الأربعاء، 21 يونيو 2017


حسنا .. لكن بريطانيا لا يمكنها البقاء



"الباب لا يزال مفتوحا لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي"
إيمانويل ماكرون ـــ رئيس فرنسا

كتب: محمد كركوتي:

فجأة، بدأت أركان الاتحاد الأوروبي تتحدث عن إمكانية قبول بقاء بريطانيا في الاتحاد. القابلون بالبقاء هم الأكبر نفوذا في هذا الاتحاد، يتقدمهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، ناهيك عن رؤساء الوزراء في عدد من البلدان الأوروبية الأخرى. والحق أن كل هؤلاء لم يرغبوا في خروج المملكة المتحدة أصلا، على الرغم من المنغصات البريطانية التي لا تنتهي لهم، ولا سيما فيما يرتبط بإعفاء لندن من بعض الاتفاقيات والالتزامات، ناهيك طبعا عن رفض بريطانيا الانضمام إلى اتفاقية فتح الحدود الأوروبية (شنجن) وكذلك الأمر عن العملة (اليورو). ومهما كانت هذه المنغصات، فالمملكة المتحدة في النهاية بلد محوري عالميا وأوروبيا، ويتمتع بكل الإمكانات التي يحتاج إليها أي تكتل اقتصادي أو سياسي.
ليس هناك رئيس وزراء بريطاني يمكنه المراوغة حول استفتاء الخروج الذي تم في حزيران (يونيو) الماضي، حتى لو كان من أعنف المؤيدين لبقاء بلاده في الاتحاد. فالمسألة تتعلق بالتفويض الشعبي له من أجل الانسحاب، وهذا أمر لا يقبل التراجع أو حتى التفاوض. بل لا يمكن إعادة الاستفتاء بصيغته التي تمت. ويكفي رئيسة الوزراء تيريزا ماي الآن ضعفها السياسي الداخلي، وهشاشة وضعية حزبها على الساحة، وتقدم لافت (وحتى مفاجئ) لحزب العمال المعارض. ولكن كل هذا ليس مهما. فالقفز فوق الاستفتاء لا يجري في بلدان مجبولة على الاستفتاءات الشعبية ــــ الوطنية. وماي التي تُحسب على معسكر البقاء في الاتحاد، هي من أشد السياسيين التزاما وتطبيقا لرغبة الذين صوتوا لمصلحة الخروج، بصرف النظر عن نسبتهم، وهي قليلة كما يعرف الجميع.
المهم، أن "الإغراءات" الأوروبية بإمكانية بقاء بريطانيا ليست ذات قيمة أمام التمسك بالديمقراطية، حتى وإن بلغت هذه "الإغراءات" حد أن أعلنت المفوضية الأوروبية، أنه يمكن إيقاف مفاوضات الخروج مع بريطانيا في أي وقت وبقاؤها عضوا. ولكن هل يمكن وضع العرض الأوروبي المفاجئ ضمن نطاق "الإغراءات"؟ الإجابة المباشرة والسريعة هي لا. والسبب واضح جدا جاء في سياق كلام "العارضين". فهؤلاء يقولون، إن بإمكان المملكة المتحدة البقاء، ولكن عليها أن تكون ملتزمة بكل الاتفاقيات والقوانين الأوروبية. بمعنى آخر، أن بريطانيا إذا ما حدثت معجزة وقررت البقاء، عليها أن تقبل بكل ما هي مستثناة منه أصلا. أي أنها "ستعود" صاغرة. لماذا؟ لأن الاتحاد الأوروبي "الجديد" يلغي كل الاستثناءات لأي بلد ضمن نطاقه.
وهنا يمكننا أن نترك كلام بريجيته تسيبريز وزيرة الاقتصاد الألمانية جانبا، لأنه ببساطة لا معنى له. فهي قالت "إن عدول بريطانيا عن قرار الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، سيكون أمرا عظيما، وإن كان حدوث هذا يبدو مستبعدا". ورغم كل هذا الكلام "الجميل"، إلا أنها تقول دون أن تتحدث "حسنا، قررتم الخروج برغبتكم، ولكن بقاءكم ـــ إن حصل- سيتم بشروطنا". وحتى لو حدث المستحيل، وقامت رئيسة الوزراء البريطانية بعرض "الباب" الأوروبي المفتوح على الشعب البريطاني، فهي لا تحمل من بروكسل شيئا يمكن تسويقه على البريطانيين لدخول هذا "الباب". كان ماكرون المرحب بالبقاء فظا حين قال "إن الباب المعروض يشبه أبواب رواية -أليس في بلاد العجائب- أي أن كل باب يختلف عن غيره".
ما سيجري الآن هو التوصل بين الجانبين إلى حلول وسط في اتفاق الرحيل. علما بأن الأوروبيين أعلنوها صراحة أنه ليس في نيتهم السير في هذا الاتجاه. والحلول الوسط تنقذ الجانب البريطاني، كما أنقذته طوال أكثر من أربعة عقود شكلت المدة الزمنية لعضوية المملكة المتحدة في هذا الاتحاد. وفي كل الأحوال، لا يبدو أن مكاسب ذات قيمة كبيرة ستجنيها بريطانيا حتى في حال التوصل إلى هذا النوع من الحلول. وأقصى عائد سيكون اتفاقا تجاريا بينها وبين الاتحاد الأوروبي، يأخذ في شيء من الاعتبار، حقيقة التحالف الاقتصادي الذي ربطهما مع بعضهما بعضا طوال العقود القليلة الماضية. لا يبدو أنه ستكون هناك امتيازات يمكن التحدث عنها، وفي النهاية ستكون بريطانيا دولة "أجنبية" كانت لفترة ما "شقيقة".
من هنا، فإن أي حديث يتم تداوله على الساحة الأوروبية بشأن إمكانية بقاء بريطانيا في الاتحاد، مزيج من التمنيات والأوهام. والجميع يعرف هذه الحقيقة، لكن لا بأس من ترطيب الأجواء، ورفع مستوى النبرة الدبلوماسية إعلاميا فقط. يُظهر ذلك على الأقل أن المفوضية الأوروبية المتحفزة لبدء مفاوضات الخروج، تروج المرونة لنفسها قبل أن تبدأ بكل قدراتها "طحن" المفاوض البريطاني، مستغلة بالطبع حقيقة أن نصف الشعب البريطاني تقريبا أراد بقاء بلاده في الاتحاد. كل التمنيات تتحطم تلقائيا أمام حق الذين انتصروا في استفتاء الخروج. وكل المحاولات لا قيمة لها لتغيير هذا الواقع. في بريطانيا، كغيرها من البلدان المتقدمة، لا شيء يعلو فوق رغبة الناخب، بصرف النظر عن جهل هذا الناخب، وأحيانا بلاهته.

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق