الثلاثاء، 29 أبريل 2014

اقتصاد سورية .. من الصفر إلى الصفر

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")




«لن أُفاجأ فيما لو تفككت سورية بالكامل»
جيمس ستافريديس أدميرال في سلاح البحرية الأمريكية

كتب: محمد كركوتـــي


قبل عام ونصف العام تقريباً، نقل الأخضر الإبراهيمي المبعوث العربي - الدولي لحل الأزمة السورية، عن سفاح سورية بشار الأسد قوله في اجتماع خاص بينهما: "لن أترك سورية إلا دماراً وخراباً". وهذا الأخير يعرف (كما الجميع)، أن أحداً في هذا العالم لن يُوقف تنفيذ أهدافه الإجرامية الهمجية المتوارثة. فالقرار الأمريكي واضح منذ البداية، لا تدخل ولا حسم، بل إن الموقف الأمريكي يؤدي في كثير من الأحيان إلى تعطيل حراك الثورة نفسها! لأسباب بعضها لا يثير إلا السخرية، وبعضها الآخر ملتبس حتى لدى أصحاب الموقف نفسه! في حين أن إمدادات الأسد (المالية، والعسكرية، والنفطية، والمرتزقة.. وغيرها) لم تتوقف من الأنظمة المارقة المساندة له، كإيران وروسيا وغيرهما. وقد تمكن الأسد بالفعل، من بسط شعاره على المشهد كله "إما أنا أو الخراب الشامل". شعار مرادف للترجمة "التشبيحية" له "الأسد أو نحرق البلد".
في ثلاث سنوات خسرت سورية 37 سنة من التنمية. وكان السوريون قد خسروا البلاد كلها على مدى أربعين عاماً، ظلت ملكاً لنظام تحكمه أسرة طائفية دنيئة. والأمر لا ينتهي عند هذا الحد. فإذا توقفت الحرب اليوم، فإن البلاد تحتاج إلى قرابة ثلاثة عقود لاستعادة اقتصادها. وهذه النتيجة الأخيرة، توصلت إليها بعد سلسلة من الأبحاث وجمع الإحصائيات المباشرة على الأرض، وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). أي أن سورية تحتاج إلى ثلاثين عاماً كي تعود إلى ما كانت عليه قبل الثورة الشعبية العارمة. بمعنى أن هذه المدة الطويلة، لا تضمن ازدهاراً ولا تنمية ولا أي شكل من أشكال الإنجازات الاقتصادية. فقط العودة إلى الصفر من الصفر! فاقتصاد ما قبل الثورة، لم يكن اقتصاداً بالمفهوم المعروف. كان اقتصاد أسرة، تقوم بتطبيقه على بلاد بأكملها.
وبعيداً عن الضحايا الذين بلغ عددهم (وفق للأمم المتحدة) أكثر من 200 ألف مدني من كل شرائح المجتمع، فقد وصلت الإنتاجية في سورية بالفعل إلى ما دون الصفر. وهو أمر مفهوم، إذا ما استندنا إلى استنتاج (الأونروا) بأن ما جرى في البلاد وصل إلى مستوى الدمار في الحرب العالمية الثانية. ويقول الخبراء المحايدون، إن الأسد لم يترك لهم شيئاً لقياسه وتقييمه في المدن المدمرة، التي فقدت سكانها. وجرى تدمير منظم لكيان الأسرة فيها، وانهار اقتصادها وغابت مظاهر الحياة عنها. هذا هو توصيف الخبراء الذي يحاولون الوصول إلى توفير أفضل دراسة ممكنة للوضع الاقتصادي السوري في أعقاب سقوط الأسد. فالحصيلة الراهنة لحرب الأسد على السوريين، هي مجموعة من الخسائر للاقتصاد بلغت في العامين الأولين من هذه الحرب أكثر من 84 مليار دولار، ولو أضيفت حصيلة العام الثالث، فإن الاقتصاد خسر ما لا يقل عن 110 مليارات دولار، إلى جانب طبعاً، الخسائر الناجمة عن ارتفاع عدد العاطلين عن العمل إلى مستويات لم يسبق لها مثيل. ففي عامين اثنين انضم 2.33 مليون سوري إلى "جيوش" العاطلين في البلاد. دون أن ننسى، وصول عدد النازحين داخل سورية إلى أكثر من تسعة ملايين نسمة، وعدد اللاجئين في الدول المجاورة وحول العالم بلغ أكثر من أربعة ملايين فرد.
سيسقط بشار الأسد. هذا مؤكد، ولكن بتكاليف أكثر من هائلة. مرة أخرى لا يمكن حساب تكاليف أرواح الأبرياء بأي ثمن. ويكفي قياس هذه التكاليف بتشبيه الخبراء المحايدين الذين وضعوا سلسلة من الدراسات وفق المعايير العلمية المتبعة في المؤسسات الدولية، لحالة الدمار في سورية بناتج الدمار الذي خلفته الحرب الثانية. حسناً، هذا يعني، أن أولئك الذين امتنعوا عن وقف قتل الشعب السوري (خصوصاً الأمريكيين والأوروبيين)، عليهم (أخلاقياً على الأقل)، أن يقدموا المساعدات الكفيلة بإعادة بناء اقتصاد البلاد لمن تبقى من هذا الشعب. لا تكفي تسهيلات اللجوء التي اعتمدتها بعض البلدان الغربية، والمساعدات الإنسانية التي تمر عبر المؤسسات الدولية. من واجبهم أن يتقدموا بصورة عملية وواقعية نحو إعادة البناء هذه، تعويضاً على الأقل لدورهم في الكارثة التي شاركوا فيها بصورة مباشرة وغير مباشرة.
لن يُبقي سفاح سورية شيئاً يمكن البناء عليه في سورية. فلديه ابناً عن أب عن جد، من الحقد الطائفي ما يكفي كي يترك البلاد أرضاً محروقة خالصة. الذي يضرب الأطفال بالمواد الكيماوية، ويلقي البراميل المتفجرة على الأحياء السكنية والمساجد والكنائس والقلاع التاريخية وأضرحة الرموز الدينية، لا يهتم بمصير مؤسسة أو طريق أو سد أو مدرسة. على العالم أن يواجه الحقيقة التي شارك هو نفسه فيها، بتقاعس منقطع النظير في التاريخ. سورية لن تكون مجرد أشلاء. فحتى هذه سيقضي عليها الأسد. سورية ستكون لا شيء. فقط لا شيء. وستحتاج بعد زوال الأسد وعصاباته إلى كل شيء.. كل شيء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق