الاثنين، 27 فبراير 2012

الموقف الذي أنقذ المُنقِذين

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")



"كي تكون بالفعل عظيماً، عليك أن تقف مع الناس لا فوقهم"
تشارلز مونتسكيو فيلسوف وسياسي فرنسي

 
 
كتب: محمد كركوتـــــي
 
لنتخيل للحظة، أن مؤتمر "أصدقاء الشعب السوري" الذي عُقد في تونس، انتهى من دون موقف سعودي صارم وحاسم وواضح وصريح، أو انتهى بالتأكيد فقط على ضرورة الالتزام بالمبادرة العربية الخاصة بالكارثة السورية، أو انتهى فقط أيضاً بإعلان كل الدول المشاركة في المؤتمر عن قناعتها بوحشية بشار الأسد وبربريته، والترحيب به في هذه الدولة أو تلك، كملاذ آمن له ولأسرته وبعض أركان عصابته. سيكون المؤتمر، مهرجاناً جميلاً لمجموعة من الدول، قررت الوقوف حقاً إلى جانب الشعب السوري، لكنها لا تزال تائهة عن المكان الذي ستقف فيه، وضائعة في تحديد المساحة التي ستتحرك فيها. لقد كان الموقف السعودي، وبالصيغة التي طرحها وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، إنقاذاً لمؤتمر عُقد (من دون شك) لإنقاذ الشعب السوري الأعزل. بمعنى، أنه أنقذ المنقذين، بالرغم من أنه لم يُثبَت في بيان المؤتمر.

ولأن الشعب السوري بحراكه الشعبي والمآسي الناجمة عن هذا الحراك، لم يكن مُمثلاً (في الواقع) في مؤتمر "أصدقاء الشعب السوري"، فقد مثلته المملكة العربية السعودية، بتفويض لم يصلها مكتوباً منه، بل تسلمته من خلال صور أطفال تذبح وتقطع أوصالها، ونساء تُسبى في عقر دارها، ومعتقلين تُمحى هوياتهم، ومعَذَبين يطلبون الموت رحمة، ونازحين في ديارهم وإلى ديار جيرانهم، وأحياء تقصف بكل الأسلحة، ومساجد تدمر على من فيها. من خلال إمدادات متنوعة.. عسكرية معلنة لسفاح سوريا، وعصابات من المرتزقة (المحليين والمستورَدين)، ومالية من النظام الإيراني (سرطان المنطقة كلها)، وسياسية ودبلوماسية واقتصادية من أشقاء محطين بسوريا، وسياسية أخرى، يصعب قهرها، ممن يستطيع تعطيل قرار دولي، بصرف النظر عن عنف القرار أو لطافته. تفويض الشعب السوري، جاء أيضاً من خلال ذلك الهتاف الشعبي الحارق، الذي تختفي أمامه كل الأسباب، وتُمحى كل الحجج "ما إلنا غيرك يا الله".

تفويض الشعب السوري المحاصر بالقتل والدم والدموع، ألغى تلقائياً دبلوماسية سعودية هادئة معهودة. فالكارثة السورية ليست سياسية لتُحل أو تُستخدم فيها أدوات سياسية، ولم تكن عسكرية بين طرفين لإخضاعها لآليات الهدنة التقليدية، وليست اقتصادية كي يتم احتوائها بمساعدات من هنا ومعونات من هناك، وقروض بلا فوائد. إنها منذ اليوم الأول لها، قضية أخلاقية صرفة. إنها حالة جمعت بين قاتل وضحية، بين سلطة لم تكن شرعية في يوم من الأيام، وشعب أراد فقط حرية لاختيار سلطة بديلة عنها. ولأن الأمر كذلك، فقد سمع المعِطل الأول لمجلس الأمن الدولي (رئيس روسيا)، ما يطالب به الشعب السوري عن طريق من؟ عن طريق كبير في العالم العربي، خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. أرادت موسكو ألا تفهم ما قاله مبكراً للعالم أجمع بـ "أن الحدث أكبر من أن تبرره الأسباب"، وفضلت ألا تسمع ما وصفه "بأن الثقة اهتزت في الأمم المتحدة". قال الملك: "لا حوار حول سورية"، بعد كل هذه السلوكيات. لقد وصلت رسالة الشعب السوري أخيراً، بعد أن فشل في إيصالها لموسكو تحديداً، رغم أنه كان يرسلها كل ساعة. وصلت (وتم استلامها) من قائد لا يقولها إلا مرة واحدة.

هذا الموقف حمله الأمير سعود الفيصل إلى تونس، إلى الأصدقاء لا الأعداء، إلى الحريصين على الشعب السوري، لا الساعين إلى المشاركة في إفنائه. ولأن مؤتمر "أصدقاء الشعب السوري"، كان دون سقف الموقف السعودي، كان من الواجب مساعدة المؤتمر، ليس من أجل المؤتمرين، بل من أجل السوريين. مرة أخرى "إنقاذ المُنقًذين إلى أجل ما". كان لا بد من رسالة عاجلة وواضحة لا تقبل التسييس. قال كلمته وانسحب، ليس على طريقة سفاح ليبيا السابق معمر القذافي، الذي كان ينسحب لتأكيد حضوره السطحي البائس، بل على منهج حامل مأساة شعب ليس له إلا الله. نعم كان حراك الاجتماعات في المؤتمر الذي اختُصر إلى يوم واحد فقط، دون مستوى المأساة. ورغم النوايا الحسنة والجهود المضنية التي يبذلها أصدقاء الشعب السوري (ولا شك في أن السوريين لن ينسوا لهم ذلك)، إلا أن الأمر كان يتطلب موقفاً، يحسم مصير نظام وضع نفسه في مواجهة أمة بأكملها، وهو سيستمر في حرب الإبادة التي يشنها على هذه الأمة، حتى آخر رصاصة وقذيفة وصاروخ ومرتزق، وحتى آخر دولار نهبه من مقدرات الأمة، وحتى آخر ريال إيراني وصله من نظام الملالي، وآخر دينار عراقي، وآخر ليرة لبنانية. حتى آخر قطعة سلاح روسية لا يزال العالم يسمح بوصولها إليه.

نعم، كان ضرورياً أن يتضمن بيان مؤتمر "أصدقاء سورية"، بنداً –ولو كان وحيداً لكان كافياً- أن يرحل بشار الأسد "طوعاً أو كرهاً"، ولا بأس في عنوان آخر هو "أن قواته أصبحت سلطة احتلال".

حقاً.. سورية باتت أرضاً محتلة. كان على المؤتمر أن يناقش الكارثة السورية كقضية احتلال، وليس كمسألة مساعدات إنسانية، أو كمنصة لإحياء مبادرة عربية، قتلها سفاح سوريا ومثل بجثتها.

هناك 3 تعليقات:

  1. "كي تكون بالفعل عظيماً، عليك أن تقف مع الناس لا فوقهم"
    تشارلز مونتسكيو فيلسوف وسياسي فرنسي

    عظيمة جداااااااااا الحكمة .. وارى انه ليس من الحكمة فى شيىء استخدام العنف وتسليح المتظاهريين بسورية الحبيبة اللهم اذا كان الهدف تدمير الشعب السورى نفسه .. لا مساندته

    ردحذف
  2. الله يكتب لك النجااااااااة يا سورية

    ردحذف
  3. الله يحمى ترابك يا غالية

    ردحذف