الاثنين، 10 أغسطس 2009

طفل بالدولارات وآخر بالسنتات!



( هذا المقال خاص بموقع " سي إن بي سي عربية")

" الأطفال أعلى المصادر قيمة.. وأفضل أمل للمستقبل"
الرئيس الأميركي الراحل جون كينيدي

محمد كركوتــي
m@karkouti.net



تعتزم الإدارة الأميركية إنشاء " آلة حاسبة" خاصة. بماذا؟.. بـ " تكلفة تنشئة الطفل الأميركي". وتبدو هذه الخطوة للوهلة الأولى، كشكل من أشكال " الفذلكة" الاقتصادية- الاجتماعية، إلا أنها في الواقع تمثل ضرورة أسرية، لاسيما في أوقات الأزمات، التي يمكن أن نختصر صورتها على الساحة الأميركية، بوصول نسبة البطالة إلى 9,4 في المئة، وتوقع بلوغها العشرة في المئة مع نهاية العام الحالي، وبقيام المصارف والمؤسسات المالية الأميركية بإحصاء ديونها المعدومة الناتجة عن تخلف المقترضين في سداد أقساطهم الشهرية ( التوقعات تتحدث عن بلوغ هذه الديون 2000 مليار دولار أميركي مع نهاية العام الجاري) ، وأيضا يمكن اختصار الصورة، من خلال تذبذب حجم "كوبونات" الإعاشة التي توزعها الحكومة على الأسر المحتاجة. فالقضية إذن.. ليست " فذلكة"، بل هي آلية تساعد الأسرة على فهم واستيعاب وتدبر تكلفة تربية طفل حتى سن البلوغ. خصوصا إذا ما عرفنا، أن تكلفة تنشئة الطفل في الولايات المتحدة تصل إلى 300 ألف دولار أميركي تقريبا، منذ ولادته وحتى سن الثامنة عشرة. وبحساب بسيط، فإن هذا الطفل يكلف ذويه ما يقرب من 16 ألف دولار أميركي سنويا.
والوضع في الولايات المتحدة، ليس مختلفا عن سواها من الدول المتشابهة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. فالأطفال في هذه الدول يكلفون ذويهم – وأحيانا حكوماتهم – أموالا طائلة للوصول إلى مرحلة البلوغ، ويكلفونها أكثر إذا ما أضاعوا "البوصلة" بعد هذه المرحلة. وإذا كانت الأسرة في الدول الراشدة، أضعف من أن تنفق هذه المبالغ على أطفالها، فهناك دائما "السند" الحكومي، بأشكاله "التسهيلية"، بما في ذلك الاقتراض من أجل التربية أو التعليم. وإذا ما وضعت "الآلة الحاسبة الأميركية" على الطاولة، فإن ذلك سيوزع المسؤوليات بين الأسرة – لاسيما تلك التي تعجز عن ضخ هذه المبالغ في تربية طفلها – وبين الحكومة نفسها، التي ستضطر إلى تحديد مسؤولياتها المالية بهذا الصدد، وفق قواعد ثابتة متفق عليها، من خلال "تكافل اجتماعي" أوثق، أو عن طريق قروض ميسرة، لا تشبه تلك القروض التي كبلت بها المصارف في السنوات الماضية مئات الآلاف من الأسر – إن لم نقل الملايين - ، وأغرقتها في بحر هائل من الديون، ووضعت المنازل التي تسكنها في مهب الريح.
وإذا كانت الأمور متشابهة في الولايات المتحدة والدول الغربية وتلك المتناغمة إداريا معها، غير أنها ليست كذلك مع الدول الأخرى، التي لا تزال عاجزة عن فهم دور التأمينات الاجتماعية، فكيف الحال بفهم أهمية المساعدة في تنشئة الأطفال؟!. لا أحد يطلب من دولة لا تمتلك مقدرات عيشها، أن تقيم "آلة حاسبة" لتنشئة الأطفال. لكن - حتى هذه الدولة – بإمكانها أن تصل إلى مستوى ما بهذا الخصوص، من خلال ترتيب الأولويات. أن تعرف أن تنشئة طفل، أهم آلاف المرات من تمويل تنظيم مليشيا هنا وآخر هناك، وأهم من كل الشعارات التي لا تنتج إلى أصوات نشاز، وأهم من كل الخطط الخمسية، التي تتحول عادة إلى عشرية ومئوية .. وربما ألفية!. طبعا نحن لا نتحدث عن الأموال المسروقة في هذه الدولة أو تلك، فهذه الأموال لوحدها، يمكنها أن تنشئ نظاما اجتماعيا تكافليا تربويا تعليميا، دون الحاجة إلى أي مساعدات خارجية. ولا نتناول هنا نشاط المؤسسات والشركات التي تقوم على " المحاصصة" بين رجال الأعمال الفاسدين، والمسؤولين في هذه الدولة، ولن نتحدث أيضا عن العمولات الهائلة من صفقات الأسلحة والسكر والبن والخشب وغيرها.
في هذه الدولة أو تلك، لا تحسب تكلفة تنشئة طفل بالدولارات، بل بالسنتات – إن وجدت أصلا – وتحسب بكثير من الحرمان والعوز، مع غياب الكرامة. وإذا كان الطفل – أي طفل – يمثل المستقبل، لنا أن نتخيل مستقبل الدول التي لا تزال تناقش أهمية وجود نظام للتأمينات الاجتماعية!.

هناك تعليق واحد: