الخميس، 20 ديسمبر 2012

إيران تتنفس مالياً رغم العقوبات

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")




«إيران هي التي تعزل نفسها عن بقية العالم»
ليون بانيتا وزير الدفاع الأمريكي



كتب: محمد كركوتــــي


مع الموجات المتلاحقة من العقوبات الاقتصادية المختلفة التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على إيران، يتصاعد سراً مستوى تعاملات مؤسسات ومصارف غربية من كل الأحجام، مع النظام الإيراني، ما يخفف عنه الأوجاع الناجمة عن العقوبات بشكل عام. ولا يبدو - حتى الآن - أن التهديدات الغربية الموجهة لهذه المؤسسات، لها تأثير عملي وواقعي، فيما لو استثنينا فضيحة لمؤسسة هنا، ومصرف هناك، تنتهي عادة بغرامة واعتذار. فهناك نسبة من العقوبات تمتصها إيران عن طريق سلسلة من عمليات الاحتيال والتحايل والالتفاف حولها، ما يحتم على الدول الفارضة لعقوباتها أن تلتفت بصورة أكبر إلى مؤسساتها التي تخرق العقوبات بكل الصيغ الممكنة، خصوصاً إذا كان الاحتيال جزءا أصيلا من سياسة النظام الإيراني. وفي كل الأحوال الفتاوى حاضرة حسب الطلب، بما في ذلك فتاوى الاتجار بالمخدرات، من تلك التي مُنحت لزعيم حزب الله الإيراني في لبنان حسن نصر الله.
واللافت أن الولايات المتحدة و(الغرب عموماً) توصلت من خلال تحقيقات عالية الجودة، إلى حقائق مريعة في هذا المجال، بما في ذلك الكشف عن مؤسسات أمريكية وأوروبية تقدم خدماتها الاحتيالية لنظام علي خامنئي. وقد تبينت هذه الدول أن تهديداتها بملاحقة المؤسسات المشار إليها، لم تحقق المطلوب منها، بل تم الكشف عن معلومات تفيد بأن المؤسسات التي ضُبطت (لا سيما المصارف) لها من الأذرع السرية غير المضبوطة، التي باشرت العمل فوراً، الأمر الذي يجعل المهمة صعبة، ما يتطلب ليس فقط توحيد الجهود ضدها، بل تطوير آليات مواجهتها. وحتى الآن ما زالت إيران تسبق الحكومات الغربية بكل مؤسساتها الاستخباراتية أكثر من خطوة في هذا المجال. فالعقوبات - كما نعلم - تعني تجفيف المنابع المالية للنظام الإيراني، وعلى هذا الأساس، فإن أي منبع مالي (مهما كان بسيطاً أو متواضع القيمة) يُحدث فجوة في هيكلية العقوبات، وكلما زادت الفجوات، تمتع النظام الإيراني بمساحة إضافية تمنح له ما يحتاجه للاستمرار في ''تنفسه المالي''.
هذا ''التنفس المالي'' يأتي بطرق مختلفة، بعضها يحتاج بالفعل جهودا مضاعفة للكشف عنها، لكن البعض الآخر يمكن الوصول إليه بسهولة، خصوصاً أن معظم المؤسسات (في الغرب) التي تخرق عقوبات الغرب، لها روابط إيرانية سابقة على العقوبات، بالإضافة إلى أفراد من أصول إيرانية يحملون جنسيات الدول نفسها الفارضة للعقوبات. وإذا أضفنا ''الخدمات'' التي يقدمها رجال أعمال ينتمون إلى دول متعاطفة ومتعاونة مع إيران، فإن علي خامنئي يستطيع - في بعض الأحيان - أن يتطلع إلى الغرب ويبتسم باستهزاء. وعندما نتحدث عن خروقات للعقوبات المفروضة على إيران، فإن ذلك يشمل دولاً محورية في هذه العقوبات كبريطانيا وفرنسا وألمانيا والنمسا، طبعاً بالإضافة إلى الولايات المتحدة. والقضية في النهاية ليست معقدة. ما يحدث في أغلب الأحيان، أن مؤسسات أوروبية أو (أفراد) تقوم بتصدير مواد محظورة لإيران عن طريق دول ليست خاضعة للعقوبات. وهذا في الواقع أسلوب قديم في خرق العقوبات يعرفه الجميع. أي التصدير وإعادة التصدير، وأحياناً إعادة التصدير.
صحيح أن التهديدات التي أطلقها الغرب ضد الأطراف التي تساعد نظام خامنئي في ''تنفسه'' الاقتصادي والمالي، مهمة وكانت في الواقع ضرورية منذ أول جولة لهذه العقوبات، غير أن أدوات عقاب هذه الأطراف ليست مفهومة، بل ينظر إليها البعض ببعض من السخرية، على اعتبار أنه إذا لم يستطع الغرب التجفيف الكامل للمنابع المالية الإيرانية في الدول الغربية، فكيف يمكنه أن يلاحق ويعاقب الذين يقفون وراء هذه المنابع خارج النطاق الجغرافي الغربي؟! فحسبما رشح من معلومات في الدول الغربية نفسها، أن عمليات تبييض الأموال الإيرانية، ما زالت تجري بصور مختلفة على الساحة الغربية، بما في ذلك طبعاً، الاستخدام اللا محدود لشركات الصرافة، والمكاتب المرتبطة بها. وعلى سبيل المثال تمكنت السلطات في لندن، في الأسابيع الماضية، من تحديد شركات سياحية فيها، تقوم بعمليات غسل أموال حقيقية للنظام الإيراني. وعلينا أن نتخيل دور الشركات الأخرى المماثلة في بقية الدول الغربية.
أمام الدول الغربية مهام بالفعل صعبة لكي تفعل عملياً عقوباتها المفروضة على إيران. وعليها أن تبدأ أولاً من أراضيها قبل أن تستهدف الجهات خارجها. فحتى عندما يتم تفعيل العقوبات الخاصة بمنع إيران من تحويل الإيرادات التي تحققها من صادرات النفط إلى داخل البلاد، اعتباراً من شباط (فبراير) المقبل، فإن ذلك لا يعني ألا يجد خامنئي وأعوانه والعصابات التابعة له، طرقاً جديدة أخرى تلتف على هذه الخطوة المحورية في العقوبات. وعلى هذا الأساس، فإذا كانت العقوبات بكل أنواعها مهمة جداً لوقف حماقات النظام الإيراني وعدوانيته، فإن حماية هذه العقوبات جزء لا يتجزأ منها نفسها. ودون هذه الحماية، فإن الأنظمة المارقة كلها يمكنها أن تبتسم وتسخر مع كل جولة عقوبات يطلقها الغرب.

السبت، 8 ديسمبر 2012

فشل «الحجاب» في صد الحسد عن الليرة السورية

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")





«المال لا ينتج النجاح، الحرية تصنعه بحرفية»
نيلسون مانديلا، رئيس جنوب إفريقيا الأسبق

كتب: محمد كركوتـــي


ورث بشار الأسد عن أبيه كل شيء، وليس فقط سلطة لم تكن له شرعية فيها، تماما مثل أبيه. ورث عنه حتى والدته (أنيسة) التي تستمتع بقتل الأطفال، وتدمير البلاد، من أجل البقاء يوما إضافيا في قصر لا تملكه. بل إن زوجته (أسماء)، ورثت عن والدته بشاعتها وأخلاقياتها، لتتكرس حقيقة، أن هذه العائلة تتوارث كل الخبائث، ضمن قوانين الحمض النووي وخارجها. فيكفي الاقتراب من (العائلة)، لضمان تلوث لا مُنظف مضاد له. تلوث لا يزول إلا بزوال المتلوث نفسه. ورث السفاح الراهن، الوحشية والهمجية، وإنتاج الظلم والقهر والتعذيب، وصناعة القتل والنهب والخراب. ورث طائفية ''أسرية''، توازي في بشاعتها قومية هتلر وموسوليني وميلوسوفيتش وكاراديتش. كانت تكفي بعض البراعة لدى أي شخص، للتحدث بلهجة الأسرة، ليس إعجابا ببلاغتها، ولكن لـ ''شرعنة'' المُحرم! كان إرثا يستحيل حصره. ولأنه كذلك في استحال إصدار شهادة ''حصر إرث''.
في أيلول (سبتمبر) من العام الماضي نشرت مقالا بعنوان ''الأسد الابن يطبع الليرة بلا غطاء''. وقتها انبرى أعوان الأسد، لنفي أي شيء يرتبط بطباعة الليرة، بل شددوا على أنه ليس في نية النظام أن يقدم على هذه الخطوة، لماذا؟ لأن الاقتصاد السوري قوي، إلى درجة أن أصبحت الليرة نفسها محسودة! وأبديت ''تعاطفا'' مع هؤلاء، واقترحت عليهم أولا، تعليق ''حجاب إلكتروني'' على كل ورقة نقدية لحماية الليرة من الحسد، وتعيين العرافة ماجي فرح، إما مستشارة اقتصادية لـ ''الدولة''، أو حاكمة للبنك المركزي السوري، أو بالأحرى حاكمة لما تبقى من مركزية وسورية البنك، إن توفرتا أصلا. ففي قناعة هؤلاء، أن العالم أجمع يحسد سورية والسوريين على بشار الأسد. فلا غرابة في أن يحسد الاقتصاد كله، ومعه الليرة وكل القطاعات في البلاد. ولمن نسي، فقد أعلن أحد نواب ما يسمى بمجلس الشعب، بأن ''سورية أصغر من أن تحكمها يا سيادة الرئيس. يجب أن تحكم العالم''!.
لم تتمكن روسيا من إخفاء أمر طباعة الأوراق النقدية من الليرة السورية، لحساب بشار الأسد. مثل هذا الأمر لا يمكن إخفاؤه مهما كانت قوة وصلابة خبرات فلاديمير بوتين الاستخباراتية الموروثة من رئاسته لجهاز الـ ''كي جي بي'' لسنوات طويلة. ولو ظهر راسبوتين مجددا، لفشل في إزالة رائحة الطباعة عن الأوراق الجديدة. فالأوراق النقدية اختُرعت أصلا للتداول لا للتخزين، والأوراق التي يطبعها بوتين للأسد تحديدا، لا يقبل حتى هذا الأخير بتخزينها، لأنها بلا سند، وتكاليف تخزينها أعلى من قيمتها، وبالتالي لا نفع لها في المستقبل. لقد اختصرت المؤسسات الأجنبية الطريق منذ البداية، وأعلنت رفضها التعامل بالأوراق النقدية السورية الجديدة التي تظهر في نطاق التداول. والحقيقة، شكلت هذه الخطوة الضربة الأولى للأسد وعصاباته بعد أسابيع من اندلاع الثورة الشعبية العارمة في البلاد. بلغ وزن أوراق الليرة السورية المطبوعة في روسيا أكثر من 240 طنا، نُقلت على مراحل في فترة قصيرة إلى سورية. وكما أن تكاليف تخزينها أعلى من قيمتها، كذلك تكاليف نقلها. ومع ذلك، فإن هذه الكميات الهائلة، تجد في سورية سوقا وإن كانت وهمية.
لقد جرب الأسد طباعة الليرة في دمشق، لكنها أتت رديئة مثل نظامه، ومكشوفة مثل تاريخه. وبعد أن رفض الأوروبيون (وتحديدا النمسا) تنفيذ عقود الطباعة له، كان بوتين يوقع عقدا جديدا آخر معه، حتى بعد معارضة خافتة ومتواضعة (وفي حالة الحكومة الروسية.. وضيعة) من المسؤولين وخبراء المال في موسكو. فكلنا يعرف، أن النقاش والجدل من الممنوعات عند الرئيس الروسي، فكيف الحال بالمعارضة؟ لم يتبق لدى الأسد (بالفعل)، من الأوراق النقدية التي تغطي رواتب حوالي مليوني موظف حكومي في سورية. وحتى الأوراق المغطاة ماليا، انكشفت على مدى 20 شهرا، بحيث قفز الدولار الأمريكي من 57 ليرة إلى ما بين 85 و100 ليرة. فالغطاء المالي لهذه العملة، تبخر نتيجة لعاملين اثنين. الأول: النهب التاريخي الذي يتعرض له احتياطي البلاد من القطع الأجنبي، بما في ذلك احتياطي الذهب الذي صب في كل من روسيا وإيران، وتقدر قيمته بـ 2,5 مليار دولار. والثاني: تخصيص جزء كبير منه لتمويل حرب الإبادة التي تشن بلا هوادة على الشعب السوري.
الأطنان من الأوراق المالية التي يطبعها بوتين ويصدرها إلى سفاح سورية، هل بمنزلة حبل آخر حول رقبة الاقتصاد السوري ما بعد سقوط بشار الأسد. فهذا الأخير، يثبت مرة أخرى، حجم كراهيته للسوريين كلهم. يسعى إلى تكبيلهم اقتصاديا حتى بعد زواله الحتمي. فقد باع السندات قبل الطباعة المشؤومة، وهو مستعد في أيامه الأخيرة، لأن يبيع البلاد كلها، في سبيل أن يبقى يوما إضافيا في سلطة، وفرت كل الأجواء التي تقوده إلى حبل المشنقة، بعد أن حولها (وقبله والده)، إلى ''فرامة'' لشعب بأكمله. لن تنفع (الأسد) ''ليرات'' بوتين السورية، كما لم تنفع أسلحته الروسية. ليس فقط بسبب الثورة السورية الاستثنائية في التاريخ الحديث، بل لأنه لا عهود دائمة بين قادة العصابات.

المال المنهوب + المال الوطني = اقتصاد جديد

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")




«علينا أن نستثمر في البني التحتية للتنمية، وإعادة بناء المجتمع لخلق فرص العمل»
كارول برون عضو مجلس الشيوخ الأمريكي

كتب: محمد كركوتــــي


ينشط أصدقاء الشعب السوري في حراك لافت ومتفاعل ومُركز، على صعيد مرحلة ما بعد سقوط سفاح سورية بشار الأسد، أكثر مما ينشطون ويتفاعلون ويركزون، على المرحلة التي تسبق سقوطه الحتمي. والأمر مفهوم تماماً، لأن حسابات ومحاذير بل ومخاوف ما قبل السقوط، أكثر حضوراً (لديهم) الآن من تلك التي تخص ما بعده، بصرف النظر عن الخسائر المتنوعة الناجمة عن سلوكيات تعاطي "الأصدقاء" مع المرحلتين، بما في ذلك الخوف الكامن والمعلن لدى هؤلاء، من إمكانية أن يسرق الإسلاميون السوريون (ولا سيما جماعة الإخوان المسلمين) منتجات الثورة الشعبية الكبرى التي تجري في البلاد منذ أكثر من 20 شهراً. هذا الخوف، أفرز تقاعساً فظيعاً من جانب "الأصدقاء"، خوف يُعزز (بصورة باتت تدعو إلى السخرية) "الإمكانية" التي يخشون منها! الأمر الذي أدى إلى تعاظمه، بدلاً من تآكله. لقد ظهر هؤلاء في كثير من الأحيان، بمظهر العاجز عن مواجهته. الخوف المشار إليه، موجود ومبرّر، لكن آليات مواجهته أضعف منه.
هذا الوضع النادر (بالفعل)، لا يلغي أهمية ومحورية الحراك الناشط لـ "الأصدقاء" على ساحة ما بعد سقوط الأسد ونظامه، فهو في النهاية يرتبط بمستقبل يربط الشعب السوري ومحبيه، الذين قرروا بصدق المساهمة في إعادة بناء سورية، كما أنه يؤسس لعلاقة أكثر من ضرورية بين الطرفين. علاقة لا يستغني عنها الطرف الأول، ويصعب على الطرف الثاني تجاهلها. خصوصاً أن المساهمة في إعادة البناء، لا دخل لها بأي نوع من الإمدادات الخيرية. إنها مجبولة بالمصالح السياسية والاقتصادية، بل وبمستقبل ومصير منطقة، يبدو الهدوء والاستقرار فيها، شكل من أشكال الترف و"الكماليات". إنهما "سلعتان فاخرتان" للمنطقة بأكملها. ولذلك، فإن الحراك الذي يستهدف الاقتصاد السوري ما بعد الأسد، المتمثل باجتماعات مجموعة عمل أصدقاء الشعب السوري، المعنية بإعادة بناء الاقتصاد والتنمية، يكتسب أهمية كبيرة، ليس فقط من جهة نوعية وقوة المنخرطين فيه، بل من ناحية ما يُطرح من خلاله، وما ينتج عنه من أفكار وتصورات ودراسات. وإن برزت بين الحين والآخر في سياقه، شذرات قليلة (ليست غريبة بالطبع) عن مثل هذا الحراك.
العرب ومعهم الدول الغربية المحبة للشعب السوري خلال كارثته التي يعيشها، وما بعدها، يشكلون عاملاً مهماً جداً في مرحلة إعادة بناء الاقتصاد السوري، وبالأصح بناء اقتصاد وطني جديد. فما سيتبقى (بعد زوال الأسد) من "أطلال" اقتصادية، يستحيل البناء عليها. والجميع يعرف، أنه لم يكن في سورية على مدى أكثر من أربعة عقود شيء يستحق توصيفاً قريباً من الاقتصاد، بل كانت هناك مؤسسة عائلية (وطائفية) الدولة نفسها كانت إحدى شركاتها، يديرها "خريجون" من "المعهد الاقتصادي" لأي عصابة. ورغم أهمية الدور العربي والغربي في بناء الاقتصاد الجديد المأمول، الذي يستند (مرة أخرى) إلى الاستثمار لا الأعمال الخيرية، إلا أن هناك عنصرين يشكلان أساساً لهذا الاقتصاد، وهما: المال الذي يملكه رجال الأعمال السوريون الوطنيون، والمال الذي نهبه الأسدان (الأب والابن) وعصاباتهما على مدى السنوات الأربعين الماضية. وإذا كانت جلسة واحدة من جلسات مؤتمر "شركاء في بناء سورية" الذي عُقد أخيراً في دبي، سجلت تعهدات من مستثمرين سوريين مشاركين بلغت 5 مليارات دولار أمريكي، فهذا شيء مطمئن خصوصاً مع صدق النوايا وثبات الكلمة. ومن خلال معرفتي بغالبية هؤلاء "المتعهدين"، فإنني أستطيع القول: إن وطنيتهم تؤازر كلمتهم.
هناك العنصر الثاني، الخاص بالمال المنهوب. وهو محور لا ينبغي أن يكون مطلوباً فقط من السوريين المسروقين، بل من الدول التي تجمع لديها بصورة أو بأخرى، بخزانة أو بأخرى، بحفرة أو بأخرى، بشركة أو بأخرى.. وهكذا. صحيح أنه لا يوجد حكيم، يمكنه أن يحدد برقم معين حجم هذا المال، ولكنه يستطيع ألا يخشى من تقديره ما بين 30 و40 مليار دولار أمريكي، كحد أدنى. وهذه الأموال وحدها، يمكنها أن توفر انطلاقة كبيرة لبناء الاقتصاد السوري، خصوصاً أن التقديرات الأولية تحوم حول احتياجات سورية ما بعد الأسد إلى أموال فورية تترواح ما بين 50 و60 مليار دولار. على الدول المحبة للشعب السوري، أن "تنبش" بسرعة هذا المال. وهي بذلك لن تعيد المال لأصحابه، بل ستخفف عنها بعض الالتزامات الاستثمارية (أو الإنقاذية المستثمرة) التي ارتضتها لنفسها، في سياق بناء الاقتصاد السوري. وبما أن غالبية هذه الدول تواجه أزمات اقتصادية موروثة من الأزمة الاقتصادية العالمية، فإن العمل الجاد والسريع والديناميكي، بما في ذلك استصدار قوانين وتشريعات، تلغي تلك التي تُطيل أمد الرحلة نحو استعادة أموال الشعوب المنهوبة بشكل عام، سوف يعطي ثماره بنفس وتيرة السرعة المشار إليها.
عنصران أساسيان حاضران فعلاً، يمكن ببساطة تطويعهما في المشروع التاريخي المنتظر، لبناء اقتصاد سوري، يستحقه السوريون أولاً، ويكرس تلك المحبة التي أظهرها أصدقاؤهم، بصرف النظر عن أولويات هذه المحبة، التي قد لا تتفق بنودها الزمنية.