الأحد، 22 أبريل 2012

في سورية.."ذهب" الثورة براقٌ لو غُسل توسخ

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")



"مساحة إنش من الوقت هي إنش من الذهب، لكن لا يمكن شراء إنش من الوقت بإنش من الذهب"
مَثَل صيني



كتب: محمد كركوتـــــي

لنترك جانباً حملات الترويج البائسة (وفي كثير من الأحيان المضحكة) التي يقوم بها نظام سفاح سورية بشار الأسد. فهو متجه بقوة إلى الهاوية الاقتصادية، منطلقاً إليها من الهاوية الأخلاقية، التي وقع فيها منذ وصوله إلى الحكم. لا أتحدث هنا عن الاقتصاد الوطني. فقد خسر هذا الاقتصاد توصيفه منذ أن وصل الأسد الأب بانقلاب عسكري، إلى سلطة لم يكتسب شرعية فيها يوماً واحداً، ليصبح "اقتصاد الأسد". وعلى هذا المنوال.. فـ "مركزي" سورية صار"مركزي الأسد"، ونفط سورية أضحى "نفط الأسد"، لم لا؟ وقد اعتبر شعب سورية "شعب الأسد" وهي نفسها باتت "سورية الأسد"! مهلاً.. ألم يمتلك جهمورية وحصل على الشعب هدية؟! في ثمانينات القرن الماضي انتشرت نكتة في أوساط السوريين، حول سائح سأل مرافقه السوري، عن مستشفى مر به فقال له "مستشفى الأسد"، وعن مدرسة وكان الجواب" مدرسة الأسد"، وعن جسر كان "جسر الأسد"، وعن مكتبة فهي "مكتبة الأسد"، و"أكاديمية الأسد"، و"مطار الأسد"، و"ثكنة الأسد".. وهكذا، وبكل براءة قال السائح، ألا يوجد عندكم إلا هذا الحيوان لتسمية الأشياء به؟! وأخرى عن سائحة أجنبية مراهقة، دُهشت من فيضان صور وتماثيل الأسد في كل مكان، لتسأل: هل هذا هو المطرب الأول عندكم؟!

يبيع بشار الأسد ذهب سورية، في سياق استحواذه على كل شيء. ورغم أن قيمة هذا الذهب أقل بكثير من حجم الهبات والمساعدات المالية التي وصلته من إيران والعراق (بلغت 12 مليار في غضون 6 أشهر فقط)، في إطار دعم حكومتي هذين البلدين له في حرب الإبادة التي يشنها على الشعب السوري، إلا أن الذهب في النهاية يمنحه تمويلاً مالياً جديداً بات يحتاجه بقوة. لماذا؟ لأن العقوبات الأميركية والأوروبية والعربية المفروضة عليه، تجفف بالفعل على (أصعدة عدة) مصادر الأموال، وكلها غير شرعية، ولأن إيران (وإن كانت قادرة على مواصلة مده بالمرتزقة وخبراء قتل الأبرياء)، فلم تعد كذلك على الصعيد المالي المباشر، في ظل العقوبات المفروضة عليها أيضاً، وتآكل اقتصادها حتى قبل هذه العقوبات. وكذلك الأمر مع حكومة العراق (الإيرانية) التي لم تقدم سيولة مالية مباشرة، بل تسهيلات تجارية وخدماتية مختلفة، توفر عوائد مالية كبيرة، لكن للتسهيلات والخدمات حدود، في ظل اقتصاد عراقي، لا يقل بؤساً عن جاره الإيراني.

الجديد في قضية الذهب السوري المنهوب، هو بدء عملية بيعه لا سرقته، لأنه نُهب أصلاً منذ سنوات، تماماً مثل النفط والمشروعات الكبرى، ومعها مشروعات البنى التحتية، والوكالات العالمية وغيرها. ولأن بشار الأسد عرف (ولو متأخراً) بأن لا أمل له في البقاء والاستمرار، أمام ثورة شعبية سلمية عارمة، قام بتهريب ممتلكات سورية من الذهب، التي تصل حسب التقديرات إلى حوالي 26 طناً، بقيمة إجمالية تبلغ 2 مليار دولار أميركي، إلى بعض الدول التي لا تزال (ولا أعرف كيف؟!) تعتقد بأن هناك فرصة ما لنجاته مع نظامه. وبالطبع كانت إيران ولبنان وروسيا في مقدمة هذه الدول. غير أن تهريب و"طمر" الذهب، لا معنى لهما إذا لم تعد هذه الثروة بالنفع على السارق وقت الحاجة، خصوصاً وأن للأسد ما بعد سقوطه من الأموال المنهوبة الكثير الكثير، هذا إن نجا من قبضة الشعب السوري. وعوائد الذهب يحتاجها الآن، لأن الفرص والمهل والمبادرات الميتة في رحم منتجيها، توفر له مساحات زمنية إضافية، على أمل أن يقضي على ثورة، انطلقت أصلاً كي لا تنطفىء.

ليس مهماً قناعة الأسد وعصاباته بجسارة الثورة، المهم بالنسبة له ولهؤلاء المضي في حرب الإبادة، للاستمرار يوم إضافي واحد في السلطة. وهذا يتطلب المزيد من المال. فبعد أن باع النفط تهريباً بأسعار يحددها المشترون، وفي ظل محاولاته لبيع سندات خزينة (ولاسيما للصين)، وبعد أن قضم احتياطي سورية من القطع الأجنبي (انخفض من 18 مليار دولار إلى 8 مليارات في أقل من عام)، وبعد أن فر المستثمرون الأخيار من البلاد، وعزف السياح عنها، وجب عليه أن ينبش الذهب المنهوب لبيعه. ووفق طريقة بيع النفط بشروط المشتري، يبيع الأسد مسروقاته الذهبية، مع سعيه الحثيث إلى بيع الاحتياطي كله من القطع الأجنبي. فالذي يقتل الأطفال، لا يهمه مستقبل بلادهم الاقتصادي، والذي يقصف الأحياء السكنية بالمقاتلات، لا يكترث بتحميل شعبه أكوام من الديون المستقبلية، لا قدرة لهذا الشعب على الإيفاء بها.

وسط هذا الخراب الممنهج، ليس مهماً أن تكون عمليات البيع متناغمة مع حراك وأسعار السوق. فهل حدث مرة أن باع لص ساعة مسروقة –مثلاً- بسعرها الحقيقي؟ ولذلك فإن بيع ذهب سورية بأسعار تقل 15 أو 20 أو 30 في المائة عن سعره الحقيقي، أمر مفهموم بل وطبيعي، ولا يمكن أن يكون المشتري أقل سوءاً ودنائة وشراً من البائع. فهذا الأخير سرق ونهب وباع، والمشتري الذي يتلفت يمنة ويسرة، يغسل ويوضب المسروقات، وهو يعلم تماماً أنه يسلب شعباً بأكمله مستقبله، الذي حوله سفاح سورية إلى سلعة رخيصة السعر، فظيعة الأثر. ومع ذلك "ذهب" الثورة براقاً، لو غُسل.. توسخ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق