الأحد، 26 أغسطس 2012

الأسد وخامنئي.. تناغم الاحتيال أيضا

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")



''النظام الإيراني ليس سوى مشاكل، ودائماً كان كذلك''
جاي روكيفيلير سيناتور أمريكي سابق

كتب: محمد كركوتـــــي
تواجه الإدارة الأمريكية (والغرب عموماً) مشاكل ومطبات جمة في تطبيق مُحكَم للعقوبات الغربية المفروضة على نظامي سفاح سورية بشار الأسد، وعلي خامنئي الإيراني. وهي تعرف أن هذين النظامين مستعدان للتحالف والتعاون مع الشيطان من أجل الوصول إلى أعلى درجة من الاحتيال على العقوبات، بما في ذلك طبعاً عمليات غسل الأموال، التي بلغت أعلى مستوى لها منذ عامين تقريباً. فالأخلاق الغائبة عن هذين النظامين تمنحهما مساحة بلا حدود لسيل لا يتوقف من الفتاوى التي تجيز كل شيء وأي شيء. وبغيابها أيضاً، لا مكان لدين يردع، وقيم تمنع، وإنسانية تصد. المهم أن تنفذ استراتيجية الهلاك الشيطانية. وإذا كانت هذه هي سلوكيات الأسد وخامنئي في الحالة الطبيعية، علينا أن نتخيلها في الحالة غير الطبيعية الناجمة عن سلسلة من العقوبات المفروضة عليهما، والتي تتصاعد بصورة متوالية، خصوصاً أنها (أي العقوبات) أثرت وتؤثر بشكل كبير على النظامين المذكورين، وإن كانت (كغيرها من العقوبات) عاجزة عن إسقاطهما، أو إحداث تحول ما في سلوكياتهما.
مع أول موجة من العقوبات على الأسد وخامنئي، تحول الحراك الاقتصادي لكليهما شيئاً فشيئاً إلى طرف ثان للاحتيال عليها، والالتفاف حولها، ولتخفيف ضرباتها، خصوصاً أنهما لم يبديا أي نية في الالتزام بمطالب المجتمع الدولي، بل حتى بحلول وسط معهما. بالنسبة للأسد، التوقف عن قتل شعبه، من خلال حرب الإبادة التي أطلقها على هذا الشعب. وبالنسبة لخامنئي، التوقف عن أحلامه بامتلاك سلاح نووي، سيكون موجهاً في الدرجة الأولى إلى العرب أجمعين، في إطار تنفيذ استراتيجية الهلاك. والطرف الثاني (الأطراف) المؤهل للقيام بأعمال الاحتيال على العقوبات، يجب أن يكون أجنبياً، لا سورياً ولا إيرانياً. لماذا؟ لأن غالبية المحتالين من السوريين والإيرانيين المتعاونين مع الأسد وخامنئي دخلوا إلى قوائم المقاطعة والعقوبات والتجميد، بمن فيهم أولئك الذين استطاعوا الحصول على جنسيات أجنبية مختلفة، أسهموا لسنوات طويلة، في تقديم خدمات الاحتيال لنظام أسدي غير شرعي، ولنظام إيراني غير سوي.
وقد استطاع الأسد وخامنئي بالفعل العثور على جهات أجنبية تساعدهما في الالتفاف على العقوبات، بما في ذلك جهات أمريكية وأوروبية، وقليل من الجهات العربية المرتبطة في الواقع طائفياً بهما، إلى جانب (طبعاً) ارتباطها بفسادهما. وعلى هذا الأساس، كان طبيعياً أن تعلن الولايات المتحدة رسمياً بأنها ستلاحق أجانب يساعدون دمشق وطهران على التهرب من العقوبات الأمريكية، وتمنعهم من الوصول إلى الجهاز المصرفي الأمريكي. وإذا لم تقم بذلك، فهي في الواقع تسهم في خرق العقوبات التي فرضتها. فالعقوبات تعني ببساطة تجفيف المنابع المالية لهذين النظامين الخارجين عن معايير المجتمع الدولي. وعلى هذا الأساس فإن أي منبع مالي (مهما كان بسيطاً) يُحدث فجوة في هيكلية العقوبات.
أثبتت التحقيقات الأمريكية (والغربية)، أن هناك مؤسسات وشركات وشخصيات أجنبية عديدة لا تنتمي إلى الدول التي فرضت العقوبات، تقوم بالعمل الشيطاني لحساب الأسد وخامنئي. بل إن تحقيقات أخرى أظهرت أن نسبة كبيرة من هذه المؤسسات لها ارتباطات مع أخرى أمريكية وأوروبية، من خلال اتفاقات معقدة ومتشعبة يصعب فك طلاسمها الاحتيالية، ما دفع السلطات المختصة إلى فتح ملفاتها أيضاً. فهذه المؤسسات (بصرف النظر عن حجمها ودورها) لا تجد قيمة لما قاله وكيل وزارة الخزانة الأمريكية المتخصص بمعلومات المخابرات المالية، ومكافحة الإرهاب، من أن ''من يحاول التهرب من عقوباتنا، يفعل ذلك على حساب شعب سورية وإيران، وستتم محاسبته على ذلك''. وقد أجبر التهديد بالمحاسبة، بعض المؤسسات الأجنبية المشينة، على التراجع عن تقديم خدماتها المخزية، للنظامين المذكورين.
ومهما بلغت قوة وقدرات الولايات المتحدة (والغرب عموماً) على تعقب المحتالين كمؤسسات وأشخاص، إلا أنها تقوم بمهام صعبة في هذا المجال، ليس فقط لتعدد وتنوع أشكال الاحتيال، بل أيضاً للحاجة إلى وقت ليس قصيراً لاستكمال مهامها. فعلى سبيل المثال، يقوم الأسد وخامنئي باستخدام مؤسسات غير مصرفية، مثل مكاتب الصرافة، وشركات خدمات مالية وأخرى تجارية، وكيانات وهمية (بعضها صغير وآخر كبير) لتسهيل المدفوعات وتحويل الأموال. وفي الحالة العادية يصعب فرض الرقابة على هذا القطاع، فكيف الحال والحالة غير عادية؟! ولذلك فالمهام صعبة التنفيذ، ويحتاج المشرفون عليها إلى تعاون حكومات لدول مجاورة لكل من سورية وإيران، وهو أمر أيضاً ليس سهلاً، بوجود دول مثل لبنان والعراق وروسيا تسيطر عليها حكومات توفر كل أشكال الدعم للأسد وخامنئي.
وفي كل الأحوال، بدأت الحملة الأمريكية - الغربية تعطي ثمارها على الجهات الأجنبية المساندة احتيالياً لنظامي سورية وإيران، إلا أن ''محصولها'' لا يزال دون مستوى المخاطر التي تستهدف العقوبات. المطلوب الآن كشف الأوراق على الملأ، وفضح كل من يوفر الدعم (بصرف النظر عن أشكاله) لنظامين لا يستمران إلا بتطبيق مُحكَم لاستراتيجية الهلاك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق