلفة مادية له. والأمر نفسه ينطبق على دول مثل اليمن والجزائر وسوريا والأردن وغيرها.

ولكن أين ذهبت الفرص التي يوفرها النمو؟ يأتي هنا في الدرجة الأولى، الفساد الحكومي والإداري، وأيضاً عدم تكافؤ الفرص. بالإضافة طبعاً، إلى عدم وجود رؤية اقتصادية واقعية، ليس للإصلاحات فحسب، بل للتعاطي المباشر مع الكارثة الاقتصادية-الاجتماعية المستدامة. ولا أزال أتذكر قولاً لوزير الخارجية البريطاني الأسبق دوجلاس هيرد، حول الإصلاحات التي كان المؤيدون لحزبه (المحافظين) يطلبونها من أجل أن يستعيد الحزب الحاكم شعبيته، ويتمكن أكثر في الحكم. ماذا قال؟:"لايمكن القيام بإصلاحات والحزب في السلطة". وبالفعل ما أن خرج المحافظون من الحكم، حتى بدءوا سلسلة من الإصلاحات شبه التاريخية، وعادوا بعدها إلى السلطة، وإن كان ذلك بمعاونة حزب آخر.

ومن الحقائق المريعة أيضاً، أن النمو الناجم عن المشاريع الحكومية الضخمة، في الدول المضطربة سياسياً واقتصادياً، ينتقل بصورة مباشرة إلى جيوب المسؤولين، على شكل رشاوى وسمسرة غير مشروعة ومحسوبيات. وهذا أيضاً ينسحب على المشاريع التي تقوم بها شركات كبرى أجنبية في هذه الدول. ولأن الأمر كذلك، فإن "النمو الفاسد"، يخفض التوظيف في القطاع الخاص عن طريق إجبار شركات الأعمال على الانتقال إلى القطاع غير الرسمي، وعن طريق إقامة الحواجز أمام دخولها، وزيادة نفقات القيام بالأعمال. وتحاول الحكومات غير الراشدة، أن تلتف حول الوضع المعيشي والاجتماعي لشعوبها، عن طريق توفير وظائف بأجور متدنية، على اعتبار أن ذلك يدخل ضمن نطاق النمو الموجود على الساحة، إلا أنها لم تنجح في إقناع، حتى أولئك الذين يحتاجون لثمن كسرة خبز، بأنهم يتشاركون في "نعيم" النمو. وقد ثبت من خلال وثائق المؤسسات الحكومية، أن الحكومات المشار إليها، لا تمنح هذه الوظائف –رغم عدم آدميتها- إلا لمناصري الحزب الحاكم، و"محبي" الحاكم نفسه. فـ "المؤهل" الوحيد المطلوب للفوز بوظيفة متواضعة جداً، هو القدرة على إظهار مشاعر الحب، بأبلغ تعبير ممكن، ويا حبذا لو كان عبر بصمة ممهورة بالدم، مع الصيحة التاريخية الخاصة بالعرب فقط "بالروح بالدم نفديك"! أما مؤهل الوظيفة العليا، هو نفسه، بالإضافة إلى البراعة في تقديم خدمات مشينة ومعيبة.

لن أتحدث هنا، عن معاناة الشركات الكبرى الأجنبية في إطلاق مشاريع في الدول المضطربة سياسياً واقتصادياً، من حجم أموال الرشاوى التي تدفعها، ولن أتحدث أيضاً، عن المشاريع الحكومية -لاسيما تلك المرتبطة بمؤسسات أجنبية- غير المجدية، ولا عن الخصخصة المريبة للشركات الحكومية، التي تنتقل من ملكية عامة إلى ملكية خاصة جداً جداً، ولا عن قهر الرأسمالية الوطنية، ولا عن العمولات التي وصلت في بعض الأحيان، إلى 50 في المائة من قيمة المشروع نفسه، ولا عن مئات الآلاف من الشركات المعفاة من الجباية أو الضرائب. هذه كلها قضايا يمكن أن تُرَكِع أي اقتصاد مهما كانت قوياً وكبيراً ومتماسكاً.

ولكن.. ورغم كل الحراك الاقتصادي المشين، والمشاريع المريبة، هناك نمو كان بإمكان الحكومات وأنظمتها أن توزع خيراته، بصورة قد يكفل لها بقاء أطول – رغم طول وجودها أصلاً- أو على الأقل خروجاً لائقاً من حياة الناس والبلاد.