الأحد، 23 أغسطس 2009

إعفاءات ضريبية أميركية استيطانية؟!



( هذا المقال خاص بموقع " سي إن بي سي عربية" )

"على الفلسطينيين أن يعرفوا.. أن كبارهم سيموتون وصغارهم سينسون "
أول رئيس لوزراء إسرائيل بن غوريون


محمد كركوتــي

تقوم الإدارة الأميركية بأكبر حرب ضد المتهربين من الضرائب، والمحتالين على النظام الضريبي. فقد أعلنتها حربا عالميا، بعد أن اشتركت معها حكومات غربية، تبحث عن دولار هنا وآخر هناك، من أجل دعم خطط الإنقاذ للمؤسسات والشركات، الغارقة في بحور من الديون، للحيلولة دون انهيارها. وعلى الرغم من أن بعض هذه المؤسسات احتالت على نظام الضرائب الأميركي، حتى وهي تتلقى دعما من أموال دافعي الضرائب!.. إلا أن عمليات احتيال أشد قسوة وبشاعة، تجري على الساحة الأميركية، لا ترتبط بالمال فقط، بل تتصل بمصير شعب بأكمله.
"إتيريت كوهانيم" جمعية يهودية صهيونية، لو وصفناها بالمتطرفة، لما عبرنا عن حقيقتها المريعة. تتلقى هذه الجمعية أموالا تقدر بملايين الدولارات الأميركية سنويا، من شركات ومستثمرين أميركيين ، يتبارون في انتمائهم الصهيوني حتى مع الجمعية المذكورة نفسها. بماذا يقوم هؤلاء؟. يتقدمون بلوائح مالية لمصلحة الضرائب، يحصلون بموجبها على إعفاءات ضريبية، بحجة أنهم يتبرعون بها لجمعية خيرية!. وهذا النوع من الإعفاءات الضريبية، ليس جديدا في الغرب والشرق على حد سواء، بل تعمد آلاف الشركات على تخصيص جزء من دخلها لدعم مشاريع تربوية وتعليمية وصحية وتنموية، ومنظمات خيرية، بعضها يعمل لتحقيق أهداف إنسانية سامية، وبعضها الآخر لا يوفر جهدا في تحقيق أهداف مشينة.
وإذا كان بند الإعفاءات الضريبية ينطبق على "إتيريت كوهانيم"، باعتبارها جمعية "خيرية"، إلا أنها ليست كذلك على الإطلاق. وهي لم تكن ولن تكون كجمعيات مثل " أوكسفام" و "الصليب الأحمر" و" حماية الطفولة" و " أطباء بلا حدود" و "مكافحة السرطان و" حماية البيئة". هي ببساطة جمعية أنشأت، لتحقيق الهدف الإسرائيلي – اليهودي الدائم، وهو " تهويد القدس"، ليس الغربية، فالغربية "مهودة" أصلا، ولكن المنطقة الشرقية من هذه المدينة المنكوبة تاريخيا. ورغم أن القانون الأميركي يحظر على الجمعيات الخيرية الانخراط في نشاطات سياسية، إلا أن أصدقاء الجمعية الصهيونية المشينة، نجحوا في السنوات الماضية – ولا يزالون – في الحصول على الإعفاءات الضريبية، مستخدمين اسمها. المصيبة أن المجرمين الذين يقودون "إتيريت كوهانيم"، لا ينفون أنهم يعملون من أجل ماذا؟. من أجل ترسيخ الجذور اليهودية في القدس الشرقية، من خلال ما يصفونه "إنقاذ الأرض"!!. فهؤلاء، لا يعترفون بأحقية الفلسطينيين بأي شبر من المنطقة الشرقية للقدس العربية، بل يتعاطون مع هؤلاء كمحتلين، ينبغي التخلص منهم بشتى الوسائل، بما في ذلك محاولة ترغبيهم في بيع ممتلكاتهم. في القدس الشرقية يعيش 200 ألف إسرائيلي في مستعمرات استيطانية يصل عددها إلى 12 مستعمرة، وسط ما يقرب من 270 ألف فلسطيني. ولا نقدم جديدا إذا قنا : إن كل الجمعيات والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، تعمل وتحلم في يوم، يصبح فيه اليهود نصف مليون نسمة في هذا الجزء من القدس، والفلسطينيين بلا نسمة واحدة!.
لم يأت رئيس للولايات المتحدة الأميركية ، وقف موقفا معلنا وقويا في قلب فترته الرئاسية، ضد الاستيطان اليهودي في المناطق الفلسطينية المحتلة كباراك أوباما . بل أنه عطل بعض مشروعات التعاون بين بلاده وإسرائيل، بسبب النشاط الاستيطاني المرعب. وقد ظهر هذا جليا، في أعقاب خروج إدارة أميركية من البيت الأبيض، كانت تتعاطف مع الفلسطينيين، ولكن ليس قبل أن تعتبر أن إسرائيل ضحية!. ويكفي ما قالته في إحدى المرات وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس، لزميلتها الإسرائيلية السابقة تسبي ليفني، عندما طلبت هذه الأخيرة عدم تحويل المساعدات الأميركية لإسرائيل بالدولار الأميركي، لأنه كان يعاني من ضعف شديد واضطراب في قيمته. ماذا قالت رايس؟ :" لا تقلقي يا عزيزتي إن الاتفاق بيننا لا يحدد نوع عملة المساعدات"!!. أي أن رايس داست على عملة بلادها، من أجل "سواد عيون" الدولة العبرية"!.
لأوباما رؤية مختلفة تماما، لاسيما فيما يرتبط بالاستيطان، وطبيعة التعامل مع إسرائيل. وفي خضم جهوده التاريخية الراهنة لملاحقة المتهربين من الضرائب، حتى في القرى النائية الواقعة عند تخوم الكرة الأرضية، عليه أن ينتبه إلى الإعفاءات الضريبية المريبة. وعليه أن يوسع نطاق عملية التنظيف العالمية. فهذه الإعفاءات لا يستفيد منها مدرس أو موظف صغير. بل تصب في الفكر الصهيوني الشامل، الذي لم يتعاطى مرة واحدة مع الفلسطينيين كشعب، بل مجرد مجموعات بشرية، وصلت إلى "أرض الميعاد" عن طريق الخطأ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق