الثلاثاء، 17 أبريل 2012

البنك الدولي "الأميركانلي"

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")



"هذا العالم محكوم بمؤسسات ليست ديمقراطية. البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية"
خوسيه شاراماغو أديب وشاعر برتغالي



كتب: محمد كركوتــــي


حسناً.. سينتصر الأميركي جيم يونغ كيم، وسيفوز برئاسة البنك الدولي، إلا إذا حدثت مفاجأة (أو معجزة). "سأُخاطر"، وهذا المقال كُتب قبل يومين من عملية اختيار رئيس لهذه المؤسسة، وأقول: إن مفاجأة لن تحدث. أما لماذا "المخاطرة"؟ فلأنه أُريد لهذا المنصب أن يكون حكراً على الأميركيين، بصرف النظر عن أي اعتبارات، على الرغم من وجود آلاف المؤهلين من غير الأميركيين لهذا المنصب. ومنذ العام 1946 وحتى يومنا هذا، لم يُسمح لأي "مُناطح" غير أميركي الوصول إليه. ليس مهماً أصوله، المهم أن يكون "أميركانلي"، مع الاعتذار للأديب المصري صنع الله ابراهيم، على استعارتي هذه المفردة من عنوان لرواية له.

حسناً مرة أخرى، لتحصل أوروبا على هذا المنصب ولو لمرة واحدة، كي لا أقول أفريقيا أو آسيا أو حتى كندا. لكن مهلاً.. لماذا أوروبا؟ ألم تحتكر هي الأخرى رئاسة صندوق النقد الدولي، منذ العام نفسه 1946؟! بل ألم تُدوره فقط بين بلجيكا والسويد وألمانيا وهولندا وأسبانيا وفرنسا؟! إذن.. بلا غمز من قناة المؤامرة، فالواضح أن الأميركيين والأوروبيين قسموا "تركة" العالم في هذا المجال بعد الحرب العالمية الثانية، دون أن يدونوا هذه القسمة في لوائح اتفاق "بريتون وودز" التاريخي، الذي أسس وكرس طبقية اقتصادية عالمية، صمدت نظرياً في وجه الأزمة الاقتصادية العالمية، لكنها وقفت عارية أمامها. نعلم أن للمنتصرين في الحروب (ولاسيما الكبرى منها) مغانمهم، ونعلم أيضاً أن المغانم تُستكمل فور أن تضع الحرب أوزارها، لكن الحرب الكبرى الثانية وفرت مغنانم مستدامة للمنتصرين! في مقدمتها السيطرة الكاملة على "مطبخ" صنع القرار الاقتصادي العالمي، بما في ذلك التحكم (أو في أفضل الأحوال التأثير) بموازنات دول ذات سيادة حقيقية لا صورية، والإملاءات الاقتصادية الاجتماعية المعيشية، بالإضافة طبعاً، إلى إطلاق توقعات حول مستقبل الاقتصاد العالمي، لم تكن كلها صائبة. وفي هذه النقطة بالتحديد، لنتذكر مقدمات الأزمة الاقتصادية العالمية.

كنت من أولئك الذين توقعوا ألا يصر الرئيس الأميركي باراك أوباما على مرشح أميركي لرئاسة البنك الدولي، أو على الأقل ألا يقاتل من أجله. ليس شكاً في وطنيته، بل استناداً إلى تحولين يسودان المشهد الاقتصادي العام. الأول.. التحول التاريخي المتواصل (بل والمتجدد) الذي أحدثته الأزمة الكبرى، والثاني.. سياسة الإشراك التي اعتمدها أوباما منذ وصوله إلى البيت الأبيض. لكن تباً للانتخابات وروابطها التسويقية، عندما تعطل المبادىء العامة المعلنة والمستترة. وأحسب أنها السبب الرئيس في إصرار الرئيس، فيما لو اتفقنا على حسن نواياه في سياسة الإشراك التي لم يفرضها أحد عليه، بل أطلقها وارتضاها لنفسه، هذا إلى جانب تعطيل الانتخابات القسري لجانب من استحقاقات الأزمة، التي تحتم على المنتصرين في تلك الحرب اللعينة، تغييراً جذرياً لسلوكياتهم الاقتصادية، بما في ذلك تخفيف سيطرتهم على المؤسسات الاقتصادية الأممية.

الأسئلة في هذا المجال كثيرة. لماذا لا يُترك المجال أمام وزيرة المالية النيجيرية نغوزي إيوالا، التي عملت مايزيد عن ربع قرن في البنك الدولي؟ لماذا تم الضغط على الاقتصادي الكولومبي خوسيه أوكامبو لسحب ترشيحه؟ لنعتبر أن هذين المرشحين ليسا مؤهلين لقيادة هذا البنك. لماذا لا تُمنح الفرصة لأي مرشح من الدول غير الكبرى في مجموعة العشرين التي استلمت زمام المبادرة على الساحة العالمية في أعقاب الأزمة؟ لماذا لا تتفق الولايات المتحدة وأوروبا –مثلاً- على تدوير منصب رئيس صندوق الدولي بينهما، وترك المجال أمام مرشحي دول أخرى في البنك الدولي؟ لماذا لا يكون العكس، أي تدوير منصب رئيس البنك بينهما، وترك منصب رئيس الصندوق للآخرين؟

ربما يظهر من يقول، إن الأمر لا يتم اختياراً، بل من خلال انتخابات داخل البنك. لنلق نظرة على عملية الانتخاب. سيتم تعيين "المرشح" الأميركي في مجلس المدراء بالتوافق، مدعوماً من ممثلي الولايات المتحدة وكندا واليابان، قبل أن يحصل على موافقة مَنْ؟ الأوروبيين. حسناَ.. تمثل هذه الكتلة مجتمعة قرابة 60 في المائة من الأصوات، أي أن كرسي جيم يونغ كيم (وهو شخص غير متخصص بالاقتصاد، مع الاعتراف بنجاحاته في مواقع مختلفة) مضمون.. مضمون.. مضمون. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا، هل وقف الأوروبيون في السابق بصورة معطلة في وجه "المرشح" الأميركي؟! بل هل يجرأون على ذلك؟ هل سينسون "غض الطرف الأميركي" على استحواذهم على قيادة صندوق النقد الدولي؟ على هذا الأساس، تجرأتُ بالإعلان عن قناعتي بأن كيم سيكون رئيس البنك الدولي الجديد، قبل أن تجري هذه العملية الانتخابية الغريبة. وعلى هذه الأرضية يمكن القول ببساطة، إن المنافسة على رئاسة هذا البنك، لا تعتمد (ولم تعتمد) على مؤهلات وكفاءات وتاريخ المرشحين، بل تستند بكل المقاييس إلى المعايير السياسية.

هل يحتاج الأمر إلى تسيير مظاهرات ترفع شعاراً مشابهاً للذي يرفع في بعض الدول العربية "الشعب يريد إسقاط النظام"، ليكون " العالم يريد تغيير نظام انتخاب رئيس البنك"؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق