الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011

في عيد ميلاد اليورو.. سنوات بشعة يا "جميل"

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")






"اليورو هو مصيرنا المشترك، وأوروبا هي مستقبلنا الواحد"
أنجيلا ميركل مستشارة ألمانيا

 
 
 
 
كتب: محمد كركوتـــي
 
مع حلول العام 2012، سيجد قادة منطقة اليورو صعوبة في طلب قالب من الكيك على شكل العملة الأوروبية، للاحتفال بمرور عشر سنوات على إطلاق (ولادة) اليورو، ليس لأنهم مصابون بمرض السكري، وعليهم تجنب تناول الحلوى، بل لأن المحتفى به مصاب بأوبئة وأمراض يبدو أمامها "السكري"، كـ "نزلة برد" تنتهي في يومين، بحبة أسبيرين أو بدونها. بل هناك من يعتقد بأنه مهدد بالموت ولم يتجاوز العاشرة من عمره، وأن الأجواء لم تعد صحية لاستمرار ربطه "بأجهزة" الإنعاش. ومن المتطرفين من يعتقد بضرورة "عقد زواج" جديد، يستولد عملة أخرى، يمكن الاحتفال والرقص والغناء بميلادها دون حرج. ومن المفارقات أن فرنسا البلد الأكثر ابداعاً بقوالب الكيك (والأكثر "حنقاً" لمرضى السكري)، لن يطلب رئيسها ذلك القالب التقليدي، وإذا ما قفز على "توقعاتي" وطلبه، سيكون الأمر بمنزلة احتفال في مأتم، أو حفلة راقصة وسط إعصار مدمر، أو مهرجان للضحك أمام أناس يموتون جوعاً. لكنه هل يستطيع أن يردد الأنشودة التقليدية "سنة حلوة يا جميل"؟ أحسب أنه سيكون واقعياً حتى وإن قرر الاحتفال وأكل من قالب الحلوى، وسيضطر للتصرف بالأنشودة ويرددها على الشكل التالي: "سنوات بشعة يا جميل"! مهلاً.. ألم يقل هذا الرئيس (نيكولا ساركوزي): "إن خطر تفكك أوروبا لم يكن يوماً كبيراً كما هو اليوم"؟

"سنوات بشعة يا يورو"، هي تلك التي مرت بها هذه العملة بعد الأزمة الاقتصادية العالمية، وستواصل المرور بها في مرحلة أزمة الأزمة. ولأن قادة اليورو تجنبوا التعليق بمناسبة مرور عقد من الزمن على اليورو، فإن المفوضية الأوروبية كانت صادقة وصريحة إلى أبعد الحدود في بيانها الوحيد بهذه المناسبة. ماذا قالت؟ "بينما يوفر اليورو والاتحاد الاقتصادي والنقدي أساساً سليماً لتحقيق التقدم الاقتصادي، فإن الأزمة المصرفية في عام 2008 وعواقبها، شكلت اختباراً قوياً للنظام". والحقيقة أنها شكلت وتشكل اختباراً صارماً وقاسياً للاتحاد الأوروبي برمته، الذي كان يفخر في السنوات الثماني الأولى من عمر العملة الموحدة، بأنها عملة لا تُقهر، فرضت نفسها بقوة على الساحة العالمية، وهددت القوة التقليدية للدولار الأميركي نفسه. بل أن بعض الدول غير الأوروبية اعتمدتها (بصرف النظر عن الأسباب) بديلاً عن العملة الأميركية.

لم تكن العملة الموحدة فأل شؤم على الاتحاد الأوروبي، وذلك على عكس ما يروج الكارهون لها، ولاسيما أولئك الذين لا يزالون يصرون على العيش في أحلام الوطنية والمحلية المغلقة. ورغم اعتلال اليورو، من فرط ديون أوروبية حكومية تاريخية هددت دولاً بالخروج من هذه العملة، فإن الاتحاد الاقتصادي والمالي، وفر بالفعل الحماية لدول منطقة اليورو، من آثار الاختلالات التي تراكمت في هذه المنطقة وارتبطت بالمال والاقتصاد الكلي، من خلال تداعيات الأزمة العالمية. ولا أزال أتذكر تصريحاً هاماً لرئيس الوزراء الفرنسي السابق جان بيير رافاران، سبق هذه الأزمة، وعزز في الوقت نفسه أهمية الاتحاد النقدي الأوروبي، قال فيه: "يجب علينا أن نعترف أن اليورو يمثل أهمية قصوى للاتحاد الأوروبي. فبدونه - وخلال الأزمات العالمية- ستضطر كل دولة إلى تخفيض قيمة عملتها". وكان كلام زميله السابق أيضاً جان لوك ديهانة رئيس وزراء بلجيكا، متطابقاً حين قال –قبل الأزمة أيضاً- : "إن الاتحاد النقدي هو المحرك للتكامل الأوروبي".

إذا كانت أزمة منطقة اليورو مصيبة اقتصادية حقيقية، لن تنتهي ولن تزول آثارها قبل سنوات عديدة، قد تصل إلى يوم الاحتفال بمرور عشرين سنة على إطلاق هذه العملة، فإن انهيارها سيكون كارثة لا يمكن لأحد أن يتوقع أين ومتى تنتهي. وقد عرف قادة الدول الأوروبية الكبرى هذه الحقيقة، وعلى أساسها يسعون إلى الحفاظ على اليورو ومنطقته، بالرغم من التكاليف الباهظة التي تتكبدها هذه الدول، ولاسيما فرنسا وألمانيا، وبصرف النظر عن مناكفات بريطانيا المعهودة في هذا المجال. فإنقاذ دولة أو اثنتين أو حتى عشر دول، هو في الواقع إنقاذ لكل دول اليورو، والوصول إلى اتفاقية جديدة تفرض قيوداً بلا تسامح على الديون الحكومية، سيكون بمنزلة حبل نجاة لهذه المنطقة، التي أُطلقت عملياً من أجل إتاحة المجالات كلها أمام تحسن الاقتصاد الأوروبي، وخلق المزيد من فرص العمل، وتهيئة حياة أفضل للأوروبيين. فاليورو –حسب المفوضية الأوروبية- ليس مجرد ترتيبات فنية نقدية، وإنما رمزاً للعزم على العمل معاً بروح التضامن.

وعلى هذا الأساس، لا توجد حكومة أوروبية تعتمد اليورو مستعدة للتفكير بالتخلص منه، مهما كانت قوية سياسياً، ومهما كانت قوة بلادها. ولا يهم الآن الاحتفال بمرور عشر سنوات على ميلاد اليورو. المهم أن تتمكن هذه العملة من الاحتفاظ بحياتها، والاحتفال بمئويتها وألفيتها، ولن يتحقق ذلك، إلا بمنهجية أوروبية، لا وطنية. منهجية تحفظ قيمة ووزن ووقع عملتها التي باتت مرتبطة بصورة متلاحمة بهيبة أوروبا نفسها، وبمكانة اتحاد أصبح مثالاً عالمياً وتاريخياً للاتحادات والكيانات الناجحة.

هناك 3 تعليقات: