الأربعاء، 29 مايو 2013

البراءة من فقر المصريين لا تعفي مرسي من المسؤولية

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")





«الحروب بين الأمم تستهدف رسم الخرائط، لكن الحروب على الفقر تستهدف تغيير الخرائط»
محمد علي كلاي - بطل الملاكمة الأشهر في التاريخ


كتب: محمد كركوتــــي
بالتأكيد.. لا يتحمل الرئيس المصري محمد مرسي مسؤولية الفقر في بلاده، وبالتأكيد هذه المسؤولية يتحملها مباشرة نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، الذي لا يزال حريصاً وهو في قمة المهانة والذل وراء قضبان ''طرة''، على صبغ شعره. والمحصلة.. هي دائما،ً ''شاب'' على حافة قبره، أو ''مراهق'' مصاب بالزهايمر المبكر جداً. مرسي بريء من فقر المصريين، ولا دخل له بارتفاع عددهم قبل وصوله إلى السلطة، وليس ملوماً على ''تقزم'' المواليد، وليس مسؤولاً عن المصائب التي ألمت بالشعب المصري طوال العقود الماضية. ولكنه ليس بريئاً من الوصول إلى أفضل الصيغ لحل هذه المشاكل، ولن يكون بريئاً من آثام الحلول الفاشلة، أو من تلك التي تأتي بالآلام في زحمة الأوجاع. وبما أنه أسرع مع الإخوان المسلمين إلى القبض على السلطة، فرحاً بها، وناسياً فداحة الجرائم الاقتصادية والمعيشية التي ارتُكبت بحق الشعب المصري، عليه أن يكون حاضراً جاهزاً ليس للمعارضة وكتلها ومحاولاتها إسقاطه، بل لعديد من الفقراء الذين يتزايدون، و''جيش'' الجياع الذين يتضورون، وجماهير المحتاجين الذين يطلبون ويسألون، ولا يملكون رغد الوقت للانتظار طويلاً.
وعلى الرغم من أن نسب الفقر وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية في مصر، ارتفعت -حسب برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء- بصورة كبيرة في السنوات الثلاث الماضية، من بينها فترة حكم مرسي وحزب الحرية والعدالة البلاد، إلا أنه من العدالة، ألا نحمل الرئيس المسؤولية ''الجافة''. فلا بد من منحه مهلة. صحيح أنه مشغول في حربه على المعارضة، أو في حرب هذه الأخيرة عليه ''لا فرق''، إلا أن الاستحقاقات في شأن مكافحة الفقر والجوع، لن تتأخر طويلاً، والواجب الذي ينبغي أن يلبيه بهذا الخصوص، سيكون على طاولة المحاسبة طول الوقت، وليس بعضاً منه. لا أحد يطالب السلطة في مصر الآن، بأن ''تجلب الديب من ذيله''. فهذا ''الديب'' لا يزال أكثر مكراً من أدواتها و''أسلحتها''، ولكن ستجد السلطة صعوبة بالغة في العثور على من يصنع المبررات لها، في مسألة الحلول المطروحة لمصيبة الفقر والجوع وغياب الأمن الغذائي.
بين عامي 2009 و2011 ارتفعت نسبة المصريين الذين يعانون من نقص الأمن الغذائي من 14 إلى 17 في المائة. في حين انضم 15 في المائة من السكان إلى شريحة الفقراء في الفترة المذكورة. وطبقاً للدراسة الدولية، فإن الفقراء ينفقون أكثر من 50 في المائة من إجمالي دخلهم على الغذاء، وبالتالي، هم أكثر عرضة لتقلبات أسعار المواد الغذائية، على الرغم من اعتمادهم على الأطعمة الأقل تكلفة والأقل قيمة غذائية. ومن حقائقها المريعة، أشارت الدراسة، إلى أن نسبة التقزم لدى الأطفال (ما بين 6-59 شهرا) بلغت 31 في المائة في عام 2011 - وهو معدل ''مرتفع'' طبقاً لمعايير منظمة الصحة العالمية البالغ 30-39 في المائة - وقد كانت نسبة التقزم 23 في المائة في عام 2005 بحسب نتائج المسح الديموغرافي للأسرة. أما السبب الوحيد للتقزم، فهو سوء التغذية.
مرة أخرى، لا دخل لمرسي وحكومته في ذلك، لكنه مسؤول عن كل حالة تضاف إلى ملايين الحالات على صعيد الفقر والأمن الغذائي والجوع، منذ فوزه ''الطفيف'' في الانتخابات الرئاسية، وعليه أن يثبت أنه قادر على طرح الحلول، حتى تلك التي تستدعي وقتاً طويلاً. فنحن نعلم أن مصيبة كهذه لا تحل بقرار، بل بمنظومة من الحلول، تبدأ بما هو سهل على السلطة، ويمكن تنفيذه مباشرة. تستطيع الحكومة على الأقل، القيام بإعادة هيكلة نظام الدعم المتبع في مصر، بعد أن ثبت إحصائياً، أنه يغطي فقط 68 في المائة من السكان، بينما لا يشمل هذا النظام أكثر من 19 في المائة من الأسر الأكثر احتياجاً. كما أن إصلاح نظام الدعم، سيعزل الشريحة التي لا تستحقه، ولكنها تحصل عليه، فضلاً عن أن عملية الإصلاح هذه، لن تترك مجالاً لأي مؤسسة دولية (وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي) أن ''تتفلسف'' في نطاقه. وحسب الخبراء، فإن إصلاح الدعم، يعني وفراً في النفقات العامة، واستفادة الشرائح الأكثر احتياجاً، وبالطبع تحسن الحالة الغذائية لهؤلاء. هل يعقل، أن الدعم الحكومي لا يستهدف الشرائح الأكثر احتياجاً؟!
في بعض المناطق الريفية المصرية، يعيش الفرد على ''إنتاج'' وزة! وفي مدينة أسيوط (على سبيل المثال) بلغت نسبة الفقراء 58.1 في المائة من مجموع عدد السكان، بينهم –حسب تحقيق أكاديمي- 24.8 لا يجدون قوت يومهم، وفي بني سويف تصل نسبة هؤلاء إلى 53.2 في المائة، وفي سوهاج 45.5 في المائة.. وهكذا حتى تصل في أدناها إلى 7.9 في المائة في مدينة كالإسماعيلية. لا يمكن لمرسي ''ولا غيره'' أن يواجه هذه الكارثة على قدرها ومصائبها، بينما يتصارع سياسياً. ولا يمكنه أيضاً أن يطرح حلولاً ''بين الجولات''. وهو المسؤول الأول عن الحلول، وسيحاسب على جودتها، في سياق محاسبته على كل ارتفاع لمؤشر الفقر والجوع في ولايته المهزوزة.

الثلاثاء، 21 مايو 2013

«ترسانة» العقوبات على إيران

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")






«إنك محاصر في دائرة خراب يستحيل الخروج منها، صنعتها أنت لنفسك»
إسخيلوس - أديب ومسرحي إغريقي



كتب: محمد كركوتـــي

ستواصل الصادرات النفطية الإيرانية انخفاضها، وسيستمر الريال الإيراني بالتدهور، وسيمضي اقتصاد البلاد في الدخول بأزمة تلو الأخرى، وسترتفع معاناة الإيرانيين المعيشية، وسيلتهم الوكيل الإيراني في سورية بشار الأسد ما يمكن توفيره من أموال إيرانية، ومعه "زميله" الوكيل الإيراني في لبنان حسن نصر الله، إلى جانب (طبعاً) مشاركة بعض العصابات الأخرى "الوليمة" المالية المتوافرة. وسينشر مرشد ما يسمى بـ "الثورة الإيرانية" علي خامنئي، مزيدا من الجنود وقوات الأمن والمخابرات والجواسيس وصغار المخبرين، بين الإيرانيين أنفسهم. فالتمرد الشعبي وارد في أي لحظة، ليس فقط بسبب العامل الاقتصادي، بل والسياسي أيضاً، خصوصاً في ظل غياب الشفافية الانتخابية في بلد يدعي الانتخابات الحرة، ويدعي أيضاً تداول السلطة! ولا نعرف كيف يمكن تداول السلطة في ظل ولاية الفقيه "المعصوم"، الذي يحرك بيادق هذه السلطة كيفما شاء، ويوجهها إلى المعابر التي يشاء؟! ولو أضفنا تكاليف وهم تصدير الثورة، التي فشلت في تسويق نفسها حتى محلياً، فإن الوضع الاقتصادي سيواصل الطريق نحو الخراب الكلي.
في إيران، لو جُمعت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لبلغت المحصلة المصيبة إن لم نقل الكارثة. فالقضية لا تنحصر بانخفاض عوائد النفط وتراجع الريال وارتفاع التضخم فحسب، بل تشمل أيضاً فقدان حتى المواد الرئيسية المعيشية من السوق. لقد دفعت حدة الأزمة الشاملة، شرائح من الإيرانيين، لزراعة ما يمكن زراعته ليس في الحقول والبساتين، بل على أسطح المباني الخرسانية! هذه الشرائح تعجز (بالفعل) عن شراء حتى الخضار! تعيش إيران فوق بركان، وصلت حرارته إلى السطح، لكن نيرانه لا تزال تحته تصارع حممها. غير أن الحرارة لم تعد تطاق، ولا تحتمل. والمريع أن خامنئي وأعوانه، لا يريدون الاعتراف بهذه الحقيقة، رغم أن آثار الحرارة ومكنونات اللهب بادية عليهم جميعاً.
تخسر إيران شهرياً، ما بين 3 و5 مليار دولار أمريكي، بسبب العقوبات التي يفرضها المجتمع الدولي على صادراتها النفطية. وهذه الخسائر ليست جديدة، بل يتكبدها الاقتصاد الوطني منذ الجولات الأولى للعقوبات الغربية تحديداً، لكن الجديد فيها، أن إيران لم تعد واقعياً قادرة على أن تتحمل ضرباتها، بصرف النظر عن حالة الإنكار التي يعيشها خامنئي وأتباعه، الذين يعيشون وهماً بات متأصلاً، ولم يكن عابراً في يوم من الأيام.. وهم أصبح استراتيجية! لقد انخفض حجم الصادرات النفطية إلى النصف تماماً، بينما يزداد الضغط الأمريكي - الأوروبي على العملة الوطنية. والغرب (عموماً) يرى في العقوبات "ترسانة" غير عسكرية، وإن كانت آثارها بطيئة الظهور بالمقارنة. الغربيون قرروا المضي حتى النهاية في العقوبات، ووضعوا الترسانة العسكرية جانباً. إنهم يسعون إلى خنق بطيء للنظام الإيراني، الذي (كما هو واضح) يستغل ما تبقى له من أنفاس، لمواصلة خلق مزيد من الاضطرابات خارج بلاده.
وبصرف النظر عن الخلافات الخاصة بجدوى العقوبات المفروضة على إيران، إلا أنها تعمل حقاً. وهي كغيرها من العقوبات طويلة الأمد، تنال شيئاً فشيئاً من الشعب الإيراني نفسه. ولأنها كذلك، وكونها بمنزلة محرك رئيس للتمرد الشعبي في مرحلة لاحقة، انبرى نظام خامنئي إلى اتباع سياسة التفافية في التفاوض (أو التضارب) بينه وبين المجتمع الدولي حول مشروعه النووي الخطير. فقد أمر المسؤولين المكلفين بهذا المشروع، أن يطلبوا تخفيف العقوبات على الأقل، مقابل تنازلات حول البرنامج النووي. في الاجتماعات التي عقدت أخيراً، كان هذا الطلب محورياً، إلا أن الجانب الآخر، لا يمكنه تعديل موقفه بهذه البساطة، استناداً إلى استراتيجية التضليل التي يعتمدها علي خامنئي، في كل شيء، ولا سيما في الحالة النووية. إن التوجس، هو أفضل وسيلة للتعاطي مع إيران. فسياستها مشكوك فيها حتى تثبت العكس.
أظهرت المعلومات الحقيقية (لا المصطنعة) أن الاقتصاد الإيراني تراجع بنسبة 8 في المائة في العام الماضي، وهذا ما ضرب في الواقع تقديرات صندوق النقد الدولي البالغة 1,9 في المائة في العام المذكور. وقد اعترف بعض المسؤولين في "الصندوق" بأن تقديراتهم لم تكن صحيحة، وأنهم يتوقعون الأسوأ للاقتصاد الإيراني في العام الجاري. وفي كل أسبوع، تتلقى السلطات الإيرانية أوامر من مستوردين لنفطها، تفيد بقرارهم التوقف عن استيراد النفط، والتوجه لجهات أخرى. فعلى سبيل المثال، توجه مستوردون في الهند نحو العراق وأمريكا اللاتينية، لتعويض نقص الإمدادات النفطية. والصعوبات في تصدير إيران لنفطها، لا تكمن فقط في العمليات التشغيلية والنقل وغيرها، بل تشمل بصورة أساسية التأمين، لأن الشركات المتخصصة في تأمين شحنات النفط، توقفت الواحدة تلو الأخرى، عن توفير الغطاء التأميني للشحنات الإيرانية.
لا مفر أمام نظام علي خامنئي، سوى التعاون الحقيقي الصادق مع المجتمع الدولي في موضوع البرنامج النووي. لكنه لا يستطيع الإقدام على هذه الخطوة، لأن الأوهام التي أوجدها ليعيش بها متلذذاً، تقطع الطريق على واقع لا يعيشه إلا الشعب الإيراني في بلده. وهو واقع يحمل معه مصائبه باتجاه نظام يحيا على "حس" المهدي الفالت.
تخسر إيران شهريا ما بين 3 و5 مليارات دولار بسبب العقوبات التي فرضها المجتمع الدولي على صادراتها النفطية. وهذه الخسائر ليست جديدة، بل يتكبدها الاقتصاد الوطني منذ الجولات الأولى للعقوبات الغربية تحديدا، لكن الجديد فيها أن إيران لم تعد واقعيا قادرة على أن تتحمل ضرباتها، بصرف النظر عن حالة الإنكار التي يعيشها خامنئي وأتباعه،الذين يعيشون وهما بات متأصلا، ولم يكن عابرا في يوم من الأيام.. وهما أصبح استراتيجية!لقد انخفض حجم الصادرات النفطية إلى النصف تماما، بينما الضغط الأمريكي - الأوروبي على العملة الوطنية.


الجمعة، 17 مايو 2013

نفط سورية من ناهب تاريخي إلى ناهب معاصر

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")





«الفرصة تصنع السارق»
فرانسيس بيكون - فيلسوف وكاتب إنجليزي





كتب: محمد كركوتـــي
كأن النفط في سورية كُتب عليه أن يبقى في طريق النحس منذ أكثر من أربعة عقود، لا أن يكون ضمن دائرة الاقتصاد والتنمية والناتج الوطني المحلي! كأن هذا النفط كُتب له أن يُسرق في كل المراحل، وألا يكون لأصحابه يومًا. باستثناء المرحلة ما بين 1957 (وهو العام الذي أنتج فيه النفط في سورية بمستويات تجارية) و1963 (وهو عام وصول حزب البعث إلى السلطة في البلاد)، ظل النفط منتَجًا للناهبين والسارقين، ولا سيما في عهدي الأسد الأب والابن. فقد حوله هذان الأخيران، إلى سلعة عائلية، تخص أسرة الأسد وتوابعها فقط. ولأنه كذلك، فلم يدخل النفط طوال أكثر من 40 عامًا، في الخزانة العامة للبلاد. كانت له حسابات جانبية خاصة جدًّا، بأكثر الحكام إجرامًا وفسادًا في التاريخ العربي الحديث، فضلًا عن أن الخزانة نفسها لم تكن عامة!

ومنذ أن وصل سفاح سورية الأول حافظ الأسد إلى الحكم، كان تعيين وزير النفط في الحكومات المتعاقبة يأتي مباشرة منه، ولا يخضع هذا الوزير (بالتحديد) للتراتبية الوظيفية. فعلاقته المباشرة مع الأسد تتجاوز علاقته مع رئيسه المباشر. فقد بات تقليدًا، أن يكون وزير النفط من ''حصة'' الرئيس، وسار على النهج نفسه سفاح سورية الثاني بشار الأسد. لا عجب في ذلك، إذا ما عرفنا أن العوائد النفطية التي كانت تبلغ قبل الثورة السورية الشعبية، مابين ستة وسبعة مليارات دولار أمريكي سنويًّا، تذهب مباشرة إلى خزائن الأسد وأتباعه المخلصين جدًّا، وهم في غالبيتهم من العائلة الحاكمة- المالكة نفسها. وعندما كانت الحكومات تضع في موازنتها العامة العوائد النفطية، كانت عرضة دائمًا للسخرية، فالكل يعلم أن العوائد الموضوعة ضمن جداول الموازنة.. وهمية، فضلًا عن أن أرقام الموازنة نفسها لا قيمة لها؛ لأنها ليست حقيقية. ولهذا السبب تتعاطى المؤسسات الدولية مع الشأن الاقتصادي السوري، وفق التقديرات والتخمينات، لا استنادًا إلى الأرقام الصادرة عن النظام الحاكم- المالك.
مع تحرير الثوار مناطق واسعة في سورية من احتلال الأسد، ولا سيما المناطق التي تتمتع باحتياطيات نفطية، أسرعت أوروبا للإعلان عن نيتها شراء النفط السوري فورًا، وتحويل عوائده إلى الثوار، كجزء من دعم الثورة! الأوروبيون (في الواقع) أسرعوا إلى هذه الخطوة، للتغطية على فشلهم في كل التعهدات التي أعلنوها وأكدوا التزامهم بها حيال سورية. والحق أنهم قدموا تعهدات أكبر من حجمهم السياسي على الساحة الدولية، تعهدات كانت تستند إلى ''مشاعر إمبراطورية'' بائدة، لا إلى معطيات حقيقية على الأرض. على كل حال، المبادرة الأوروبية بشراء النفط السوري ''المحرر''، اصطدمت على الفور، بحقيقة مخيفة، وهي أن القبائل وعصاباتهم ومعهم المهربون، باتوا يسيطرون على الحقول النفطية، ولا سيما أنها تقع في مناطق قريبة من ''مرابعهم'' وتحت سلاحهم. فقد ثبت أن قبائل تتمتع بنفوذ كبير في المناطق المشار إليها، نشرت مقاتلين مسلحين حول منشآت إنتاج النفط وخطوط الأنابيب، وتفيد المعلومات أيضًا، بأنها أبرمت صفقات للتهريب والتجارة!
وقد وزعت القبائل فيما بينها المنشآت النفطية، فكل قبيلة نافذة تسيطر على منشأة وربما أكثر! وعلى الرغم من مخاطر نقل النفط، بفعل الاشتباكات المتواصلة بين الثوار ونظام الأسد، إلا أن القبائل المسيطرة على المنشآت، تمكنت من تهريب دفعات كبيرة من براميل النفط الخام إلى تركيا عبر الممرات الزراعية، وتقوم ببيعها لحسابها، دون أي عائد للحراك الثوري في سورية، وبالطبع دون أن يستفيد الجيش السوري الحر، بقرش واحد من النفط المنهوب. ومن المصائب أيضًا أن الناهبين الجدد للنفط السوري، الذين يفترض أن يكونوا من الموالين للثورة والثوار، اشتروا مصافي متنقلة لتكرير الخام وبيعه وقودًا جاهزًا. فهم يبيعون برميل الخام حاليًّا بنحو 61 دولارًا أمريكيًّا، بينما يمكن أن يتضاعف هذا المبلع بعد التكرير، خصوصًا أن سعر مصفاة الخام المتنقلة الواحدة لا يزيد على ألف دولار أمريكي. وبحسب المختصين، فإن المصفاة الواحدة يمكنها تكرير ما يصل إلى 200 برميل يوميًّا!
بالطبع لن تشتري أوروبا النفط من هذه العصابات، ولكن هناك العديد من الجهات مستعدة لشراء الكميات المنهوبة، ولا سيما عبر تركيا. كما أن الناهبين الجدد للنفط السوري، ليس في مخططاتهم حتى المشاركة بالعوائد المنهوبة لا مع الثوار الحقيقيين ولا مع الشعب المنكوب. فهؤلاء مثل المافيات، كلما زاد مستوى الخراب في الأجواء، كان ذلك مثاليًّا! كما أن بعضهم لن يتردد في بيع النفط المنهوب إلى الناهب الأول بشار الأسد، إذا ما اضطر الأخير له! أن تنتقل المنشآت النفطية (شيئًا فشيئًا) من ناهب تاريخي إلى ناهب ''معاصر''، أمر فيه من الخيانة أكثر مما فيه من الفظاعة. ولا أحد يتوقع أن يشهد تدخلًا ما من جانب ما لوقف عمليات النهب هذه. فإذا لم يتدخل أحد لوقف قتل الإنسانية على الأرض السورية، فكيف يتدخل لوقف شحنات نفطية منهوبة من هذه الأرض؟!

السبت، 11 مايو 2013

الحرب على الفقر بالأحلام

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")




«الفقر، هو أسوأ أشكال العنف»
مهاتما غاندي - الزعيم الهندي



كتب: محمد كركوتـــي
يعيش رئيس البنك الدولي جيم يونج كيم، حلما جميلا على صعيد القضاء على الفقر في العالم. ومن الواضح أن لحلمه هذا أجنحة، تحمله فوق الحدائق والبساتين والواحات الخلابة فقط. ولا بأس من المرور في سماء واد يعج بالفراشات من كل الأشكال والألوان! إنه يدعو إلى التزام المجتمع الدولي بالقضاء على الفقر المدقع بحلول عام 2030، وليس هذا فحسب، بل وتحسين مستوى المعيشة لأكثر الناس عرضة للفقر، خصوصا أولئك الذين يعيشون في الدول النامية! واللافت أن رئيس البنك الدولي، يعرف الحقائق أكثر من غيره، ويعرف أيضا، أن الدعوات والتمنيات، وحتى المناشدات، وشيء من التهديدات، لا توفر الوقود اللازم للالتزام، ولا تدفع الأمور بالاتجاه المؤدي إلى الهدف الكبير. يضاف إلى ذلك، أن العالم يعيش منذ خمس سنوات تقريبا، اقتصادا جمع أكبر قدر من الهموم في زمن واحد متصل ومتواصل، باتت المخططات المستقبلية في ظله، مجرد أحلام كبيرة جدا، لكنها لا تلبث أن تتبخر أمام الواقع المعاش.

حظي الفقر حول العالم، بأكبر قدر من اهتمام أصحاب القرار كبارا وصغارا. لكن النظريات هي التي تسود هذا الاهتمام، إضافة -طبعا- إلى الخطابات الرنانة، والمناشدات العاطفية، والكلمات المؤثرة. ولو أمكن تحويل الكلمات التي قيلت في هذا الخصوص، إلى مال يُصرف، وتنمية تتحقق، وأمل يُدرَك، لتم الوصول إلى الأهداف التي وضعتها الأمم المتحدة على صعيد محاربة الفقر، قبل الموعد المحدد لها. وهي أهداف أطلق عليها ''أهداف الألفية''، وحددت لها التواريخ في مستوياتها القصوى، كمواعيد لتحقيقها. ولا شك في نوايا الجميع في هذا المجال، لكن دائما هناك شكوك على صعيد التنفيذ وأدوات المنفذين. فقد أضافت الأزمة الاقتصادية الكبرى ''من ضمن ما أضافت'' الشكوك حول كل شيء وأي شيء، ولاسيما في ظل تتابع المشكلات الناجمة عنها. فإذا كانت الدول التي من المفترض أن تقود عملية القضاء على الفقر المدقع، غير قادرة على السيطرة على موازناتها العامة، فكيف يمكن لها أن تسير نحو تحقيق الأهداف العامة في المعركة على الفقر؟
في عام 2000 وضعت الأمم المتحدة عام 2015 كحد أقصى لخفض عدد الفقراء في العالم إلى النصف. وتحركت بالفعل في كل الاتجاهات الممكنة، لكنها لم تحقق شيئا يذكر حتى قبل اندلاع الأزمة الاقتصادية، وذلك لأن الغالبية العظمى من المعنيين بأمر تسهيل تنفيذ أهداف الألفية، كانوا يجهدون أنفسهم في البحث عن مبررات التأخير، أكثر من العثور على الطرق المناسبة لبلوغ الهدف الأشمل. ولذلك، فقد بلغ عدد الذين يعيشون في فقر مدقع حول العالم 1.2 مليار نسمة. والفرد من هؤلاء يعيش على 1.25 دولارا أمريكيا في اليوم. غير أن هذا العدد تراجع حسب الإحصاءات التقريبية بمعدل 100 مليون شخص تقريبا، وتأرجح العدد الكلي في حدود الـ 1.1 مليار نسمة. لكن هذا التراجع، لم ينتج عن تقدم الحرب ضد الفقر، بل عن صعود دول مثل الصين والهند والبرازيل، التي استطاعت أن توفر فرص عمل أكثر لمواطنيها في السنوات القليلة الماضية. أي أن تناقص عدد الذين يعيشون في فقر مدقع، كان بأدوات محلية وطنية. دون أن ننسى، أن صعود الدول الناشئة المشار إليها، معرض للتراجع والتأثر بالحراك الاقتصادي العالمي المضطرب.
يقول الرئيس الأمريكي الراحل جون كيندي: ''إذا كان العالم الحر لا يستطيع إنقاذ الفقراء الكثر، لن يستطيع إنقاذ الأثرياء القلائل''. وقد تلكأ هذا ''العالم الحر'' كثيرا في العقود الماضية، على صعيد ''تلطيف'' كارثة الفقر، لكيلا نقول: حل الكارثة. وحتى المشاريع التي اعتمدتها بعض الدول الكبرى سابقا في هذا المجال، لم تكن ذات جودة عالية. فغالبية هذه المشاريع كانت مرتبطة بصورة أو بأخرى بحكومات فاسدة ناهبة في بلدانها. وكانت النتائج إما غائبة أو في أفضل الأحوال متواضعة. المشكلة الآن صارت أفظع. فدول ''العالم الحر'' تعيش أزمات اقتصادية متشعبة وطويلة الأمد، ما يوفر لها المبررات المطلوبة، لمواصلة التلكؤ والتقاعس. وهذا ما يعزز الاستنتاج المسبق لمصير أهداف الألفية الخاصة بمحاربة الفقر. فلم يتبق سوى عامين لحلول الموعد الذي حددته الأمم المتحدة في هذا المجال. والتقدم الوحيد الذي طرأ، لا دخل له بكل المخططات التي وضعتها المنظمات المعنية. بل ويعترف رئيس البنك الدولي نفسه، بأن النمو الذي تحقق في بعض البلدان، وساهم في تخفيض نسبة الفقر، ليس كافيا بمفرده لتحقيق الهدف، بما في ذلك تقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
هذا المشهد، يدفع لطرح سؤال كبير هو ''كم من الزمن يحتاج العالم للقضاء على الفقر المدقع''؟ وهذا السؤال لا يشمل الفقر الأقل معاناة وألما وحرمانا. المؤشرات كلها -دون استثناء- تدل على أن الفقر المدقع باق لأمد طويل، وأن العالم ربما سيشهد انضمام عدد جديد من البشر إلى هذه الطبقة من الفقراء، الذين يتمنون أن يطول النهار، تفاديا لآلام جديدة سيأتي بها نهار آخر.

السبت، 4 مايو 2013

حسني البورظان «الاقتصادي»

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")






«أنا أكذب على نفسي كل الوقت، لكن أبدًا لا أُصَدقَني»
سوزان هيلتون - كاتبة أمريكية



كتب: محمد كركوتـــــي


لا أحد يتوقع من أي موالٍ لنظام سفاح سورية بشار الأسد أن يكون صادقًا؛ لأن الصدق هو انتحار لنظام تشكل الأكاذيب ''ترسانته النووية'' الدفاعية والهجومية. وكل من يخطئ.. ويصدق، ولم يهرب من الموالين الذين لا يزالون إلى جانب الأسد، يعرف أشكال العقاب. وفي مقدمتها ''الانتحار'' المتتابع لمنتحر واحد! وفي روايات هذا النظام الهمجي (أبًا وابنًا) عن قضايا انتحار المسؤولين، يحق لنا أن نتخيل، أن المنتحر يتناول فنجان قهوة بين الطلقة الأولى والثانية، وربما تناول طعام الغداء. حسنًا، من البدائل المتاحة للمنتحر الصادق، تقديم طلب ''رسمي'' للاختفاء! فالبدائل (في النهاية) تتأرجح بين الاختفاء والاختفاء! أو بين الزوال والزوال! الصدق ليس سوى رصاصة متفجرة في رأس الصادق.
أن يعلن حاكم المصرف المركزي ''السوري'' (لقد ثبت على مدى أربعة عقود أن هذا المصرف ليس مركزيًّا وليس وطنيًّا سوريًّا)، أن الأسد على وشك الاتفاق مع روسيا وإيران للحصول على دعم مالي، لتعويض الخسائر التي مني بها الاقتصاد، فهو لا يطلق خبرًا. ولولا هذان البلدان، لزال الأسد ونظامه الإجرامي من أول صرخة طفل، لا من سلاح ثائر ولا بندقية صيد لمتمرد. وعندما يصل موضوع التمويل المالي لهذا النظام من جانب نظامي فلاديمير بوتين وعلي خامنئي، إلى مرحلة المفاوضات، هذا يعني، أن المكاسب التي تحصل عليها كلٌّ من موسكو وطهران، مقابل الاحتضان المريع لهذا النظام، لم تعد مجدية كثيرًا، أو باتت أقل مما يقدَّم له على الصعيد المالي. فالإمدادات العسكرية، بكل توابعها بما في ذلك عصابات المرتزقة وقُطَّاع الطرق، يمكن أن تمضي إلى الأمام بلا حساب، لكن في الجانب المالي لا بد من الحساب وإعادة الحساب، وذلك لأسباب كثيرة، في مقدمتها، أن إيران، باتت بحاجة فعلًا لمن يمدها ماليًّا، بينما لا تعرف (ولا تقبل) روسيا (على مدى تاريخها) نظام الهبات.
فلاديمير بوتين يعرف أن الأسد يتجه إلى الزوال، والحقيقة أن العالم أجمع يعرف هذه الحقيقة إلا سفاح سورية فقط. وإذا ما تم التوقيع على ''الاتفاق'' المالي فعلًا بين الأسد وبوتين، فإن هذا الأخير، يلفُّ حبلًا ماليًّا سميكًا حول رقبة السوريين ما بعد زوال الأسد. تمامًا كما فعلت الصين قبل عام، عندما اشترت نسبة من السندات التي أصدرها الأسد، في سياق بيع مستقبل سورية، بعد أن نهب ودمر ماضيها وحاضرها. سيقبل النظام اللاشرعي في سورية بكل الشروط الروسية، وسيقوم بتسويق الأموال المشينة الناجمة عنها، على أنها ''إغاثة'' لا بد منها للسوريين، دون أن ننسى أن الاتفاقات التي يبرمها هذا النظام لا تزال شرعية بالمعايير الدولية؛ لأن المجتمع الدولي أزال حقًّا شرعية الأسد، لكن صوتيًّا لا عمليًّا! وهذه ''الإزالة'' وفرت عناوين ضاربة، لكن بلا معنى أو قيمة. وعلى هذا الأساس، فإن كل اتفاق يوقعه هذا النظام، هو بمنزلة قيد مستقبلي على سورية الحرة.
على الجانب الإيراني هناك اختلاف واضح في هذا المجال. فنظام الملالي لا يتعاطى مع سورية كدولة مستقلة، بل كإقليم إيراني ليس ملتصقًا جغرافيًّا ببلاده. وبالتالي فالأسد لا يخضع لشروط مشابهة لتلك التي تفرضها موسكو. لكن المشكلة التي يواجهها خامنئي في هذا النطاق، أن بلاده تتعايش (حتى الآن) من أزمات اقتصادية ليست صعبة فحسب، بل خطيرة متفجرة على الصعيدين السياسي والاجتماعي. فلا يمكن (على سبيل المثال) أن يسند خامنئي الليرة السورية إلى ما لا نهاية، بينما يفشل في الواقع في إسناد الريال الإيراني، ومنعه من الانهيار الكلي. ويصعب عليه، ضخ الأموال لخزانة الأسد، في حين يتلقى يوميًّا جداول الانخفاض الرهيب في الخزانة العامة لبلاده. فهو يعيش حالة اقتصادية ليست أفضل كثيرًا من الحالة التي يعيشها الأسد، في مقدمة مسبباتها العقوبات الدولية المختلفة المفروضة عليه، والحصار الاقتصادي الذي يخترقه، ولكن ليس بالشكل الذي يوفر السيولة المالية المنقذة لسفاح سورية.
في الإمدادات المالية القاتلة (مستقبلًا) للشعب السوري، هناك محاذير. ولكن في الإمدادات العسكرية المبيدة (حاليًّا) لهذا الشعب، لا توجد أي محاذير، لا على الجانب الروسي ولا على الجانب الإيراني. والأكاذيب الروسية جاهزة في هذا المجال، كما الفتاوى الإيرانية. سيحاول خامنئي مَدَّ الأسد إلى آخر مدى في كل شيء، بما في ذلك ما يستطيع ماليًّا. فقد اعتبر علنًا، أن هذا الأخير ليس سوى مجرد محافظ لمدينة إيرانية! وهو بذلك يقدم الإمدادات لمدينة في بلاده! وعند طهران أهمية الشعب لا ترقى أبدًا إلى أهمية ''المحافظ''، كذلك تفعل مع نوري المالكي في العراق، وحسن نصر الله في لبنان. لكن معايير بوتين تختلف، وتختلف أكثر كلما عرف موعد نهاية الأسد، لتأخذ منحى أشد صرامة، وأكثر قيودًا، وأكبر بلاء للشعب السوري في دولته المقبلة الحرة.
يقول الأديب الأمريكي مارك توين: ''إن قلت الحقيقة، ليس عليك أن تتذكر كل شيء''، وعندما يتحدث من تبقى من الموالين لسفاح سورية، لا يطرحون إلا الأشياء الجانبية الوهمية، لتغطية ما أمكن من فداحة الأكاذيب. لقد قال حاكم المصرف المركزي ''السوري'': ''إن الوضع الاقتصادي في سورية، يشبه الوضع الاقتصادي في اليونان''! إنه حسني البورظان (الممثل السوري الراحل) ''الاقتصادي''، الذي كان يردد في مشاهد التهريج عبارته الشهيرة ''إذا أردنا أن نعرف ما في إيطاليا، علينا أن نعرف ما في البرازيل''!