الاثنين، 16 يونيو 2014

المتعة الاقتصادية الإيرانية المنقوصة


(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")





 
 
"هناك قدر كبير من الاضطراب، ينبغي الاعتراف بوجوده"
وليام بالي - فيلسوف إنجليزي

كتب: محمد كركوتـــي

وفر الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ما كان يريده رئيس إيران حسن روحاني. منح طهران فرصة تتمناها، وتعمل على إيجادها بكل السبل. حصل روحاني على الفرصة الألف (ربما)، مستغلاً اضطراب السياسة الخارجية الأمريكية، أو ضعفها، أو مفهومها الملتبس لحل القضايا المحورية. أوباما دفع بنفوذ بلاده إلى أدنى مستوى منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، وروحاني يدفع باتجاه المزيد من المكاسب. وهذا الأخير يعرف أن أي خطوة مهما كانت متواضعة ستحقق شيئاً في الداخل الإيراني، ليس فقط من فرط مزايا الاتفاق النووي المؤقت بين طهران والقوى الدولية، بل لأنه أتى إلى السلطة بعد أن أضاف سلفه أحمدي نجاد مزيداً من الخراب للاقتصاد والمجتمع الإيراني. فأي إنجاز هو في الواقع قفزة هائلة في البلاد. وأي قرار هو بالتأكيد أفضل من كل القرارات التي اتخذت سابقاً.
غير أن المتعة التي حصلت عليها إيران من القوى الدولية (وفي مقدمتها بالطبع الولايات المتحدة) ليست كاملة. هي أساسية بل محورية في المشهد الداخلي الحالي، إلا أنها تبقى ناقصة على الرغم من مزاياها. صحيح أن واشنطن أفرجت عن دفعات من الأموال الإيرانية المجمدة، وكذلك فعلت بعض الجهات الأخرى، لكن الصحيح أيضاً أن الوضع الاقتصادي المتردي في إيران، يحتاج إلى المزيد من "الهدايا" خصوصاً الغربية. بل إنه بحاجة إلى حالة اقتصادية طبيعية مستدامة (وليس مؤقتة)، للتخلص من الآثار التي تركتها العقوبات الدولية على البلاد، إضافة طبعاً إلى التخريب الاقتصادي الذي أحدثته فترة أحمدي نجاد. وجود هذا الأخيرة في السلطة لفترتين انتخابيتين، كان بحد ذاته عقوبة أخرى تطرح آثارها على الساحة مع العقوبات الخارجية.
وجدت حكومة حسن روحاني في الفترة الماضية، أن الوضع الاقتصادي لا يسير كما تشتهي. ولم تنفع كثيراً الأموال التي صبت في خزانتها، كما لم ينفع الارتفاع المؤقت في إنتاج النفط. فالعملة عادت لتهبط من جديد، إلى درجة دفعت القادرين الإيرانيين مالياً على العودة لتخزين العملة الصعبة والتخلص من عملتهم الوطنية. فقد هبط الريال الإيراني مقابل الدولار الأمريكي في السوق الحر الأسبوع الماضي إلى 33 ألف ريال بانخفاض 9 في المائة من نحو 30 ألفا أوائل أبريل الماضي. الفارق بين هذا الهبوط، والتراجع الهائل الذي حصل للعملة في عام 2012 يضيق. في ذلك العام خسر الريال الإيراني أكثر من ثلث قيمته أمام الدولار. وما يحدث على الساحة الاقتصادية الإيرانية الآن، يدفع حكومة روحاني إلى إعادة النظر ليس في سياسته الاقتصادية، بل في تقييمه لوزن الإيرادات الجديدة - القديمة.
في غضون تسعة أشهر تقريباً انخفض معدل التضخم الرسمي (التضخم الحقيقي أعلى دائماً) إلى32.5 في المائة، من قرابة 40 في المائة. ورغم أن هذا الانخفاض كان جيداً بالمعيار الاقتصادي الإيراني، إلا أنه بات مهدداً من التراجع الجديد المخيف للعملة، الذي يهدد أيضاً مستويات النمو المتوقعة. وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، فإن الاقتصاد الإيراني شهد نمواً في العام الماضي بلغ 1.7 في المائة، وسيشهد نمواً في العام الجاري بنسبة 1.5 في المائة. ويؤكد صندوق النقد، أن الاقتصاد انكمش في عام 2012بحدود 5.6 في المائة. إنها نقلة مهمة بالفعل فيما لو صحت هذه التقديرات، لكنها لا يبدو أنها ستسير إلى الأمام لأمد طويل. فحتى لو افترضنا أن العملة ستعود إلى التماسك بعض الشيء، فإن التراجع في تقديرات النمو بين العامين الماضي والجاري، هو بمنزلة جرس إنذار خطير.
رئيس إيران لا يتحرك دون منغصات داخلية، مما يضيف عليه الضغوط التي لا يتمناها أحد في وضعيته. الجناح المحافظ (الحاكم الفعلي في البلاد)، يرفع من حدة هذه الضغوط لأسباب عديدة، في مقدمتها عدم قناعته أصلاً بالسياسة العامة التي يتبعها روحاني، الذي لا يزال يتمتع ليس بدعم علي خامنئي، بل بعدم تعطيل هذا الأخير لسياسة الرئيس. وهو أسلوب غير إيجابي، لكنه في الوقت نفسه أقل سلبية. وتنقل وسائل الإعلام الموالية لروحاني، أن رجال الأعمال الإيرانيين الأثرياء المعارضين لإصلاحاته، دفعوا عمداً الريال للهبوط لتحذيره من التمادي في اتجاهه. غير أن الأهم من هذه الاتهامات أن العدد الأكبر من الإيرانيين، قاموا في الأسابيع الماضية بعمليات شراء هائلة للعملة الأجنبية، ليس احتجاجاً على سياسة روحاني، بل خوفاً على مدخراتهم من أن "يأكلها" التضخم.
إن الوضع الاقتصادي الإيراني الذي دخل –كما يقول المتابعون- مرحلة التشاؤم، يتجه نحو مزيد من التأزم. فالمرحلة التي مر بها في أعقاب الاتفاق النووي المؤقت، لا يمكن أن تكتسب صفة الاستدامة، كما أن هناك الكثير من الأمور لا تزال عالقة بين طهران وعواصم صنع القرار العالمي. هناك حقائق مريرة على الأرض، لا يمكن لـ "هدايا" أوباما أن تغير من طبيعتها. إنها استحقاقات لا بد من مواجهتها، تضاف إلى الاستحقاقات الداخلية السياسية والاقتصادية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق