الجمعة، 26 أبريل 2013

القنوات الفضائية الأجنبية.. قيم مفقودة بنسخها العربية

(المقال خاص بمجلة جهاز إذاعة وتلفزيون الخليج)




"علي أن أقول: إني أجد التلفزيون تعليمياً. في اللحظة التي يفتح أحدهم جهاز التلفزيون، أذهب إلى المكتبة وأقرأ كتاباً جيداً"
جروشو ماركس، كوميدي أميركي، ونجم سينمائي وتلفزيوني



كتب: محمد كركوتـــي


على مدى عدة سنوات متلاحقة، تلاحقت انطلاقات القنوات الأجنبية بنسخها العربية. بعد سلسلة طويلة من استنساخ القنوات العربية لعدد كبير من البرامج الأجنبية، دون أي شكل من المساهمة الإبداعية من الجانب العربي. وهذا النوع من الاستنساخ، أتى في الواقع بعد مجموعة أخرى من "الاستنساخات" لمطبوعات أجنبية، بعضها صمد بهشاشة بالغة (حتى الآن)، وبعضها الآخر توقف، لأسباب مختلفة في مقدمتها المالية. ولولا الحكومات التي تقف وراء الفضائيات المستنسخة، لتوقفت هي الأخرى، بسرعات مختلفة وإن كانت متقاربة. خصوصاً أنها ليست "بقالات فضائية" يقيم عليها فرد أو إثنان، تقدم "النفايات" الإعلامية. هذه "البقالات" يمكنها الاستمرار بمرتب موظف من الدرجة العاشرة. قبل ثلاث سنوات، زرت مركز "نايل سات" لخدمات البث الفضائي في القاهرة، ووجدت قنوات فضائية يشغلها "فراش"، مهمته تلقيم أجهزة البث بالأشرطة في الوقت المناسب! أما المساحة المخصصة للقناة، فهي لا تزيد عن مترين مربعين!

بعد قرابة عقد من الزمن على انطلاق الفضائيات الأجنبية المستنسخة عربياً، مع الأخذ في الاعتبار، المساحة الزمنية لكل واحدة منها. يمكن تقييمها بصورة علمية وعملية، ومقارنتها، ليس مع غيرها من الفضائيات العربية الخالصة، بل مع الفضائيات الأجنبية المتوالدة منها. وبالإمكان طرح كل الأسئلة، وفي مقدمتها السؤال الكبير: هل تتساوى قيمة الأصل مع نسخته؟ وهذا الأمر يرتبط بالمحتوى والشكل أيضاً. ففي دنيا التلفزيون، توازى الشكل والمحتوى أهمية. بل في كثير من الأحيان بات يفوقه، بصرف النظر عن الاختلاف والتوافق حول هذه النقطة. في بعض الأحيان، يسيطر الشكل على المحتوى، وغالباً ما يكون الناتج سطحياً، أو بلا معنى. لكن علينا أن نعترف، بأن لهذا الناتج مستهلكون يتزايدون، ليس لأنهم أقل إدراكاً، بل لكونهم يتلقون سيل "النفايات" الإعلامية، حتى من بعض الفضائيات العربية المحسوبة على قيد المؤسسات لا "البقالات".

لا يمكن الجزم، بأن الفضائيات الأجنبية المستنسخة عربياً، حققت تقارباً مطلوباً بين الأصل والنسخة. والأسباب كثيرة، من بينها، أن الجودة المهنية في النسخة العربية، بقيت أقل منها في النسخة الأصلية. وهذا يتضح، من خلال متابعة نشرات الأخبار والبرامج المنتجة عربياً. وينطبق على كل مناحي الإنتاج، إلى درجة شملت حتى جودة اختيار ضيوف البرامج والنشرات الإخبارية!  وهذا أمر لا يتطلب، خبرات ضاربة، بل متابعات بسيطة يمكن من خلالها الوصول إلى الجودة المفقودة في هذا المجال. وقد يمر برنامج ضعيف الإعداد والتقديم، على شرائح متعددة من المتابعين لهذه الفضائيات، دون الاهتمام بتحديد مستواه المهني، لكن باتت النسبة الأكبر من هؤلاء المتابعين، تولي اهتماماً كبيراً في مستوى النشرات الإخبارية في الفضائيات المستنسخة، وذلك لسهولة تحديد مكامن الضعف في الإعداد والمحتوى والتقديم، يضاف إلى ذلك، أن دائرة المقارنة بين الفضائيات في المجال الإخباري، تبقى أوسع منها في النطاق البرامجي. وهذا كله لا دخل له في الرقابة، التي تقهقرت (بالفعل) إلى مستويات متدنية في العشرين  سنة الماضية. قبل ذلك، كان الفشل الإعلامي المهني العربي، يُعلق على الرقابة. وهذه الأخيرة كانت تعيق (بلاشك)، لكنها فشلت هي نفسها، في طمس القدرات المهنية الإعلامية العربية النادرة. فالمهني الناجح، لابد له من أن يمر، حتى من "الأسلاك الشائكة" للرقابة.

ومع أنه من المفروض أن يكون العمل في الفضائيات المستنسخة، أكثر سهولة من غيرها، على اعتبار أنها تعمل وفق مخطط يُطبق قبل وجودها على الأرض بالفعل، وفي نطاق استراتيجية وضعت لها من قِبَل الغير ويجري تنفيذها أيضاً، إلا أن الثغرات تبدو جلية في التنفيذ العربي. مما يعزز الاعتقاد، بأن الفضائيات الأجنبية الأصلية، لا تتابع بصورة محكمة نسخها العربية، وإن فعلت، فإن متابعاتها لها، لا تشمل العمق بقدر السطح. ومن الواضح أيضاً، أن "الأصلية" تواجه مصاعب في العثور على الإدارات المثلى في الجانب العربي، وأنها تكتفي بما يُنتَج، طالما أن ذلك لا يؤثر على سمعتها في ساحاتها الأصلية. هذا لا يعني (بالضرورة) أن ما تقدمه الفضائيات الأصلية، هو الأفضل دائماً. وما أعنيه هنا، أن الفضائيات المستنسخة أخفقت في كثير من الأحيان، في الاستفادة مما لدى "الأصلية" من جودة. وهنا، لا دخل للتباين الثقافي بين الأصلي والتقليد. الموجود حقاً هو التباين المهني بين الطرفين، إلى جانب الفروقات الشاسعة في مستويات الإدارة بين الجانبين. وللإنصاف، هذه النقطة الأخيرة ، تخضع (في زحمة ما تخضع)، إلى وجود الاستدامة في الأصل، وغيابها في الفرع.

لكن هذا لا يبرر (بأي حال من الأحوال)، الفارق الكبير في الجودة بين الجهتين. واللافت أن الفارق ينسحب حتى على شكل الأداء على عدد من الفضائيات المستنسخة. وهذا الجانب ليس صعب التنفيذ، إذا ما تم الالتزام بالمعايير "الشكلية" المطبقة أصلاً في مكان آخر. لكن الفجوة هنا، ليست ناتجة عن ثغرات في الإطار، بل عن غياب الروح المطلوبة لدى أولئك الذين يملؤن الإطار. وهذا بحد ذاته، لا يخضع للتدريب أو التمرين فقط، بل إلى الموهبة. وإذا ما نظرنا إلى بعض الفضائيات الأجنبية، التي تعتمد على الشكل أكثر قليلاً من المضمون (سكاي نيوز مثلاً)، نستطيع بسهولة أن نلمس الروح المفقودة في نسخها العربية. دون أن ننسى، أن الرشاقة التلفزيونية الطبيعية المرغوبة لا الاصطناعية الفجة، لا تزال بعيدة عن سوق الإعلام العربي كله الأصلي والمستنسخ. وهذه الرشاقة، غالباً ما تغطي الكثير من العيوب في الطروحات. هناك محطات تلفزيونية أجنبية كبيرة، أخذت مكانها المتعاظم على الساحة من هذه الناحية فقط، قبل أن تعمل على تحسين أدائها من جهة المحتوى.                                            

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق