الأحد، 30 أغسطس 2009

زرنيخ الجمال؟!



( هذاالمقال خاص بموقع "سي إن بي سي عربية")


" الموت بالزهر مثل الموت بالفحم"
الشاعر أحمد شوقي


محمـد كركوتـي

للممثلة الإيطالية الجميلة ( ولا أقول البارعة) صوفيا لورين، تصور خاص بها عن المرأة. فهي تقول: "إن جمال المرأة هو خمسين في المئة مما تملك، وخمسين في المئة مما يعتقد الآخرون أنها تملك". وقد استحضرت كلمات " الجميلة السابقة"، في خضم أخبار عن وجود مستحضرات تجميل نسائية "ملوثة"، في أسواق مختلفة من منطقة الخليج. مستحضرات تعج بالرصاص والزرنيخ وقطران الفحم وحتى أحبار الطابعات.. وغيرها من المواد السامة، وكأننا نتحدث عن صناعات ومنتجات عسكرية، لا تجميلية!. لقد وجدت رابطا بين هذه المستحضرات القاتلة، والخمسين في المئة الثانية في توصيف لورين. فالنصف الثاني لجمال المرأة، يعتمد بصورة أساسية على التجمل ( عمليات التزين) ، لا التجميل ( عمليات الجراحة)، وإذا ما واجهت عمليات التزين مخاطر من جراء المستحضرات والأدوات المستخدمة، سيكون الناتج عبارة عن " خطورة جمال، لا " جمالا خطيرا"!. وتتفق عفيفة بدر رئيس مجموعة سلامة المواد الاستهلاكية في وزارة الصحة البحرينية، مع هذا الطرح. فهي تقول:" إن هناك انتشارا واسعاً لمجموعة من المستحضرات التي تقبل عليها الفتيات الخليجيات دون معرفتهن المباشرة بضررها".
ولأنني لا أفهم تركيبات مستحضرات التجميل، فقد سألت صديقا مختصا في لندن عنها. وطلبت منه توصيف وجود مستحضرات من الكحل العربي في الأسواق، تحتوي على ما بين 20 إلى 80 في المئة من مادة الرصاص. فما كان من هذا المختص إلا القول بالعربية والإنجليزية : "يا إلهي.. هل هناك مستحضر بهذه المحتويات؟". ورغم أن كلمة "يا إلهي" تفي السؤال ردا، إلا أنني طلبت مزيدا من الأجوبة – غير القدرية – فقال: "الجلد يمتص الرصاص ويصل بذلك إلى الدم، ومن المحتمل أن ينتقل هذا الرصاص إلى الرضيع عن طريق الرضاعة، إذا ما كانت الأم تستخدم هذا المستحضر التخريبي". ولم يتوقف المختص المذهول عن هذا الحد فقال: " إن زيادة نسبة الرصاص في الجسم، قد يؤدي إلى الإصابة بالعقم والعمى وشلل الأطراف وحتى الوفاة!". وفي الحناء تدخل مادة قطران الفحم، التي ثبت وجودها بصورة رهيبة في المستحضرات المتوفرة في بعض الأسواق الخليجية. وفي الوشم توجد مادة الزرنيخ، التي تمنع مستخدمها من التبرع بالدم لمدة عام على الأقل، فكيف الحال إذا ما كانت كميتها غير طبيعية. وللمزيد من الصدمات، تم العثور على مستحضرات وشم، احتوت على أحبار تستخدم في الطابعات.
ولكي ننتقل من الحديث العام إلى الخاص، فقد أعلنت الهيئة العامة للغذاء والدواء السعودية عن تلوث 9 من عينات لمنتجات كُحل مسوقة محلياً بالرصاص والبكتيريا. وأثبتت الهيئة بعد التحليل تجاوز كمية الرصاص المسموح بها في الكحل بما يفوق 10 أضعاف! إضافة إلى احتواء سبع من العينات التسع على نسبة عالية من البكتيريا بما يزيد على المواصفات المسموح بها. وفي دبي صادرت بلديتها خلال حملة تفتيشية على الأسواق 16 نوعاً من الكُحل، جميعها غير مسجّل لدى البلدية، ستة منها تحتوي على مواد سامة، تسبب الإصابة بالسرطان وأمراض العيون والجلد. وهناك الكثير من المواد التي لم تفتضح بعد، تنتظر النساء، لتكملة خمسين في المئة من جمالهن، الذي يعتقد الآخرون أنهن يمتلكونه.
إن الارتفاع المرعب للمواد السامة في هذا النوع من المنتجات، يقابله انخفاض مريع في مستوى التوعية الاستهلاكية، حتى في المجتمعات التي تعج بالخيارات الاستهلاكية. وهذا أيضا يفتح الملف المغلق دائما في البلدان التي لا تزال تتعاطى مع حقوق المستهلك، كتعاطيها مع دورها في استكشاف الفضاء!. لا شك في أن هناك دول تبذل الكثير من الجهود، من أجل الحد من عمليات "الغش الاستهلاكية"، لكن هذه الجهود تشبه تلك التي تبذلها نفس الدول في كبح جماح الأسعار، لاسيما أسعار المواد الاستهلاكية الضرورية. إنها جهود موسمية وآنية، لم تصل بعد إلى الحالة المستدامة. وإذا كانت هناك مشكلة في كبح الأسعار وتكريس مبادىء الجودة، فلا غرابة من وجود مستحضرات تجميل مليئة بالزرنيخ والقطران والرصاص وربما إشعاعات نووية.. هي في الواقع " مستحضرات تشويهية".
وإذا كا هناك مجال لنصيحة ما.. فمن الأفضل للمرأة التركيز عن الخمسين في المئة الأولى من جمالها. ولتترك الآخرين يعتقدون، كيفما طالب الاعتقاد!.

هناك تعليق واحد:

  1. لعل عملية الغش بمواد التجميل هي اهون الشرين من ان تكون عملية الغش بما ياكل الاطفال والشيوخ والنساء ووالمرضى، وبما يتناوله الملايين من البشر من مواد مليئة بالهرمونات والمواد المسرطنة.
    مع العلم اننا لم نعد نعرف اي طعامنا هو الصحي فحتى لو ابتعدنا عن اللحوم فالاذى والغش لحق بالخضار وحتى الحليب والاجبان.
    بامكان اية فاتنة جذابة ان تتمتنع عن وضع مستحضرات التجميل ،او حتى ان تعرف هذه الماركات المغشوشة وتتحاشاها، ولكن السؤال :هل بامكاننا ان نمتنع عن تناول الطعام او حتى ان نعرف الانواع المغشوشة منه؟
    أشك في ذلك.....
    فغش مواد التجميل يبقى شر ممكن تحاشيه. وليس كبقية ما نتعرض له من غش في طعام وشراب وحتى غش في الاخلاق والمحبة الانسانية...
    ما الذه من غش هين غش مواد تجميل الفاتنات........
    لبنى الصوفي

    ردحذف