الخميس، 1 يونيو 2017



عين على أوروبا وأخرى على اسكتلندا


"استفتاء اسكتلندا في 2018 لن يكون قانونيا"
ديفيد ماندل ـــ الوزير البريطاني لشؤون اسكتلندا

كتب: محمد كركوتي

ينبغي أن يكون لرئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي عدة عيون في آن معا. لا تكفي اثنتان في المرحلة المقبلة، ولا سيما بعد أن حددت الـ 19 من الشهر المقبل موعدا لإطلاق مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي. عين على أوروبا، وعين على اسكتلندا، وأخرى على إيرلندا. عين على مفاوضات ما بعد مفاوضات الخروج، مع بلدان العالم من أجل إبرام اتفاقيات تجارية مع المملكة المتحدة. عين مكانة بريطانيا على الساحة العالمية ككل، وأخرى على الولايات المتحدة. تحتاج ماي إلى سلسلة من العيون في آن معا. ولكن هل هناك أهمية لـ "عين" على أخرى؟ الجواب بالتأكيد يبقى نعم. فإذا كانت لندن تستطيع تأجيل النظر في مفاوضات التجارة مع بقية دول العالم، لا يمكنها التأجيل في التعاطي مع الحراك الاسكتلندي الانفصالي. هي تحتاج في الوقت الراهن إلى عينين اثنتين، واحدة تحملق في المفوضية الأوروبية التي ستتفاوض مع بريطانيا نيابة عن كل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والثانية تجحظ على المسيرة السياسية التي تقودها الحكومة المحلية الاسكتلندية للانفصال عن التاج البريطاني. التفكك الداخلي في المملكة المتحدة يخيف أي حكومة بريطانية بصرف النظر عن هوية الحزب الحاكم. وإذا كانت هذه "المملكة" قد نجت قبل عامين من فخ الانفصال الاسكتلندي عنها، فإن فرصها الآن ليست بالقوة نفسها التي كانت عليها آنذاك، لسبب واحد فقط، هو أن حقائق جديدة أفرزها استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي، لم يكن أحد يفكر فيها أصلا في السابق. فالذين قبلوا بالبقاء تحت التاج البريطاني من الاسكتلنديين، كانوا في الواقع "يعزون" أنفسهم بوجود هذا التاج تحت راية الاتحاد الأوروبي. وتبدو الإشارة ضرورية هنا، حول الأضرار التي ستنجم عن انفصال اسكتلندي. فإذا كانت الأضرار سياسية أكثر منها اقتصادية بالنسبة لبريطانيا، فالأضرار ستكون اقتصادية أكثر منها سياسية على اسكتلندا. يرى (مثلا) بنك أوف ميريل لنش، أن أدنبره ستواجه ضغوطا تمويلية، وضبابية حيال العملة التي ستتبناها. يضاف إلى ذلك التجارة بين اسكتلندا وبريطانيا، التي ستتضرر بصورة كبيرة. دون أن ننسى، أن العجز الاسكتلندي سيتفاقم، وسجل 9.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2015 و2016. باختصار تشكل بريطانيا بالنسبة لاسكتلندا الأهمية نفسها التي يشكلها الاتحاد الأوروبي بالنسبة للمملكة المتحدة، خصوصا مع صادرات اسكتلندية لبريطانيا تمثل 64 في المائة من إجمالي الصادرات. وهذا يعني أن أدنبره ستخسر كثيرا فيما لو قررت الانفصال عن بريطانيا، إلا أن السؤال الأهم يبقى حاضرا، وهو هل تستطيع اسكتلندا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بصورة سريعة؟ وإذا تم ذلك، هل ستكون قادرة على البقاء في هذا الاتحاد؟ للوهلة الأولى هناك ترحيب أوروبي بهذه الخطوة، والأوروبيون حريصون على أن يكون الترحيب آت من مستويات بعيدة نوعا ما عن الحكومات الأوروبية، لأن الاتحاد لا يريد أن يظهر أنه يشجع على الانفصال أو أي انفصال أوروبي آخر. كما أنه لا يريد أن يظهر بصورة المنتقم من بريطانيا لأنها تنسحب منه. ولا شك أن الاتحاد يستطيع أن يحتوي اسكتلندا بسهولة، ويمكن أن يكون مرنا معها، حيث يترك لها مساحة زمنية لتوائم أوضاعها الجديدة مع الأوضاع العامة في الاتحاد الأوروبي ككل. الواضح للوهلة الأولى أن استمرار عضوية اسكتلندا في السوق الأوروبية المشتركة، سوف يعوضها عن بعض ما ستخسره من تضرر التجارة مع بريطانيا، وهذا الأمر تتفق عليه كل الجهات، بما فيها مسؤولون في الحكومة البريطانية نفسها. وفي الفترة السابقة أبدت حكومة أوروبية (إسبانيا) ترحيبا رسميا بدخول اسكتلندا الاتحاد الأوروبي. والترحيب الإسباني له دلالاته، لأن مدريد كانت تعارض هذه الفكرة من أساسها انطلاقا من موقفها الرافض لانفصال كتالونيا عنها. فهي لا تريد أن تكون هناك سابقة أوروبية. إلا أن الأمر تغير الآن. فالترحيب بأدنبره يتزايد من أطراف أوروبية عديدة، الأمر الذي يمهد الطريق أمام الاسكتلنديين لطرح استفتاء العام المقبل للانفصال من المملكة المتحدة، بصرف النظر عن معارضات الحكومة المركزية في لندن. في الداخل البريطاني ستتغير الأمور، ولن تكون مشابهة لتلك التي كانت سائدة أثناء عضوية البلاد في الاتحاد الأوروبي. فالمشاعر القومية تحت التاج البريطاني تأججت بفعل مشاعر وسلوكيات شعبوية بريطانية شاركت فيها شريحة من الاسكتلنديين أنفسهم. وفي كل الأحوال، الاتحاد الأوروبي الذي تمكن من السيطرة على مشاكل اقتصادية مخيفة في اليونان وإسبانيا والبرتغال وإيرلندا وإيطاليا على مدى السنوات القليلة الماضية، يمكنه ببساطة استيعاب أي آثار سلبية قد تظهر في المرحلة الأولى لانضمام اسكتلندا إليه. ويبدو واضحا أن غالبية الاسكتلنديين يفضلون الراية الأوروبية على التاج البريطاني ليس بسبب ضغائن انتهت في الواقع منذ قرن، ولكن من أجل ازدهار على المستوى الأوروبي العالمي، لا المحلي.

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق