الجمعة، 3 فبراير 2017

مليارديرات .. بعض الأسئلة بلا أجوبة


"كي تكون ثريا، عليك أن تكسب الأموال حتى وأنت نائم"
ديفيد بيلي ـــ فنان ومصمم بريطاني

كتب: محمد كركوتي

من الواضح أن الاضطراب الاقتصادي على المستوى العالمي، ساهم بصورة مباشرة في انخفاض حجم ثروات المليارديرات عالميا، بصرف النظر عن ظهور 80 مليارديرا في الصين وحدها خلال عام واحد. والعوامل المسببة لتراجع ثروات هذه الشريحة من البشر كثيرة، من بينها إعادة توزيع ثروات بعضهم ضمن الأسرة الواحدة، فضلا عن تراجع أسعار السلع على المستوى العالمي، إلى جانب طبعا، خسائر في الأسواق المختلفة، ولا سيما تلك التي شهدت اضطرابا اقتصاديا أعلى من غيرها. التقرير الأخير المشترك بين المصرف السويسري "يو بي إس"، وشركة "برايس ووتر هاوس" الذي تناول بعضا من شؤون المليارديرات، جاء بمجموعة من الأرقام، حددت معالم أوضاع هؤلاء الأثرياء، علما بأنه لا توجد في الأفق إشارات واضحة على نمو كبير لهم، في ظل الأوضاع الراهنة على الساحة العالمية. لم يعد غريبا ارتفاع معدلات الثراء في القارة الآسيوية، ولا سيما الصين، خصوصا مع الحراك الاقتصادي الكبير فيها، إلا أن هناك علامات استفهام كبيرة منشورة في الأرجاء، تتعلق بواقعية تنامي هذا الثراء في هذه البقعة من الأرض. خصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار أن النمو الأكبر في عدد المليارديرات يأتي من دولة لا تزال الحكومة تمتلك وسائل الإنتاج والخدمات فيها، مثل الصين. صحيح أن هذه الأخيرة فتحت أبوابها (وانفتحت) اقتصاديا على مدى العقدين الماضيين، لكن الصحيح أيضا أن هناك جانبا غير مكشوف في الحراك الاقتصادي والاستثماري، وفي مقدمتها حقيقة الديون المعدومة في هذا البلد، التي قدرت أخيرا بأنها تصل إلى تريليوني دولار، أو ما يوازي 20 في المائة من محفظة القروض الخاصة بالمصارف الصينية! وتطالب المؤسسات الاقتصادية الدولية الصين في كل المناسبات بضرورة أن تكون أكثر انفتاحا فيما يتعلق بالمعلومات الاقتصادية التي تنشرها، وأن تكون (بالطبع) حقيقية. وكلما انضم ملياردير صيني إلى قائمة المليارديرات العالمية ارتفعت الأصوات المنادية بالشفافية، ليس فقط بالكشف عن حجم الديون الحقيقية في الصين، بل أيضا عن مسارات الاقتصاد الوطني نفسه. ومما لا شك فيه، أسهمت الحملة الأخيرة التي قامت بها الحكومة ضد الفساد في البلاد في تحسين الصورة العامة بعض الشيء، لكنها لم توفر الإجابات المطلوبة. ورغم قوة هذه الحملة، بل شراسة العقوبات التي فرضت على المخالفين والفاسدين، إلا أن الأمر يحتاج إلى فترة طويلة جدا للوصول إلى الحد المأمول للشفافية المطلوبة. لا يعني ارتفاع عدد الأثرياء في الصين (دون بقية المناطق في العالم)، أن هؤلاء كلهم جمعوا الأموال بصورة غير مشروعة، أو عن طريق الفساد أو الغش أو ما شابه ذلك، هناك حراك اقتصادي وطني كبير في هذا البلد من الطبيعي أن يولد أموالا هائلة، خصوصا في أعقاب الانفتاح الكبير الذي انتهجته بكين قبل سنوات. غير أن عدم الوضوح الاقتصادي على صعيد المعايير، وتزايد حجم الديون المعدومة، وعدم ثقة العالم كثيرا بالإحصائيات الحكومية الصينية، تمنح دعما للشكوك حول الأموال التي جعلت من هذا الصيني أو ذاك مليارديرا. فوفق دراسة صدرت حديثا، فإن المصارف الصينية تقوم باستخدام خدعة محاسبية، وهذه الخدعة تنحصر في أن القروض التي تقدمها هذه المصارف، لا يتم تقييدها على أنها "قروض"، بل توضع تحت بند الاستثمارات! المثير في الأرقام التي وزعها مصرف "يو بي إس" و"برايس ووتر هاوس"، أن عدد المليارديرات يرتفع في آسيا بشكل عام، والصين على وجه الخصوص، في حين أن ارتفاعه في بلد كالولايات المتحدة يظل بطيئا جدا. فمقابل 80 مليارديرا صينيا جديدا، كان هناك خمسة مليارديرات أمريكيين. والأمر مشابه إلى أبعد الحدود في الحالة الأوروبية، التي تشهد ارتفاعا مقاربا للارتفاع الصيني. وحتى فيما يتعلق بتراجع ثروات المليارديرات على المستوى العالمي، فإن هذا الانخفاض جاء موزعا على الجميع، أي أن المليارديرات في آسيا والصين، لم يتكبدوا خسائر أكثر من غيرهم، بل إن بعض هؤلاء رفع من حجم ثرواته، في الصين على وجه الخصوص. في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي، وظهور روسيا في صيغتها السياسية الحالية، أثيرت تساؤلات (لا تزال تطرح) حول العدد السريع والمتعاظم للأثرياء الروس، ولا سيما أن الفارق الزمني بين انهيار الدولة المنغلقة وبداية تكوين الثروات كان قصيرا جدا. وهذا الأمر يطرح بصورة أو بأخرى فيما يتعلق بالثراء المتنامي في الصين، رغم أن الدولة التي فتحت الاقتصاد، أبقت المفاتيح كلها في أيديها. الأسئلة بهذا الصدد قد لا تظهر أجوبتها يوما، فيما لو نظرنا إلى أسئلة مشابهة طرحت حول حالات مشابهة، في مناطق أخرى من هذا العالم.

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق