الخميس، 1 أغسطس 2013

الرعب الاقتصادي في إيران

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")



«الذي يحيا بمحاربة عدو ما، تظل مصلحته في الإبقاء على هذا العدو حياً»
فريدريك نيتشه فيلسوف وشاعر ألماني


كتب: محمد كركوتـــي

في بلد يقرر فيه ''المرشد'' أي شيء، بما في ذلك تسريب فحوى ''اتصالاته'' مع ''المهدي الضائع''، ليس للرئيس الإيراني المنتخب حسن روحاني، إلا أن يسمع ويطيع. فهو (كغيره) يعرف أنه كرئيس منتخب، مملوك أيضاً لـ ''مرشد'' غير منتخب. وتستند ملكية هذا الأخير، إلى كونه ''مكشوفا عنه الحجاب''، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.. وبالطبع دينياً! فكيف لروحاني وغيره تقديم رؤى مختلفة ومشاريع لا تتوافق مع ''الحقائق'' المطلقة التي يستحوذ عليها علي خامنئي. فحتى لو كانت هناك ''حقيقة'' مشوشة ما، يحسمها اتصال مباشرة بينه وبين المهدي! وهو أمر لا يكلف ''المرشد'' شيئاً، سوى دموع من فرط رهبة الحضور، وهي متوافرة من خلال دورة مياه في العيون. جاهزة لكي تنهمر في أي وقت وأي حالة ووضعية. على روحاني، أن يبقى في صف ''المرشد''، هذا إن استطاع حتى مناقشته، فكيف الحال بالابتعاد عنه؟!
السلطة المطلقة لـ ''المرشد''، دون مسؤولية، هي الحفرة المضمونة لكي يُدفن فيها أي رئيس للجمهورية! وهنا تكمن المعضلة الواضحة. فالممنوعات كثيرة، بما فيها التعاطي المستقل بالشأن الاقتصادي. وإذا كان هذا الشأن من الممنوعات، فالشأن السياسي من المحرمات. وعليه، فإن على روحاني الذي يواجه مصيبة اقتصادية هائلة، ألا يعيش أوهام صنع القرار الجمهوري، لأن القرار الإرشادي هو الأصل (بل والصورة أيضاً). هل يستطيع روحاني (وغيره) أن يحلم للحظة، ويطلب من ''المرشد'' ضرورة إيقاف الدعم المالي الإيراني (مثلاً) لسفاح سورية بشار الأسد، من أجل مواجهة المصيبة الاقتصادية المتعاظمة في إيران؟! هل يمكنه أن يؤخر خطاً من الخطوط الائتمانية للأسد، ولو لشهر واحد فقط؟! بل هل يستطيع حتى تقديم دراسة (لا طلب)، تتضمن أهمية الإعلان عن إيقاف جزء من النشاط النووي الإيراني، على أمل في تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد؟! في إيران ملهاة ''ديمقراطية'' على شكل مسرحية، تحتوي على فصول، ولكنها بلا نهاية، سعيدة كانت أو حزينة.
سيتسلم حسن روحاني منصبه، وقد ترك له أحمدي نجاد ملفات اقتصادية مفتوحة خانقة. ولا أعرف لماذا لا يستجدي خامنئي ''المهدي الضائع'' لإغلاق حتى ملف واحد منها فقط؟! البيانات الرسمية الإيرانية الجديدة، تُظهر أن معدل التضخم في البلاد ارتفع إلى 45 في المائة في نهاية حزيران (يونيو) الماضي. وفي دولة كإيران، فإن الرقم الرسمي الخاص بالأزمات، هو بالضرورة أقل من الرقم الحقيقي، والعملة في الحضيض، والعقوبات الدولية في أعلى مستوى لها. وعلى الرغم من أن البنك المركزي الإيراني، لم يصدر منذ عام 2008 أي بيانات خاصة بالتضخم، إلا أن الرئيس المنتخب، اعترف علانية أمام البرلمان، بأن بلاده تواجه أعلى مستوى للتضخم في المنطقة بأسرها. وهذا الإعلان بالطبع، لا يمس السلطة المطلقة لـ ''المرشد''، بل هو شكل مفهوم من أشكال تبرئة النفس مسبقاً، من المصائب الاقتصادية التي ظهرت في عهد سلفه نجاد. وهي أيضاً، أداة وقائية له عندما سيفشل في حلها. ولم يترك أصلاً مجالاً للتأويل، فقد قال صراحة : ''سنبين ماذا استلمنا من الحكومة السابقة''.
ولهذا السبب، بدأ البنك المركزي ''المعصوم'' عن إصدار بيانات الرعب الاقتصادي، بإعلان بعض الأرقام. هناك – حسب البنك المذكور - 47 مليون إيراني من بين 70 مليون نسمة، يعيشون تحت خط الفقر. أي أقل من 4 دولارات أمريكية في اليوم. ويبدو أن روحاني، ''سيحل'' المشاكل ''روحانياً''! لماذا؟ لأنه ببساطة، قدم هذه المشاكل على أنها تعود لأداء حكومة نجاد، ووضع ''الضغوط الخارجية الظالمة'' – حسب تعبيره - في المركز الثاني! علماً بأن محركات الاقتصاد شبه متوقفة، بفعل العقوبات، وبعدها التعاطي الفاشل الفاضح لحكومة نجاد في الحالة الاقتصادية العامة. صحيح أن هذا الأخير، استخدم النظام الائتماني (على سبيل المثال) لتقديم قروض للموالين له، ولشراء دعم أعضاء كبار في الحرس الثوري، ومجموعة كبيرة من الملالي، بمجموع بلغ أكثر من 5 آلاف شخص. لكن الصحيح أيضاً، أنه ليس هناك ما يمكن الاستثمار فيه في إيران، بصورة تكفل شيئاً من الإصلاح الاقتصادي.
في بلد يمكن أن يفرح أصحاب المصانع فيه من جراء الانخفاض الحاد في الاستيراد، تتوقف المصانع عن العمل الوحد تلو الآخر! والسبب، أن تكاليف الإنتاج ارتفعت (بشكل اعتبره البعض خياليا)، بفعل العقوبات وبعدها فشل أداء حكومة نجاد. وفي ظل هذا المشهد، بات التهريب والعمليات المشبوهة، جزءاً أصيلاً من الحراك الاقتصادي. بل إن الهيئات الدولية، توقفت عن إحصاءات العوائد النفطية الإيرانية، لأنها إما مهرَبة أو متوقفة. في إيران الغالبية العظمى من الشعب هي الخاسرة، خصوصاً أولئك الذين ينتمون إلى الطبقتين الوسطى والدنيا. وهذا الحال، عادة ما يُنتِج وقوداً لتمرد كامن على النظام بأسره. وهو تمرد لن تنفع معه كل الاتصالات الخاصة بين ''المرشد'' و''المهدي الضائع''، ولن يفيد التغيير السياسي ''الاسمي'' الذي يحدث في البلاد. فالمصائب التي تواجَه بالأوهام، توفر عوائد وهمية لحقائق الخراب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق