الجمعة، 3 فبراير 2017

«بريكست» ترمب .. وأوروبا هولاند



"الإدارة الأمريكية الجديدة تشجع الشعبوية، بل التطرف"
 فرانسوا هولاند - رئيس فرنسا

كتب: محمد كركوتي

كان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أكثر قادة الغرب تصديا (كلاميا)، لمخططات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، ولنقل للقرارات التنفيذية التي بدأ هذا الأخير بإصدارها يمينا ويسارا. لكن التصدي الأكبر (كلاميا أيضا) جاء من هولاند، عندما أعلن ترمب "أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أمر رائع". الرئيس الفرنسي كان أيضا واضحا، عندما قال بالحرف "عندما نسمع تصريحات حول أوروبا من رئيس الولايات المتحدة، وعندما يتحدث عن بريكست باعتباره نموذجا لسائر الدول الأوروبية، فإني أعتقد أن من واجبنا الرد عليه". لا أحد يتوقع أقل من هذا الموقف من رئيس فرنسي، بصرف النظر عن انتمائه السياسي. ففرنسا تتعاطى مع نفسها على أنها "الأم" الكبرى للاتحاد الأوروبي برمته. وأن الأخلاقيات ينبغي أن تكون جزءا من الحراك الأوروبي في كل الاتجاهات.
وأيا كانت حدة مواقف فرنسا، وطبيعة المواقف الأوروبية الأخرى من توجهات الإدارة الأمريكية، مسيرة خروج بريطانيا من الاتحاد ماضية إلى الأمام، بصرف النظر بالطبع عن إمكانية التعطيل هنا والتأخير هناك، لأسباب باتت ظاهرة على الساحة، من الحكم القضائي، إلى مناقشة مجلس العموم لبنود مفاوضات الخروج، إلى المطالبة بعرض اتفاق الخروج على استفتاء عام، إلى ارتفاع حدة المواقف المعرضة للانسحاب من جانب الحكومتين المحليتين في كل من إيرلندا الشمالية واسكتلندا. لم تتمكن رئيسة الوزراء تيريزا ماي من الصمود أمام التحركات الهادفة للتعطيل أو على الأقل لإطالة أمد الفترة الفاصلة من الآن وحتى تفعيل المادة 50 من المعاهدة الأوروبية، وهي المادة التي تطلق مفاوضات الانسحاب. الضغوط عالية عليها، رغم أنها لم تتزحزح في مسألة احترام تصويت الأغلبية البريطانية على الانسحاب، ضاربة عرض الحائط بأي شيء آخر.
وهذا الأمر مفهوم بالطبع في بلد اعتمد الديمقراطية منذ قرون طويلة. لكن هناك من يعتقد أن في صلب الديمقراطية أيضا أن يقول الشعب رأيه في الاتفاق الذي ستتوصل إليه بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي، خصوصا أن هذا الاتفاق سيتضمن (حسب هؤلاء) خسائر كبيرة لبريطانيا، على الأصعدة التجارية والمصرفية والخدماتية بل حتى العلمية والسياحية وغير ذلك. بمعنى، أنه إذا كان لابد من تنفيذ رغبة الناخبين في الانسحاب، فمن حق من قال لا للانسحاب في الاستفتاء التاريخي الشهير، أن يمنح فرصة أخرى لتقديم رأيه في مسألة تكاليف الانسحاب. وهذه النقطة بالتحديد من الممكن أن تغير آراء نسبة من أولئك الذين دعموا الانسحاب في الاستفتاء المشار إليه. مع الإشارة هنا، إلى أن معسكر البقاء فشل بالفعل في عرض المشهد العام للانسحاب والبقاء على الصعيد الشعبي، ما أسفر عن نتيجة استفتاء حزيران (يونيو).
في كل الأحوال، باتت الأشياء أكثر وضوحا الآن، بعد تأكيد الحكومة أنها لن تستطيع البقاء ضمن السوق الأوروبية في حال الانسحاب من الاتحاد، وبذلك تعلن في الواقع فشلها مبكرا في اتفاقية تتضمن أقل نسبة من الأضرار على المدى البعيد للمملكة المتحدة. ورغم حرص الجانب الأوروبي على ضرورة بقاء بريطانيا ضمن الاتحاد، إلا أن هذا الأخير عليه أن يدافع أيضا عن مصالحه ضد من؟ ضد بريطانيا خلال المفاوضات المزمعة. فإذا كانت لندن تريد بعض الامتيازات في الخروج، فما المقابل الذي يمكن أن تدفعه للاتحاد؟ هكذا يتحدث الأوروبيون الآن، أي أنهم المنسحب الذي سيصبح "غريبا بعد هذه الخطوة، عليه أن يكون مستعدا لدفع تكاليف لا يدفعها في الواقع عضو اختار البقاء ضمن الاتحاد.
كل هذه التفاصيل ستكون أمام مداولات مجلس العموم، الذي أثبت أحقيته من خلال حكم المحكمة البريطانية العليا في الاطلاع على مخطط مفاوضات الخروج مسبقا. لن يكون هناك أي بند سري أو غير معلن. المهم الآن هو كيف يمكن لبريطانيا أن تتوصل إلى اتفاقات تجارية مع بقية بلدان العالم في الفترة المقبلة؟ الجواب هو أنه لا يمكنها أن تعقد أي اتفاقات قبل خروجها نهائيا من الاتحاد. لن ينفع المملكة المتحدة الآن المغريات والعروض الهائلة التي يقدمها ترمب لها. فالعلاقة التجارية الخاصة التي يسعى إليها مع بريطانيا لن تتم قبل أكثر من عامين على الأقل، في حين أن لندن لا يمكنها أن تتجاهل السوق الأوروبية الملاصقة لها بعد الخروج.
وإذا كان "بريكست" يمثل للإدارة الأمريكية حالة لا توصف من السعادة، (على عكس الإدارة السابقة)، انطلاقا من نظرتها الشعبوية الحمائية، فهو في الواقع يمثل ضغوطا لا تنتهي بل متجددة على رئيسة الوزراء البريطانية نفسها. هي بين سلسلة من النيران المشتعلة، تنجح في إطفاء بعضها، لكن سرعان ما تفشل في إخماد بعضها الآخر. أما على الجانب الأوروبي، فلم يعد لدى الاتحاد مزيد من أدوات الترغيب. ما لديه الآن لبريطانيا، ليس أكثر من مفاوضات بين طرفين مختلفين، لا محادثات بين شركاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق