الثلاثاء، 29 أبريل 2014

مجموعة الثماني .. «النضال» في الوقت الضائع

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")





«الرجل يموت، الأمة تنهض وتخبو..لكن الفكرة تظل حية»
جون كيندي رئيس أمريكا الراحل



كتب: محمد كركوتـــي

لا يَصدُق وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف غالباً. لقد تخصص على يد رئيسه فلاديمير بوتين في لي الحقائق، وهو من السياسيين المستعدين لإنفاق كل وقتهم، لإثبات أن مياه البحر ليست مالحة، وأنها صالحة للشرب! إنه يبالغ في تزوير الحقائق، لدرجة تجاوز بمراحل طويلة نظراءه في عصر الاتحاد السوفياتي. وإذا أخطأ أحد مساعديه، ونطق بالحقيقة (وقد حدث ذلك بالفعل)، فإن لافروف جاهز "لتصحيح" الخطأ! ولا بأس من تأنيب هذا المساعد أو ذاك. لقد أعاد بوتين لروسيا سوفياتيتها، ولا معنى لتغيير الاسم، ووجد في لافروف الأداة الطيعة لتنفيذ سياسة لا تقود إلا إلى الخراب. السياسيون يكذبون، لَكِنْ هناك سياسيون يكذبون أكثر من نظرائهم. ولا شك أن لافروف مثال يحتذى وفق هذه القاعدة.
ومع ذلك، فإن وزير الخارجية الروسي صدق مرة واحدة نادرة، حين اعتبر أن مجموعة الثماني لا قيمة لها أمام مجموعة العشرين. وقال "إن إخراج روسيا من مجموعة الثماني ليس مأساة". وهذا صحيح، لأن هذه المجموعة لم تعد كما كانت قبل الأزمة الاقتصادية العالمية، ولأن وجود روسيا أصلاً فيها، كان نوعاً من أنواع المجاملة الذي فرضه الانفراج الدولي، في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي، ولأن مجموعة الثماني، لم تخضع نفسها للتطوير طوال السنوات الخمس الماضية. أما قبل الأزمة الاقتصادية، فلم يكن هناك داع للتطوير أصلاً. فقد كانت هذه المجموعة تسيطر بالفعل على الاقتصاد العالمي، وهذه السيطرة كانت سبباً رئيساً للكارثة الاقتصادية العالمية الكبرى. وعندما يسيطر المرء على شيء، لا يفكر عادة في التغيير أو التطوير أو الإصلاح. أذكر أن وزير الخارجية البريطاني الأسبق دوجلاس هيرد، قال في خضم تردي أوضاع حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا مطلع التسعينيات "إذا أردنا أن نصلح الحزب، علينا أن نكون في المعارضة، وليس في السلطة".
لافروف الذي استهجن تجميد عضوية بلاده في مجموعة الثماني، تلقى دعماً قوياً ممن؟ من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي قالت علانية "إن مجموعة الثماني التي تضم روسيا ماتت". والحق أن موت المجموعة لا يرتبط بخروج روسيا، بل بوجودها كمجموعة على الساحة. لقد تحولت بعد الأزمة الاقتصادية إلى ناد ارتبط بقائه بهيبة الدول الأعضاء فيه. فكان لا بد من استمراره بأي صورة من الصور. في وقت، أعادت فيه الأزمة طرح مفهوم الهيبة للنقاش، بل و"إعادة تدوير" هذا المفهوم.. إن جاز القول. وسواء دخلت روسيا أم خرجت أم جمدت، فقيمة مجموعة الثماني استمرت بشكل مختلف، ضمن مجموعة العشرين فعلاً. فهذه المجموعة الأخيرة، هي التي أخذت زمام المبادرة على الساحة العالمية في أعقاب الانفجار الاقتصادي الكبير. وأهمية الأعضاء الثماني، باتت متماهية مع أهمية "العشرين" كلها.
ورغم الأهمية الكبرى للدول الأعضاء في "الثماني"، إلا أنها باتت جزءاً من مجموعة أهم. و"الثماني"، ليست كما الاتحاد الأوروبي، الذي يمكن أن يُحدِث مصيبة فيما لو قرر طرد دولة عضو فيه. التشابك في مجموعة الثماني يستحيل أن يصل إلى التشابك في الاتحاد. فعلى سبيل المثال، لا ترتبط - حتى الآن - الدول الأوروبية ضمن"الثماني" باتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة، وكذلك الأمر بالنسبة لدولة كاليابان، التي لا تزال "تقاتل" من أجل اتفاقية تجارية عادلة مع أمريكا. وحتى التشريعات الأمريكية الراهنة – مثلاً - لا تسمح بتصدير الغاز الأمريكي لأوروبا المتعطشة له، في حين أن هذا القطاع هو أول القطاعات الأوروبية التي ستتضرر من التخارج مع روسيا. وعندما تقع المصائب العالمية، لا تتجه الأنظار إلى"الثماني" بل إلى "العشرين".
لن تخسر روسيا من خروجها من مجموعة الثماني، لكنها بلا شك ستواجه خسائر كبيرة جراء العقوبات التي تفرضها أوروبا وأمريكا واليابان وغيرها. والخسارة الوحيدة التي يمكن أن تضرب موسكو بطردها من المجموعة، ليست سوى خسارة رمزية. إنها ستفقد وضعية وجودها في ناد يضم الكبار فقط، بصرف النظر عن أهمية هذا النادي. لم يخف وزير الخارجية البريطاني وليم هيج مشاعر الألم عندما قال عن اجتماع لمجموعة الثماني بدون روسيا "بالطبع إنها ضربة قوية للمجموعة". غير أن هذا ليس حقيقياً، لأن الضربة القوية لا تؤثر في جثة هامدة، أو في أفضل الأحوال، في مجموعة هي جزء رئيس في مجموعة أكبر وأكثر فاعلية وقوة.
إذا أراد "أبطال" مجموعة الثماني أن يُحدثوا تحولاً حقيقياً في هذا المجال، ليس أمامهم سوى العمل على شكل من أشكال العزل ضمن مجموعة العشرين نفسها. غير أن هذا الأمر لن يكون سهلاً لاعتبارات ومواقف سياسية متباينة مفهومة. كما أن الأمور لم تنضج بعد، للانتقال إلى مثل هذه الخطوة. وفي كل الأحوال، تستطيع مجموعة الثماني، أن تعتبر أحداث منطقة القرم في أوكرانيا وتطوراتها، بمنزلة دافع جديد لإعادة النظر في المجموعة نفسها، وقبل ذلك، لإعادة "تثمينها" في ضوء المتغيرات التي حدثت في الأعوام الخمسة الماضية، وليس من منطلق التمنيات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق