الاثنين، 5 أغسطس 2013

مشروع «مارشال مصري»

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")





«الرجل الحكيم يُعرَف من أجوبته.. لا من أسئلته»
نجيب محفوظ روائي مصري، حائز جائزة "نوبل" في الآداب



كتب: محمد كركوتـــي

في مصر الآن، هناك أخبار اقتصادية جيدة، إلى جانب (طبعاً) الأخبار الاقتصادية السيئة، بل المخيفة في بعض النواحي. صحيح أن ''السيئة'' منها تطغى على ''الجيدة''، لكن الصحيح أيضاً، أنه قلما نجد دولة في حالة مصر الراهنة تكون مصدراً لأخبار غير سيئة. فالفوضى التي تحاول جماعة الإخوان حتى ''مأسستها'' باستخدام أدوات الضحية، كبيرة. وأول ضحايا هذه الفوضى هو الاقتصاد بروابطه السياسية والاجتماعية.. وبالطبع المعيشية. خصوصاً، أنه لا يزال هناك سوق عالمي لـ ''الضحية - الإخوان''، لكنها تظل سوق ''طيارة''، لا استدامة لها. ليس فقط من فرط الوهم السائد، بل أيضاً من جهة عمرها الافتراضي. فالغرب المتباكي على ديمقراطية فظيعة، لا يزال ''يتسوق''، ولكن لا يحمل في ''جيوبه'' ما يُمكِنُه من ''الشراء''. وفي الواقع هو ''الزبون'' الوحيد في هذه السوق، التي وجد نفسه فيها، لا قسراً، ولكن فشلاً في صنع قرار يحاكي التحولات. كيف لا؟ و''مطبخ'' صنع القرار الدولي نفسه، بلا مواقد.
من الأخبار الجيدة اللافتة، أن مصر بعد شهر من عزل الرئيس المؤمن جداً محمد مرسي، شهدت ارتفاعاً في صادراتها التي بلغت نسبتها 10 في المائة. نعم.. لا يمكن لهذه النسبة أن تُحدث فارقاً كبيراً على الساحة الاقتصادية، لكنها بمنزلة مؤشر على أن الاقتصاد المصري، يمكن أن يتعافى في مساحة زمنية ليست طويلة. وتعني هذه الزيادة، أن المُصنعين المصريين، يستطيعون الإنتاج حتى في وقت الفوضى السياسية، فكيف الحال إذا ما كانت هناك حكومة مستقرة وأكثر استدامة؟ وسط ما يجري في مصر، أعطت بورصتها مؤشرات إيجابية أيضاً، من خلال استعادة نسبة من خسائرها، والأهم ارتفاع قيم شراء الأجانب المتداولين فيها للأسهم. فهؤلاء لم يهربوا، كما تمنى بعض مؤيدي الإخوان في البلاد. على الجانب المعيشي، انفرجت أزمة السولار والبتوجاز، إلى درجة دفعت حتى المهربين والمحتكرين، إلى بيع ما احتكروه وقت الأزمة، بسعر التكلفة للتخلص من تكاليف التخزين. وحتى الجنيه الذي أصيب بداء الانخفاض المتتالي، بدأ في التماسك، مع ضرورة الإشارة إلى أن انخفاضه، كان عاملاً محفزاً على مزيد من التصدير.
إنها إشارات إيجابية. إنها معطيات حقيقية على الأرض، تؤكد أن بإمكان مصر تجاوز محنتها الاقتصادية، خصوصاً في ظل وجود أشقاء وأصدقاء حقيقيين للشعب المصري. وأول ما تحتاج إليه البلاد، هو الاستقرار السياسي. وهذا لن يتحقق طالما أن مؤيدي جماعة الإخوان الباطنية، مصرون على ممارسة سياسة ''حافة الهاوية''، وعلى استمرار عرض ''مسرحية الضحية''. وهذه الجماعة ترى، أن كل تفاقم جديد للأزمة الاقتصادية في مصر، يولد قوة دفع لها على الساحة. فكيف الحال بانهيار اقتصادي؟! وهذا النوع من الجماعات (التي لا تفهم السياسة، إلا من خلال الخداع والتربص) عادة ما تجلب خرابها لنفسها.. بنفسها. وهي جماعة (وفقاً لأدبياتها) تقوم أساساً على اللاوطنية. فلا مانع لديها من التخريب الوطني، إذا ما كان ذلك يدفع باستراتيجيتها إلى الأمام.
الخطوة المثالية تجاه مصر الآن، ليست أقل من مؤتمر يجمع أصدقاء كل مصر لا بعضهم، للوصول إلى ''مشروع مارشال مصري''، لا يعتمد على المنح بصيغها الاستهلاكية - الإنقاذية، بل إلى المشاركة المباشرة في الإصلاح والتنمية. والمشاركة الصحيحة توفر عوائد للأصدقاء، كما تقدم الاحتياجات للاقتصاد المصري. وبمعزل عن ذلك، سيكون المؤتمر (أي مؤتمر) مادة إعلامية فقط، ينتهي مفعولها في اليوم التالي. وتضع الحكومة الإنتقالية الخطوط العريضة لمثل هذا المشروع المحوري. وسيكون من الأفضل لو اشتركت دول الخليج ومن يرغب من الدول المانحة الأخرى، مباشرة في رسم معالم ''مارشال المصري''. فالكل متفق على أن الحل الأمثل، هو تدوير عجلة الاقتصاد المصري، وتحريك النمو، وخلق فرص عمل، وإعادة صياغة قوانين الاستثمار، وتنشيط ما هو جامد منها. وهذا لن يتم إلا بمساعدة الجهات الصادقة في المساعدة. فالأساس موجود، والمطلوب البناء عليه، وفق منهجية عالية الجودة.
ولكن تظل نقطة الإنطلاق مرتبطة بسرعة الوصول إلى أفضل مستوى ممكن من الاستقرار السياسي. فعلى سبيل المثال لا تملك الحكومة الراهنة تفويضاً شعبياً، يمكنها من مواجهة عجز الموازنة العامة المتصاعد. وهو أمر يُربك المانحين كما يربك القائمين حالياً على صنع القرار السياسي في مصر. فقد ورثت حكومة ما بعد ثورة 30 يونيو، عجزاً في الميزانية من حكومة محمد مرسي، يبلغ 3,2 مليار دولار شهرياً، منذ بداية العام الحالي. ولا شك في أن الحكومة الحالية، تتسم بالواقعية. فهي ترغب في أن تمهد الطريق، ليكون العون القادم إلى مصر في مكانه، وضمن الخطوط التي توصل الاقتصاد إلى محطات آمنة ومستقرة ومنتجة. غير أن هذا لا يمنع من الوصول إلى خطة ''مارشال المصرية''، في الوقت الذي يجري فيه العمل على تمهيد الطريق. إن وجود مثل هذه الخطة، يساهم (في الواقع) في ''ورش'' عملية التمهيد هذه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق