الثلاثاء، 10 أبريل 2012

الأسد يبيع مستقبل سورية أيضاً

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")




"الذي يسند السلم للسارق، ليس أقل منه سوءاً وشراً"
مَثَل ألماني

 
كتب: محمد كركوتـــي
 
لن يرحل سفاح سورية بشار الأسد، قبل أن يحول البلاد إلى كيان منكوب، بكل ما يملك من قوة، ومن زمن لا يزال متاحاً له. فهذا النوع من الأشرار لا يقبل إلا بتلك المعادلة الفظيعة المرعبة "إما أنا أو الأمة بأكملها". هكذا فعل نيرون روما، الذي قتله أحد ضباطه لتخليص الأمة من شروره ومجونه وجنونه، وبالأمس.. هكذا فعل سفاح ليبيا معمر القذافي، و"قبل الأمس".. هكذا فعل الألماني أدولف هتلر، الذي تقدم على نيرون والقذافي والأسد بنقطة إيجابية واحدة فقط، عندما انتحر، ليس هروباً من جرائمه، بل فراراً من الاعتقال والمحاكمة. كل هؤلاء، قَتَلوا وحَرَقوا ودَمَروا واعتَقَلوا وعَذَبوا وهَجَروا وشَرَدوا وسرقوا، كي يستمروا في حكم لا يملكونه، وفي سلطة لا شرعية لهم فيها. ولو استطاعوا لأطلقوا الزلازل الطبيعية، ليستمروا يوماً إضافياً واحداً.

بعد سرقة ثروات سورية على مدى أربعة عقود، ومعها المساعدات والمعونات، وإفراغ البنك المركزي من موجوداته (الاحتياطي النقدي فيه انخفض في أقل من عام، من 17 مليار دولار إلى ما بين 5 و6 مليار)، واستحواذ أسرة واحدة (أسرة الأسد) على 65 في المائة من الاقتصاد الوطني، و"تطفيش" رأس المال الوطني، ومعهم المستثمرون الأخيار، واضمحلال قيمة الليرة. وبعد الفساد المُمأسس، والنهب المنهجي، يسعى بشار الأسد لبيع سندات خزينة، لجمع أكبر قدر ممكن من الأموال، لماذا؟ لتمويل حرب الإبادة التي يشنها على الشعب السوري منذ أكثر من عام، ولمواصلة الفظائع التي تُرتكب على مدار الساعة في البلاد. ببساطة.. لإطالة أمد بقائه أطول فترة ممكنة. وهذا يؤكد، على أن الإمدادات المالية التي وصلته من إيران والعراق والبالغة قرابة 12 مليار دولار أميركي خلال أقل من عام واحد، لم تكن كافية لاستكمال حرب الإبادة. ويُؤشر أيضاً، إلى أن النظام الطائفي في إيران، لم يعد يستطيع مواصلة مد النظام مالياً، من جراء الخراب الاقتصادي الذي يعيشه الإيرانيون، والمرشح للمزيد من الفداحة في المستقبل القريب. والأمر ليس أفضل في الحالة العراقية. فما قدمته حكومة نوري المالكي الإيرانية هناك، كان مجموعة من التسهيلات والاتفاقات الاقتصادية، وفرت للأسد 6 مليار دولار، ولا تبدو في الأفق إمكانية تواصلها إلى الأبد.

هناك مثل أفريقي-أميركي يقول: "الكاذب سيَسرُق، والسارق سيَقتُل"، وبشار الأسد جمع بامتياز الصفتين الأولى والثانية. فقد كذب على شعبه وعلى العالم أجمع (بل حتى على من تبقى من أصدقائه)، وسرق وقتل، ولا يزال يقتل. فلا مجال للصدمة هنا من محاولاته بيع الصين (المتخصصة بشراء السندات) سندات خزينة بقيمة 10 مليارات دولار أميركي، وكل من إيران وروسيا سندات بقيمة 10 مليارات أخرى. إنه بذلك يدمر مستقبل سورية، في إطار تدميره المتواصل لتاريخها، بل وحتى آثارها. إنه يكبل الشعب السوري بمزيد من الديون، ويرهن ثرواته وحراكه الاقتصادي لسنوات طويلة بعد زواله إلى الأبد. إنه يسعى إلى إضافة خراب آخر إلى الخراب الذي خلفه للاقتصاد السوري، هو ووالده على مدى أكثر من أربعين عاماً. المعادلة تتحول هنا من "أنا أو الأمة بأكملها"، إلى "أنا ومن بعدي الخراب".

عندما تشتري روسيا سندات خزينة سورية، فهي تقتل الشعب السوري ثلاث مرات. سياسياً من خلال وقوفها سداً في وجه أي قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي ضد الأسد وأعوانه، وعسكرياً عن طريق الإمدادات الحربية المتواصلة له، واقتصادياً بسندات مسروقة. وكذلك تفعل الصين. أما إيران، فهي تمد قاتل السوريين قبل وبعد ثورتهم. وستكون سورية التي يحاصرها الأسد الآن، محاصرة اقتصادياً بعد سقوطه الذي أصبح واجباً عالمياً وإنسانياً. وقد أثبت التاريخ، أن الديون تُسقط دولاً. وفي قلب الاتحاد الأوروبي، كادت دول راسخة في التاريخ والجغرافيا معاً، أن تسقط من جراء ديونها، لولا تهافت الدول الكبرى فيه لإنقاذها.

وإذا كان مصير الثورة في سورية في أيدي شعبها فقط، بعد تقاعس المجتمع الدولي في سندها، فإن سندات الخزينة تظل في أيدي الأسد حتى ينهار هو ونظامه، وهي بمنزلة حبل شيطاني يخنق الأجيال القادمة، ويربطها بجنازير اقتصادية غليظة، لن تكون طيعة في الكسر. وهذا يتطلب تحركاً دولياً فورياً، ولا سيما من أصدقاء الشعب السوري، يستهدف إقناع حكومتي موسكو وبكين، بأنهما لا ترهنان حاضر سورية فحسب، بل مستقبلها أيضاً. نحن نعلم صعوبة هذه المهمة، لكنها قد تكون أقل حدة من إقناع هذين البلدين، بأن الرهان السياسي على بقاء الأسد، يحمل خسارته معه. على الدول المؤثرة، أن تتجه إلى أية حكومة تسول لها نفسها شراء سندات الخزينة السورية، بأنها لا تستثمر فيها، بل تعيد مجدداً قصة شايلوك في مسرحية "تاجر البندقية" لشكسبير، مع فارق وحيد هنا، أن دولاً كبرى، ستختصر نفسها بهذه الشخصية المرابية المريضة.

إن القضية برمتها ليست سياسية ولا عسكرية ولا اقتصادية، إنها قضية أخلاقية. ألم يصر شايلوك على قطع قطعة من لحم مَدينه؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق