الثلاثاء، 29 أبريل 2014

النوم في العمل .. أو «العمل» في النوم

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")







«الحلم لا يصبح حقيقة عن طريق السحر. إنه يتطلب تصميما جميلا وعملا شاقا»
كولن باول وزير الخارجية الأمريكي الأسبق


كتب: محمد كركوتـــي

عندما تكون موظفاً صغيراً، تحلم كل ليلة بأن تصبح موظفاً كبيراً (مدير، رئيس مؤسسة، عضو مجلس إدارة منتدب، رئيس قسم...). وعندما يشاء القدر وتسعفك مؤهلاتك (لا الواسطة، ولا لقرابتك من ذوي النفوذ)، تحلم بـ "حلم" فيه أي شيء، إلا عملك وزملائك وموظفيك وناتج شركتك.. وخصوصاً رئيسك. باختصار.. تأمل بحلم بلا كوابيس العمل، بل وحتى بلا مسراته إن أمكن أيضاً. ترغب "بإجازة" ولو في سياق حلم، لأنك ببساطة لست مؤهلاً لإجازة بمفهومها التقليدي، ونتائجها النفسية الإيجابية، وعوائدها المثمرة عندما ترجع مرة أخرى إلى طاحونة العمل. أنت أصبحت الآن في ورطة، لن تخرج منها إلا بخروجك من موقعك الذي حلمت به يوماً، وتمنيت أن تصل إليه بأسرع وقت ممكن. عليك أن تتحمل تبعات رغبتك هذه. أنت لست موظفاً.. أنت محرك الموظفين، تحمل إذن.
في السنوات العشر الماضية، ذابت الحدود الفاصلة بين الحياة الخاصة ومعترك العمل. والسبب ليس سوى الأجهزة الذكية "اللعينة". وإذا كان هناك من نصيحة، لا تذكر هذا التوصيف أمام صاحب القرار الأخير في مؤسستك، سواء كنت مديراً أو غير ذلك. عليك في الكثير من الأحيان، أن تشكر التكنولوجيا أمامه، تملقاً أو قناعة، وتصور الحياة العملية كمشهد خراب شامل بدونها. لقد باتت أجهزة الاتصال الذكية بمنزلة شهادة دائمة (شرط أن تكون البطارية مليئة) على إخلاصك وتفانيك في عملك، وعلى عدم اكتراثك بحياتك الخاصة. فالعمل أولاً، وليس مهماً أمامه شؤون الأسرة، أو حتى شؤونك الشخصية إن لم تكن لديك أسرة. ولاؤك للأجهزة الذكية هو ولاء مباشر لعملك. لا تنسى أنها حولتك إلى ملكية لجهة عملك، ليس وفق عقد العمل، بل بالتماهي بين حياتك الخاصة والعملية. مهلاً.. تذَكرْ أن الدوام الرسمي يبدأ ولا ينتهي!
تقول الكاتبة لوسي كيلاواي، إنها توصلت إلى حل جذري لهذه القضية زوال الحدود بين العمل والحياة الخاصة، وهي على الشكل التالي: "يأتي الجميع إلى المكتب في وقت محدّد كل صباح، ويعملون لمدة ثماني ساعات يتاح لهم بعدها أن يعودوا إلى بيوتهم، وعمل كل ما يرغبون فيه من دون تدخل أو إزعاج إلى صباح اليوم التالي! حاولت جاهداً أن أعثر على حل في صيغة "حلها"، لكني فشلت. هي في الواقع أعادت كتابة بند تتضمنه جميع عقود العمل، بصرف النظر عن طبيعة الجهات التي تصدرها. ولوسي بلا شك تسخر من الحالة كلها، عندما تقدم شيئاً يعرفه الجميع وموثق، ولكن أحداً لا يطبقه. وإذا ما كان هناك جديداً حقاً في هذا الأمر، فليس سوى صفقة أثارت الجدل العارم، توصلت إليها إحدى النقابات في فرنسا، يحظر بموجبها على العاملين تبادل الرسائل النصة والإيميلات فيما بينهم خارج ساعات العمل.
ولكن هل يمكن تطبيق ذلك فعلاً؟ رغم النفوذ القوي الذي لا تزال النقابات الفرنسية تتمتع به (زال هذا النفوذ تماماً في بلد كبريطانيا) هل تستطيع هذه النقابات أن تتابع سلوكيات الترغيب والترهيب التي يمكن أن تمارسها الإدارات العليا في المؤسسات على موظفيها الكبار والصغار؟ وإن تمكنت من متابعتها، هل يمكنها أن تتخذ شيئاً حيالها، خصوصاً عندما يظهر شيئاً من الضعف من جانب الموظف نفسه؟ أغلب الظن أنها لن تستطيع أن تضمن تنفيذاً واقعياً للصفقة التي توصلت إليها. دائماً هناك من يمكنه أن يحل مكان الموظف، ويقبل أن "يمزج" عمله بـ "أحلامه" الليلية إلى جانب الكوابيس التي تأتي في أي وقت. لقد أصبح نظام العمل المحدد بثماني ساعات من الماضي فعلاً. وهذا الماضي بدأ في الواقع بالانفجار التكنولوجي في مجال الاتصالات والتواصل. فأنت معرض لأن تحضر اجتماعا مهما أو مملا أو مضنيا على الهواء مباشرة، بينما تلبس البيجاما.
يقولون إن العديد من عباقرة العالم وعمالقة الابتكار يعملون وفق نظام صارم، يفصل بين عملهم وحياتهم الخاصة. ربما يكون هذا الأمر صحيحاً، ولكن المؤسسات لا تبحث عادة عن عباقرة، بل عن منتجين مباشرين. وإذا ما احتاجت إلى عبقري، فمن السهل عليها أن تمنحه الاستثناء اللازم. فهو في النهاية فرد واحد أو اثنان. إنهم يحاولون التأكيد على أن نظام العمل المحدد بفترات زمنية معلومة لا مجهولة، يحقق النتائج المطلوبة والعوائد المرغوبة والنجاح المنتظر. غير أن الأمر ليس بهذه السهولة، لأن الذي يضع المعايير حالياً طرفان لا ثالث لهما. الإدارات العليا في المؤسسات، و"شريكتها" تكنولوجيا الاتصالات. وهذه الإدارات لا تعترف إلا بوجود حراك، والحراك في النهاية (بصرف النظر عن توقيته) يعني الإنتاج.. وهذا الأخير هو الهدف ومعه الغاية. وليس مهما طبيعة الأحلام التي تمر في "منامات" الموظف، طالما أن بطارية هاتفه الذكي Full.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق