الأحد، 30 أغسطس 2009

زرنيخ الجمال؟!



( هذاالمقال خاص بموقع "سي إن بي سي عربية")


" الموت بالزهر مثل الموت بالفحم"
الشاعر أحمد شوقي


محمـد كركوتـي

للممثلة الإيطالية الجميلة ( ولا أقول البارعة) صوفيا لورين، تصور خاص بها عن المرأة. فهي تقول: "إن جمال المرأة هو خمسين في المئة مما تملك، وخمسين في المئة مما يعتقد الآخرون أنها تملك". وقد استحضرت كلمات " الجميلة السابقة"، في خضم أخبار عن وجود مستحضرات تجميل نسائية "ملوثة"، في أسواق مختلفة من منطقة الخليج. مستحضرات تعج بالرصاص والزرنيخ وقطران الفحم وحتى أحبار الطابعات.. وغيرها من المواد السامة، وكأننا نتحدث عن صناعات ومنتجات عسكرية، لا تجميلية!. لقد وجدت رابطا بين هذه المستحضرات القاتلة، والخمسين في المئة الثانية في توصيف لورين. فالنصف الثاني لجمال المرأة، يعتمد بصورة أساسية على التجمل ( عمليات التزين) ، لا التجميل ( عمليات الجراحة)، وإذا ما واجهت عمليات التزين مخاطر من جراء المستحضرات والأدوات المستخدمة، سيكون الناتج عبارة عن " خطورة جمال، لا " جمالا خطيرا"!. وتتفق عفيفة بدر رئيس مجموعة سلامة المواد الاستهلاكية في وزارة الصحة البحرينية، مع هذا الطرح. فهي تقول:" إن هناك انتشارا واسعاً لمجموعة من المستحضرات التي تقبل عليها الفتيات الخليجيات دون معرفتهن المباشرة بضررها".
ولأنني لا أفهم تركيبات مستحضرات التجميل، فقد سألت صديقا مختصا في لندن عنها. وطلبت منه توصيف وجود مستحضرات من الكحل العربي في الأسواق، تحتوي على ما بين 20 إلى 80 في المئة من مادة الرصاص. فما كان من هذا المختص إلا القول بالعربية والإنجليزية : "يا إلهي.. هل هناك مستحضر بهذه المحتويات؟". ورغم أن كلمة "يا إلهي" تفي السؤال ردا، إلا أنني طلبت مزيدا من الأجوبة – غير القدرية – فقال: "الجلد يمتص الرصاص ويصل بذلك إلى الدم، ومن المحتمل أن ينتقل هذا الرصاص إلى الرضيع عن طريق الرضاعة، إذا ما كانت الأم تستخدم هذا المستحضر التخريبي". ولم يتوقف المختص المذهول عن هذا الحد فقال: " إن زيادة نسبة الرصاص في الجسم، قد يؤدي إلى الإصابة بالعقم والعمى وشلل الأطراف وحتى الوفاة!". وفي الحناء تدخل مادة قطران الفحم، التي ثبت وجودها بصورة رهيبة في المستحضرات المتوفرة في بعض الأسواق الخليجية. وفي الوشم توجد مادة الزرنيخ، التي تمنع مستخدمها من التبرع بالدم لمدة عام على الأقل، فكيف الحال إذا ما كانت كميتها غير طبيعية. وللمزيد من الصدمات، تم العثور على مستحضرات وشم، احتوت على أحبار تستخدم في الطابعات.
ولكي ننتقل من الحديث العام إلى الخاص، فقد أعلنت الهيئة العامة للغذاء والدواء السعودية عن تلوث 9 من عينات لمنتجات كُحل مسوقة محلياً بالرصاص والبكتيريا. وأثبتت الهيئة بعد التحليل تجاوز كمية الرصاص المسموح بها في الكحل بما يفوق 10 أضعاف! إضافة إلى احتواء سبع من العينات التسع على نسبة عالية من البكتيريا بما يزيد على المواصفات المسموح بها. وفي دبي صادرت بلديتها خلال حملة تفتيشية على الأسواق 16 نوعاً من الكُحل، جميعها غير مسجّل لدى البلدية، ستة منها تحتوي على مواد سامة، تسبب الإصابة بالسرطان وأمراض العيون والجلد. وهناك الكثير من المواد التي لم تفتضح بعد، تنتظر النساء، لتكملة خمسين في المئة من جمالهن، الذي يعتقد الآخرون أنهن يمتلكونه.
إن الارتفاع المرعب للمواد السامة في هذا النوع من المنتجات، يقابله انخفاض مريع في مستوى التوعية الاستهلاكية، حتى في المجتمعات التي تعج بالخيارات الاستهلاكية. وهذا أيضا يفتح الملف المغلق دائما في البلدان التي لا تزال تتعاطى مع حقوق المستهلك، كتعاطيها مع دورها في استكشاف الفضاء!. لا شك في أن هناك دول تبذل الكثير من الجهود، من أجل الحد من عمليات "الغش الاستهلاكية"، لكن هذه الجهود تشبه تلك التي تبذلها نفس الدول في كبح جماح الأسعار، لاسيما أسعار المواد الاستهلاكية الضرورية. إنها جهود موسمية وآنية، لم تصل بعد إلى الحالة المستدامة. وإذا كانت هناك مشكلة في كبح الأسعار وتكريس مبادىء الجودة، فلا غرابة من وجود مستحضرات تجميل مليئة بالزرنيخ والقطران والرصاص وربما إشعاعات نووية.. هي في الواقع " مستحضرات تشويهية".
وإذا كا هناك مجال لنصيحة ما.. فمن الأفضل للمرأة التركيز عن الخمسين في المئة الأولى من جمالها. ولتترك الآخرين يعتقدون، كيفما طالب الاعتقاد!.

الثلاثاء، 25 أغسطس 2009

قوانين ضريبية تشبه الجبنة السويسرية!




( هذا المقال خاص بجريدة " الاقتصادية")

"عندما تكون هناك ضرائب، الرجل الشريف يدفع أكثر، وغير الشريف يدفع أقل، على نفس الدخل".
الفيلسوف اليوناني أفلاطون

محمد كركوتــي

ادفعوا الضرائب قبل فوات الأوان. يمكن لهذه الجملة أن تشكل شعارا للمرحلة المقبلة على الساحة العالمية، مع بدء حكومات الدول النافذة بـ "تزييت" أسلحتها الضريبية التي علاها الصدأ طوال العقود الماضية. الحرب الضريبية الجديدة، لا تختلف من حيث اتساع رقعتها، عن الحرب العالمية الثانية، التي كانت تدور في قلب أوروبا، ومعاركها المتصلة وصلت العالم أجمع بكل قاراته وبحاره ومحيطاته. وإذا كانت الحروب ناتجة عن فشل المعارك السياسية والدبلوماسية، فإن الحرب الضريبية ولدت من أزمة اقتصادية عنيفة، دفعت الحكومات - ومعها الشعوب - إلى البحث عن مصادر مالية، حتى لو كانت" حصالات الأطفال". فعندما تحتاج إلى المال، تبحث عنه "تحت البلاطة"، بعد أن يصبح البحث في الجيوب أداء عبثيا. والحكومات - ومعها المؤسسات المالية المشينة - التي ارتكبت هذه الأزمة، دخلت التاريخ مرتين. في المرة الأولى: لأنها قدمت للعالم أزمة لا تشبهها أخرى في بشاعتها. وفي المرة الثانية: لأنها اتبعت سياسة " البحث تحت البلاطة". سياسة لا تحتاج إلى مفكرين اقتصاديين - ملهمين أو غير ملهمين - بل مجرد استعارة من سلوك الجدة، مع فارق كبير، هو أن الجدة تدخر "القرش الأبيض" لليوم الأسود، بينما تقوم الحكومات من خلال الحرب الضريبية، باستئصال "القرش الأسود"، ليوم أسود منه! فقد أسود هذا القرش، لأنه لم يتم تحصيله في وقته.

ها هي الحكومة البريطانية ومعها الإدارة الأمريكية، تشن الحرب، بعد أن أعلنتاها في لندن خلال "قمة العشرين" الأخيرة التي عقدت في نيسان (أبريل) الماضي، وبدأت حكومات غربية أخرى بالانخراط في حرب، لا أحد يستطيع أن يتنبأ بنتيجتها. فإذا استطاع المتهربون من الضرائب - وتحديدا الأثرياء جدا منهم - طوال عقود ابتكار آلاف الحيل، واكتشاف العشرات من الملاذات الضريبية الآمنة - ولا سيما في الدول الهجينة - هل يعجزون عن استكشاف حيل جديدة، تتناغم مع متطلبات المرحلة وأدواتها؟ فهؤلاء أكثر الناس استهزاء في توصيف الرئيس الأمريكي الراحل فرانكلين روزفلت للضرائب حين قال: "إن الضرائب هي عبارة عن رسوم عضوية في مجتمع منظم". ولأنهم كذلك.. لن يتغاضوا عن وسيلة التفافية جديدة في الحرب الجديدة، وسيستخدمون كل "إبداعاتهم" الاحتيالية، لإبقاء ما أمكن من كشوف الحسابات بعيدة عن أعين موظفي الضرائب. ولذلك فإن القوانين التي تفرضها حرب الضرائب، يجب أن تكون بلا ثغرات، ولا فجوات، وبلا خطوط التفافية.

الحرب بدأت. من أين؟ من جبال الألب حيث تقع إمارة ليختنشتاين (أو ليشتنشتاين)، وهي دولة مستقلة، تعتبر "جنة الهاربين من الضرائب" و"مرابع" لأموال العصابات المنظمة. وقد تحولت هذه الدولة من "بلد مارق ضرائبيا"، إلى بلد متعاون في هذا المجال، في أعقاب توقيع اتفاق مع بريطانيا، يشجع المودعين البريطانيين في مصارفها، على التعاون مع حكومتهم، عن طريق قبول عرض بدفع 10 في المائة كغرامة، عن الفترة التي "نجوا" خلالها من الضرائب، وإلا ستتم ملاحقتهم - ليس ضريبيا - بل جنائيا، مع رفع الغرامة إلى 30 في المائة. وفي أعقاب هذا الاتفاق التاريخي، جاء قرار المحكمة البريطانية بإلزام 308 مصارف بإطلاع سلطات الضرائب البريطانية على تفاصيل حسابات عملائها، الذين يحتفظون بها في الخارج. وطبقا للتقديرات الحكومية البريطانية، فإن حجم الضرائب "الهاربة" يصل إلى ما يقرب من 100 مليار دولار أمريكي، هي عبارة عن مفقودات للخزانة العامة. في إيطاليا، هناك 170 ألف حالة تهرب ضريبي، من بينها - وهذه صدمة بذاتها - مبلغ يزيد على مليار يورو هربته عائلة إنييلي المالكة لمؤسسة "فيات" الشهيرة إلى خارج البلاد، وأودعته في مصارف أجنبية! ولنا أن نقيس على ذلك هويات غالبية المتهربين من الضرائب في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. وللمزيد من الصدمات، فإن مصرف "يو بي إس" السويسري العملاق الذي يتفاخر بوجود 52 ألف عميل لديه، وافق على الكشف عن أسماء وحسابات 4450 ثريا أمريكيا أمام السلطات الأمريكية. فإذا كان مصرف واحد في سويسرا، يضم هذا العدد الهائل من المتهربين الأمريكيين، فما إذن.. عدد المتهربين في بقية المصارف السويسرية؟!

لا تزال هناك دول وشبه دول (أفضل تسمية هذه الأخيرة بالدول الهجينة التي لا تعرف هوية لها)، تقاوم الحرب الضريبية، وفي مقدمتها سويسرا. والواقع أن مقاومة هذه الدول والدويلات، لا تنحصر فقط في إبقاء الحسابات المصرفية الناتجة عن أعمال شرعية سرية، بل تشمل أيضا عدم الوصول إلى حسابات تتكدس فيها الأموال "المغسولة" أو المعدة للغسيل، العائدة إلى عصابات منظمة، تمارس كل أنواع الموبقات، بما في ذلك تجارة المخدرات والسلاح والاتجار بالبشر، فضلا عن العمولات الهائلة التي تعود إلى مسؤولين في دول لا محاسبة ولا حتى حسابات فيها، بل إن بعضها بلا مصارف أصلا! وإذا ما دارت المعارك في الحرب بصورة فنية ولوجستية جيدة، لنا أن نتوقع الفضائح المريعة التي ستظهر شيئا فشيئا. فحتى الدهشة ستكون قاصرة عن التعبير من هول هذه الفضائح! ولهذا السبب استشاط المسؤولون السويسريون غضبا من خطط الدول الكبرى الهادفة إلى "تفكيك" الملاذات الضريبية الآمنة، وهاجموا بعنف منظمة "التنمية والتعاون الاقتصادي" التي تتخذ من باريس مقرا لها، بعد أن وضعت بلادهم ضمن البلدان التي لا تتعاون في مجال السرية المصرفية، بل إن هؤلاء هددوا المنظمة، بالتوقف عن دفع حصة سويسرا في تمويلها!

إن حماس الولايات المتحدة وانخراطها المتدفق في الحرب الضريبية، سيسهم في تحقيق الانتصار الذي تنتظره الحكومات الباحثة عن المصادر المالية، ليس للتجمل، بل لتعزيز خططها الإنقاذية للمؤسسات والشركات التي إذا ما تهاوت، تصيب الحكومات نفسها بالعدوى. ومن المفارقات في الولايات المتحدة، أن المؤسسات التي دخلت في نطاق خطط الإنقاذ الحكومية، قامت بالتهرب من الضرائب، الأمر الذي يدعو إلى الغثيان، ويضع مسألة الأخلاق الغائبة عن القائمين على هذه المؤسسات مرة أخرى على طاولة البحث والعقاب. ولعل هذا ما يدعم كلام الرئيس الأمريكي باراك أوباما أخيرا، عندما قال: "يبدو أن مؤسسات "وول ستريت" لا تزال تفكر بذهنية ما قبل الأزمة، ولم يتعلم القائمون عليها من التجارب المريرة السابقة". ومع ذلك يبدو الإصرار الحكومي الأمريكي قويا وغير قابل لليونة في مسألة الضرائب، سواء داخل البلاد أو خارجها. هذا الإصرار بدأ في تحويل أميركا إلى "أرض الضرائب" ، ولمن نسي، فقد أنشأت أمريكا أصلا لتجنب الضرائب! يقول شولمان دوجلاس رئيس مصلحة الضرائب الأمريكي: "إن المصلحة ستتعقب بحزم عمليات الاحتيال الضريبي في أنحاء العالم، ولا يهم المكان إذا كان بعيدا أو سريا".

لكن الإصرار والحزم، لن يصمدا أمام فنون الاحتيال. وإذا ما أُريد لهذه الحرب أن تنتهي لمصلحة الحكومات، على هذه الأخيرة، أن تضع الخطط على طريقة المحتالين، تماما كما يفعل مكتب التحقيقات الفيدرالي في الولايات المتحدة، عندما يريد تفكيك العصابات المنظمة. فالغرامات التي ستفرض على الذين سيواصلون التهرب الضريبي، لن تؤدي إلى وضع هؤلاء ضمن اللوائح الضريبية الشرعية، لأن "الفن الاحتيالي" لا حدود له. والمصيبة أن بعض المتهربين من الضرائب في سويسرا قاموا بتسجيل شركات وهمية، لتوزيع الأموال عليها، حتى قبل نشوب الحرب ضدهم! ولذلك ينبغي أن يفكر "قادة الحرب"، كما يفكر هذا المتهرب أو ذاك. فقد أثبتت التجارب أن القوانين الضريبية - وإن كانت قوية ومتماسكة - تظل مثل الجبنة السويسرية، متماسكة لكنها مليئة بالثقوب.

المطلوب.. فكر احتيالي لمقاومة الاحتيال والتهرب الضريبي، وقوانين تشبه الجبنة الإنجليزية (تشيدر)، من أهم ميزاتها أن لا ثقوب فيها!

الأحد، 23 أغسطس 2009

إعفاءات ضريبية أميركية استيطانية؟!



( هذا المقال خاص بموقع " سي إن بي سي عربية" )

"على الفلسطينيين أن يعرفوا.. أن كبارهم سيموتون وصغارهم سينسون "
أول رئيس لوزراء إسرائيل بن غوريون


محمد كركوتــي

تقوم الإدارة الأميركية بأكبر حرب ضد المتهربين من الضرائب، والمحتالين على النظام الضريبي. فقد أعلنتها حربا عالميا، بعد أن اشتركت معها حكومات غربية، تبحث عن دولار هنا وآخر هناك، من أجل دعم خطط الإنقاذ للمؤسسات والشركات، الغارقة في بحور من الديون، للحيلولة دون انهيارها. وعلى الرغم من أن بعض هذه المؤسسات احتالت على نظام الضرائب الأميركي، حتى وهي تتلقى دعما من أموال دافعي الضرائب!.. إلا أن عمليات احتيال أشد قسوة وبشاعة، تجري على الساحة الأميركية، لا ترتبط بالمال فقط، بل تتصل بمصير شعب بأكمله.
"إتيريت كوهانيم" جمعية يهودية صهيونية، لو وصفناها بالمتطرفة، لما عبرنا عن حقيقتها المريعة. تتلقى هذه الجمعية أموالا تقدر بملايين الدولارات الأميركية سنويا، من شركات ومستثمرين أميركيين ، يتبارون في انتمائهم الصهيوني حتى مع الجمعية المذكورة نفسها. بماذا يقوم هؤلاء؟. يتقدمون بلوائح مالية لمصلحة الضرائب، يحصلون بموجبها على إعفاءات ضريبية، بحجة أنهم يتبرعون بها لجمعية خيرية!. وهذا النوع من الإعفاءات الضريبية، ليس جديدا في الغرب والشرق على حد سواء، بل تعمد آلاف الشركات على تخصيص جزء من دخلها لدعم مشاريع تربوية وتعليمية وصحية وتنموية، ومنظمات خيرية، بعضها يعمل لتحقيق أهداف إنسانية سامية، وبعضها الآخر لا يوفر جهدا في تحقيق أهداف مشينة.
وإذا كان بند الإعفاءات الضريبية ينطبق على "إتيريت كوهانيم"، باعتبارها جمعية "خيرية"، إلا أنها ليست كذلك على الإطلاق. وهي لم تكن ولن تكون كجمعيات مثل " أوكسفام" و "الصليب الأحمر" و" حماية الطفولة" و " أطباء بلا حدود" و "مكافحة السرطان و" حماية البيئة". هي ببساطة جمعية أنشأت، لتحقيق الهدف الإسرائيلي – اليهودي الدائم، وهو " تهويد القدس"، ليس الغربية، فالغربية "مهودة" أصلا، ولكن المنطقة الشرقية من هذه المدينة المنكوبة تاريخيا. ورغم أن القانون الأميركي يحظر على الجمعيات الخيرية الانخراط في نشاطات سياسية، إلا أن أصدقاء الجمعية الصهيونية المشينة، نجحوا في السنوات الماضية – ولا يزالون – في الحصول على الإعفاءات الضريبية، مستخدمين اسمها. المصيبة أن المجرمين الذين يقودون "إتيريت كوهانيم"، لا ينفون أنهم يعملون من أجل ماذا؟. من أجل ترسيخ الجذور اليهودية في القدس الشرقية، من خلال ما يصفونه "إنقاذ الأرض"!!. فهؤلاء، لا يعترفون بأحقية الفلسطينيين بأي شبر من المنطقة الشرقية للقدس العربية، بل يتعاطون مع هؤلاء كمحتلين، ينبغي التخلص منهم بشتى الوسائل، بما في ذلك محاولة ترغبيهم في بيع ممتلكاتهم. في القدس الشرقية يعيش 200 ألف إسرائيلي في مستعمرات استيطانية يصل عددها إلى 12 مستعمرة، وسط ما يقرب من 270 ألف فلسطيني. ولا نقدم جديدا إذا قنا : إن كل الجمعيات والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، تعمل وتحلم في يوم، يصبح فيه اليهود نصف مليون نسمة في هذا الجزء من القدس، والفلسطينيين بلا نسمة واحدة!.
لم يأت رئيس للولايات المتحدة الأميركية ، وقف موقفا معلنا وقويا في قلب فترته الرئاسية، ضد الاستيطان اليهودي في المناطق الفلسطينية المحتلة كباراك أوباما . بل أنه عطل بعض مشروعات التعاون بين بلاده وإسرائيل، بسبب النشاط الاستيطاني المرعب. وقد ظهر هذا جليا، في أعقاب خروج إدارة أميركية من البيت الأبيض، كانت تتعاطف مع الفلسطينيين، ولكن ليس قبل أن تعتبر أن إسرائيل ضحية!. ويكفي ما قالته في إحدى المرات وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس، لزميلتها الإسرائيلية السابقة تسبي ليفني، عندما طلبت هذه الأخيرة عدم تحويل المساعدات الأميركية لإسرائيل بالدولار الأميركي، لأنه كان يعاني من ضعف شديد واضطراب في قيمته. ماذا قالت رايس؟ :" لا تقلقي يا عزيزتي إن الاتفاق بيننا لا يحدد نوع عملة المساعدات"!!. أي أن رايس داست على عملة بلادها، من أجل "سواد عيون" الدولة العبرية"!.
لأوباما رؤية مختلفة تماما، لاسيما فيما يرتبط بالاستيطان، وطبيعة التعامل مع إسرائيل. وفي خضم جهوده التاريخية الراهنة لملاحقة المتهربين من الضرائب، حتى في القرى النائية الواقعة عند تخوم الكرة الأرضية، عليه أن ينتبه إلى الإعفاءات الضريبية المريبة. وعليه أن يوسع نطاق عملية التنظيف العالمية. فهذه الإعفاءات لا يستفيد منها مدرس أو موظف صغير. بل تصب في الفكر الصهيوني الشامل، الذي لم يتعاطى مرة واحدة مع الفلسطينيين كشعب، بل مجرد مجموعات بشرية، وصلت إلى "أرض الميعاد" عن طريق الخطأ.

الثلاثاء، 18 أغسطس 2009

القضية مصيرية .. المعالجة موسمية!




(هذا المقال خاص بجريدة " الاقتصادية")


«من مصلحتنا أن نلغي القوانين القديمة، ونضع أخرى جديدة تتبع المستهلك.. ماذا يرغب هذا الأخير، وأين يريد أن يمضي؟»
رئيس مؤسسة ''وولت ديزني'' الأمريكية روبرت إيجر

محمد كركوتــي
m@karkouti.net


من أسوأ الأشياء قاطبة، أن تخضع قضية مصيرية إلى معالجة موسمية، أو أن يتم التعاطي معها كما يقال بالعامية: ''حسب التساهيل''. والأمر يزداد سوءا، إذا ما كانت هذه القضية ترتبط بالحياة المعيشية اليومية. فأي علاج موسمي لها - وإن كان ناجحا - هو أشبه بإرسال مركبة محملة بالرواد إلى الفضاء بنجاح، ولكن دون أن تكون مزودة بآليات وإمكانات تعيدها إلى الأرض! ففرحة الإطلاق الناجح، لا تلبث أن تنتهي بفشل عودة المركبة إلى قاعدتها الأرضية. القضية ليست جديدة على الساحة العربية، بل هي قديمة، تزيد قضية فلسطين عتقا، وتتجاوز كل القضايا التي تلامس المجتمع عمرا، إنها قضية المستهلك و''عدم حمايته''. قضية تنال من الفرد بنضاله اليومي من أجل حياة تقف عند خط الفقر - الكرامة، لا تحته. قضية تستوجب حسما فوريا، أو علاجا فوريا حاسما، خصوصا في ظل وجود أزمة اقتصادية، كزائر مقيت منتشر في كل الأرجاء، لا أحد يعرف متى يغادر إلى غير رجعة. ومن المفارقات، أن الأزمة التي تسببت في تراجع أسعار المواد الأولية وخفضت تكاليف الإنتاج، لم تنل من أسعار المواد الاستهلاكية، وأبقتها على ارتفاعها، خصوصا في البلدان التي لا يزال فيها ملف قضية المستهلك على الرفوف، تعلوه ملفات أخرى، لا تخضع للعلاج أصلا!!

لقد بدأ الموسم، باقتراب شهر رمضان المبارك، واندلعت معه موجات حكومية، ليس من أجل توعية المستهلك وتثقيفه وإرشاده إلى حقوقه، بل من أجل دفع التجار إلى الرأفة بالمستهلكين خلال الشهر الكريم، الذي يشهد عادة ارتفاعا كبيرا في حجم استهلاك الأسر. لا وقت للتوعية ولا القصاص، ولا الرقابة المحكمة الآن، بل هو موسم التوجه إلى قلوب الموردين ''الرحيمة'' في الدول العربية، لكيلا يرفعوا الأسعار، ولكيلا يزيدوا أعباء إضافية على رب أو ربة الأسرة. والغريب أن قساوة الحكومات في عدد من الدول العربية تمارس في كل شيء، وعلى أي شيء، إلا الجانب المرتبط بالموردين والمستوردين والتجار! وقتها تتحول إلى ليونة وعتاب، لا شدة وعقاب.

لقد أقدمت الإمارات على خطوة جيدة ''تقريبا''، لتوفير الحماية للمستهلك خلال شهر رمضان المبارك. وأقول: ''تقريبا''.. لأن مفعولها سينتهي مع ظهور هلال عيد الفطر. الخطوة، هي عبارة عن مجموعة من الاتفاقات - لا القوانين - بين الحكومة وعدد من متاجر بيع التجزئة، تقوم بموجبها هذه الأخيرة، بتقديم تخفيضات تصل إلى 60 في المائة على أكثر من 200 سلعة غذائية. والواقع أن أصحاب الخطوة من الجانب الحكومي، وضعوا مبررا آخر - غير التكاليف المرتفعة في شهر رمضان - لهذه الخطوة، وهو أن قدرة المستهلكين على الإنفاق تقلصت بفعل الأزمة الاقتصادية. فقد عرف هؤلاء أن الأزمة أدت إلى فقدان الوظائف وتخفيض الرواتب، لكيلا نقول: إنها شتتت الأسر، وأربكت إيقاع الحياة الاجتماعية، وبعثرت الحالة المعيشية، بعدما دمرت الآمال، للأغلبية العظمى من المستهلكين.

كنت ضيفا على برنامج ''الحصيلة'' الذي تبثه من دبي محطة ''سي إن بي سي عربية''، عندما طلب مني المذيع - الزميل محمد عبد الرحمن في مستهل الحوار تعليقا على هذه الخطوة الجيدة ''تقريبا''. وكان ردي السريع هو: أخشى أن يقوم التجار والموردون باستعادة تخفيضاتهم الرمضانية بحلول عيد الفطر، لكيلا نقول: ''باستعادة ما هو أكثر من التخفيضات''! فالاتفاقات تمت على مبدأ ''يا جماعة حرام''، لا على أرضية حقوق المستهلك، التي تكفل له أسعارا معقولة ومقبولة، وتضمن له أيضا استمراريتها بهذه الصيغة، في كل الفصول والمواسم. والواقع أن الخطوة الإماراتية الموسمية، كشفت حقيقة مروعة، وهي أنه إذا كان بإمكان متاجر التجزئة تخفيض أسعار 200 سلعة أساسية (خالية من الكافيار والسمك المدخن وكبدة البط وأدمغة القرود وأرجل الضفادع) إلى نحو 60 في المائة، فكم تحقق من أرباح إذن؟!! فهذا التخفيض ينبغي أن يتحول إلى أداة للتفاوض بين الحكومات والجمعيات الأهلية التي تعنى بحماية المستهلك - إن وجدت، وفي حالة وجودها إن كانت فاعلة أصلا - من جهة، والتجار من جهة ثانية، إذا ما وصلت القضية بين الطرفين إلى مرحلة التفاوض.

لا مجال للحديث ''المُجَمَل'' هنا.. الحقيقة واضحة كهلالي رمضان والعيد. فالأمر خرج من نطاق مطالبة الحكومات بسن قوانين تحمي المستهلك، وتجاوز عادة ''استجداء'' الموردين والتجار بعدم رفع أسعار المواد الأساسية في المواسم، ليصل إلى مرحلة ضرورة التأسيس للوعي والثقافة الاستهلاكية. وإلا فإن الحقوق ستظل ضائعة، والخسائر ستبقى كبيرة، و''حرية'' الجشع ستواصل تسيدها للمشهد الاستهلاكي - الاجتماعي، بينما سيستمر ضياع الأخلاق، في حضور الأنانية. وبغياب الوعي، غاب عن الساحة أن القضية برمتها لا ترتبط فقط بأسعار السكر والرز والزيت واللحوم والشاي والبن والفواكه وغيرها من عشرات السلع الرئيسية، بل تشمل أيضا ما هو خارج الـ ''سوبر ماركت''، من خدمات وتكاليف السفر والسياحة، والوجبات التي تقدمها المطاعم، وبوالص التأمين، وأسعار الفنادق، وأثمان وجودة الأجهزة المنزلية والمكتبية وغيرها، والاشتراكات في النوادي الصحية، والقروض المصرفية، وبطاقات الائتمان، ورسوم الاتصالات والمصارف، وأقساط الجامعات الخاصة التي تعج بها البلدان العربية. بل لا أبالغ إن قلت: إن الوعي المطلوب عند المستهلك، ينطبق أيضا على ما ينفق في عمليات التجميل، التي أصبحت ''سلعة'' استهلاكية حقيقية، بعدما تحولت من وسائل لعلاج المصابين في الحوادث، إلى منتج يخضع لمعايير التسوق!

قبل عام تقريبا كتبت في هذا المكان مقالا تحت عنوان ''الحكومات للمعاقبة والجمعيات للمراقبة''. ركزت فيه على أهمية دور الجمعيات الأهلية في مشاركة الحكومة في تطوير العلاقة بين المستهلك والتاجر، بحيث لا تأخذ شكل حرب، بل تستهدف إيجاد آلية توفر المصلحة المشتركة للطرفين. فنحن نعلم أن الأول (المستهلك) قد يستغني عن منتج ما - ولنقل منتجات ما - لكن كيف يستغني الثاني (التاجر) عن مصدر دخله؟ والحقيقة أن هذه القضية أخذت شكلا دوليا منذ عام 1985، عندما تبنت الأمم المتحدة قرارا لحماية المستهلك، تضمن مجموعة كبيرة من البنود ''الثورية''، في مقدمتها مساعدة الدول لتحقيق الحماية المناسبة لمواطنيهم كمستهلكين، وتسهيل عمليات الإنتاج وفق احتياجات ورغبات المستهلكين، وتشجيع خلق ظروف سوقية تمنح المستهلكين فرصا أكبر للاختيار وبأسعار أقل، وقبل هذا وذلك، توفير الحماية القانونية للمستهلك باعتباره الطرف الضعيف. ومنذ ذلك التاريخ، لم تتخذ على الساحة العربية، خطوات عملية قوية (لا لينة) لتحويل هذا المستهلك إلى طرف قوي. أي من مجرد متلق للمنتجات، إلى طرف يحدد مسارها، ويؤثر في وجودها وجودتها وقيمتها السعرية؟!.

هذا القرار لا يشبه قرارات الأمم المتحدة 242 و338 و194 الخاصة بفلسطين، التي فشل العرب في وضعها في حيز التنفيذ لأسباب عديدة، في مقدمتها: ''الإسرائيلية''! هل يحتاجون لوضع قرار يخص المستهلك المواطن، تحت البند السابع الذي يجيز استخدام القوة؟!! الأمر مرة أخرى.. لا يحتاج إلا إلى تفعيل لـ ''الأسلحة الحكومية الاجتماعية''، ودعم عمل الجمعيات الأهلية المختصة بحماية المستهلك. يقول الكاتب الاقتصادي الأمريكي ديف رامزي: ''على المستهلكين أن يفيقوا من ثباتهم ليقولوا لا''. لقد تغيرت المفاهيم الإنتاجية والتسويقية منذ سبعينيات القرن الماضي، عندما كان المستهلك يبحث عن المنتج. فاليوم المنتج هو الذي يبحث عن المستهلك. ولأن الأمر مصبوغ بهذا التحول الخطير، فقد آن الأوان - عربيا - كي تتسلم الجمعيات الأهلية المهمة التثقيفية، وتضع آليات التوعية، مع وجود القوانين الحكومية الرادعة.

الأحد، 16 أغسطس 2009

عشوائيات مدينتين!



(هذا المقال خاص بـ " سي إن بي سي عربية" )

" يمكن إنفاق الأموال لبناء ملاعب لكرة القدم والجولف.. ويمكن إنفاقها أيضا لبناء منازل جديدة تأوي الفقراء والمشردين"
الموسيقي الأميركي جيلو بافرا


محمد كركوتــي
m@karkouti.net


في دمشق يعيش 2.25 مليون إنسان في مناطق عشوائية مخالفة بكل المقاييس.. وفي القاهرة يبلغ عدد الذين يعيشون في المناطق المشابهة 6.12 مليون نسمة. في دمشق اقتربت المناطق العشوائية إلى حدود المناطق الفاخرة، وفي القاهرة سجل المساحون نفس المسافة. في دمشق يصل عدد " العشوائيين" – إن جاز التعبير – إلى نصف العدد الإجمالي لسكان هذه المدينة، ويصل في القاهرة إلى أكثر من ثلث عدد سكان العاصمة المصرية. في سوريا ككل يعيش 35 في المئة من سكان المدن الكبيرة في المناطق العشوائية، وفي مصر يعيش 41.1 في المئة من " العشوائيين" حول مدنها الكبيرة!. ولكي لا أتهم بإطلاق الأرقام على عنانها، أقول: إن المصدر السوري هو وزير الإدارة المحلية. والمصدر المصري هو: مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار الحكومي. أي أننا لا نقدر الأرقام، بل ننقلها من الميدان الرسمي.
أمام هذا البحر الهائل من " العشوائيين"، لا تزال السلطات المختصة عاجزة، عن وضع حلول أو مشاريع حلول لواحدة من أسوأ الأزمات التي تواجهها مدينتان من أكثر المدن العربية – بل والإسلامية – امتدادا مع التاريخ، مما يرشح هذه الأزمة الاجتماعية – الديموغرافية لمرافقة المستقبل الذي لا يلبث أن يصبح تاريخا. تفتقر المناطق العشوائية إلى ترخيص واحد فيها، بما في ذلك تراخيص التمديدات الصحية والكهربائية والمياه والاتصالات. ولأنها كذلك، فإنها تمثل أكبر مخرب للبيئة، تماما كما تخرب الحياة الإنسانية، وتعيد صياغة وضعية الأسر بصورة قبيحة. فالحد الأدنى للمعيشية فيها، هو الحد الأعلى الذي لا يستطيع أحد من سكان العشوائيات الوصول إليه. فالكهرباء المسروقة – ربما – تمثل جريمة صغرى أو مخالفة، عندما يعجز سارقها على تسديد رسومها، ولكنها تتحول إلى جريمة كبرى، عندما يسبب الاستهلاك غير المنظم والزائد عن الاستطاعة الفنية، تلف المادة العازلة للأسلاك الممدودة في كل الأرجاء، لا تعلو سوى متر أو مترين عن الأرض، وهي في متناول الأطفال. فالإنسان غير المحمي أصلا، لا يملك "ترف" حماية الكابلات عالية التوتر، وأفضل ما يمكن القيام به، هو ترقيع التالف من الأسلاك والحياة في آن معا.
وقد أفسح المجال في السنوات الماضية – في مصر وسوريا – للاستثمارات العربية بغية إعادة تأهيل المناطق العشوائية، لكن أخبار هذه الاستثمارات ظلت ضمن نطاق الإعلان عنها، دون خبر ثان عن إنجاز تحقق في هذه العشوائية، أو آخر تحقق في تلك. وحتى القوانين التي ضمنت لسكان هذه المناطق وحدات بأسمائهم، تمهيدا لتأهيلها، تحولت إلى قوانين "عشوائية" أيضا. فمن الصعوبة بمكان الحصول على أطر عامة لها. وعلى الرغم من الشروط السهلة لهذه القوانين، التي يمكن أن تلخص بشرط واحد فقط، هو وجود وثيقة تؤكد أحقية الساكن ( وهل هناك أقوى من "وثيقة" وجود الساكن نفسه؟!)، غير أن السلطات المختصة، لا تزال في طور الحسابات وتحديد الرسوم وغيرها من تبعات الملكية، بل إنها تقوم بدارسة أهلية الساكن العشوائي في ميدان سكنه، وكأن حياته هناك لا تمثل أكبر دليل على وجوده!.
لقد ولدت "الحياة العشوائية" على مر السنوات الماضية في دمشق والقاهرة، ثقافة ليست خطيرة فحسب، بل كارثية أيضا، ثقافة.. جعلت الممنوع المحرم، مسموحا متداولا، لن تنتهي بسرعة، حتى لو تحولت هذه المناطق إلى مجمعات وأحياء سكنية وفق المعايير المدنية. ومع التأخر في وضع الحلول وتنفيذها، تتعمق هذه الثقافة أكثر وأكثر. ولأنها كذلك، فيجب أن لا تبقى قضايا المناطق العشوائية على الهامش الحكومي. وإذا كان نصف أو ثلث سكان مدينة من العشوائيين، لنا أن نتخيل تأثير هؤلاء على غير العشوائيين ومناطقهم، ولنا ، نتصور أيضا، كيف سيكون الشكل المعيشي لاثنتين من أهم المدن العربية، من زاوية التاريخ على الأقل.

الأربعاء، 12 أغسطس 2009

حوار مع محمد كركوتي حول الإعلام الاقتصادي على قناة " الجزيرة"




الحوار في سطور:

حوار على قناة " الجزيرة" حول الإعلام الاقتصادي العربي، والمشاكل التي يواجهها، لاسيما في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية. وقد أشار كركوتي في برنامج " الاقتصاد والناس"، إلى أن الإعلام الاقتصادي العربي، لايزال في مرحلة التشكل، أي أنه لم يبلغ مرحلة النضوج. وأن القيود الحكومية - وحتى تلك التي تفرضها المؤسسات والشركات الكبرى - تساهم في عدم بلوغ هذا الإعلام مرحلة النضوج. وأشار كركوتي: إلى أن الإعلام الاقتصادي العربي، لا يزال بعيدا عن المستهلك، الذي يمثل القوة الكبرى للاقتصاد.وأن حكومات عربية عديدة، هددت الصحافيين الاقتصاديين، في حال تناولهم الأزمة الاقتصادية وتأثيرها على اقتصاد الدول التي تحكمها.وشدد كركوتي في البرنامج، على أن الإفصاح الحكومي والمؤسساتي، سيساهم في تمكين العاملين في هذا النوع من الإعلام، في القيام بمهامهم، وسيمكنهم أيضا من جعل الاقتصاد مادة تصل إلى الجميع لا إلى النخبة فقط.

البرنامج بث على الهواء في شهر مارس/ آذار من العام الجاري.

رابط نص البرنامج هو :

http://www.aljazeera.net/NR/exeres/4742B8FC-EFD9-4D5A-82D3-F0E53C7BC1EC.htm

الثلاثاء، 11 أغسطس 2009

نجوم قريبة لا يرونها!



(هذا المقال خاص بجريدة " الاقتصادية")

«الجودة لا تأتى مصادفة. هي نتاج نوايا حسنة، وجهد صادق، وتوجيه ذكي، وإخراج متمرس.. إنها اختيار حكيم لبدائل متعددة»
الجندي الأمريكي الأول وليم فوستر


محمد كركوتي
m@karkouti.net

مع تزايد عدد المحطات الفضائية العربية في السنوات القليلة الماضية، تزايد الطلب على المذيعين والمذيعات، وبالطبع تزايد أيضا في نطاق معدي البرامج والمحررين والمصورين، وكل ما يرتبط بإبقاء ''الهواء'' مفتوحا مباشرا أو تسجيلا. فـ ''الهواء المفتوح'' –دون توقف- يحتاج إلى طاقات وكوادر، لجعله مستمرا، ويحتاج بالطبع، إلى أفكار ورؤى، لكيلا يغلق المشاهد ''النوافذ'' درءا لـ''الرياح التلفزيونية'' غير المرغوبة. لا أتحدث هنا عن كل الفضائيات العربية. لماذا؟ لأن غالبيتها العظمى، تدار الواحدة منها من قبل شخص - أو اثنين في أفضل الأحوال- هو في الواقع مشغل لأشرطة فيديو، لا مشرف على بث تلفزيوني مهني! هي أشبه بـ ''بقاليات'' بصرية، ''جميع الموظفين'' في كل واحدة منها، مختصرون في موظف واحد فقط. وقد اطلعت شخصيا على هذا الواقع، خلال زيارة لي، لأحد أكبر مراكز تنظيم البث التلفزيوني الفضائي العربي في المنطقة، حيث وجدت ''استوديوهات'' لعشرات المحطات الفضائية العربية، هي عبارة عن غرفة، لا تزيد طولا على مترين، وعرضا عن المساحة نفسها، أوكلت المهمة في كل محطة لموظف واحد، بل أوكلت المهمة في بعضها إلى '' فراش''، يقوم بتغيير الأشرطة، في فترات معينة، لمواصلة البث!

ليس هذا هو ما أريد تناوله، علما بأنه يستحق أن يطرح في منتدى متخصص، ويناقش من كل جوانبه – ولاسيما المهنية منها - لا من خلال مقال هنا وآخر هناك. الذي أردت طرحه ، هو احتياجات المحطات الفضائية الرصينة (وهي بالمناسبة قليلة مقارنة بعدد ''البقاليات'' البصرية) التي تقوم على قواعد المؤسسات، من المذيعين والمذيعات، بصرف النظر عن طبيعة هذه الفضائيات، سواء كانت متخصصة أو غير متخصصة. هذه المحطات تحتاج إلى ''وقود'' متجدد –ومتميز أيضا - من هؤلاء الكوادر، مع الأخذ في الاعتبار، أن هذا الجانب يشكل ثقلا كبيرا، على كاهل الميزانيات المخصصة لجميع المحطات التلفزيونية.

لا تزال غالبية إدارات هذه المحطات، تعاني من ''الغشاوة'' في أعينها، في الكشف عن مكنوناتها الداخلية، من العاملين فيها الذين يمكن أن يتحولوا إلى نجوم تلفزيونية. هذه المكنونات يمكن أيضا أن توفر لها خطط ''إنقاذ'' في بعض الحالات، ولاسيما في أوقات الأزمات، في الوقت الذي لم يشهد فيه العالم أزمة أثرت بصورة سلبية على مداخيل المؤسسات الإعلامية، كالأزمة الاقتصادية الراهنة. هذه الأزمة أجبرت مؤسسات إعلامية لا تقهر، على إعادة ترتيب أوضاعها، وصياغة استراتيجيات لا تكفل لها الدخل المالي المطلوب أو تحد من خسائرها فحسب، بل تحميها من الانهيار، أو على الأقل تحفظ لها الاستمرار. ويكفي الإشارة هنا إلى مؤسسات المستثمر الإعلامي العملاق روبرت ميردوخ، التي تعيش معاناة مالية ضخمة، دفعته إلى التفكير بفرض رسوم على تصفح المواقع الإلكترونية الإخبارية التابعة له، معترفا بوقع الأزمة عليه.

إدارات المحطات التلفزيونية العربية تجهد نفسها وميزانياتها، في البحث عن النجوم، وتتحمل عناء التفاوض – وأحيانا العنجهية من هذا النجم وتلك النجمة- بينما لا تبذل جهدا في صناعة هؤلاء النجوم من داخلها، ولا تلتفت إلى هؤلاء القابعين وراء مكاتبهم، الذين يمكن العثور بكل ببساطة على '' نجم مؤجل أو نجمة مؤجلة'' بينهم. فالأمر كله، يحتاج إلى بصيرة مسؤول، لا إلى أداء مدير تقليدي، من أجل إنتاج نجوم تلفزيونية داخلية، أو كما يقال في التعبير المصري: ''من منازلهم''. وإذا كان عمل المذيع الناجح – مرة أخرى في المحطات المهنية – يستند إلى ثقافة واطلاع، وإلى الحد الأدنى من العمق الفكري، فهو يحتاج أيضا إلى الموهبة، التي لا تُكتسب من كل العناصر المشار إليها. وهنا يأتي دور ''المسؤول البصير''، الذي يمكنه أن ''يعجن'' هذه الموهبة الجالسة وراء مكتب في أحد أطراف المحطة، ليجلسها أمام ''حائط تلفزيوني'' وفي وجه عدسات الكاميرات.

الأمر ليس سهلا. فهو يحتاج إلى وقت وجهد – وأحيانا إلى نفس طويل-، ويحتاج قبل هذا وذاك، إلى البراعة في استقراء مستوى وحجم هذه الموهبة المتوارية، ومدى تجاوبها مع المتطلبات الرئيسية للمذيع أو المذيعة. وإذا ما اكتملت هذه العناصر، فإن المحطة التلفزيونية، ستحقق الكثير من الأهداف، في مقدمتها: أنها تنشر جوا من الرضا الوظيفي لدى كل العاملين، لأن مثل هذه الخطوة، ستعزز ''تكافؤ الفرص'' - إن وجدت- أو تخلق حالة من تكافؤ الفرص، ليست موجودة أصلا، وستنشئ أجواء أسرية مطلوبة في بيئة العمل، كما أنها ستزيد من جرعة الولاء لمكان العمل نفسه. وستدفع هذه الخطوة أيضا، الكثير من الموظفين الطموحين إلى تحسين وتطوير أدائهم، بل ستجشع الموهوبين منهم، إلى تطوير مواهبهم من خلال التحصيل الثقافي الذاتي، قبل أن تخضع ( إن وجدت الفرصة) للتأهيل المهني - الثقافي في الموقع الجديد المزمع. وستؤدي هذه الخطوة أيضا.. وأيضا، إلى ''التصالح'' المفقود بين العاملين وإداراتهم. فعندما تتوافر الفرصة بصورة مهنية وعادلة، تقوم أقوى رابطة بين أطراف المؤسسة كلها، ولاسيما بين الإدارة والعاملين في الميدان.

لا أتحدث هنا عن الإدارات التي تمارس المسؤولية '' بمفاهيم شخصية'' أو آفاق ضيقة، فهذه لا تخضع لأية معايير مهنية، وليست مؤهلة للتطوير، وبالتالي لا يمكنها أن تقترب من مستوى ''الإدارة البصيرة''، وهي في النهاية ''إدارة حاكمة'' فقط، الفارق بينها وبين الحكومات، أنها لا تمتلك سجونا. لكن الذي يعنيني في هذا المجال، تلك الإدارات المرنة، القابلة للتمدد – وقت الحاجة- والتقلص – عندما تكون مضطرة- وفق حقائق السوق، ولكن بأكبر فائدة ممكنة، وأقل أضرار كامنة. إن الاستثمار التلفزيوني في ''مواهب الداخل''، هو أرخص هذا النوع من الاستثمارات، لكنه أكثرها عائدا (مرة أخرى، خصوصا في أوقات الأزمات الاقتصادية)، لأنها لا تنحصر في استحداث مذيع '' وليد'' جيد، بل تحول المحطة – المؤسسة في وقت لاحق، إلى مدرسة تلفزيونية تحتذى، من خلال تعزيز أركانها بـ''بضائع'' محلية ليست عالية التكلفة، وتجنب ''الواردات'' المكلفة. غير أن مهمة ''الإدارة البصيرة''، لا تنتهي بـ ''إنتاج'' مذيع جيد ( أو مذيعة جيدة)، بعد انتشاله من إحدى زوايا المحطة، بل تستمر للحفاظ عليه، ضمن نطاق أسري – مهني، هو بمثابة ''الكل الضامن''، لا الربع ولا الثلث ولا النصف الضامن!!

إن هذه المنهجية المهنية، توفر أقوى آليات الدعم – وحتى الاستمرار - ولاسيما للمحطات التلفزيونية التي لا تتمتع بميزانيات مفتوحة، لكنها أكثر حرفية من غالبية المحطات، التي تستحوذ على أكبر الميزانيات. فالقضية لا تحتاج إلى المال، بقدر احتياجها إلى إدارات تتمتع بذهنية مهنية خالية من الشوائب، وتفتخر بها أيضا. إدارات تتعاطى مع المواهب الكامنة في محطاتها كـ '' بنك احتياطي بشري''، يوفر الأمان المطلوب – تماما كالبنوك المركزية الراشدة – للمؤسسة، وينتج النجوم التلفزيونية المتوارية.

مرة أخرى.. إن هذا الأمر ليس سهلا، لكن عندما تفتح الأبواب أمام الطاقات، يمكن قياس جودتها وقدراتها على التطوير والتطور. فوراء الأبواب المغلقة، تختلط الطاقات الوهمية، وتلك الكامنة، ولا تترك مجالا للاختيار الصحيح. يقول العالم الأميركي توماس أديسون:'' لو فعلنا ما نحن قادرون على فعله.. لصعقنا أنفسنا''. وليس أفضل من الأزمة الاقتصادية - التي ''أزمت'' كل القطاعات في العالم – لكي يقوم المسؤولون في المحطات التلفزيونية العربية، بفعل ما هم قادرون على فعله. ولاسيما أن هذه الأزمة قللت الدخل الإعلاني والتمويل، وقلصت الوظائف و''شدت الأحزمة''.

إن عملية الاختيار، لا تحتاج سوى إلى ساحة داخلية مفتوحة، مع بصيرة متجردة، إلا من الولاء للمؤسسة.

الاثنين، 10 أغسطس 2009

وصلات مقالات سابقة لـ محمد كركوتي Links

الوصلات The links

نشرت هذه المقالات في صحيفة "الاقتصادية"، ونقلتها مجموعة من المواقع الألكترونية وعدد من الصحف. كما تناولتها برامج تلفزيونية عربية، في أيام نشرها.


"حركة بلا حراك"!
http://www.aleqt.com/2009/07/21/article_254524.html

«مجموعة الـ 195» بدلا من «مجموعة الـ 8»
http://www.aleqt.com/2009/07/14/article_251970.html

مادوف الـ «بونزي».. أم بونزي الـ «مادوفي»؟!
http://www.aleqt.com/2009/07/07/article_249019.html

عفوا.. وظيفتك سيشغلها طفل!
http://www.aleqt.com/2009/06/30/article_246145.html

يا إلهي.. إنهم 1.02 مليار جائع!
http://www.aleqt.com/2009/06/23/article_243442.html

سلطة +احتكار- نزاهة = فساد!
http://www.aleqt.com/2009/06/16/article_240682.html

طفل بالدولارات وآخر بالسنتات!



( هذا المقال خاص بموقع " سي إن بي سي عربية")

" الأطفال أعلى المصادر قيمة.. وأفضل أمل للمستقبل"
الرئيس الأميركي الراحل جون كينيدي

محمد كركوتــي
m@karkouti.net



تعتزم الإدارة الأميركية إنشاء " آلة حاسبة" خاصة. بماذا؟.. بـ " تكلفة تنشئة الطفل الأميركي". وتبدو هذه الخطوة للوهلة الأولى، كشكل من أشكال " الفذلكة" الاقتصادية- الاجتماعية، إلا أنها في الواقع تمثل ضرورة أسرية، لاسيما في أوقات الأزمات، التي يمكن أن نختصر صورتها على الساحة الأميركية، بوصول نسبة البطالة إلى 9,4 في المئة، وتوقع بلوغها العشرة في المئة مع نهاية العام الحالي، وبقيام المصارف والمؤسسات المالية الأميركية بإحصاء ديونها المعدومة الناتجة عن تخلف المقترضين في سداد أقساطهم الشهرية ( التوقعات تتحدث عن بلوغ هذه الديون 2000 مليار دولار أميركي مع نهاية العام الجاري) ، وأيضا يمكن اختصار الصورة، من خلال تذبذب حجم "كوبونات" الإعاشة التي توزعها الحكومة على الأسر المحتاجة. فالقضية إذن.. ليست " فذلكة"، بل هي آلية تساعد الأسرة على فهم واستيعاب وتدبر تكلفة تربية طفل حتى سن البلوغ. خصوصا إذا ما عرفنا، أن تكلفة تنشئة الطفل في الولايات المتحدة تصل إلى 300 ألف دولار أميركي تقريبا، منذ ولادته وحتى سن الثامنة عشرة. وبحساب بسيط، فإن هذا الطفل يكلف ذويه ما يقرب من 16 ألف دولار أميركي سنويا.
والوضع في الولايات المتحدة، ليس مختلفا عن سواها من الدول المتشابهة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. فالأطفال في هذه الدول يكلفون ذويهم – وأحيانا حكوماتهم – أموالا طائلة للوصول إلى مرحلة البلوغ، ويكلفونها أكثر إذا ما أضاعوا "البوصلة" بعد هذه المرحلة. وإذا كانت الأسرة في الدول الراشدة، أضعف من أن تنفق هذه المبالغ على أطفالها، فهناك دائما "السند" الحكومي، بأشكاله "التسهيلية"، بما في ذلك الاقتراض من أجل التربية أو التعليم. وإذا ما وضعت "الآلة الحاسبة الأميركية" على الطاولة، فإن ذلك سيوزع المسؤوليات بين الأسرة – لاسيما تلك التي تعجز عن ضخ هذه المبالغ في تربية طفلها – وبين الحكومة نفسها، التي ستضطر إلى تحديد مسؤولياتها المالية بهذا الصدد، وفق قواعد ثابتة متفق عليها، من خلال "تكافل اجتماعي" أوثق، أو عن طريق قروض ميسرة، لا تشبه تلك القروض التي كبلت بها المصارف في السنوات الماضية مئات الآلاف من الأسر – إن لم نقل الملايين - ، وأغرقتها في بحر هائل من الديون، ووضعت المنازل التي تسكنها في مهب الريح.
وإذا كانت الأمور متشابهة في الولايات المتحدة والدول الغربية وتلك المتناغمة إداريا معها، غير أنها ليست كذلك مع الدول الأخرى، التي لا تزال عاجزة عن فهم دور التأمينات الاجتماعية، فكيف الحال بفهم أهمية المساعدة في تنشئة الأطفال؟!. لا أحد يطلب من دولة لا تمتلك مقدرات عيشها، أن تقيم "آلة حاسبة" لتنشئة الأطفال. لكن - حتى هذه الدولة – بإمكانها أن تصل إلى مستوى ما بهذا الخصوص، من خلال ترتيب الأولويات. أن تعرف أن تنشئة طفل، أهم آلاف المرات من تمويل تنظيم مليشيا هنا وآخر هناك، وأهم من كل الشعارات التي لا تنتج إلى أصوات نشاز، وأهم من كل الخطط الخمسية، التي تتحول عادة إلى عشرية ومئوية .. وربما ألفية!. طبعا نحن لا نتحدث عن الأموال المسروقة في هذه الدولة أو تلك، فهذه الأموال لوحدها، يمكنها أن تنشئ نظاما اجتماعيا تكافليا تربويا تعليميا، دون الحاجة إلى أي مساعدات خارجية. ولا نتناول هنا نشاط المؤسسات والشركات التي تقوم على " المحاصصة" بين رجال الأعمال الفاسدين، والمسؤولين في هذه الدولة، ولن نتحدث أيضا عن العمولات الهائلة من صفقات الأسلحة والسكر والبن والخشب وغيرها.
في هذه الدولة أو تلك، لا تحسب تكلفة تنشئة طفل بالدولارات، بل بالسنتات – إن وجدت أصلا – وتحسب بكثير من الحرمان والعوز، مع غياب الكرامة. وإذا كان الطفل – أي طفل – يمثل المستقبل، لنا أن نتخيل مستقبل الدول التي لا تزال تناقش أهمية وجود نظام للتأمينات الاجتماعية!.

الجمعة، 7 أغسطس 2009

كن أميا.. تجد عملا؟!



( هذا المقال خاص بجريدة " الاقتصادية")

«البطالة هي إحدى الطرق الرأسمالية لإجبارك على العناية بحديقتك»
الأديب الأمريكي أورسون سكوت كارد

محمد كركوتي
m@karkouti.net


الأمر لا يحتاج إلى أزمة اقتصادية عالمية أو إقليمية أو محلية، لكي ترتفع معدلات البطالة في العالم العربي. ولكن إن وجدت أزمة ما - وهي موجودة الآن بأبشع أشكالها - فإن عدد العاطلين عن العمل يرتفع بضراوة، ومستوى الفقر يواصل النمو، و''جيوش'' الجياع تصل إلى مستويات فلكية (يبلغون حاليا أكثر من 1.2 مليار جائع)، ومجموع الذين يعيشون على دولار واحد ودولارين اثنين في اليوم، يساوي ثلث سكان الكرة الأرضية. والحقيقة أن البطالة ليست حكرا على العالم العربي، فهي تسود الحراك الاقتصادي في دول كانت لا تقهر، وفي بلدان كانت تتباهى بأن العاطلين لديها هم فقط الأطفال الرضع والمسنون، وفي مجتمعات كانت تولد فرص العمل، أكثر من توليد الحوامل فيها!. والبطالة كانت - ولا تزال - الوباء الذي فشل العالم أجمع في التوصل إلى ''تحضير'' عقار له. وباء تنزوي أمامه كل الأوبئة القديمة، وتلك التي تظهر بين فترة وأخرى. في الدول التي تنعم باقتصادات كبرى، تزداد فيها شركات يطلق عليها بالإنجليزية Head Hunting أي ''صيادو الرؤوس''، وهي كناية على أنها متخصصة في توفير فرص العمل، وتبحث عمن يشغلها. بعد الأزمة الاقتصادية العالمية، تراجع عدد هذه الشركات، لأن الأعمال التي كانت توفرها، لم تعد موجودة على الساحة، فضلا عن ازدياد عدد ''الرؤوس'' الجاهزة للاصطياد! ولأن الأمر كذلك.. أقترح على هذه الشركات أن تغير اسمها إلى بالإنجليزية Head Rejecting أي ''رافضو الرؤوس''. فالرؤوس التي أينعت، لا موسم لقطافها الآن! مع عدم الاعتذار من الحجاج بن يوسف الثقفي.

لكن هذا لا يعني أن لا دخل للعالم العربي في ''بطالته'' المتعاظمة، وفي تدهور أسواق العمل فيه، وفي غياب آليات التأهيل وإعادة التأهيل، وفي تخلف الأنظمة التعليمية والتدريبية فيه. صحيح أن هذا العالم هو جزء من العالم الأكبر، لكن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق المعنيين مباشرة بهذه القضية الكارثية، وتحملهم المسؤولية الكبرى، في افتقارهم إلى الأسلحة المطلوبة - غير العسكرية - لا لدرء الأزمات، بل للتقليل من قوة ضرباتها. فقد أظهر العالم العربي ''قدرة'' غريبة على ''استحداث'' البطالة، حتى في أزمنة الازدهار والنمو. ففي ظل الانتعاش الاقتصادي العالمي (في تسعينيات القرن الماضي، وأغلب السنوات الأولى من القرن الجاري)، كانت أعداد العاطلين العرب عن العمل تزداد انتعاشا! ولذلك لم تكن الأزمة الاقتصادية عاملا وحيدا لانتشار البطالة العربية. مرة أخرى.. صحيح أنها رفعت حجمها، لكنها - أي البطالة - كانت مرتفعة أصلا، ما بين الكساد العظيم الذي ضرب العالم في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، وهذه الأزمة التي لا تزال تكشر عن أنيابها، لالتهام الفرائس المتوافرة. أي أن غالبية الدول العربية، عانت البطالة في عز الازدهار الاقتصادي العالمي، وفي بؤرة الانهيار الاقتصادي العالمي أيضا. وبين هاتين المرحلتين، شهد العالم العربي، ارتفاعا مخيفا في النمو السكاني، سيعزز - في ظل السياسات الراهنة - كارثة البطالة، عندما تأتي الأيام التي يتحول فيها المواليد الجدد، إلى عاطلين عن العمل. فحسب تقديرات الأمم المتحدة سيرتفع عدد سكان الدول العربية بحلول عام 2015، إلى ما يقرب من 395 مليون نسمة، بينما يصل عددهم - طبقا لتقديرات عام 2007 - إلى 317 مليونا.

في قائمة الدول الـ 30 التي تعاني أكبر معدلات البطالة فيها على مستوى العالم (حسب منظمة العمل العالمية)، هناك سبع دول عربية، تبدأ باليمن في المركز الـ 12، وتنتهي بالعراق في المركز الـ 28. وبينهما هناك قطاع غزة الذي احتل المركز الـ 13، وليبيا في المركز الـ 15، وبعدها لبنان الـ 24، والسودان الـ 26، والضفة الغربية الـ 27!. ورغم هذا الواقع المرير بأرقامه، ظلت بعض الدول العربية لفترة طويلة - في أعقاب اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية - تنفي أن آثارها قد تصل إليها! بينما تتفق كل المؤسسات العالمية المعنية، أن العالم سيشهد مع نهاية عام 2009 انضمام ما يقرب من 59 مليون عاطل، إلى صفوف العاطلين حول العالم. وإذا ما أخذنا في الحسبان أن المنطقة العربية، تتصدر مناطق العالم قاطبة في ''استحواذها'' على أكبر عدد من العاطلين، لنا أن نتصور حصتها من الـ 59 مليون الذين يواصلون الانضمام إلى ''سوق البطالة''. والأمر المفجع للعالم وللعرب على حد سواء، أنه رغم ضخ أكثر من ألفي مليار دولار أمريكي في الاقتصاد العالمي - حتى الآن - فإن البطالة العالمية تزداد، وآثارها الاجتماعية المقيتة تنتشر في كل الأرجاء. أي لا أمل - في الوقت الراهن على الأقل - في تحسن سوق العمل العالمي، بينما من المستحيل أن يشهد أي قفزة - إلا إلى الوراء - على الساحة العربية. فإذا بلغت نسبة البطالة في بلد كالولايات المتحدة حدود الـ 10 في المائة، ووصلت في الاتحاد الأوروبي إلى 8.9 في المائة.. كم تبلغ الآن في المنطقة العربية؟

يصعب تحديد مستويات واقعية للبطالة العربية. لا لأنها من أسرار ''الأمن القومي''، بل لغياب إحصاءات فعلية لها. وحتى منظمة العمل العربي، تطرح أرقامها وإحصائياتها بصورة أقرب إلى التقدير منها إلى التحديد، لأن الكثير من الدول العربية، لا تمتلك إحصاءات حقيقية لعدد العاطلين عن العمل، بسبب عزوف نسبة من العاطلين عن تسجيل أسمائهم في اللوائح الرسمية، وذلك من منطلق اليأس بأن يجدوا وظيفة يشغلونها. وإذا ما أرادت أي منظمة تحديد العدد الحقيقي، عليها أن توسع إحصاءاتها لتشمل المقاهي والحدائق العامة، ودور السينما التي تعرض أفلاما متواصلة على مدار الساعة، في عدد كبير من الدول العربية. على كل حال، تتحدث المنظمة العربية عن وجود 20 مليون عاطل يشكل الشباب نحو 25 في المائة منهم، حسب تقديرات عام 2005، مقابل صدور إحصاءات شهرية - في الأزمات وخارجها - في الدول الراشدة لعدد العاطلين فيها. الإحصاءات - أو التقديرات - التي أطلقتها منظمة العمل العربية أخيرا، دارت حول البطالة بمعزل عن الأزمة الاقتصادية الراهنة، أي أنها لم تحص بعد، عدد العرب الذين ''يتوافدون'' إلى بلادهم، عائدين من البلدان التي يعملون فيها بعدما فقدوا وظائفهم بفعل الأزمة. وفي كل الأحوال، تصل نسبة العاطلين في الدول العربية - دون أزمة - إلى 15 في المائة. وتوقع مختصون في ''منتدى دافوس'' الاقتصادي العالمي الأخير الذي عقد في الأردن، أن يبلغ عدد العاطلين العرب 80 مليون شخصا بحلول عام 2013. وسيصل هذا العدد إلى هذا المستوى، بفعل الأزمة - طبعا- ولكن بفعل أشياء أخرى، لا علاقة لها بهذه الأزمة.

نقول أشياء أخرى؟. نعم هناك الكثير منها، من بينها: تدني مستوى التعليم لدى شريحة ضخمة من العاطلين، وضعف الخبرة المهنية، وطبعا عدم توفير التدريب المهني، الذي يجب أن يوجه إلى سوق العمل ويتناغم من متطلباتها. إلى جانب ذلك، لا يزال التخطيط في الدول العربية متواريا عن الساحة، وتقوم آليات العمل - بغالبية قطاعاته - على أساس رد الفعل. ولكي يزداد الهم .. هما، فإن مشكلة الإناث العاطلات، تدخل ضمن نطاق المحنة التي يعيشها سوق العمل العربي. ومن المفارقات، أن معدلات البطالة بين الأميين العرب (العالم العربي يحظى بـ 100 مليون أمي!)، هي الأدنى، بينما ترتفع في أوساط حملة الشهادات الثانوية والمتوسطة والجامعية. لكن أرجو أن لا يظهر ''ملهما من الملهمين العرب''، ويطالب بضرورة نشر الأمية، ومحاربة التعليم!. فالقضية ترتبط بفهم قواعد النمو، وتوجيه القوة البشرية إلى الأسواق والقطاعات الصحيحة، وخلق فرص عمل، عن طريق الاستثمار المستدام، لا ''استثمار الطفرة''.إن الجوع والعوز لا يعبران عن البطالة، فالذي يعبر عنها فقط هو غياب الأفكار. ونحن نعلم أن من أصعب الأعمال في العالم، أن تكون بلا عمل. والأمر سيزداد صعوبة عندما تفقد الأمل في العثور على الآليات التي تمكنك من العيش. ولأن القضية ليست شخصية - أي أنها ليست مرتبطة بالعاطل عن العمل فقط - فإن المسؤولية تقع على عوائق واضعي السياسات الاقتصادية بصورة مباشرة ورئيسية، عليهم أن يأتوا بالأفكار التي تقوم على الفعل، لا على رد الفعل.

الأزمة الاقتصادية .. كـ "قاتل متسلسل"!



«إذا كنت عاجزا عن إطعام مئة إنسان.. فأطعم واحدا فقط»
الأم الألبانية - الهندية تريزا

محمد كركوتي
m@karkouti.net


الشيء الأسوأ على الصعيد الاجتماعي - بعد البطالة - أن تتراجع إمكانية الفرد في الإيفاء بمسؤولياته المالية، ليس تجاه المؤسسات والمصارف وحتى ''البقالين'' المقرضين، بل تجاه أسرته، والأشخاص الذين يعتمدون عليه في معشيتهم، فالدولار الأمريكي الواحد، عندما يصبح -فجأة -80 سنتا، يعني أن المستفيدين منه خسروا 20 سنتا. وعندما يفقد الفرد وظيفته، يعني هذا أن هؤلاء المستفيدين فقدوا الدولار الواحد بأكمله، ليتحولوا بعد ذلك من خاسرين.. إلى ضائعين، أو مشردين، أو جائعين، أو كل هذه التوصيفات مجتمعة. وهؤلاء أيضا.. يتحولون من ''محاربين'' عند خط الفقر، إلى غارقين في محيط هائل من العوز، لا يملكون حتى قشة وهمية لتجنب الغرق. وطبعا .. لا نقول: للوصول إلى شاطئ النجاة، فالأزمة الاقتصادية دمرت الشواطئ، التي تمسي بلا قيمة، عندما لا تكون هناك سفن ومراكب وحتى قوارب النجاة لاستخدامها! ونحن نعلم أن الموانئ لا تبنى من أجل السباحين، حتى لو كانوا أبطال العالم في السباحة، ويعبرون المحيطات.

في التوصيف القضائي للإجرام والمجرمين، يُنعت مرتكب جريمة قتل واحدة.. بالقاتل - بالإنجليزية Killer - ويُنعت مرتكب عدة جرائم قتل.. بالقاتل المتسلسل - بالإنجليزية Serial killer - ولأن الأزمة ''بريئة'' من ضحية واحدة ـ سواء كانت فردا أم قطاعا- فهي كـ ''القاتل المتسلسل''، الذي أوقع أكبر عدد ممكن من الضحايا، لكن مع فارق كبير جدا، وهو أن الأزمة لم تضبط بعد.. وإن ضبطت لاحقا، فإن ''أبطالها'' لن يمثلوا أمام القاضي، ولن تقام محكمة لمحاسبتهم، وبالتالي عقابهم. فـ ''الأبطال الملهمون'' الذي فشلوا في تحصين مؤسساتهم ومصارفهم، وحماية قيم المجتمع وأفراده، يتمتعون بأعلى درجات الحصانة من المحاسبة والعقاب، تبدو أمامها حصانة الدبلوماسيين والنواب، مجرد نكتة.

فهي - أي الأزمة - رفعت حجم البطالة وخفضت الاستثمار، وقللت المساعدات وزادت المعاناة، وكومت الديون وبخرت المدخرات، ونشرت الأوبئة وحجبت الدواء، وخلقت المحتالين ونالت من الشرفاء، وأغلقت المتاجر وأكثرت من اللصوص، وأفقرت أثرياء وأغنت السماسرة. أيقظت القومية المتطرفة وداست على التسامح. هي أزمة متكاملة من الانهيار المالي والصناعي والتجاري والمعيشي والأخلاقي. ولأنها مثل ''القاتل المتسلسل'' الذي يعترف بجرائمه تباعا، فـ''جرائمها'' تظهر بصورة متسلسلة أيضا. ''الضحية'' الجديدة التي ''اعترفت'' بها، هي تحويلات العاملين في الخارج لبلادهم. هذه التحويلات التي تمثل الشريان الرئيسي لحياة الملايين من الأسر في الدول النامية، تمثل أيضا سلاحا يكفل الحفاظ على الكرامة الإنسانية لها، لاسيما أن الأسر التي تستفيد من تحويلات أبنائها في الخارج، تعيش في دول، لم تصل إليها بعد، أدوات التأمينات الاجتماعية، وإن وصلت فليس هناك من يعرف تشغيلها. وفي بعض هذه الدول ـ إن وجد من يعرف تشغيل الأدوات ـ يحال إلى التقاعد حتى لو كان في العشرينات من عمره!!. فالحكومات ـ كما يقول الأديب والكاتب البريطاني جورج أورويل ـ تعرف ''مصلحتك'' أكثر منك، إنها تقوم بدور ''الأخ الأكبر''!، أو كما يعرف بالإنجليزية على نطاق واسع: Big brother is watching you.

على كل حال، يتحدث البنك الدولي - المعني مباشرة بالقضايا المعيشية والتنموية في البلدان النامية ـ عن أن حجم تحويلات العاملين في الخارج سيتراجع في عام 2009 بمعدل 7.3 في المائة (التقديرات غير المتحفظة تنحصر بـ 10 في المائة)، بمعنى أن هذه التحويلات ستنخفض إلى 304 مليارات دولار أمريكي، من 328 مليار دولار سجلتها في عام 2008. والواقع أن التحويلات بدأت بالتراجع في الربع الأخير من العام الماضي، لكن آثارها تظهر عادة في مرحلة لاحقة. المصيبة هنا لا ترتبط فقط في هذا التراجع، بل أيضا بتدني حجم الاستثمارات الأجنبية في الدول الفقيرة، وذلك بعد فرار المستثمرين منها. ما السبب الذي أدى إلى تراجع التحويلات، أو شريان الحياة للأسر في الدول الفقيرة؟ البطالة وتخفيض الأجور طبعا. وكيف نشأت هذه البطالة؟ عن طريق تسريح نسبة من العمالة الوافدة، في إطار عمليات التسريح التي تشمل كل الشرائح في الدول الحاضنة لهذه العمالة. يكفي الإشارة إلى أن دولا مثل: الولايات المتحدة، بريطانيا، إسبانيا، إيطاليا، أستراليا، ماليزيا، روسيا، وجنوب إفريقيا، خفضت الحصص السنوية من العمالة المهاجرة، بينما شددت بعض الدول القيود عليها، في حين قامت بعض المؤسسات فيها بتخفيض رواتب الموظفين.

ما الحجة؟.. الأزمة بالتأكيد. ولنا أن نعرف -على سبيل المثال - أن تحويلات العمالة تشكل في بلد كطاجاكستان 46 في المائة من الناتج الوطني الإجمالي، وفي جزر تونجا 37 في المائة، ومولدوفيا 34 في المائة. بينما تشكل التحويلات حجر أساس لدول تتمتع باقتصادات ناشئة مثل: الهند، الصين، والمكسيك، كاحتياطات رأسمالية غير رسمية لتغطية النفقات. والواقع أن تقديرات تراجع حجم التحويلات لا تخضع للمعايير المتكاملة، لأن نسبة من هذه التحويلات - لا أحد يستطيع تقديرها - لا ترسل عبر القنوات الرسمية أو المصرفية المعروفة. أي أن انخفاض التحويلات يشمل أيضا تلك التي ترسل عبر أشخاص أو معارف أو أصدقاء، أو تنقل عبر أصحاب التحويلات أنفسهم. ولمزيد من الصدمات، هناك أكثر من 150 مليونا من المهاجرين العمال حول العالم - حسب بنك التنمية لدول أمريكا ''آي دي بي'' - غالبيتهم من آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا والمنطقة العربية، وإن كان بينهم أعداد قليلة من أوروبا الشرقية، أي أن الكوارث الناجمة عن تراجع التحويلات والتسريح، تقاس بالملايين!

هذه هي الصورة العالمية بشكل مختصر، لمحنة تحويلات العمالة، كـ ''ضحية للقاتل المتسلسل''، ولكن ما حجم محنة تحويلات العمالة العربية، وسط ركام الأزمة الاقتصادية؟ طبقا لتقرير أصدرته جامعة الدول العربية، فإن حجم تحويلات العاملين العرب - المسجلة - يصل سنويا إلى 25 مليار دولار أمريكي، وتصل هذه التحويلات إلى 40 مليار دولار، إذا ما أضيفت إليها الأموال المنقولة بطرق غير رسمية. وتشكل هذه التحويلات ـ حسب وكالة التصنيف العالمية ''ستاندرد آند بورز'' ـ 5 في المائة من إجمالي الناتجين الوطنيين لكل من مصر وتونس، بينما تشكل نحو 20 في المائة من إجمالي الناتج الوطني اللبناني. وتستقطب دول مثل مصر، تونس، الأردن، والمغرب، نحو 27 مليار دولار سنويا، من إجمالي تحويلات العمالة العربية. وتأتي الغالبية العظمى من الأموال المحوَلة، من دول الخليج العربية، التي تستقطب أكبر نسبة من العمالة العربية المؤقتة. وحسب إحصاء لصندوق النقد العربي صدر عام 2004، فإن دول الخليج تعد المصدر الرئيس لتحويلات العاملين المرسلة إلى كل من: الأردن، لبنان، سورية، ومصر، إذ بلغت حصتها نحو 25 في المائة من تحويلات العاملين إلى كل من مصر ولبنان، و85 في المائة إلى الأردن.

التوقعات تدور حول تراجع التحويلات العربية عام 2009 بين 5 و10 في المائة. المصيبة أن هذا التراجع لن يؤثر في الأسر المستفيدة من التحويلات، بل سينعكس سلبا على التصنيف الائتماني للدول المتلقية للتحويلات، وسيؤدي أيضا إلى خلل في ميزان الحساب الجاري لهذه الدول. وإذا ما استمرت الأزمة الاقتصادية ـ وكل المؤشرات تدل على استمرارها فترة ليست بالقصيرة ـ فسيؤدي ذلك إلى استفحال العجز في الحساب الجاري لتلك الدول بين 2 و19 في المائة من الناتج الوطني الإجمالي، وذلك حسب نصيب تلك التحويلات من الناتج أساسا.

بين تراجع التحويلات والبطالة الناتجة عن الأزمة، تقف الأسر المعتمدة على أبنائها في الخارج، لا تعرف ماذا تفعل، فالمسرحون سيعودون إليها ـ لا كمستثمرين ورجال أعمال ـ بل كعاطلين، وأولئك الذين انخفضت مداخيلهم، سيحسبون بدقة تكاليف التحويلات، بعد أن يكونوا قد أشبعوا المبالغ التي سيحولونها حسابا. يقول الرئيس الأمريكي الراحل هاري ترومان: ''عندما يكون جارك بلا عمل تسمي الوضع .. كسادا. وإذا أصبحت أنت بلا عمل تطلق على نفس الوضع صفة.. الكآبة''، ولكن ماذا نقول في وضعية تكون أنت وجارك فيها بلا عمل، وبلا حد أدنى من الدخل المالي، وبلا أمل اليوم للغد؟

إنها بالتأكيد مصيبة.

السبت، 1 أغسطس 2009

رفعت مصري وكتاب " في الأزمة" .. لـ محمد كركوتي













كتب : رفعت مصري

صباحا .. باكرا .. سمعت صوتا قويا, أتى من فتحة الباب التي خصصت للبريد اليومي, من دعايات وجرائد مجانية إضافة للفواتير والصحف وحتى الطرود التي خصصت لهذه الفتحة , مثلا حبوب الفيتامين وزيت السمك الذي يأت لزوجتي شهريا" أنما هذه المرة كان صوت ارتطام البريد قويا لدرجة, حرك بي فضولي لأرى ماهذا الذي أتى ... ظرفا متوسط الحجم وعنواني ملصقا عليه, به كتاب بالتأكيد !! فمحمد كان قد ارسل لي ليتأكد من عنواني هنا !!..

فتحته بسرعة .. ممزقا فتحة الظرف من طرفة الأعلى, قائلا لزوجتي, التي كانت ترتب شيء, ما بالبهو: انظري هذا الكتاب من تأليف صديقي محمد كركوتي !! قرأت ما كتبه ناشر ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية, بعنوان, جعل فمي يبدو أعرض مما هو, بجعل ابتسامتي اكثر وسعاً!.
ثم فتحت الصفحة الاولى لأقرأ اهداء الكاتب لي وهذا ماجاء بالاهداء
"سأصور الصفحة "


الحبيب المستمر رفعت ..
أرجو سرعة انتهاء
أزماتك, التي أشعر بها
من بعيد .
هذا كتابي ..لك .
لك محبتي العارمة


محمد كركوتي

الكتاب يقع في 340 صفحة من القطع المتوسط وقد قسم إلى تمانية فصول مسماة. كل فصل يحوي عدة مقالات, لا اقل من الاربعة ولاتتعدى الستة. وقد بدا الكتاب بمقطع شعري لبابلو نيرودا العظيم, هذا هو


تسلق الرجال الكونيون .. سلما من نار,
وعندما لمسنا أقدام الحقيقة .. كانت قد انتقلت الى كوكب آخر,
تطلعنا الى بعضنا كارهين,
أشد الرأسماليين دناءة لم يعرفو ما العمل,
لقد تعبوا من المال.. لان المال "أجهده التعب"
والطائرات من دون ركاب.. وما من اشارى للركاب الجدد,
كنا جميعا ننتظر.. كما في محطات القطار, في ليالي الشتاء,
كنا ننتظر السلام ,
فجاءت الحرب.


الكتاب, تحليل ومسح للازمة التي مر بها الاقتصاد العالمي, عبر مقالات نشرت سابقا في عدد من وسائل الاعلام وبالاخص الاقتصادية اليومية السعودية, وضمن الكتاب مجموعة من الصور "تشرح بصريا ورمزي الحالة العامة للاقتصاد العالمي" وهو أول كتاب بالعربية يتناول الازمة بالتحليل والأرقام والاحصاءات ذات المصداقية العالية .. الغير مشكوك بها !
في الأزمة .. كتاب يعرفك بأكثر من الأزمة بحد ذاتها بل بتاريخ وأشخاص تاريخيين وتعاريف تدخل ضمن النصوص ومشروحة في الهوامش مع الصور, مما يزيد القارئ الغير متخصص رغبة أكبر في فهم الأزمة والأقتصاد بشكل عام ..

في الغلاف الخارجي نجد لوحة للفنان مصطفى رحمة تمثل الى حد كبير بساحر يقدم وصلته حاملا قبعة وأرنب يحمل صورة كارل ماركس,
يفهم المتلقي على أنها تتعلق بأمريكا, لما تقدمه الخطوط المتوازية الزرقاء من رمز للولايات المتحدة ..
الغلاف الثاني كلمة ناشر ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية الصحفي طلال سلمان كنت سأنشر ماجاء فيها لظرافة العنوان والنص الذي وضع له عنوان ظريف " المفلس خبيرا بالاقتصاد!

مبروك محمد كركوتي ... صديقي الأزلي ..