الأحد، 26 أغسطس 2012

الأسد يترك الجوع يستكمل الإبادة

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")



''في سورية نظام حقير عليه أن يرحل''
فرانسوا هولاند رئيس فرنسا

كتب: محمد كركوتــــي
في سورية، لا يمكن لأحد أن يدعي أنه يستطيع تقييم مستوى الخراب الذي يلحق بهذا البلد على مدار الساعة. لسبب واحد، هو أن آلة التخريب التي أطلقها سفاح سورية بشار الأسد على الشعب برمته، لا تتوقف.. لا تتعطل.. لا ينقطع عنها الوقود.. بل لا تحتاج الصيانة. فهي متجددة دائماً، عبر جسور الإمدادات الروسية. روسيا التي تذرف الدموع بكل أنواعها، خشية على مستقبل الأقلية (الأقليات) في سورية، وتشارك مباشرة بعيون دامعة، في سحق الأغلبية. فلاديمير بوتين يبحث من خلال الخشية الروسية القاتلة، عن صدى لم يعثر عليه على أرض سورية، وإن عثر على شيء منه خارجها. لماذا؟ لأن أصدقاء الشعب السوري استسهلوا الاختباء وراء الموقف الروسي. وكلما تراجعت التكاليف الناجمة عن هذا الاختباء، ازدادت تكاليف الدم والخراب على الشعب السوري.
يتمنى الواقفون إلى جانب سفاح سورية، شيئاً شيطانياً آخر في سياق حرب الإبادة ضد الشعب السوري. يتمنى هؤلاء، أن يقوم سلاح الجوع باستكمال هذه الحرب، إذا تأكد فشل الأسد في إنهائها عسكرياً. وهذا السفاح الطائفي لا يضيع الوقت. فكل دقيقة محسوبة من مصيره الحتمي، بصرف النظر عن تقاعس الأصدقاء (أصدقاء الشعب السوري)، وعن شر الأعداء. وهو (أي الأسد) يخوض حرب إفناء لسورية وشعبها، بل لتاريخها. ألم يدمر ما أمكن له من الآثار والمواقع التاريخية في معظم أنحاء البلاد؟ وهذه الجريمة بالتحديد تأتي من إيمانه العميق بأن تاريخ سورية لا يمكن أن يخرج عن تاريخ عائلته وطائفته.. تلك الطائفة التي اختطفها من دون مقاومة تذكر من جانبها.
السلاح الآخر المتعاظم ضد السوريين الساعين إلى حرية للأبد، بدأ ''قصفه'' الوحشي، بقيام الأسد وعصاباته بحرق ممنهج للأراضي الزراعية، وقطع المياه عن بعض الأراضي، بل وتلويث مياه الري لتدمير المحاصيل. فمنذ اندلاع الثورة الشعبية في البلاد، اضطر السوريون إلى الاعتماد على مزروعاتهم للعيش، بعد أن نقصت الإمدادات الغذائية بصورة مخيفة. وحتى تلك التي توافرت في الأسواق شبه المغلقة، باتت صعبة المنال، مع ارتفاع فلكي في أسعارها. لقد بلغ إجرام هذا النظام حداً، أن منعت عصاباته المزارعين حتى من جني محاصيلهم، وتحديداً في المناطق البعيدة عن تلك التي تتمركز فيها طائفته. وفي المناطق التي لم تصل إليها هذه العصابات، تمنع عنها المستلزمات الزراعية، بما في ذلك طبعاً وقود الديزل (المازوت) الذي يستخدم في تشغيل معدات الري، إضافة إلى الحاجة إلى هذا الوقود في تسيير الجرارات والحصادات والآليات الأخرى. وفي السياق ذاته، رفع الأسد أسعار الأسمدة والمبيدات الحشرية، بصورة مدروسة يستحيل معها على المزارع الوصول إليها.
في العام الماضي، لم تحصد سورية سوى نصف محاصيلها الزراعية، بما في ذلك القمح. ومع حلول شتاء العام الجاري، فإن هذه النسبة ستنخفض في أحسن الأحوال، بسبب الخطة الممنهجة للتدمير الزراعي، إلى 30 في المائة، وهناك من يعتقد أنها لن تصل إلى هذه النسبة، على اعتبار أن التصعيد ضد المزارعين يتخذ منحى تصاعدياً سريعاً. وهذا ما يفسر تخلي أكثر من 60 في المائة من أصحاب المزارع والحقول الزراعية عن المزارعين العاملين فيها. فلم يعد لدى هؤلاء القدرة على دفع الأجور. مرة أخرى كل ذلك يجري في المناطق البعيدة عن تلك التي توالي سفاح سورية، الأمر الذي يدخل في نطاق التطهير الاجتماعي، شاء بوتين أم أبى. هل يريد هذا الأخير أن تصبح الأغلبية أقلية، لكي يقتنع بضرورة وقف حرب الإبادة؟
مهلاً.. الجريمة أيضاً لها شكل آخر. فحتى أولئك الذين نجحوا في حصد محاصيلهم في عدد من المناطق السورية، يضع الأسد يده عليها، ومن يستطيع من المزارعين النفاذ من قبضة هذا الأخير، يواجه صعوبات جمة في توزيعها. إنها حرب تجويع بدأت فعلاً، وآخذة في الانتشار مع استمرار هذا النظام الوحشي في السلطة. لو كانت هذه الحرب في ظل نظام أقل وحشية وبربرية، لانقلبت فوراً إلى عصيان مدني يسهم مباشرة (وإن يستغرق وقتاً) في زوال هذا النظام، لكن الأمر مختلفاً في حالة سورية، لأن نظام الأسد لا يشبه أي نظام آخر من حيث وحشيته، ولأن الحرب التي شنها على الشعب السوري متكاملة العناصر ومعها الخراب، ولأنه قتل الروح المدنية في الواقع على مدى أكثر من أربعة عقود، بدأها السفاح الأكبر حافظ الأسد، ويستكملها ابنه الآن.
مع دخول فصل الشتاء في سورية، سيرتفع عدد الذين يحتاجون إلى مساعدات غذائية إلى أكثر من 5 ملايين شخص، وسيرتفع عدد أولئك الذين يحتاجون إلى معونات إنسانية إلى ما يوازي هذا العدد. ببساطة سيكون نصف عدد سكان البلاد (على الأقل) بحاجة إلى إنقاذ إنساني، لا دخل للسياسة، ولا للتوازنات الدولية، ولا لتقاذف المسؤولية به. ولا أعرف إذا كان محامي الشيطان بوتين، يدرك مخاطر إنشاء أغلبية من نوع آخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق