الأحد، 26 أغسطس 2012

مصبغة حزب الله لغسل الأموال

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")



''ستصل إلى نقطة تكون فيها عمليات غسل الأموال، وتهريب المخدرات، وتمويل الإرهاب، عبارة عن وحدة متكاملة''.
سيبيل إدموندز، موظفة سابقة في مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي.
كتب: محمد كركوتـــي
يستطيع القائمون على القطاع المصرفي اللبناني أن ينفوا (بل ويهاجموا) كل اتهام بتبييض الأموال في هذا القطاع، ويستطيعون أيضاً أن يتغنوا بـ ''احترافية'' القطاع، وأن يعرضوا خبراتهم على من يرغب في تعلم ''الفنون المصرفية''، وأن يكتبوا شِعراً في نزاهة مصارفهم ومكاتب الصرافة وغيرها.. لكنهم لا يستطيعون أن يضمنوا جمع ما يكفي من المُصدِّقين لما يطرحون وما يعرضون وما ''يغنون''. غير أن هذا لا يعني، أن كل المصارف اللبنانية، منغمسة في الغسل والتبييض ''والتجفيف'' الداخلي. لا يزال هناك بعض منها، يقاوم الأموال القذرة التي يوفرها بصورة أساسية نظام سفاح سورية بشار الأسد، وذراعه اللبنانية الطائفية حزب الله، ولا بأس من وجود عصابات من جنسيات مختلفة، تستغل هذا المشهد المصرفي المشين. ففي البيئة القذرة الملوثة لا تعيش إلا الجراثيم والأوبئة.
في مقال سابق لي، كتبت عن ''مصابغ الأسد لغسل الأموال''، وهي في الواقع فروع للمصابغ الرئيسة في لبنان، لأن الحراك المصرفي السوري المحدود، لا يوفر المساحات المطلوبة، لغسل الأموال الناتجة عن كل ما هو مشين ومخزٍ، وخارج عن القوانين الدولية والأخلاقية. الابتزاز، الإرهاب، المخدرات، الاتجار بالبشر والسلاح، التهريب، القتل المأجور، سرقة المال العام، سرقة الآثار، تزوير العملات، الاختلاس، الرشا.. كلها ''قطاعات'' منتجة للأموال القذرة. وكلها توفر ''الاستثمارات'' المطلوبة، لعصابة كحزب الله. ولذلك فقد أتت اتهامات وزارة الخزانة الأمريكية لهذا الحزب، بتبييض الأموال والاتجار بالمخدرات على نطاق واسع، متأخرة جداً، بصرف النظر عن أي مبررات، بما في ذلك تلك الخاصة بـ ''جمع الأدلة''. فقد كان يكفي للمسؤولين الأمريكيين أن يستمعوا إلى موظفين مصرفيين (وصرافين) لبنانيين من الدرجة العاشرة، كي يتأكدوا، من أن مصابغ حزب الله المالية، لم تتوقف يوماً، وأنه ''استثمر'' في كل مجال من المجالات المشينة، بما في ذلك المخدرات بأنواعها وكوارثها.
والحقيقة أن هذا الحزب (العصابة) الإيراني - الأسدي في لبنان، صعَّد من حجم تجارته في المخدرات في السنوات الأربع الماضية، في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية، التي نالت من كل شيء. وطبقاً للمعلومات التي رشحت من سراديب الحزب وجحوره، فقد واجه زعيمه حسن نصر الله، أسئلة متصاعدة من بعض قياداته حول البعد الأخلاقي لهذه التجارة، فما كان من زعيم مقاومة الأخلاق، إلا أن لجأ إلى مرشده علي خامنئي الذي لم يتردد في إصدار فتوى سرية، تجيز الاتجار بالمخدرات! وربما استعان بـ ''المهدي المنتظر'' في صياغة هذه الفتوى. فإيران هي الدولة الوحيدة التي تبيع الفتاوى السرية، خصوصاً بعد أن انفضح (قبل سنوات طويلة) أمر أحلامها، وطبيعة أوهامها.
وقد عزز تصاعد أعمال الاتجار بالمخدرات من قبل حزب الله وعصاباته المنتشرة حول العالم، تراجع واضح في التمويل المالي الإيراني لهذا الحزب، بعد اندلاع الثورة الشعبية ضد نظام سفاح سورية بشار الأسد، في الوقت الذي تعاني فيه إيران عقوبات اقتصادية شديدة، بسبب برنامجها النووي. فقد أمن نظام الملالي للأسد إمدادات مالية (إلى جانب إمداده بالمرتزقة وقطاع الطرق)، بلغت في عام واحد أكثر من ستة مليارات دولار أمريكي؛ كان من المفترض أن يذهب جزء كبير منها إلى حزب حسن نصر الله. ومع ذلك، لم يؤثر هذا التوجه المالي المصيري بالنسبة لإيران والأسد، في تسليح حزب الله. الذي تأثر مباشرة هو تمويل نشاطاته الإجرامية الخارجية. ففي العامين الماضيين تركزت هذه النشاطات بصورة كبيرة جداً في كل من سورية والبحرين فقط، ولا بأس من بعض العمليات البسيطة هنا وهناك.
المشكلة التي يواجهها حزب الله الآن، أنه يحتاج إلى الأموال، لاستمرار ولاء الشيعة في لبنان له. فبعد أن انكشف (قبل سنوات طويلة) بأنه مجرد عصابة مأجورة، لا حزباً وطنياً، بات عليه أن يمول الموالين، ولا سيما الفقراء منهم. هكذا تعمل العصابات في كل مكان. فليس هناك هدف سام يمكن أن يستثمره، في إبقاء هؤلاء إلى جانبه. وعلى هذا الأساس عليه رفع حجم الإيرادات المالية (بصرف النظر عن طبيعتها) للاستمرار. وبما أن حزب الله (ووراءه نظام الأسد)، يسيطر واقعياً على القرار السياسي والاقتصادي اللبناني، فإن الأمر سهل في تحويل الأموال غير المشروعة إلى أموال نظيفة، عن طريق القطاع المصرفي اللبناني. ولكن المصيبة أن الدول الكبرى، لا تزال مترددة في قضية مؤكدة، وهي أن هذا القطاع ملوث بكل الموبقات المالية، الأمر الذي أفلت القطاع المذكور من عقوبات باتت حتمية الآن أكثر من أي وقت مضى. فالنظام المصرفي اللبناني (بغالبية مؤسساته)، هو بمنزلة مصبغة مالية كبرى ليس فقط لحزب الله، بل أيضاً لسفاح سورية، ولنظام الملالي في إيران. وهذا الثالوث لم يعد يشكل مخاطر على المنطقة فحسب، بل على العالم أجمع. إن الواجب الأخلاقي يحتم تخفيف المنابع المالية ومصابغها، لأنه ليس خياراً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق