الثلاثاء، 8 نوفمبر 2011

عناوين اقتصادية سورية غريبة

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")







''اكتب دائماً رسائل غاضبة إلى أعدائك.. لكن إياك أن ترسلها''
جيمس فالوس ـــ كاتب وصحافي أمريكي



كتب: محمد كركوتــــــي
 
بالطبع لا يوجد عنوان سوري يقارع العناوين السورية الأخرى بالفكاهة الميلودرامية، مثل العنوان ــــ التصريح التاريخي لوليد المعلم وزير خارجية بشار الأسد، الذي قرر فيه ''محو أوروبا عن الخارطة''، دون أن يعرض على الحاضرين الباسمين بالطبع طرازاً من ''الممحاة'' التي سيستخدمها في إزالة هذه القارة، إذا ما كانت العملية تقليدية، ومن غير أن يستعرض طبيعة مفتاح الـ Delete، إذا ما كانت إلكترونية متطورة. ربما اعتبرها أسلحة استراتيجية لا يجوز عرضها على الملأ، خصوصاً أنه ــــ كما رئيسه ـــ ملتزم التزاماً تاريخياً، بالمبدأ الوحيد لدى السلطة في سورية ''الاحتفاظ بحق الرد''، وهو ''حق'' مجمد إلى الأبد، ما عدا الرد الوحشي على الثورة الشعبية السلمية العارمة التي تجتاح البلاد. هذا العنوان، فتح شهية من يرغب في توقع طبيعة الرد من خلال عقوبات سورية على أوروبا تشمل، حظر تصدير الصابون الحلبي (ومعه الزعتر)، أو البرازق الشامية، أو الناطف اللاذقاني (يُستخدم كطبقة حلوة المذاق فوق الكرابيج)، أو المعجوقة الحمصية، أو الجبنة القديمة المعروفة باسم الشنكليش ومعها الجبن البلدي (خصوصاً لفرنسا)!

وهناك من يرى تنافساً واضحاً بين عنوان المعلم، وعنوان آخر أطلقه رامي مخلوف (ابن خال الأسد الذي يمتلك أكثر من 60 في المائة من الاقتصاد الوطني)، في زحمة استهدافه (وأعوان الأسد) من قبل أوروبا والولايات المتحدة كأكبر ناهب للمقدرات السورية. ماذا قال؟ ''قررت التقاعد عن مزاولة الأعمال وإدارة المؤسسات، والتفرغ للعمل الخيري''! وقتها قلت في إحدى مقابلاتي التلفزيونية: ''لو كانت ماما تيريزا على قيد الحياة، وسمعت ما قاله مخلوف، لقررت هي التحول إلى إرهابية، ولا بأس أن تتحول إلى حرامية''. لكني لا أزال أعتقد، بأن المعلم يستحق كأس العالم في بطولة إطلاق العناوين، ويستحق مخلوف الكأس، ولكن في دورة أخرى.

والحقيقة أن أي وزير لدى الأسد، لم يقترب في عناوينه من ''جودة'' عنوان المعلم. ورغم أن حاكم المصرف المركزي أديب ميالة، استطاع أن يحقق تقدماً في ''موسوعة'' العناوين السورية، إلا أنه لم يتمكن من الميل نحو ''براعة'' المعلم. لكن هذا لا يقلل من عنوانه الطريف ''إن سورية محسودة على استقرار صرف عملتها الوطنية''، دون أن يعلن، إذا ما كان قد أحاطها بحجاب يمنع الحسد، والعنوان الآخر الظريف بعد موجة العقوبات الأوروبية على سلطة الأسد ''على الشعب السوري أن يأكل الخبز الأسمر، والاستغناء عن البسكويت''، ربما كانت لديه ''إحصائيات''، تفيد بأن هذا الشعب مصاب بداء السكري، لا بشعور المرارة. وميالة الميال للأسد إلى حد التوحد كداء، لا كحالة تضامنية، يهدد أوروبا (لكن لا يمحوها من الخارطة)، بأن سورية تخطط ''لاستبدال اليورو بالروبل الروسي في تعاملاتها التجارية الخارجية''، عقاباً لها على عقوباتها. ولمن نسي فقط.. كان هو نفسه من قام بوقف التعامل التجاري في عام 2005 بالدولار الأمريكي، واستبداله باليورو، رداً على العقوبات الأمريكية التي فرضت على السلطة، في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. الذي حدث وقتذاك، أن التجار السوريين التفوا بطرق مختلفة على هذا القرار، وواصلوا التعامل بالدولار. ولكي يدب ''الرعب'' في قلب أوروبا قال: ''إن الروبل واليوان الصيني سيضافان إلى الجدول اليومي الصادر عن البنك المركزي السوري حول أسعار العملات الأجنبية''.
ولأن سلطة بشار الأسد خائفة على مصيرها من الثورة الشعبية، وكذلك الأمر بالنسبة لأعوانها، فقد أوقع حاكم المصرف ''المركزي'' نفسه بمجموعة من التصريحات ـــ العناوين. فالمعروف أن حكام المصارف المركزية في أي مكان، من أكثر المسؤولين شحاً في التصريحات. وفي الوقت الذي يخوض فيه ميالة حرباً على المضاربين على العملة، لم يتردد في القول: ''إن هناك خمسة مليارات دولار مخصصة لدعم سعر صرف الليرة، صُرف منها ما يعادل مليارين''، وهو بذلك كشف أوراقه في عز حربه هذه! ومن جملة عناوينه ''اللذيذة'' أن ''الاحتياطي النقدي في المصرف المركزي يصل إلى 17 مليار دولار''، والأمر لا يحتاج لخبراء في الاقتصاد لمعرفة أن السرقات الكبرى التي ارتفعت وتيرتها في أعقاب الثورة على الأسد، أوصلت الاحتياطي إلى ما يقرب من 12 مليار دولار. ويقول أيضاً ''إننا لا نطبع الأوراق النقدية دون رصيد''، لكن الرد يأتي من المؤسسات الأجنبية برفض قبول الأوراق النقدية السورية من فئتي الألف والـ 500 ليرة. ومن العناوين الاقتصادية السورية الفكاهية، قرار بحظر استيراد 25 في المائة من الواردات، وقرار آخر في غضون أقل من أسبوع يلغي القرار الأول!
لا أعرف ماذا سيكون عليه الشكل العام ''لإنتاج'' العناوين ـــ التصريحات السورية في الأيام المقبلة. ربما نسمع عن حظر سوري على تصدير الطائرات للولايات المتحدة، والسيارات لألمانيا، والسفن لبريطانيا، والشاحنات لفرنسا، وأجهزة الكمبيوتر لليابان، والورق لفنلندا، والأحذية لإيطاليا. خصوصاً إذا ما ضرب الحظر السوري على تصدير البقلاوة والصابون والمعجوقة والناطف واللبان والجبنة البيضاء، قلب الاقتصاد الأوروبي!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق