الاثنين، 2 أبريل 2012

نظام واقتصاد معًا إلى الهاوية

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")


''خراب فوق آخر، هزيمة فوق أخرى، يجعلان من التشوش أكثر إرباكًا''
جون ميلتون شاعر ومؤرخ إنجليزي


كتب: محمد كركوتــــــي

مع تحطيم الدولار الأمريكي أرقامًا قياسية في سورية (ستبلغ قريبًا مرحلة ''حرب إبادة'' لليرة السورية، في سياق حرب الإبادة التي يشنها بشار الأسد ضد الشعب السوري)، ومع ارتفاع حجم السحوبات المالية التي قام بها السوريون في الأشهر الماضية، ومع عجز هائل في الموازنة العامة، ومع انكماش محقق للاقتصاد في العام الجاري، ومع ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية الرئيسة، ومع بلوغ مداخيل السياحة الرقم صفر، ومع ارتفاع مؤكد للدين الخارجي يصل إلى تسعة مليارات دولار أمريكي، وأيضًا مع تراجع الإنتاج الزراعي والصادرات، وتفاقم معدلات البطالة والفقر.. مع كل مؤشرات الخراب هذه، لا يزال الأسد (ومعه أعوانه)، يعتقد أن الاقتصاد سينجو، وكأن نظامه الوحشي البربري هو نفسه سينجو من الفظائع التي ارتكبها (ويرتكبها) بحق شعب أراد فقط حرية لاختيار من يحكمه. ولا أعرف إذا كان يعلم أن الأمر لم يعد بحاجة إلى أرقام، لاستكشاف آفاق هذا الاقتصاد. فيكفي استعراض ما يجري على الأرض، لتكتمل صورة الخراب الاقتصادي، بل يكفي إلقاء نظرة على القوانين والقرارات المتضاربة التي ساهمت في تسريع وتيرة الخراب.

منذ اندلاع الثورة الشعبية السلمية العارمة، حاول بشار الأسد وأعوانه، إخفاء حقيقة الوضع الاقتصادي الذاهب ''بقوة'' إلى الخراب. فقد أثبتت هذه الثورة مرة أخرى أن ما يوجد في سورية لم يكن اقتصادًا وطنيًّا، بل كان (ولا يزال) اقتصادًا أُسريًّا يتصرف فيه (بل يمتلكه) عدد محدود من الأشخاص، صادف أنه مرتبط بأمة بأكملها! ولأنه ليس وطنيًّا، فقد كان من الطبيعي أن يتداعى سريعًا. والحقيقة كان هذا الاقتصاد مؤسسًا على الخراب، وما فعلته الثورة أنها نقلت الأساس إلى السطح، وكشفت كيف أن نظام الأسد الأب والابن، لم ينهب البلاد ومقدراتها فحسب، بل لم يترك مجالاً ولا أملاً لإصلاح اقتصادي ما في المستقبل. ولذلك، فإن على السوريين الذين يستعدون لبناء وطنهم سياسيًّا بعد زوال الأسد إلى الأبد، أن يعيدوا بناء اقتصاد جديد من الصفر، بنقله من معايير وسلوكيات اقتصاد قطاع الطرق، إلى معايير الاقتصادات التي تستحقها سورية الحرة وتليق بها.

لا أعرف لماذا يُجهد المحللون الاقتصاديون أنفسهم، لقراءة ما إذا كان الأسد قادرًا على إعادة الاستقرار لاقتصاد سورية أم لا؟ هذا الأمر لا ينطبق على سورية؛ لأن الاقتصاد لم يكن مستقرًّا فيها على مدى ثلاثة عقود على الأقل، إلا إذا اعتبرنا أن عملية تخريب الاقتصاد كانت مستقرة طوال هذه العقود. وقراءة مستقبل أي اقتصاد، عملية تتطلب أرقامًا وإحصائيات ودراسات وبحوث نزيهة، إن لم تكن محايدة، وهذا ما لم تشهده سورية طوال الفترة المذكورة. وعلى هذا الأساس كانت المؤسسات الدولية المختصة، تقرأ الاقتصاد في سورية، وفق تقديرات كانت حريصة دائمًا على إطلاق آمال بأن تكون قريبة من الواقع. ورغم المحاولات الدولية المستمرة مع الأسد الأب والابن، للسماح باستكشاف حقيقة الأرقام والإحصائيات التي تعطي مؤشرات على وضعية الاقتصاد، إلا أنها كانت (ولا تزال) تصطدم برفض حاسم. فهل حدث أن كشفت العصابة (أي عصابة) طواعية عن مسروقاتها؟

الاقتصاد ''السوري'' الآن لا يتجه إلى الانهيار وحده، بل يسير ومعه بشار الأسد ونظامه. فما بدأته هذه الثورة التاريخية، سينهيه حتمًا الاقتصاد، خصوصًا مع تضييق الخناق الاقتصادي حول رقبة الأسد، بما في ذلك الجولات الجديدة من العقوبات الأوروبية والأمريكية عليه، فضلاً عن تفعيل العقوبات العربية ضده، في حين ليس مضمونًا أن يواصل النظام الإيراني توفير الإمدادات المالية له إلى ما لا نهاية، بسبب المصائب الاقتصادية التي تعيشها إيران نفسها، والضغوط الشعبية المتعالية على نظام الملالي من جهة الاقتصاد. فمع وصول سعر صرف الدولار الأمريكي إلى 80 ليرة سورية، وسحب أكثر من 100 مليار ليرة من الودائع خلال أقل من سنة، الأمر الذي أدى إلى انخفاض هذه الودائع بنسبة 30 في المائة، (علمًا بأن هذه الأرقام والنسب تقديرية، وعادة ما تكون أعلى من ذلك في معظم الحالات)، ومع توقف غالبية القطاعات الإنتاجية والخدماتية، بات على الأسد أن يفكر إذا ما كان يستطيع أن يدفع رواتب الموظفين الحكوميين في الأشهر القليلة المقبلة، إذا ما نجح أصلاً (خلال هذه الأشهر) البقاء في السلطة.

ليس هناك الكثير من الوقت أمام الأسد لتسويق أوهام اقتصادية للسوريين والعالم، بما في ذلك ''إيمان'' أعوانه بأن سورية محسودة على اقتصادها وليرتها! لقد بلغ الاقتصاد حافة الهاوية، التي هي نفسها يسير إليها النظام نفسه، الذي يصر على أنه يستطيع تغيير البدهيات، عن طريق مواصلة حرب الإبادة التي يشنها على الشعب السوري. وإذا كان لا يقرأ التاريخ (أو لا يفهمه، وهذا مرجح)، ألا يوجد شخص بجانبه يبلغه بأنه لم يحدث على مر التاريخ أن انتصر نظام على شعب أو أمة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق