الثلاثاء، 29 أبريل 2014

الجريمة .. المصيبة التي كانت مشكلة

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")






«الجرائم مثل المناقب .. لها مكافآتها الخاصة»
جورج فارجوهر كاتب ومسرحي أيرلندي


كتب: محمد كركوتـــي



إنها المصيبة المتأصلة. ولا يبدو في الأفق أي أمل على حلها أو حتى التقليل من ضرباتها. أما لماذا هذا التشاؤم، فإن هذه المصيبة تتعاظم على مدار الساعة، وتأخذ أشكالاً جديدة، بل وتطرح "ثقافات" باتت تشكل حالة طبيعية في بعض المناطق، وغير صادمة في مناطق أخرى. وهذا من أخطر التحولات قاطبة، أن تكون ثقافة "المصيبة"، شيء خاضع للتطور الطبيعي. إنها ببساطة الجريمة على المستوى العالمي. لا يوجد مجتمع محصن منها، بما في ذلك البلدان التي تنعم بالرخاء، أو على الأقل، الغالبية العظمى من سكانها ينعمون بهذا الرخاء. وإذا كان لكل جريمة أسبابها، فليس هناك مبررات لكل هذه الأسباب. لقد أصبحت بعض المجتمعات تتفاخر بأن نسبة الجريمة المرتكبة فيها تتضمن معدلات أقل من جرائم القتل! حتى ولو كانت النسبة العامة للجريمة مرتفعة فيها!
بالفعل، بات للجريمة "ثقافاتها"، والخوف أن تتحول هذه "الثقافات" إلى "استحقاقات" بأشكال مروعة أكثر وأبشع. وانتشار إفرازات الجريمة يرتفع بارتفاع نسبها وطبيعتها. ولكن الأهم من هذا كله أن هناك تفاوتا مخيفا على صعيد مستويات الإدانة في هذا البلد أو ذاك. ونسبة الإدانة المنخفضة في بلد ما، تعني ببساطة ارتفاع معدلات الجريمة فيها، وتنوع أشكالها، بما في ذلك الأشكال التي لم تكن موجودة أصلاً في عالم الجريمة. ففي الدول الأكثر فساداً، يمكن بسهولة أن تصدر أحكام البراءة بحق أشد المجرمين عنفاً وقتلاً وضرراً للمجتمع. وبالطبع ترتفع مستويات العدالة، بانخفاض معدلات الفساد. إنها مصيبة في المعيار العالمي والمحلي. وهي قضية لا تتعلق "مثلا"، بارتفاع حجم الثروات "الجاهزة" للسرقة أو النهب، أو قتل أصحابها للفوز بها، بل ترتبط ارتباطاً مباشراً بمستويات التنمية الموجودة في هذا المجتمع أو ذاك.
لقد ظهرت هذه الحقيقة واضحة مجدداً، من خلال التقرير الأخير لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، الذي صدر تحت عنوان عريض "الدراسة العالمية حول القتل". وردت بالفعل نسب وأرقام مرعبة، تمنح المشكلة توصيف المصيبة. ومن أهم النقاط التي تستحق التركيز عليها، هي تلك المتعلقة بربط التنمية بمعدلات الجريمة. وليس المقصود هنا الرخاء، بقدر توفير الفرص المناسبة وفق طبيعة المجتمعات. والتنمية الطبيعية لا تحد من الجريمة فحسب، بل تضع حدوداً لـ "الثقافات" التي نشرتها الجريمة ضمن الكيانات المجتمعية، ولا سيما في المجتمعات التي ارتضتها بديلاً عن الثقافات الطبيعية لها. في هذه المجتمعات، صارت معايير الجريمة، هي الثقافة الطبيعية التي تخضع للتطور أيضاً! ليس هناك محصن من الجريمة، والفارق بين دولة وأخرى، يكون عادة في حجم الإدانات.
وحسب هذا التقرير، تسببت الجرائم في فقدان حياة أكثر من 430 ألف شخص حول العالم في عام 2012. نصف جرائم القتل حدثت في إفريقيا والأمريكتين. وأمام هذا الواقع، يرى المختصون التابعون للأمم المتحدة، ضرورة النظر برؤية مختلفة لطريقة التعاطي مع الجرائم ومسبباتها ونتائجها. وهنا يظهر الرابط بين التنمية والجريمة. فقد أظهرت الأرقام، أن المجتمعات التي تعاني نسب تنمية عالية تقل فيها معدلات الجريمة. وكلما حدث تطور اقتصادي جيد وارتفع نوعية المساواة في الدخل، تقل أيضاً نسب الجريمة. ويقول واضعو التقرير "إذا كان هناك بلد يعاني اقتصاديا، ويعاني أيضاً انعدام المساواة في الدخل .. فإننا سنرى الكثير من جرائم القتل والعنف".

واستناداً إلى التقرير، فإن متوسط معدل جرائم القتل العالمي تبلغ 6.2 لكل 100 ألف شخص، غير أن جنوب إفريقيا سجلت 30 ضحية لكل 100 ألف، وأمريكا الوسطى سجلت 26 ضحية لكل 100 ألف، إضافة إلى أن معظم الضحايا ومرتكبي جرائم القتل هم من الرجال. يشير التقرير إلى أن نسبة الإدانة العالمية لجرائم القتل المتعمد هي 43 لكل 100 جريمة قتل، ولكن هناك تفاوت بين المناطق، موضحا أنه مقابل 100 جريمة قتل، يدان 81 شخصا في أوروبا، أما في آسيا فتتم إدانة 48 شخصا. في حين يدان في الأمريكتين 24 شخصا فقط. إنها أرقام مرعبة، ليس فقط على صعيد ارتفاع معدلات الجريمة، بل أيضاً على صعيد تفاوت مستويات الإدانة. وكل ذلك بالفعل، يعود إلى غياب التنمية. حتى في البلدان المتقدمة الثرية، ترتفع معدلات الجريمة في المناطق الأفقر منها. ففي قلب مدينة كلندن أو باريس أو نيويورك هناك أيضاً تفاوت كبير في نسب الجرائم المرتكبة فيها بين منطقة وأخرى. ولا شك أن السجون لا تشكل حلولاً مثالية. في الولايات المتحدة ينفق على السجون أكثر من 8.5 مليار دولار سنوياً، وهي أموال هائلة بالفعل، يمكن ببساطة أن يذهب جزء منها إلى التنمية التي تحتاج إليها حتى داخل الولايات المتحدة. دون أن ننسى، أن العالم أنفق في العام الماضي أكثر من 1750 مليار دولار على التسليح. وعشرة في المائة منها، تحل 40 في المائة من المشكلات الناجمة عن الجريمة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق