الأحد، 26 أغسطس 2012

وهْم المقاومة الاقتصادية في إيران

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")



''استعذ بالله من الفقر. إنه منقصة للدين، وداعية للمقت، ومدهشة للعقل''
الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)

كتب: محمد كركوتي:
تنقل بعض المواقع على الإنترنت عن مجلة إيرانية تصدر في مدينة قم باسم ''باسدار إسلام''، ''أن المهدي - المنتظر - يتصل فقط بعلي خامنئي مرشد الثورة في إيران''. وهذا يعني أنه يتصل بأي ''آية'' من ''الآيات'' المنتشرة في البلاد، وبالتأكيد لا يفكر بالاتصال بأي ''حجة'' من ''الحجج'' فيها. ولا تتوقف المجلة عند هذا الحد في كشفها عن الاتصالات ''الخارقة'' بين الجانبين، بل تنقل هي نفسها عن خطيب في أحد مساجد طهران يدعى كاظم صديقي قوله: ''إن الاتصالات بين المهدي وخامنئي تتم أحياناً عبر الهاتف الثابت أو المحمول''! دون أن يحدد هذا الخطيب هوية الشبكة الهاتفية التي يشترك فيها المهدي. أمام هذه المعلومات ''المذهلة'' يحق لنا أن نسأل سؤالاً واحداً فقط على الأقل: لماذا لا يطلب خامنئي من المهدي حلاً فورياً خارقاً للأزمة الاقتصادية الخانقة التي تشهدها بلاده، والتي تتجه بالفعل لنقل المجتمع الإيراني إلى مرحلة الجوع بعد الفقر؟ هل انتهى رصيد ''المخلص''، أم رصيد ''المرشد''؟ حسناً، هل عجز هذا الأخير عن تسديد فاتورة الهاتف الثابت، الأمر الذي أجبر شركة الهواتف على قطع خدماتها؟!
من أسوأ المحن في أزمة إيران الاقتصادية أن النظام الحاكم فيها يعيش وهم التغلب عليها. والأسوأ أن كل المعطيات التي أثبتت فشله لم تدفعه خطوة واحدة خارج ''استراتيجية الوهم'' التي أضيفت إلى استراتيجيات أخرى عديدة في هذا البلد، كـ ''استراتيجية الاحتيال''، و''استراتيجية الهلاك''، و''استراتيجية الخراب''، و''استراتيجية الفتاوى''، و''استراتيجية الشر''.. إلى آخر تلك الاستراتيجيات التي وضعت البلاد في مواجهة المجتمع الدولي. بات الوهم ممنهجاً، والعناد مخططاً، والعقل مشتتاً، إن وجد أصلاً لدى هذا النظام، الذي قرر مواجهة المنطق وحقائقه لمجرد المواجهة. وبينما يستشري الجوع في حضرة الفقر، والمصائب في سياق النكبات، لم يُظهِر نظام الملالي مؤشراً واحداً لاحتواء ما يمكن احتوائه، في حين يواصل تجاهله ليس فقط لبعض الأصوات الحكيمة التي تدعو إلى تفعيل العقل، بل أيضاً للأرقام والإحصائيات المخيفة التي تُصدرها مؤسسات النظام نفسها. وإذا كان هذا النظام يتهم أصحاب تلك الأصوات بـ ''الانهزاميين''، كيف له أن يهزم حقائق الأرقام، ''والبلاغة الاقتصادية'' للإحصائيات؟!
يعترف البنك المركزي الإيراني بوجود أكثر من 14 مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر. ويرى الإصلاحيون في طهران أن عدد الفقراء أكبر من ذلك، لأنه لا يشمل ما بين 2 و3 ملايين شخص يعيشون في فقر مدقع، مطلق، لا حدود له. ويؤكد عادل آذر رئيس مركز الإحصاءات في إيران، أن أكثر من 30 مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر النسبي. ولا شك في حقيقة هذه الأرقام إذا ما تذكرنا أن وزير الشؤون الاجتماعية عبد الرضا مسري أعلن في عام 2007 وجود 9.2 مليون فقير في مختلف أنحاء إيران، يشكلون 10.5 في المائة من سكان المدن، و11 في المائة من سكان الريف. ومنذ ذلك العام وحتى اليوم شهد الاقتصاد الإيراني انتكاسات متسارعة رفعت تلقائياً عدد الفقراء ومعهم عدد الجائعين. وفي عام 2008 بلغت نسبة التضخم في البلاد 26 في المائة، وواصلت الارتفاع التلقائي أيضاً إلى أن بلغت الضعف اليوم. هذا التضخم الذي يزيد بشكل أكبر في قطاع المنتجات الأساسية لم يتم تعويضه برفع الأجور، وهذا ما بدا واضحاً في اعتراف علي دهقان كيا عضو الهيئة الرئاسية لـ ''مراكز الشورى الإسلامية للعمل في طهران'' بأن 70 في المائة من العمال في إيران يعيشون اليوم تحت خط الفقر. وإذا كان هذا هو حال من يعمل، فيكف الحال بـ ''جيوش'' العاطلين عن العمل؟! وهؤلاء يمثلون واقعياً 45 في المائة من حجم القوى العاملة.
يأتي هذا الخراب المعيشي وسط هروب رؤوس الأموال، ما أدى إلى انهيار الحراك الصناعي والإنتاجي في البلاد. وطبقاً لرئيس غرفة العمل علي رضا، فقد أغلق في العام الماضي نحو 1200 مصنع ومنشأة إنتاج وتصنيع صغيرة ومتوسطة وكبيرة، وهو ما يوازي 80 في المائة من مجموع منشآت التصنيع والإنتاج في البلاد. ومع تضخم يزيد على 40 في المائة، ونقص شديد في السلع الاستهلاكية والأولية، إضافة إلى اعتماد إيران على استيراد 40 في المائة من احتياجاتها من الوقود (رغم امتلاكها ثالث أكبر احتياطي نفطي، ورابع أكبر مصدر في العالم)، وبوجود نصف الشعب تقريباً بين رحى الفقر المتعدد الأنصال.. يسود إيران اليوم اقتصاد الخراب بكل مآسيه وتبعاته، ومخاطره. ولا يرى نظام الملالي هناك، سوى ''التعبئة الشعبية''، بعد أن أغلق كل المخارج عمداً، استكمالاً لـ ''استراتيجية الوهم''.. تلك الاستراتيجية التي أزاحت في التاريخ القديم والحديث، كل الأنظمة الشريرة التي اتبعتها. وليس على خامنئي إلا أن يراجع بعض المحطات في التاريخ، حتى وهو ينتظر مكالمة هاتفية، أو رسالة نصية من المهدي ''المنتظر''. هذا إن بقي رصيد لدى الطرفين.

هناك تعليق واحد: