الخميس، 1 أغسطس 2013

عندما تصبح الليرة السورية ورقة زائدة

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")



«الحياة قصيرة. لكنها طويلة بما يكفي للتخريب لمن يرغب أن يخرب»
جوش بيلينجز أديب وكاتب أمريكي

كتب: محمد كركوتـــي

قبل ثلاثة أسابيع تقريباً، كنت ضيفاً على قناة ''سي إن بي سي''، للحديث عن الليرة السورية واقتصاد سورية بشكل عام. وكان في البرنامج نفسه ضيف ''خبير'' آخر من دمشق، قارن بين أزمة الاقتصاد السوري، وأزمة اقتصاد قبرص! وقبله (على شاكلته)، من قارن بين اقتصاد سورية واقتصاد اليونان. ولا أعرف إن كان سيظهر ممن بقي من محبي سفاح سورية بشار الأسد، ليقارن أزمات اقتصاد سورية بأزمات اقتصادات اليابان أو الصين أو الولايات المتحدة الأمريكية! فهؤلاء ''رغم الحقائق الماحقة عن الأسد''، باتوا جزءاً أصيلاً مما يمكن تسميته بـ ''اقتصاد التمنيات''، والأصح ''اقتصاد الأوهام''. وهم في الواقع يتحدثون عن اقتصاد لا يستحق حتى هذا التوصيف. في سورية ''كما يعلم الجميع''، عصابة تاريخية تقودها أسرة، احتلت البلاد بشعبها ومقدراتها. وعندما واجهت مصاعب في مواصلة الاحتلال، تعاقدت مع محتلين أجانب. وهي مستعدة للتعاقد مع إسرائيل (مبتكرة الاحتلال في المنطقة)، إذا ما كان العقد يوفر لها يوماً إضافياً في حكم منهوب.
على كل حال، الضيف الأول رد معترضاً على ما قلته ''إن الليرة السورية لم تتراجع بل انهارت''. فقد اعتبر أن الليرة تراجعت بسبب الظروف العامة، وأن البنك المركزي سيتدخل خلال ساعات، لسندها وإعادتها إلى ما كانت عليه! الذي حدث ''بعد ساعات''.. قفز الدولار من 220 إلى 310 ليرة دفعة واحدة ''قبل الثورة الشعبية العارمة كان الدولار بـ 47 ليرة''. وأطلق هذا البنك، سلسلة من القوانين تعاقب الصرافين بالسجن، وتهديدات وصلت حتى إلى الإعدام. هكذا فعل حافظ الأسد ''والد سفاح سورية الحالي''، عندما أسرع لتغطية ما نهبه شقيقه رفعت الأسد من الخزانة العامة. والحقيقة أن ''سفاح مدينة حماة''، لم ينهب من الخزانة، بل سرقتها كلها، وكان حتى وقت قريب، يتفاخر بأنه أخذ نصيبه من نهاية الخدمة! ولأنه ينتسب إلى هذه الأسرة المجرمة، فقد تفاخر في أحد التسجيلات، بأن عدد من قتلهم في حماه ليس 25 ألفاً، بل 50 ألفاً!
في الأيام الماضية ظهرت تقديرات، بأن اقتصاد سورية تقلص 35 في المائة، وأن تكاليف الحرب خلال عامين ونيف، وصلت إلى 80 مليار دولار أمريكي، التهمت الاحتياطي من القطع الأجنبي. وعن الإنتاج الصناعي فقد توقف، مما أدى إلى ارتفاع عدد المتعطلين عن العمل إلى نصف عدد السكان. وأن حركة ميناءي اللاذقية وطرطوس تراجعت 35 في المائة. والحقيقة، لم أفهم الرابط بين تماثل نسبة تقلص الاقتصاد ونسبة تراجع حركة الميناءين المذكورين. الأمر ليس مهماً. ما هو مهم، أن الاقتصاد تقلص أكثر من النسبة المتداولة، ويمكن القول، إنه لا يوجد اقتصاد بالمفهوم المعروف له. ليس فقط لأن الليرة انهارت، ولا لأن البطالة ارتفعت إلى هذا المستوى الفادح، ولا لخواء الخزانة التي يفترض أنها عامة، بل لأنه، حتى ''اقتصاد العصابة'' انتهى في مناطق واسعة من البلاد. أما في المناطق التي لا يزال يسيطر عليها الأسد والقوات الأجنبية المحتلة المساندة له، فالأوضاع تسير من سيئ إلى أسوأ، دون أن تظهر بصورة واضحة آثار التمويل المالي الذي لم يتوقف من إيران.
تجري حالياً في أوساط الأسد، مشاورات لإلغاء الليرة، وإطلاق عملة جديدة، بغرض استيعاب الانهيار الذي أصابها. وفي بلد أعلنت فيه السلطات أن تصدير المواد الغذائية أمر غير قانوني، فإن كل شيء وارد، دون أن ننسى، بأن كميات كبيرة من الأوراق النقدية طُرحت في السوق بلا رصيد أو سند لها. اليوم، لم تعد الليرة هماً بالنسبة للسوريين، بل أضحت ورقة زائدة في الجيب لا قيمة لها، وكلما أسرع السوريون بتحويل ما لديهم من أموال إلى عملات مضمونة، كلما استطاعوا المحافظة على ما تبقى من قيمتها المتلاشية. ويبدو واضحاً، أن الإمدادات المالية الإيرانية الشهرية التي تقدر بنصف مليار دولار أمريكي، في طريقها إلى التوقف. فإيران تخلفت منذ ستة أشهر عن دفع أقساط ديونها للبنك الدولي. كما أن العقوبات المفروضة على هذا النظام الهمجي، باتت سلاحاً قوياً في وجهه، وإن كانت من ناحية أخرى تؤثر سلباً على المواطنين السوريين. فالعقوبات ''أي عقوبات'' التي تطول، تطال الشعوب.
لو استمر نظام الأسد حتى نهاية العام الجاري، فسيتم تداول العملات الأجنبية بدلاً من الليرة. على غرار ما حدث في لبنان خلال الحرب الأهلية. والحل يبقى هو.. هو، منذ البداية، الإسراع في إزالة هذا النظام ليس فقط رأفة بالشعب السوري، بل لحماية المنطقة من الخراب الذي يمثل له استراتيجية حقيقية. فالأسد الابن ''كما الأب'' لا يعيش إلا بجعل المصائب مستمرة، ويستمر لأطول فترة، في تعميم هذه المصائب على أوسع رقعة ممكنة، سواء بصورة مباشرة، أو عبر عصاباته. لو كان هذا النظام ديكتاتورياً فقط، لأسقطه الاقتصاد، لكنه نظام دموي همجي، لا تسقطه إلا القوة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق