الخميس، 22 أغسطس 2013

إيران.. استدامة الأكاذيب الاقتصادية بدلاً من اقتصاد مستدام

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")




 " عليك ألا تروع الناس، وفي نفس الوقت عليك ألا تضللهم"
سير ديفيد أتينبرة منتج برامج وثائقية بريطاني



كتب: محمد كركوتي
لم تكن حكومة أحمدي نجاد في إيران، منذ وصولها إلى الحكم، وحتى اليوم الأخير لها في السلطة، سوى ''مصنع'' للأكاذيب، ينتِج ''السلع'' وفق صورة لا تنحرف للحظة في تطابقها مع متطلبات ''السوق''. ولأن الأمر كذلك، فقد ابتكرت هذه الحكومة، ما يمكن تسميته بـ ''أكاذيب استباقية'' إلى جانب الأكاذيب المتجددة. كما أنها كانت تحضر الأكاذيب، لمواجهة استحقاقات محددة وواضحة. ويضم ''مصنع'' حكومة نجاد سلسلة متعددة من خطوط ''الإنتاج''، السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحلية، إلى جانب خطوط إنتاج مخصصة للتصدير.. دولية وإقليمية وعربية ونووية وتخريبية. ولأنها كانت ''مباركة'' من المرشد الأعلى علي خامنئي، كان إنتاجها وافراً، يتماشى مع التبريكات العليا، ويتماهى مع المقدمات المطلوبة لظهور المهدي الفالت، الذي لم يتم العثور عليه حتى الآن!
ورغم أن الحكومات الإيرانية التي سبقت حكومة نجاد، لم تكن بمنأى عن سياسة التضليل والأكاذيب، ولاسيما فيما يرتبط بضوابط التُقية الصارمة، إلا أن الحكومة الأخيرة تجاوزت كل الحكومات في ذلك، خصوصاً على الصعيد الداخلي، و''تفننت'' بالأكاذيب في المجال الاقتصادي المحلي، الذي يمس المواطن الإيراني مباشرة. فلم تقدم تقريراً صحيحاً واحداً عما يحدث في اقتصاد البلاد، على مدى ثماني سنوات. وقد بلغت فداحة الأمر، أن امتنع حتى المصرف المركزي الإيراني لسنوات عن إصدار بيانات تتعلق بالنمو والتضخم والبطالة والفقر وارتفاع الأسعار والاحتياطي من القطع الأجنبي. وانضمت إليه مؤسسات محلية فضلت أيضاً عدم التعاطي بالتقارير الاقتصادية الواجبة، تجنباً لأية مواجهة حتمية مع حكومة نجاد، وأركانها الذين اعتقدوا أن للأكاذيب استدامة، وأعفوا أنفسهم من واجب العمل لـ ''اقتصاد مستدام''، أو على الأقل لاقتصاد قابل للنمو، كي لا نقول: الازدهار. وفي الوقت الذي كان يتوجب عليها فيه أن تعلن الحقائق كما هي، خصوصاً مع وجود بعض المبررات للأزمات الاقتصادية والمعيشية التي تعيشها البلاد، بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليها، فضل نجاد إنتاج الأكاذيب وتسويقها وتصديرها!
في الأيام الأولى لتسلم حسن روحاني مقاليد الحكم في إيران، تلقى رسالة من تجمع خبراء الاقتصاد المحلي، يمكن ببساطة أن يكون عنوانها ''انتبه من أكاذيب نجاد''. الرسالة تحذر الرئيس الجديد، من الأوضاع الاقتصادية التي ورثها عن حكومة سلفه، ويتهم أصحابها هذه الحكومة بالكذب والتلاعب بالأرقام والإحصاءات الاقتصادية، لتحقيق هدف واحد، وهو تضليل الرأي العام. ويهتم ''تجمع خبراء الاقتصاد'' بالدرجة الأولى، في ضرورة عدم وضع برامج وخطط اقتصادية تستند إلى التقارير والإحصاءات التي أصدرتها الحكومة السابقة. ولحل هذه المشكلة، فقد وجد هؤلاء ''أهمية الاستعانة بالتقارير الاقتصادية التي صدرت عن جهات اقتصادية مستقلة خارج إيران، لإنقاذ الاقتصاد الإيراني المريض''. والحقيقة أن مثل هذا الأمر لا يحدث إلا في الدول المارقة التي تتغير فيها الحكومات. هذا إن تغيرت فعلياً.
ولعل من أهم النقاط في هذه الرسالة، التحذير من وقوع حكومة روحاني في فخ الأجواء الدعائية التي نشرتها حكومة سلفه. وهذا لا يعني أن قيام الرئيس الجديد بعرض الحقائق كما هي، سيؤدي الغرض ويحقق الهدف، بل عليه العمل من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من اقتصاد على وشك الانهيار. وهنا تكمن المصيبة. فحتى لو افترضنا أن روحاني عازم بالفعل على محاولة الإنقاذ، فإنه لن يحقق شيئاً في هذا المجال، إذا لم يحصل على ''تبريكات'' خامنئي، الذي يعيش في عالم يتصادم (في الواقع) مع الواقع! ولمرشد ''الثورة'' مشاريع سياسية- اقتصادية خارجية تخريبية، تعطل منذ سنوات أي مشاريع محلية تهدف إلى احتواء التداعيات المتواصلة على الساحة. والحقيقة.. المثل الشعبي المعروف ''ما يحتاجه البيت يحرم عن الجامع''، هو عند خامنئي بالمقلوب!
يقدم خبراء الاقتصاد في إيران مجموعة من الآليات والاستراتيجيات لمواجهة المحنة الاقتصادية في بلادهم، بما في ذلك استقلالية البنك المركزي، وإجراء إصلاحات في السياسات المالية، يكون محورها، أهداف اقتصادية شاملة، وإحياء دور وزارة المالية، ووضع ضوابط وقوانين صارمة من أجل تسهيل تطبيق الآليات والسياسات الضريبية في البلاد. ويعتقد هؤلاء، أن هذه الآليات هي الوحيدة التي يمكن أن تحقق شيئاً إيجابياً في المرحلة المقبلة. خصوصاً أنها ستصنع شيئاً مع التضخم، وستمنع حدوث هبوط مفاجئ للعملة. غير أن هذا كله، يظل في النطاق النظري، في بلد يحتكر فيه الكلمة الأخيرة ''مرشد''، ليس قابلاً لفهم حقيقة ما يجري، لأنه ليس مستعداً للاعتراف بما يجري! فكل الآليات والمخططات تبقى بلا قيمة.
في إيران اليوم.. لو كان رئيسها في السلطة وليس في الحكم فقط. هناك حل بسيط جداً للعديد من الأزمات الاقتصادية التي تعيشها، لا يكلف شيئاً يذكر، وهو أن يقوم الرئيس الجديد بدراسة متأنية للمخططات الاقتصادية التي أطلقها سلفه أحمدي نجاد، وينفذها بالعكس. لكن السؤال يبقى هو.. هو، هل يقبل خامنئي (منتظِر المهدي) بذلك؟! الجواب بسهولة الحل نفسه. لا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق