السبت، 22 أبريل 2017

تلك الكارثة المتوارثة







الآلاف عاشوا بلا حب، لا أحد منهم عاش بلا ماء
أحد شعارات حملات توفير المياه العالمية

كتب: محمد كركوتي

ربما تتحسن وضعية الغذاء العالمي، أو تتراجع معدلات التخريب اليومي للبيئة على هذا الكوكب، أو تنخفض معدلات الفقر في بعض المناطق، أو تهبط أعداد الأميين حول العالم، أو تتراجع نسبة وفيات الأطفال. ربما يحدث كل هذه التطورات على تلك الأصعدة، إلا أن المصيبة أو الكارثة المتوارثة المتوالدة المرتبطة بالمياه وإمداداتها، تتحرك من سيئ إلى أسوأ. وإذا ما بقيت هذه المصيبة ضمن مستواها المخيف، فإن ذلك يعتبر شيئا إيجابيا بل "نجاحا". لماذا؟ لأن كل البرامج والمشاريع العالمية والإقليمية والمحلية فشلت بالفعل في الوصول إلى مناطق قريبة من الأهداف التي حُددت على أكثر من مستوى طوال العقود الماضية لمواجهة نقص مياه الشرب، أو لنقل نقص المياه النظيفة. ومن هنا، فبقاء المصيبة على حالها يعتبر "نجاحا"!
تعترف المؤسسات والمنظمات العالمية باستفحال أزمة المياه، مع اعترافها بالطبع بأن الحراك نحو مواجهتها على صعيد التمويل المالي يظل ضعيفا في مناطق وبلا وجود في مناطق أخرى. والغريب أن أزمة طويلة كهذه الأزمة، كان بالإمكان مواجهتها بأقل التكاليف، لو اهتمت الجهات المعنية المؤثرة عالميا بها منذ البداية. ليس فقط عن طريق توفير الأموال اللازمة، بل أيضا من جهة نشر الثقافة المطلوبة للحفاظ على المياه، أو لتسهيل الوصول إليها وفق أسس اقتصادية ذات جدوى. الذي حدث أن التغير المناخي المتسارع، أسهم في رفع معدلات مخاطر أزمة المياه، من خلال امتداد مساحات التصحر حول العالم، فضلا عن عدم متابعة حقيقية لمشاريع إصلاحية ذات جدوى طرحتها المؤسسات العالمية المعنية في المناطق التي تواجه النسبة الأكبر من هذه الأزمة.
منظمة الصحة العالمية أطلقت أخيرا تحذيرا كان متوقعا، يتعلق بعدد البشر الذين لا يستطيعون الوصول إلى مياه الشرب النظيفة، بمعنى آخر عدد البشر الذين يصلون إلى مياه ملوثة. كم هو هذا العدد المرعب؟ مليارا نسمة في مختلف المناطق حول العالم! والمنظمة تمضي أبعد من ذلك، بالتأكيد عبر إحصاءات مباشرة على أن المياه الملوثة بمياه الصرف الصحي، تتسبب سنويا في أكثر من 500 مليون حالة وفاة، في الوقت الذي يرتفع فيه الطلب على المياه بمعدل 50 في المائة بحلول عام 2030. تقرير منظمة الصحة خطير، لأنه يدعو إلى تدوير كميات من المياه، غير أن الأدوات اللازمة لمثل هذا التدوير غير متوافرة في غالبية المناطق التي تعاني نقصا في المياه أو مياها ملوثة.
الشرق الأوسط من تلك المناطق التي تواجه مستقبلا مائيا مظلما، لأسباب تتعلق بالأزمة ـــ الكارثة العالمية بشكل عام، إضافة إلى أسباب إقليمية محلية تتعلق بترشيد الاستهلاك، وهذا الأمر على وجه الخصوص لم يحقق المطلوب أو الهدف منه. ومشكلة المياه لا تنحصر في إطارها على الإطلاق، بل تأخذ معها جوانب عديدة، في مقدمتها التنمية، ووضعية الاقتصاد بشكل عام، والهجرة والكثافة السكانية في مناطق دون غيرها، والضغط على الخدمات في بعض المناطق، دون أن ننسى جانب الأمن والاستقرار. البنك الدولي نفسه يعتقد أن أزمة ـــ كارثة المياه تشكل تحديا خطيرا للأمن والسلم الدوليين، إلى جانب كل ما تمت الإشارة إليه، هي ببساطة أزمة شاملة تحمل معها دمارا شاملا، أو مصائب متكاملة. ويقول مسؤول في البنك الدولي، إنه يعتقد أن المياه ستصبح أم المشاكل في الدول النامية.
وهذا الكلام لا مبالغة فيه، إذا ما عرفنا أن مثل هذه الأزمة تسهم في فقدان الناتج المحلي في الشرق الأوسط 14 في المائة، وفي آسيا 11 في المائة و12 في المائة في بلدان الساحل الإفريقي! هذه الأرقام أجمعت عليها مؤسسات دولية سواء تلك التابعة للأمم المتحدة، أو غير الحكومية منها. أما الحلول، في الواقع هي موجودة، وليست مستعصية على الخبراء في هذا المجال. وهي تنحصر بالطبع في الإرشاد الفاعل وليس النظري، إلى التمويل اللازم، وهو ليس منخفضا كما قد يتصور البعض. ما يحتاج إليه الاقتصاد العالمي لحل أزمة ـــ كارثة المياه نحو تريليون دولار. وهذه الأموال لن تذهب هدرا بالطبع، لأن العائد عن كل دولار منها سيكون ما بين 3 و34 دولارا، بمعنى أن الاستثمار في حل أزمة المياه هو في الحقيقة استثمار بجدوى اقتصادية عالية، وليس فقط استثمارا لحل أزمة.
استطاعت منظمات الأمم المتحدة المختلفة الاقتراب من أهدافها التي حددتها للألفية الجديدة، لكنها على الجانب المائي لم تصل إلى نقطة قريبة من الهدف، وكذلك الحكومات، خصوصا في البلدان النامية، فشلت في صناعة ثقافة مائية عالية الجودة، ومارس بعضها أسلوبا عقيما يعتمد على قطع المياه مثلا لفترات طويلة جدا. المسألة لا تتعلق بقطع الإمدادات لتفعيل أو صناعة ثقافة من هذا النوع، إنها كوكتيل من التعاون العالمي على كل المستويات، والاستثمار الواعي في المياه. ألا يكفي موت نصف مليار شخص سنويا جراء المياه الملوثة للتحرك العملي؟!
(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")

الثلاثاء، 11 أبريل 2017


«حربان» .. عبر «المانش» وفي الـ «دار»





"انسحاب بريطانيا يمكن إبطاله، بشرط موافقة كل دول الاتحاد"
مسودة ورقة للبرلمان الأوروبي


كتب: محمد كركوتي:

غطت قضية انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بتفعيل مادة الانسحاب ضمن معاهدة لشبونة من جانب لندن، غطت هذه القضية التي تشغل العالم وليس أوروبا فحسب، على احتفالات مرور 60 عاما على إنشاء الاتحاد. في الواقع لم تكن هناك احتفالات توازي المناسبة التاريخية، لأن تاريخية الانسحاب البريطاني "أول دولة تقوم بذلك" طغت على المناسبة الأولى. ولأن الإرباك السياسي سيطر على الساحة الأوروبية ليس خوفا من إتمام الانسحاب فقط، بل أن يكون شرارة وباء انفصالي أوروبي. وهنا سنفهم بالتأكيد، كيف أن المفاوضين البريطانيين سيعاملون بقسوة خلال المفاوضات، لأن أوروبا لا يمكنها أن تقدم أي عروض مغرية للمملكة المتحدة، تدفع غيرها لاحقا إلى الحذو حذوها. باختصار، لا مكافآت لأي انسحاب، حتى لو كان انسحاب دول بأقل كثيرا من حجم بريطانيا.
إجرائيا، سيظل الباب مفتوحا أمام لندن للعودة إلى الاتحاد طوال فترة المفاوضات التي قد تستغرق عامين، في حين هدد البرلمان الأوروبي المفاوضين من كلا الجانبين بأنه سيتخذ إجراءات تشريعية إذا ما استمرت المفاوضات أكثر من ثلاث سنوات. لندع هذا البرلمان جانبا، علما بأنه يمتلك أدوات يمكنها أن تنشر المنغصات غير المستحبة في هذا الوقت بالذات، ولنعود إلى قلب بريطانيا التي لم تستطع رئيسة وزرائها تيريزا ماي أن توقف أو تعطل قليلا حراك الانفصال الداخلي ضمن حدود المملكة المتحدة نفسها، من اسكتلندا التي أِرعت لإجراء تصويت في برلمانها على إجراء استفتاء للانفصال عن المملكة، إلى إيرلندا الشمالية التي يتحين الوطنيون الفرصة لنزع التاج البريطاني، بل حتى إلى ويلز القريبة جدا من إنجلترا على مر التاريخ سياسيا وتشريعيا وقانونيا وإجرائيا.
ستحارب حكومة ماي اليوم على جبهة داخلية خطيرة جدا من ناحية التاريخ والجغرافيا والدولة الكبرى، وجبهة خارجية - أوروبية تحمل الخطورة نفسها من الناحية الاقتصادية. علما بأن الحكومة البريطانية نفسها ليست مع بعضها البعض كما ينبغي أن تكون في مرحلة كهذه، لأسباب تتعلق بطبيعة الانسحاب من الاتحاد، وشكل المفاوضات المقبلة، وحول ما إذا كان من الضروري أن تطرح نتيجة المفاوضات على استفتاء عام، لكي يكون الأداء الديمقراطي أكثر نزاهة. بعض المؤيدين للبقاء يقولون، إن بريطانيا خرجت من الاتحاد بفعل الأكاذيب الناجحة من معسكر الخروج، ولذلك من حق الجميع المؤيدين والمعارضين أن يعطوا رأيهم في نتيجة المفاوضات وحجم الأضرار التي ستتعرض لها بريطانيا على مختلف الأصعدة. يضاف إلى التباين الحكومي الداخلي أن بعض المسؤولين ليسوا على ثقة بقدرة المفاوضين البريطانيين الذين تم اختيارهم، دون أن ننسى الفروقات بين نواب حزب المحافظين الحاكم في مجلس العموم حول هذا الأمر.
ومع كل هذا، لا يزال الباب مفتوحا لعودة بريطانيا كما هو الأمر بالنسبة لباب الخروج. ولكن الباب الأول ليس مفتوحا بما يكفي لرؤيته من بعيد، خصوصا مع وجود إشكالات كبيرة، تتعلق باحترام الديمقراطية حتى لو مورست في استفتاء الخروج الكبير على أساس سلسلة من الأكاذيب. علينا هنا القول، إنه على الرغم من وجود هذه الأكاذيب فعلا، إلا أن الذين أيدوا البقاء فشلوا في إطلاق حملة موازية تستند إلى الحقائق. كل هذا لا يهم الآن. بالنسبة لبريطانيا تسعى للخروج بأقل الأضرار الممكنة، خصوصا إذا ما عرفنا أن عدة آلاف من القوانين والإجراءات ستعود لبريطانيا ولا توجد في لندن حاضنات إدارية لها الآن. أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فقد أعلنها بقوة ودون مواربة أن على بريطانيا أن تدفع ثمن خروجها قبل خروجها ولا مجال للتفاوض في هذا الأمر. وعلى الجميع أن يعي أن أي دولة لن تحظى بمعاملة خاصة إذا ما قررت الخروج من الاتحاد.
بل صبت أوروبا جام غضبها على الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، في سياق جديد لتوضيح صورة المرحلة المقبلة. فهذا الأخير شجع بريطانيا على الخروج، بل هنأها على ذلك، ما دفع قادة الاتحاد الأوروبي للطلب من ترمب الصمت، أو أنهم سيشجعون انفصالا قد يحدث في ولايتي تكساس أو أوهايو. أي أن قادة الاتحاد لا يريدون تدخلات خصوصا على مستوى الولايات المتحدة التي تنتهج ، كما هو معروف، سياسة انعزالية محلية شبه خالصة. وسواء شجع ترمب الخطوة، أم ظل صامتا، المفاوضات بشأن انسحاب بريطانيا التي أطلقت في 29 من آذار (مارس) الماضي، ستدخل التاريخ ليس من ناحية نتائجها المقبلة التي لا أحد يعرف كيف ستكون، من جهة أنها الأولى في تاريخ الاتحاد الأوروبي بعد 60 عاما على تأسيسه. ولأنها كذلك، ظهر جليا أنه حتى البلدان التي تحسب الأمور لعقود بل لقرون، لم تستطع في البداية أن تقنع نفسها بإمكانية خروج دولة عضو من الاتحاد، خصوصا بريطانيا التي حصلت في الواقع على تفضيلات لم تحصل عليها أي دولة عضو في هذا الاتحاد، ومع ذلك اختارت الانفصال.

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")

"نشيد" الانفصال البريطاني الجديد





"الخروج بدون اتفاق من الاتحاد الأوروبي، أفضل من إبرام اتفاق سيئ"
تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا

كتب: محمد كركوتي

هذه هي "النغمة" الآن على الساحة البريطانية "لا اتفاق أفضل من اتفاق سيئ". وهذا بالطبع يختص بالمفاوضات البريطانية ـــ الأوروبية حول خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، في أعقاب تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة التي يفترض أنها تنظم عملية خروج دولة عضو من هذا الاتحاد. باتت هذه الصيغة التي أطلقتها تيريزا ماي رئيسة الوزراء قبل أسابيع، شعارا لكل السياسيين بصرف النظر عن الأحزاب التي ينتمون إليها. وهي في الواقع، تخفف من "الآلام" التي تعيشها ماي في هذه الفترة بالذات، بينما تحضر الأدوات التي تراها مناسبة لإطلاق المفاوضات مع الأوروبيين، وسط خلافات حتى داخل الحزب الحاكم في بريطانيا، فضلا عن تباين وجهات النظر حول طبيعة الخروج وشكله وصورة العلاقات بين جانبي "المانش" لاحقا.
الأوروبيون من جانبهم، رغم الأسى الذي أظهروه بأشكال مختلفة على مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي، لن يحابوا لا بريطانيا ولا أي دولة أوروبية أخرى قد تفكر يوما في الخطوة البريطانية الانفصالية. وهذا في الواقع من حقهم، ويطبقون على لندن المثل الشعبي الشهير" دخول الحمام مش زي خروجه". يعني ستدفع بريطانيا التزاماتها المالية بصرف النظر عن حجمها "تقدر مبدئيا بـ 60 مليار يورو"، لعدة سنوات مقبلة. غير أن هذا الأمر ليس مهما فيما لو قيس، بعدم عقد أي اتفاقات تجارية أوروبية مع بريطانيا، إلى أن تُستكمل عملية مفاوضات الخروج. ما يعني أن المملكة المتحدة ستكون عالقة من دون اتفاقات تجارية أو ما شابه ذلك خلال فترة قد تصل إلى أكثر من عامين. كما أنه ليس من حق بريطانيا "حسب الأوروبيين" عقد اتفاقات اقتصادية مع أي دولة خارج نطاق الاتحاد الأوروبي إلى حين استكمال المفاوضات المشار إليها. وبعد أن وصف مسؤولون بريطانيون مسألة دفع بريطانيا أكثر من 60 مليار يورو لتسوية التزاماتها قبل الرحيل، بأنها "مسألة ابتزاز"، وصفوا قضية عدم عقد اتفاقات تجارية معها، بأنها "قضية انتقامية".
غير أن هذا النوع من التوصيفات لا يقلل من مستوى الصلابة الأوروبية في هذا المجال، خصوصا أن الأمر برمته ليس حكرا على حكومات الاتحاد الأوروبي، بل تشترك فيه مؤسسات أوروبية مختلفة يتقدمها البرلمان الأوروبي نفسه، والبنك المركزي، والوكالات المختصة بالمجالات الحيوية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية وغيرها. فعلى سبيل المثال، يرى البرلمان الأوروبي، أن الأولوية يجب أن تمنح في المفاوضات لمصير ومصالح أكثر من مليون بريطاني يعيشون في أوروبا، وأكثر من ثلاثة ملايين أوروبي يعيشون في بريطانيا. فهذه المسألة على وجه الخصوص تمس أوروبيين وبريطانيين بصورة سريعة ومباشرة. الأمور معقدة بالفعل، ولا يمكن لأي جهة التحدث عن مفاوضات سلسة، ليس بفعل المواقف المتشددة المعلنة من الجانب الأوروبي، بل من جراء عدم وضوح الرؤية حتى لدى البريطانيين أنفسهم. بنك إنجلترا المركزي "على سبيل المثال"، أعلنها صراحة، بأن تكون هناك خطة طوارئ مالية في المملكة المتحدة، وهذه الخطة لا توجد على الساحة إلى الآن.
وبالعودة إلى "نشيد" بريطانيا الحالي "لا اتفاق أفضل من اتفاق سيئ"، على رئيسة الوزراء أن تثبت لشعبها وممثليه صحة هذه النتيجة فيما لو حدث. المصيبة أن مسؤولين مقربين من تيريزا ماي يعترفون بعدم وجود تفسير واقعي لهذا الأمر، كما أنهم اعترفوا في أكثر من مناسبة بوجود بعض التخبط في التحضير للمواجهة الكبرى المتمثلة بإطلاق المفاوضات مع الأوروبيين المتحفزين للبريطانيين. لا مفر من الانسحاب أولا، وتأتي بعد ذلك الاتفاقات الثنائية بين "أشقاء" الأمس. ولا مهرب من دفع بريطانيا التكاليف الهائلة الواجبة عليها. ولا مساحة للتحرك حتى على الصعيد الخارجي ، خارج الاتحاد، قبل انتهاء المفاوضات التاريخية. أي أن المملكة المتحدة محاصرة، والأوروبيون يريدون بصورة أو بأخرى أن تكون بريطانيا عبرة لكل من تسول له نفسه من البلدان الأخرى في الاتحاد الأوروبي أن يفكر في الانفصال أو حتى يهدد به. ما يفسر تمسك الاتحاد ببريطانيا حتى الساعات الأخيرة لاستفتاء الخروج في حزيران (يونيو) الماضي.
وتمسك الأوروبيين بهذا البلد لم يكن من فرط حبهم له، بل جراء حرصهم على عدم حدوث سابقة لم يمتلك أحد في العالم أدنى فكرة على أنها ستحدث يوما. وبالتشدد الأوروبي بعد ذلك، تأتي مرحلة تخويف الأعضاء بحالة بريطانيا المستقبلية والتفاوضية. ليس واضحا مدى صحة نشيد بريطانيا "لا اتفاق أفضل من اتفاق سيئ"، أو جدواه. للوهلة الأولى لا يمكن أن تعيش المملكة المتحدة وسط هذا العدد الهائل من الدول الأوروبية من دون اتفاق خروج لا يضمن طريقة الانفصال فحسب، بل يحدد آفاق العلاقات بين الطرفين. فلم يثبت عبر التاريخ أن الحياة تكون ممتعة إذا ما كان هناك خصام دائم بين الجيران، أو تعارض مصالح بينهم، ولا تنتج مثل هذه الحالة إلا مزيدا من العداء بأشكال مختلفة.

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")