الاثنين، 2 أبريل 2012

في سورية .. اقتصاد الخراب الكلي

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")


«الحقائق كثيرة، لكن الحقيقة واحدة»
طاغور أديب وفيلسوف هندي



كتب: محمد كركوتـــي


استغرق الأمر عاماً كاملاً، كي يشير (لا أن يعترف) بشار الأسد وأتباعه إلى أن أزمة اقتصادية تضرب سورية، أو على الأقل، أن خسائر مادية أصابت البلاد. فقد اعتقد أن الاستمرار في الكذب ونكران الحقائق الموجودة على الأرض، سيُبقي الحقيقة الكُلية متوارية، وسيُقنع العالم بأن سورية التي تشهد واحدة من أبشع المجازر التي يرتكبها نظام ضد شعبه في التاريخ الحديث، تستطيع العيش حتى في ظل الحصار الاقتصادي المفروض على النظام، وأن هذا النظام يمكنه تلبية الحد الأدنى من حاجات المواطنين. وإذا كان الاقتصاد السوري يتداعى في أعقاب الثورة الشعبية السلمية العارمة التي تجتاح البلاد، فإنه كان قبلها يعيش أزمة خراب تاريخية، بدأت في الواقع منذ وصول الأسد الأب إلى السلطة، لتتطور بأشكال مختلفة مع وصول الأسد الابن إلى حكم لم يكن يوماً من حقه (ولا من حق أبيه)، ولتستمر وفق معطيات أخرى جديدة، إلى أن انطلق السوريون لاستعادة حريتهم. وللتذكير فقط، هذا الاقتصاد مر في العهدين غير الشرعيين، بثلاث مراحل هي: اقتصاد التفقير، واقتصاد الفقر وما دونه، واقتصاد التشبيح (أو البلطجة). وفي أعقاب الثورة، استحق بجدارة توصيف اقتصاد الخراب الكلي.

يدعي الأسد وأعوانه، أنه يستحيل حساب الخسائر الاقتصادية التي ضربت البلاد في الأشهر القليلة الماضية، وهو يوجه اللوم إلى الثورة على هذه الخسائر، على الرغم من أن العالم أجمع يعرف أن هذه الثورة قامت أصلاً لوقف خسائر إنسانية وسياسية ومعيشية، إضافة طبعاً إلى الخسائر الاقتصادية، واندلعت لتؤسس لدولة مدنية ديمقراطية طبيعية، في مقدمة عناصرها، اقتصاد وطني لا اقتصاد تستحوذ عليه أُسرة واحدة فقط، ملكت كل شيء، في إطار استكمال استحواذها على أمة بأكملها. والادعاء باستحالة حساب الخسائر الاقتصادية في ظل استمرار الأزمة، ليس إلا محاولة يائسة لإخفاء اقتصاد بائس، وأوضاع معيشية تعج بالخراب. فأسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، وصلت إلى مستويات تاريخية في ارتفاعها، بما فيها تلك المنتجة محلياً. وتكفي الإشارة هنا، إلى المشكلات التي تواجه عمليات استيراد مواد مثل السكر والأرز والشاي وحتى الخميرة المستخدمة في إنتاج الخبز، وهناك مصاعب كبيرة في تأمين استيراد البذور للإنتاج الزراعي، ولا سيما الحبوب، فضلاً عن مصاعب جمة في استيراد الأدوية.

وسط هذه الحقائق، تواصل الليرة السورية خسائرها بصورة يومية، لا شهرية ولا سنوية. ففي أقل من عام، فقدت 72 في المائة من قيمتها، في الوقت الذي لا يزال هناك من أعوان الأسد، من يروج لأن هذه الليرة محسودة على ثباتها! والاحتياطي المتبقي في البنك المركزي من القطع الأجنبي، بلغ قرابة تسعة مليارات دولار، منخفضاً من نحو 18 مليار دولار، تم تهريب نصف هذه الأموال إلى الخارج، واستُهلك النصف الآخر في عمليات إسناد بائسة ويائسة لليرة. وبصورة طبيعية أخذت مدخرات السوريين تتبخر حقاً. فمن كان يحتفظ في جيبه بألف ليرة قبل عام، باتت تساوي الآن قرابة 300 ليرة فقط. وهذا ما يبرر إقدام السوريين على سحب ودائع بلغت قيمتها في عام واحد أكثر من 100 مليار ليرة سورية، أو 30 في المائة من إجمالي الودائع في المصارف. في هذه الأجواء توقفت الغالبية العظمى من أعمال الإنشاءات والبناء والتشييد والإسكان، وذلك بسبب ارتفاع أسعار المواد المستخدمة فيها. أما القطاع السياحي الذي كان يشكل رقماً مؤثراً في الاقتصاد، فلم يحقق شيئاً طوال العام الماضي.

ليس صعباً حساب الخسائر التي ضربت الاقتصاد في سورية، حتى في ظل استمرار الثورة الماضية حتى النهاية لإسقاط الأسد ونظامه. فأسعار المواد الاستهلاكية والأولية وتلك المرتبطة بالبناء والتشييد، والأدوية، والمواد المستخدمة في الإنتاج الزراعي، تسير كلها نحو الارتفاع، وفي بعض الأحيان بصورة أسبوعية. وقيمة الليرة السورية ستواصل الانخفاض، خصوصاً بعدما فشلت كل المحاولات للحفاظ على مستوى ثابت لها، بما في ذلك فرض رقابة مشددة على تصريف العملات الصعبة، وشن حملات ضد مكاتب الصرافة، والتعويم الجزئي الغريب لليرة قبل ثلاثة أشهر، وسيواصل السوريون سحب ما أمكن لهم من ودائعهم، لتحويلها إلى عملات أخرى تضمن ما تبقى من قيمتها. ولكن مهما بلغت الخسائر المادية والاقتصادية الشخصية والعامة، فإنها لا تمثل شيئاً أمام الخسائر البشرية التي يتعرض لها السوريون في كل أرجاء بلادهم، بل هي في الواقع، خسائر طبيعية لحملة وحشية بربرية ضد شعب أعزل.

في مقال سابق لي، أشرت إلى أن الاقتصاد السوري يسير إلى الزوال الفعلي جنباً إلى جنب مع زوال بشار الأسد ونظامه. فالزوال سيشمل كل ما يمتلكه هذا النظام، وفي مقدمة ممتلكاته.. الاقتصاد نفسه. وسيسهم تدهور الاقتصاد (بوضعيته الراهنة) في تسريع رحيل الأسد، لأن الخراب وصل إلى لقمة العيش وإلى الدواء وإلى التفاصيل المعيشية اليومية للفرد السوري. وهنا لا أعني أولئك الذين هبوا لإزاحة الأسد، بل الذين لا يزالون يعتقدون أن نظام هذا الأخير، لا يزال قابلاً للحياة.

هناك تعليق واحد:

  1. الله يحمى بلادكم وسائر بلاد العرب والمسلميين

    ردحذف