الجمعة، 7 أغسطس 2009

كن أميا.. تجد عملا؟!



( هذا المقال خاص بجريدة " الاقتصادية")

«البطالة هي إحدى الطرق الرأسمالية لإجبارك على العناية بحديقتك»
الأديب الأمريكي أورسون سكوت كارد

محمد كركوتي
m@karkouti.net


الأمر لا يحتاج إلى أزمة اقتصادية عالمية أو إقليمية أو محلية، لكي ترتفع معدلات البطالة في العالم العربي. ولكن إن وجدت أزمة ما - وهي موجودة الآن بأبشع أشكالها - فإن عدد العاطلين عن العمل يرتفع بضراوة، ومستوى الفقر يواصل النمو، و''جيوش'' الجياع تصل إلى مستويات فلكية (يبلغون حاليا أكثر من 1.2 مليار جائع)، ومجموع الذين يعيشون على دولار واحد ودولارين اثنين في اليوم، يساوي ثلث سكان الكرة الأرضية. والحقيقة أن البطالة ليست حكرا على العالم العربي، فهي تسود الحراك الاقتصادي في دول كانت لا تقهر، وفي بلدان كانت تتباهى بأن العاطلين لديها هم فقط الأطفال الرضع والمسنون، وفي مجتمعات كانت تولد فرص العمل، أكثر من توليد الحوامل فيها!. والبطالة كانت - ولا تزال - الوباء الذي فشل العالم أجمع في التوصل إلى ''تحضير'' عقار له. وباء تنزوي أمامه كل الأوبئة القديمة، وتلك التي تظهر بين فترة وأخرى. في الدول التي تنعم باقتصادات كبرى، تزداد فيها شركات يطلق عليها بالإنجليزية Head Hunting أي ''صيادو الرؤوس''، وهي كناية على أنها متخصصة في توفير فرص العمل، وتبحث عمن يشغلها. بعد الأزمة الاقتصادية العالمية، تراجع عدد هذه الشركات، لأن الأعمال التي كانت توفرها، لم تعد موجودة على الساحة، فضلا عن ازدياد عدد ''الرؤوس'' الجاهزة للاصطياد! ولأن الأمر كذلك.. أقترح على هذه الشركات أن تغير اسمها إلى بالإنجليزية Head Rejecting أي ''رافضو الرؤوس''. فالرؤوس التي أينعت، لا موسم لقطافها الآن! مع عدم الاعتذار من الحجاج بن يوسف الثقفي.

لكن هذا لا يعني أن لا دخل للعالم العربي في ''بطالته'' المتعاظمة، وفي تدهور أسواق العمل فيه، وفي غياب آليات التأهيل وإعادة التأهيل، وفي تخلف الأنظمة التعليمية والتدريبية فيه. صحيح أن هذا العالم هو جزء من العالم الأكبر، لكن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق المعنيين مباشرة بهذه القضية الكارثية، وتحملهم المسؤولية الكبرى، في افتقارهم إلى الأسلحة المطلوبة - غير العسكرية - لا لدرء الأزمات، بل للتقليل من قوة ضرباتها. فقد أظهر العالم العربي ''قدرة'' غريبة على ''استحداث'' البطالة، حتى في أزمنة الازدهار والنمو. ففي ظل الانتعاش الاقتصادي العالمي (في تسعينيات القرن الماضي، وأغلب السنوات الأولى من القرن الجاري)، كانت أعداد العاطلين العرب عن العمل تزداد انتعاشا! ولذلك لم تكن الأزمة الاقتصادية عاملا وحيدا لانتشار البطالة العربية. مرة أخرى.. صحيح أنها رفعت حجمها، لكنها - أي البطالة - كانت مرتفعة أصلا، ما بين الكساد العظيم الذي ضرب العالم في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، وهذه الأزمة التي لا تزال تكشر عن أنيابها، لالتهام الفرائس المتوافرة. أي أن غالبية الدول العربية، عانت البطالة في عز الازدهار الاقتصادي العالمي، وفي بؤرة الانهيار الاقتصادي العالمي أيضا. وبين هاتين المرحلتين، شهد العالم العربي، ارتفاعا مخيفا في النمو السكاني، سيعزز - في ظل السياسات الراهنة - كارثة البطالة، عندما تأتي الأيام التي يتحول فيها المواليد الجدد، إلى عاطلين عن العمل. فحسب تقديرات الأمم المتحدة سيرتفع عدد سكان الدول العربية بحلول عام 2015، إلى ما يقرب من 395 مليون نسمة، بينما يصل عددهم - طبقا لتقديرات عام 2007 - إلى 317 مليونا.

في قائمة الدول الـ 30 التي تعاني أكبر معدلات البطالة فيها على مستوى العالم (حسب منظمة العمل العالمية)، هناك سبع دول عربية، تبدأ باليمن في المركز الـ 12، وتنتهي بالعراق في المركز الـ 28. وبينهما هناك قطاع غزة الذي احتل المركز الـ 13، وليبيا في المركز الـ 15، وبعدها لبنان الـ 24، والسودان الـ 26، والضفة الغربية الـ 27!. ورغم هذا الواقع المرير بأرقامه، ظلت بعض الدول العربية لفترة طويلة - في أعقاب اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية - تنفي أن آثارها قد تصل إليها! بينما تتفق كل المؤسسات العالمية المعنية، أن العالم سيشهد مع نهاية عام 2009 انضمام ما يقرب من 59 مليون عاطل، إلى صفوف العاطلين حول العالم. وإذا ما أخذنا في الحسبان أن المنطقة العربية، تتصدر مناطق العالم قاطبة في ''استحواذها'' على أكبر عدد من العاطلين، لنا أن نتصور حصتها من الـ 59 مليون الذين يواصلون الانضمام إلى ''سوق البطالة''. والأمر المفجع للعالم وللعرب على حد سواء، أنه رغم ضخ أكثر من ألفي مليار دولار أمريكي في الاقتصاد العالمي - حتى الآن - فإن البطالة العالمية تزداد، وآثارها الاجتماعية المقيتة تنتشر في كل الأرجاء. أي لا أمل - في الوقت الراهن على الأقل - في تحسن سوق العمل العالمي، بينما من المستحيل أن يشهد أي قفزة - إلا إلى الوراء - على الساحة العربية. فإذا بلغت نسبة البطالة في بلد كالولايات المتحدة حدود الـ 10 في المائة، ووصلت في الاتحاد الأوروبي إلى 8.9 في المائة.. كم تبلغ الآن في المنطقة العربية؟

يصعب تحديد مستويات واقعية للبطالة العربية. لا لأنها من أسرار ''الأمن القومي''، بل لغياب إحصاءات فعلية لها. وحتى منظمة العمل العربي، تطرح أرقامها وإحصائياتها بصورة أقرب إلى التقدير منها إلى التحديد، لأن الكثير من الدول العربية، لا تمتلك إحصاءات حقيقية لعدد العاطلين عن العمل، بسبب عزوف نسبة من العاطلين عن تسجيل أسمائهم في اللوائح الرسمية، وذلك من منطلق اليأس بأن يجدوا وظيفة يشغلونها. وإذا ما أرادت أي منظمة تحديد العدد الحقيقي، عليها أن توسع إحصاءاتها لتشمل المقاهي والحدائق العامة، ودور السينما التي تعرض أفلاما متواصلة على مدار الساعة، في عدد كبير من الدول العربية. على كل حال، تتحدث المنظمة العربية عن وجود 20 مليون عاطل يشكل الشباب نحو 25 في المائة منهم، حسب تقديرات عام 2005، مقابل صدور إحصاءات شهرية - في الأزمات وخارجها - في الدول الراشدة لعدد العاطلين فيها. الإحصاءات - أو التقديرات - التي أطلقتها منظمة العمل العربية أخيرا، دارت حول البطالة بمعزل عن الأزمة الاقتصادية الراهنة، أي أنها لم تحص بعد، عدد العرب الذين ''يتوافدون'' إلى بلادهم، عائدين من البلدان التي يعملون فيها بعدما فقدوا وظائفهم بفعل الأزمة. وفي كل الأحوال، تصل نسبة العاطلين في الدول العربية - دون أزمة - إلى 15 في المائة. وتوقع مختصون في ''منتدى دافوس'' الاقتصادي العالمي الأخير الذي عقد في الأردن، أن يبلغ عدد العاطلين العرب 80 مليون شخصا بحلول عام 2013. وسيصل هذا العدد إلى هذا المستوى، بفعل الأزمة - طبعا- ولكن بفعل أشياء أخرى، لا علاقة لها بهذه الأزمة.

نقول أشياء أخرى؟. نعم هناك الكثير منها، من بينها: تدني مستوى التعليم لدى شريحة ضخمة من العاطلين، وضعف الخبرة المهنية، وطبعا عدم توفير التدريب المهني، الذي يجب أن يوجه إلى سوق العمل ويتناغم من متطلباتها. إلى جانب ذلك، لا يزال التخطيط في الدول العربية متواريا عن الساحة، وتقوم آليات العمل - بغالبية قطاعاته - على أساس رد الفعل. ولكي يزداد الهم .. هما، فإن مشكلة الإناث العاطلات، تدخل ضمن نطاق المحنة التي يعيشها سوق العمل العربي. ومن المفارقات، أن معدلات البطالة بين الأميين العرب (العالم العربي يحظى بـ 100 مليون أمي!)، هي الأدنى، بينما ترتفع في أوساط حملة الشهادات الثانوية والمتوسطة والجامعية. لكن أرجو أن لا يظهر ''ملهما من الملهمين العرب''، ويطالب بضرورة نشر الأمية، ومحاربة التعليم!. فالقضية ترتبط بفهم قواعد النمو، وتوجيه القوة البشرية إلى الأسواق والقطاعات الصحيحة، وخلق فرص عمل، عن طريق الاستثمار المستدام، لا ''استثمار الطفرة''.إن الجوع والعوز لا يعبران عن البطالة، فالذي يعبر عنها فقط هو غياب الأفكار. ونحن نعلم أن من أصعب الأعمال في العالم، أن تكون بلا عمل. والأمر سيزداد صعوبة عندما تفقد الأمل في العثور على الآليات التي تمكنك من العيش. ولأن القضية ليست شخصية - أي أنها ليست مرتبطة بالعاطل عن العمل فقط - فإن المسؤولية تقع على عوائق واضعي السياسات الاقتصادية بصورة مباشرة ورئيسية، عليهم أن يأتوا بالأفكار التي تقوم على الفعل، لا على رد الفعل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق