الاثنين، 6 نوفمبر 2017

الضرائب.. اقتصاد وطني أيضاً





تأكد.. تأكد من أنك تدفع الضرائب، وإلا ستقع بمشاكل كثيرة»
ريتشارد نيكسون رئيس أميركي راحل


كتب: محمد كركوتي

لم يثبت أن أحداً أحب الضرائب. لكن لم يثبت أيضاً أن نمواً وازدهاراً وإنتاجاً وتقدماً اقتصادياً في بلدان راشدة، حدث من دون الاعتماد على الضرائب كمصدر رئيس من مصادر الدخل الوطني. إنها مسؤولية الحكومات في عملية الإنفاق، وليس فقط مسؤوليتها في التحصيل المالي. وكل إنفاق يتطلب رافداً مالياً له. تلك هي القاعدة التي قامت عليها اقتصادات متطورة وراسخة، ولم تحقق من خلالها «تخزيناً» للمال، بل إنفاقاً واجباً في هذا القطاع أو ذاك، وفي هذه الخدمة أو تلك. والضرائب (كغيرها من الرسوم) تستند إلى العدالة، بمعنى أنها لا تظلم أحداً، بأن تأخذ منه أكثر مما عليه. في أحد الأيام احتج متمول أميركي على أن الحكومة فرضت عليه أكثر من مليوني دولار كضرائب، زاعماً أنه لا يملك هذا المبلغ، دون أن ينتبه أنه فضح نفسه في احتجاجه. فإذا كانت الضرائب المفروضة عليه بهذا المستوى، علينا أن نتخيل دخله المالي السنوي! تبدأ الإمارات (كما بقية دول مجلس التعاون الخليجي) العام المقبل فرض ضريبة القيمة المضافة ‬VAT. ‬وهذه ‬الضريبة ‬ليست ‬على ‬الدخل، ‬وإنما ‬على ‬قيمة ‬سلع ‬مستهلكة ‬محلياً، ‬يصل ‬عددها ‬إلى ‬90 ‬سلعة ‬تقريباً. ‬وبالطبع ‬لا ‬تشمل ‬السلع ‬الاستهلاكية ‬والأدوية ‬والمستلزمات ‬الطبية ‬وغيرها ‬من ‬تلك ‬التي ‬تكتسب ‬جوانب ‬إنسانية ‬مباشرة.
في ‬حين ‬أن ‬من ‬بين ‬السلع ‬المستهدفة ‬تلك ‬التي ‬لا ‬تمثل ‬حاجة ‬ملحة، ‬بل ‬إن ‬بعضها ‬له ‬مضاره ‬الصحية ‬الخطيرة، ‬كالتبغ ‬ومشروبات ‬الطاقة، ‬أو ‬تلك ‬المليئة ‬بالسكريات. ‬دون ‬أن ‬ننسى، ‬أن ‬التكاليف ‬الصحية ‬لهذه ‬السلع، ‬تضيف ‬أعباء ‬مالية ‬على ‬كاهل ‬الخدمات ‬الطبية ‬نفسها، ‬بالإمكان ‬تجنبها ‬بسهولة.
‬ودول ‬الخليج ‬العربي، ‬بحاجة ‬حقاً ‬إلى ‬فرض ‬هذا ‬النوع ‬من ‬الضرائب، ‬في ‬إطار ‬التحولات ‬الاقتصادية ‬التي ‬تشهدها. ‬وكانت ‬مطالبة ‬من ‬المنظمات ‬الدولية ‬الاقتصادية ‬الكبرى، ‬بضرورة ‬الإقدام ‬على ‬هذه ‬الخطوة ‬في ‬إطار ‬تكريس ‬التوازن ‬الاقتصادي ‬المحلي.
على كل حال، ضريبة القيمة المضافة ليس قديمة، وتعود فقط إلى مطلع خمسينيات القرن الماضي، ووفرت مداخيل هائلة للحكومات في بلدان كبرى. في بريطانيا (مثلاً) تصل عوائد هذه الضريبة إلى 120 مليار جنيه استرليني سنوياً. وتعفي المملكة المتحدة الطعام وملابس الأطفال والكتب فقط من هذه الضريبة. وتختلف قيمة الضريبة المشار إليها من بلد لآخر، لكن الفروقات ليست كبيرة.
في الإمارات لن تزيد نسبة الضريبة على 5%، بينما تصل في بلدان كبرى إلى ما فوق 20%. ويبقى السؤال الأهم، هل سترتفع تكلفة المعيشة في بلدان الخليج جراء هذه الضريبة؟ المرجح أنها سترتفع، ولكن بصورة ضئيلة للغاية. لكن الأهم من هذا، أن الارتفاع سيكون متفاوتاً طبقاً لنمط معيشة الأفراد. أي أن الفرد هو الذي يستطيع أن يتجنب ارتفاع التكاليف، بنمط حياة أكثر تطوراً. إنها ببساطة ستطرح ثقافة جديدة في المجتمع، بحيث لا يكون الاستهلاك هدفاً بحد ذاته. المجتمعات الراشدة تخلصت من هذا «الهدف» منذ عشرات السنين.

(المقال خاص بجريدة "الاتحاد")

الاحتلال الاقتصادي الإيراني لسورية



"بدلا من استغلال إيران عوائدها المالية لتنمية البلاد، استخدمتها لإشعال الفتن خارج حدودها"

من بيان للسعودية أمام الأمم المتحدة

كتب: محمد كركوتي


أيا كان شكل النهاية للمصيبة الحاصلة في سورية منذ سبع سنوات، يعمل الاحتلال الإيراني لبعض المناطق السورية على احتلال اقتصادي كامل لهذه البلاد المنكوبة. وأيا كانت المحصلة الكارثية لما يجري في سورية، فنظام علي خامنئي يتحرك بكل ما يملك من أدوات لتكريس وجوده الطائفي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، في أبشع استغلال لمستقبل شعب منكوب، ليس فقط جراء وجود سفاح مثل بشار الأسد "رئيسا"، بل لقيام هذا القاتل بفتح سورية كلها، أمام دول وجهات لا تنشط إلا في زيادة المصائب، ونشر الخراب، في ممارسات خيانة نادرة في التاريخ الحديث. كانت إيران بنظامها الطائفي العدواني التخريبي أول المدعوين إلى "الوليمة" المفجعة. وأتت بالفعل تجر معها عددا من العصابات التابعة لها، وفي مقدمتها حزب الله الإرهابي الذي يحمل خطأ توصيف "اللبناني".
قيادة الاحتلال الإيراني في سورية لا تخفي مخططاتها الاقتصادية تماما مثلما لم تخف أعمالها الوحشية الفظيعة في هذا البلد. وطهران تملك المال اللازم لإتمام حلم السيطرة الكاملة على الاقتصاد السوري بعد انتهاء الحرب الدائرة، كيف؟ بتحويلها كل العوائد المالية التي تمكنت من الحصول عليها في أعقاب رفع العقوبات عنها "وفق الاتفاق النووي المشكوك فيه دائما"، إلى تنفيذ برنامج السيطرة الاقتصادية، دون أن تنفق دولارا واحدا على التنمية في إيران نفسها. أولويات نظام خامنئي -كما سلفه الخميني- لم تكن يوما الشعب الإيراني، وإنما تنفيذ استراتيجية الخراب الطائفية البغيضة، هنا وهناك، وتحقيق حلم بائس مشين، بإنشاء ما اصطلح على تسميته بـ"الهلال الشيعي". حتى هذا الأخير لم يعد حلما مقبولا لخامنئي، ما يفسر تصريحات قياديين لديه بأنهم يسعون إلى إنشاء "البدر الشيعي"!
وقد يقول قائل: إن روسيا لها حضورها الأكبر على الساحة السورية، فكيف يمكن أن نطرح مطامع خامنئي الاقتصادية في هذا البلد فقط؟ وهذا سؤال في محله. فكل بلد يمكنه الوصول إلى ساحة ما ترغب وتسعى إلى تدعيم وجودها والحصول على العوائد المطلوبة على مختلف الأصعدة، لاسيما الاقتصادية. فكل ساحة -مهما كانت أزماتها- تطرح فرصا اقتصاديا متعددة، بل توفر مسارب للحصول على الأرباح والعوائد الكبيرة أيضا. غير أن الأمر مختلف عن الحالة الإيرانية. فطهران مستعدة للإنفاق بلا حساب، ليس فقط من أجل عوائد اقتصادية، بل لتحويل أحلامها المريضة إلى حقائق. الأجندة واضحة، تتعلق بالتمكين الشيعي في سورية، خصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار عمليات التهجير المفجعة للسوريين السنة من مناطقهم وبيوتهم، وإجبار شريحة منهم على النزوح إلى مناطق داخل سورية لأسباب طائفية.
أحلام كثيرة لنظام علي خامنئي في سورية والمنطقة ككل. فبعد العراق تأتي سورية، ما يعني أنه وصل إلى ساحل المتوسط. ومن هنا يمكن فهم المخطط الراهن بإنشاء سكة حديد تنطلق من طهران لتصل إلى البحر المتوسط! ناهيك عن المشاريع الأخرى ذات البعد الاستراتيجي، كتأهيل منصات النفط السورية، وإعادة تأهيل شبكات الكهرباء من خلال استيراد خمس محطات قوة من إيران، إضافة طبعا إلى سلسلة من الاتفاقيات بين نظام سفاح سورية وطهران، تكبل السوريين على مدى عقود. وليس غريبا -مثلا- أن يكون وفد خامنئي إلى معرض "إكسبو" في دمشق، أكبر الوفود قاطبة، بانضمام 30 شركة إيرانية إليه. أضف إلى ذلك تلك العمليات الدنيئة التي تقوم بها إيران في المناطق السنية وتحويلها شيئا فشيئا إلى مناطق شيعية، في واحدة من أكبر الجرائم الديموغرافية.
إذا كان لروسيا -وغيرها من البلاد المتورطة في سورية- مطامع اقتصادية مفهومة في سورية في مرحلة إعادة الإعمار، فلإيران مطامع على مختلف الأصعدة، يختصرها الحلم الإيراني الشيعي الذي أتى به الخميني قبل أكثر من ثلاثة عقود. وهو حلم لا يستحق إلا مواجهته بكل قوة ممكنة. فالمكاسب الاقتصادية الإيرانية -رغم أهميتها- من سورية تأتي في ذيل القائمة. قبلها، هناك نشر الطائفية بكل قباحتها، بما في ذلك إتمام تغيير ديموغرافي يعاقب عليه القانون الدولي، وتمكين نظام سفاح سورية بكل الوسائل، لأن هذا الأخير مستعد لبيع كل سورية وقتل شعبها كله، من أجل البقاء ساعة إضافية واحدة في سلطة لم يستحقها منذ اليوم الأول لوصوله إليها. أشياء كثيرة تسبق الهدف الاقتصادي لنظام الملالي. وهذا الأخير مستعد للإنفاق والتمويل بصرف النظر عن أوضاعه الاقتصادية المحلية السيئة.
عند خامنئي الشعب الإيراني ليس مهما، أو في أحسن الأحوال ليس أولوية، والتنمية المحلية تأتي لاحقا بصرف النظر عن المدة. المهم أن يظهر "الهلال الشيعي" ويا حبذا "البدر الشيعي"، أما بقية الأشياء الأخيرة ليست سوى تفاصيل تحتمل التأجيل! بالطبع هذه الأحلام لن تصل إلى مبتغاها، لكن لا يمكننا أن ننفي وجود الأضرار الناجمة عن الاحتلال الاقتصادي الإيراني لسورية.

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")

«بيتكوين».. عملة الإرباك





«الآن عملة بيتكوين، تشبه شبكة الإنترنت قبل ابتكار صفحاتها»

ينس كاساريس أرجنتيني، مؤسس بنك «ليمون» البرازيلي

كتب: محمد كركوتي

جاء تحذير محافظ المصرف المركزي الإماراتي من المخاطر المرتبطة في التعامل بالعملات الافتراضية، في الوقت المناسب. وأتى مغلفاً بمسؤولية عالية المستوى والقيمة، ولا سيما العملة الأكثر شهرة «بيتكوين»، التي تحدث إرباكاً على الساحة المالية العالمية.
ولهذا الإرباك عدة أسباب، في مقدمتها، أنها حققت حضوراً فعلياً في العالم المالي الافتراضي-الرقمي، وتمكنت من رفع قيمتها على مدى سنوات قليلة لمستويات خيالية حقاً، وتصدرت المشهد المالي الإلكتروني الزاخر بعملات مشابهة أخرى. لكن الأهم من هذا وذاك أن «بيتكوين» لم تحظَ باعتراف من جانب الجهات التنظيمية. والنقطة الأخيرة هي التي استند إليها محافظ «المركزي الإماراتي».
هذه العملة المُحيرة، لا تتمتع بتغطية من الذهب والعملات الأجنبية، ما يعزز تحذير المحافظ، بصرف النظر عن سماح بعض البلدان التعامل بها. النقطة الأهم في النهاية، أنها لا تخضع لرقابة. ومثل هذا التسيب، لا يضع أموال المتعاملين بها في خطر، بل يهدد النظام المالي بأزمة لا يمكنه تحملها، وإن كان قادراً على استيعابها.
ولم يكن رجل الأعمال السعودي الأمير الوليد بن طلال مُبالغاً حين عبر عن اعتقاده بأن «بيتكوين» ستنفجر يوماً، بل مضى أبعد من ذلك بقوله «ستكون أنرون جديدة»! ومع ذلك، تساهم حكومات بعض البلدان الكبرى في التشويش الحاصل من العملة الافتراضية المذكورة. لماذا؟ لأنها سمحت بالفعل في التعامل بها، دون أن تمنحها الغطاء التشريعي المعول به عالمياً. ومن هذه الدول (مثلاً) الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا والسويد وكوريا الجنوبية وكندا وفنلندا وهولندا، إلى جانب بلدان أقل شأناً على الساحة الاقتصادية العالمية. والغريب أنها تُعتبر في الدول المشار إليها «عملة صديقة»، وهذا توصيف مطاطي وهلامي، يصعب قبوله وفق المعايير الحقيقية على الساحة المالية بشكل عام.
ومن ضمن المشاكل أيضاً أن «بيتكوين» ليست سوى عملة رقمية واحدة بين أكثر من 60 عملة متداولة افتراضياً! وهذه العملات تمضي قدماً بحضورها على الساحة بنفس الصيغة التي تتمتع بها «بيتكوين»، ما يعني أن غياب رقابة مباشرة إلى جانب عدم وجود لوائح تنظيمية حتمية، ستكون الفوضى حاضرة ستقود المشهد العام بدورها إلى أزمة مالية كبرى. ففي حين بدأت قيمة هذه العملة عام 2013 ب 1155 دولار لكل «بيتكوين» واحد، بلغت اليوم 2400 دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 3000 دولار بنهاية العام الجاري. وهي ارتفاعات مخيفة تحمل معها محركات الانهيار في أي لحظة.
لابد من الاعتراف هنا، أن العملات الافتراضية صارت واقعاً، وبدأت مؤسسات كبرى التعامل فيها، من بينها «مايكروسوفت» نفسها «وباي بال» وغيرهما. لا أحد يطالب بإلغاء هذه العملات أو محاربتها، لأن التطور المالي يحتم وجودها، لكن المطلب الوحيد حالياً يبقى منحصراً، بضرورة تدخل الجهات التنظيمية والتشريعية المالية، لتوفير الضمانات اللازمة ليس فقط لمن يرتضي التعامل ب«المال الرقمي»، بل لمسار الاقتصادات الوطنية نفسها.

(المقال خاص بجريدة "الاتحاد")