الثلاثاء، 14 فبراير 2017

اقتصاد «الحرس الثوري»




"إرهاب نظام ولاية الفقيه أكبر من إرهاب تنظيم داعش"
العلامة الشيعي - محمد الحسيني أمين المجلس الإسلامي في لبنان


كتب: محمد كركوتي

لم يكن اعتراف محسن رضائي سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام مفاجئا. الرجل (وفي خطوة نادرة بين مسؤولي إيران)، كان صادقا عندما أكد فشل بلاده اقتصاديا، فيما لو قورنت ببلدان كالسعودية وتركيا والولايات المتحدة وغيرها. وكان صادقا أكثر دون مواربة "إن إيران بعد الثورة تطورت من الناحية الأمنية، لكنها فشلت وتخلفت من الناحية الاقتصادية". بالطبع هذا الكلام ليس جديدا من حيث الواقع المعيش، الجديد أن مسؤولا بهذا المستوى يعترف به علانية ورسميا، بعيدا عن أي مخاوف (وربما تهديدات) قد يتعرض لها من جانب العصابات المعلنة والسرية التابعة لعلي خامنئي، الرئيس الحقيقي الفعلي للنظام الإيراني. وكما هو معروف، فإن أكبر الانتقادات في إيران هي تلك التي توجه لحكومة سابقة، أو حتى رئيس سابق، وليس لنظام يؤمن بأنه لا يرتكب الأخطاء، وأنه منزه عنها. إنه نظام ما يسمى بـ"ولاية الفقيه"، الذي مأسس خرابا وطنيا يحتفل به!
ليس مهما مصير رضائي بعد هذا الموقف النادر حقا. قد لا يتعرض لأي شيء، أو ربما سيستهدف بأشكال متفاوتة ألفها الشارع الإيراني مع السياسيين "غير المنضبطين" في البلاد. المهم، أن ما قاله كان صحيحا من الناحية العملية، وعبر الأرقام حتى الرسمية منها، رغم الشكوك الدائمة التي تحوم حول هذه الأخيرة. لا استراتيجية حقيقية على الصعيد الاقتصادي في البلاد، وبالتالي تجد أنه حتى في ظل الاستفادة الواضحة لهذا البلد من رفع بعض العقوبات الغربية عنه بفعل الاتفاق النووي، فإن انعكاساتها لم تظهر بأي صورة على المشهد الاقتصادي العام. الحاصل المؤكد، أن أولوية نظام الملالي تبقى تمويل استراتيجية الإرهاب والإجرام والتدخلات هنا وهناك، وترك التنمية الاقتصادية الوطنية على الهامش.
الناتج المحلي الإجمالي، والنفط، واحتياطيات العملة الأجنبية، وقيمة العملة الوطنية نفسها، والتضخم، والبطالة، والإنتاج الصناعي، وحركة التجارة والفقر، وغير ذلك من مكونات المشهد الاقتصادي الإيراني معروفة للجميع، كلها انتقلت من سيئ إلى أسوأ، حتى بعد الانفراج المالي لهذا البلد عبر الإفراج عن نسبة من الأرصدة التي كانت مجمدة في الخارج، والعوائد النفطية الجديدة، وحصول بعض الحراك الاستثماري الأجنبي المتردد. والمشكلة الرئيسة هنا، لا تتعلق فقط بالفوضى الاقتصادية المحلية، وغياب الاستراتيجية الملائمة للانطلاق من جديد، ولا بالفساد المتعاظم على مختلف المستويات، بل ترتبط مباشرة بما أصبح يعرف في البلاد بأنه لا يوجد في الواقع "اقتصاد إيران" بل "اقتصاد الحرس الثوري"! وهذا التوصيف كاف لإسكات الأفواه التي تفكر في الحديث عن الوضع الاقتصادي حتى بألطف العبارات الممكنة. من يجرؤ حتى على لوم "الحرس"؟ فكيف الحال بانتقاداته؟!
الحرس الثوري الإيراني الإرهابي، زاد من أزمات إيران الاقتصادية تفاقما، ليس فقط لأنه يسيطر على قرابة نصف الاقتصاد الوطني (وربما أكثر)، بل لأن اسمه بحد ذاته يشكل تهديدا للاقتصاد ككل. لماذا؟ لأن كثيرا من المؤسسات الاستثمارية القادرة على التمويل، وكذلك المصارف العالمية الكبرى، تخشى خوض غمار الاستثمارات والعمل في إيران لسببين. الأول عدم وجود حدود لسيطرة "اقتصاد الحرس الثوري" على "اقتصاد إيران الوطني"، والخوف الباقي من العقوبات الأمريكية التي قد تتعرض لها هذه الجهات، رغم كل التطمينات التي أطلقتها واشنطن في أواخر أيام باراك أوباما، بل والتطمينات من جانب إدارة دونالد ترمب، بأن الجهات الغربية غير المخالفة لن تتعرض لأي ملاحقة أو غرامات أو عقوبات في تعاملها مع إيران.
لا يبدو أن هذه التطمينات ذات معنى أو جدوى. فخوف المؤسسات باق بل يتصاعد، خصوصا مع اللهجة السياسية التهديدية لإدارة ترمب تجاه إيران. وببساطة، إذا لم تكن هناك مصارف عالمية كبرى يمكن أن تتعاطى مع الحراك الاقتصادي الإيراني، فإنه لا يمكن لهذا الاقتصاد أن يقوم بأي عملية استثمارية إنتاجية ذات جدوى وقيمة، مهما كانت المغريات الإيرانية. لكن الأمر لا ينحصر فقط في هذا الجانب. فالتدخلات الإيرانية العدوانية التخريبية في هذا البلد أو ذاك، تستنزف (كما هو معروف) أي عوائد مالية للبلاد، و"الحرس الثوري"، يستهلك الحجم الأكبر من هذه الأموال، لتنفيذ عملياته العدائية والإرهابية والإجرامية وفق أوامر مباشرة من علي خامنئي. أما الحجم الآخر من الأموال المشار إليها، فيذهب إلى "إسناد" القيادات "الثورية" ومن يعمل بأمرتها على الصعيد الشخصي.
هذه المعلومات ليست سرية، الكل يعرفها والشارع الإيراني يتحدث عنها بأصوات تعلو مرة وتصمت مرات عدة، لكنها دائمة الحضور بسرية في كل الساحات الإيرانية. كلهم يعرفون أن عوائد الاتفاق النووي كانت كبيرة بالفعل على الصعيد الاقتصادي، لكنها لم تظهر على الساحة بأي شكل من الأشكال. وهم يعرفون أيضا أن "الحرامي" الذي يمتص أموال الشعب الإيراني، هو نفسه الذي يدعي حماية هذا الشعب!

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق