الثلاثاء، 3 أبريل 2012

إيران ستختنق مالياً بنفطها

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")


"الولايات المتحدة تحاول إقناعنا بأن العقوبات على إيران ستدفع هذه الأخيرة للتراجع عن برنامجها النووي. لكني لا أرى ذلك على الإطلاق"
راي تقية مسؤول سابق في الخارجية الأميركية




كتب: محمد كركوتــــي

لا شيء يضرب إيران في صميمها الاقتصادي الهش، سوى الشق النفطي من العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة عليها. وهذا أمر طبيعي، عندما تحقق صادراتها ما يزيد عن 80 في المائة من مداخيلها من القطع الأجنبي، أو أكثر من 20 في المائة من ناجها المحلي الإجمالي. فالعقوبات المالية المفروضة عليها (بما في ذلك حظر التعامل مع البنك المركزي)، يمكن الالتفاف حولها من خلال عدد من القنوات، يمثل العراق بحكومته "الإيرانية" الحالية أوسعها، بالإضافة إلى "القناة" الروسية وغيرها، مع ضرورة عدم الانتباه إلى ما يُعلنه مسؤولون في الحكومة العراقية، بتشديد حركة نقل الأموال وتبديل العملات التي يقوم بها النظام الإيراني من خلال بغداد. فكلها تصريحات يجهد مطلقوها أنفسهم للعثور عمن يقبلها أو يصدقها، إلا إذا استثنينا سفاح سورية بشار الأسد، وآلته الإعلامية البائسة اليائسة. والحقيقة لا تنافس الأكاذيب العراقية، سوى السورية والإيرانية، ولا تنافسها مجتمعة إلا أكاذيب حزب الله الإيراني في لبنان، لكن في النهاية لا يوجد نوع واحد من هذه الأكاذيب ذا جودة، فهي تنكشف قبل أن ينتهي إطلاقها.

راهن نظام خامنئي على إرباك السوق النفطية العالمية، من جراء العقوبات المفروضة عليه (بما في ذلك تهديداته الفارغة بإغلاق مضيق هرمز)، لكنه خسر رهانه على الفور. فالاحتياطي النفطي العالمي مستقر، بل ويتزايد حجمه في بعض الدول، فضلاً عن سهولة سد النقص الذي قد يحدثه النفط الإيراني في هذه السوق. وإذا كان الأمر في سياق الرهانات، فإن الرهان الوحيد الذي كسب (ويكسب)، هو رهان الدول التي فرضت هذه العقوبات، والتي حاولت بشتى الوسائل السياسية أن تحول تحركات نظام طهران من جهود نووية عدوانية، إلى جهود نووية أيضاً لكنها سلمية، تخضع للرقابة الدولية، كغيرها من الدول التي سارت على نهج النزاهة والشفافية وحسن النوايا في هذا الطريق. وعلى ضوء "الضربات" النفطية الغربية، سوف تخسر إيران ما يقرب من 50 مليار دولار أميركي في غضون الأشهر القليلة المقبلة. أي نصف عوائدها النفطية تقريباً التي بلغت 100 مليار دولار في العام الماضي. وهذا يعني أنها ستدخل في نفق شح القطع الأجنبي، وإذا ما طال أمد هذه العقوبات، فإن نظام الملالي سيقضي وقته كاملاً في البحث عن دولار هنا ويورو هناك، وحتى روبية هندية وروبل روسي. لن يبحث عن الليرة السورية المتهاوية معه وبه.

ولا تكمن أزمة إيران في العقوبات النفطية الغربية عليها فقط، بل تتجاوز لتشمل تهديد الغرب للدول المستوردة للنفط الإيراني بفرض عقوبات عليها، إذا لم تخفض من حجم وارداتها بنسب كبيرة. فليس هناك حجة لهذه الدول، طالما أن المملكة العربية السعودية تعهدت رسمياً بسد النقص من النفط في السوق العالمية. وحتى لو تمكنت إيران من مواصلة بيع نسبة من حصتها المعروفة من النفط، فإنها ستبيع بأسعار منخفضة، تماماً كما هو الأمر حالياً بالنسبة للأسد الذي يبيع النفط السوري بأي سعر، بحثاً عن القطع الأجنبي من العملات الصعبة. وطبقاً لوكالة الطاقة الدولية، فإن العقوبات قد تخفض صادرات إيرانية النفطية إلى مليون برميل يوميا (من 2,5 مليون برميل)، أو بنسبة 40 في المائة من حجم الصادرات اليومي الكلي. وطبقاً للحالة الإيرانية الراهنة، فإنها ستضطر لبيع البرميل ما بين 80 و90 دولاراً فقط، لأن العقوبات المالية الغربية، ستجعل عملية السداد معقدة وصعبة للغاية. هذا إذا استطاعت أن تجد من يشتريه في المرحلة اللاحقة.

مهلاً.. نظام طهران سيواجه نفس الموقف حتى لو أصر (ونجح) على البيع بسعر السوق العالمية، لأن أسعار النفط مرشحة أصلاً للتراجع، والعودة إلى السعر العادل الطبيعي للبرميل في حدود 100 دولار، فضلاً عن التعقيدات والمخاطر في عمليات الشحن، وارتفاع تكاليف تأمينها. وعلى هذا الأساس، لا تفيد "عنتريات" خامنئي وأحمدي نجاد، وعليمها أن يتعلما من "العنتريات" اليائسة والمضحكة في آن معاً لمندوبهما في لبنان حسن نصر الله.

لقد قرر النظام الإيراني أن يمضي قدماً في إقامة ما أطلق عليه أحد المسؤولين الاقتصاديين في طهران "اقتصاد الحرب". فهذا النظام لا يمكنه بعد أكثر من ثلاثة عقود على وصوله إلى السلطة، أن يؤسس لاقتصاد سِلم. والحالة الراهنة للاقتصاد الإيراني، هي في الواقع حالة حرب، فرضها النظام على بلاده، لن تنال إلا من شعبه، ولا بأس من نيلها لعملائه في كل من سورية ولبنان، وأتباعه في العراق. ولا أعرف لماذا لا يعي خامنئي –حتى الآن- أن الرياح العاصفة المدمرة الكامنة في بلاده، ستنطلق مجدداً وبصورة سيقف مذهولاً أمامها. تماماً كما يقف في الوقت الراهن بشار الأسد. لا أعرف إذا ما كانوا يعرفون، أن أحداً ليس بحاجة إلى خبير في الطقس، لمعرفة اتجاه الرياح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق