السبت، 4 مايو 2013

حسني البورظان «الاقتصادي»

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")






«أنا أكذب على نفسي كل الوقت، لكن أبدًا لا أُصَدقَني»
سوزان هيلتون - كاتبة أمريكية



كتب: محمد كركوتـــــي


لا أحد يتوقع من أي موالٍ لنظام سفاح سورية بشار الأسد أن يكون صادقًا؛ لأن الصدق هو انتحار لنظام تشكل الأكاذيب ''ترسانته النووية'' الدفاعية والهجومية. وكل من يخطئ.. ويصدق، ولم يهرب من الموالين الذين لا يزالون إلى جانب الأسد، يعرف أشكال العقاب. وفي مقدمتها ''الانتحار'' المتتابع لمنتحر واحد! وفي روايات هذا النظام الهمجي (أبًا وابنًا) عن قضايا انتحار المسؤولين، يحق لنا أن نتخيل، أن المنتحر يتناول فنجان قهوة بين الطلقة الأولى والثانية، وربما تناول طعام الغداء. حسنًا، من البدائل المتاحة للمنتحر الصادق، تقديم طلب ''رسمي'' للاختفاء! فالبدائل (في النهاية) تتأرجح بين الاختفاء والاختفاء! أو بين الزوال والزوال! الصدق ليس سوى رصاصة متفجرة في رأس الصادق.
أن يعلن حاكم المصرف المركزي ''السوري'' (لقد ثبت على مدى أربعة عقود أن هذا المصرف ليس مركزيًّا وليس وطنيًّا سوريًّا)، أن الأسد على وشك الاتفاق مع روسيا وإيران للحصول على دعم مالي، لتعويض الخسائر التي مني بها الاقتصاد، فهو لا يطلق خبرًا. ولولا هذان البلدان، لزال الأسد ونظامه الإجرامي من أول صرخة طفل، لا من سلاح ثائر ولا بندقية صيد لمتمرد. وعندما يصل موضوع التمويل المالي لهذا النظام من جانب نظامي فلاديمير بوتين وعلي خامنئي، إلى مرحلة المفاوضات، هذا يعني، أن المكاسب التي تحصل عليها كلٌّ من موسكو وطهران، مقابل الاحتضان المريع لهذا النظام، لم تعد مجدية كثيرًا، أو باتت أقل مما يقدَّم له على الصعيد المالي. فالإمدادات العسكرية، بكل توابعها بما في ذلك عصابات المرتزقة وقُطَّاع الطرق، يمكن أن تمضي إلى الأمام بلا حساب، لكن في الجانب المالي لا بد من الحساب وإعادة الحساب، وذلك لأسباب كثيرة، في مقدمتها، أن إيران، باتت بحاجة فعلًا لمن يمدها ماليًّا، بينما لا تعرف (ولا تقبل) روسيا (على مدى تاريخها) نظام الهبات.
فلاديمير بوتين يعرف أن الأسد يتجه إلى الزوال، والحقيقة أن العالم أجمع يعرف هذه الحقيقة إلا سفاح سورية فقط. وإذا ما تم التوقيع على ''الاتفاق'' المالي فعلًا بين الأسد وبوتين، فإن هذا الأخير، يلفُّ حبلًا ماليًّا سميكًا حول رقبة السوريين ما بعد زوال الأسد. تمامًا كما فعلت الصين قبل عام، عندما اشترت نسبة من السندات التي أصدرها الأسد، في سياق بيع مستقبل سورية، بعد أن نهب ودمر ماضيها وحاضرها. سيقبل النظام اللاشرعي في سورية بكل الشروط الروسية، وسيقوم بتسويق الأموال المشينة الناجمة عنها، على أنها ''إغاثة'' لا بد منها للسوريين، دون أن ننسى أن الاتفاقات التي يبرمها هذا النظام لا تزال شرعية بالمعايير الدولية؛ لأن المجتمع الدولي أزال حقًّا شرعية الأسد، لكن صوتيًّا لا عمليًّا! وهذه ''الإزالة'' وفرت عناوين ضاربة، لكن بلا معنى أو قيمة. وعلى هذا الأساس، فإن كل اتفاق يوقعه هذا النظام، هو بمنزلة قيد مستقبلي على سورية الحرة.
على الجانب الإيراني هناك اختلاف واضح في هذا المجال. فنظام الملالي لا يتعاطى مع سورية كدولة مستقلة، بل كإقليم إيراني ليس ملتصقًا جغرافيًّا ببلاده. وبالتالي فالأسد لا يخضع لشروط مشابهة لتلك التي تفرضها موسكو. لكن المشكلة التي يواجهها خامنئي في هذا النطاق، أن بلاده تتعايش (حتى الآن) من أزمات اقتصادية ليست صعبة فحسب، بل خطيرة متفجرة على الصعيدين السياسي والاجتماعي. فلا يمكن (على سبيل المثال) أن يسند خامنئي الليرة السورية إلى ما لا نهاية، بينما يفشل في الواقع في إسناد الريال الإيراني، ومنعه من الانهيار الكلي. ويصعب عليه، ضخ الأموال لخزانة الأسد، في حين يتلقى يوميًّا جداول الانخفاض الرهيب في الخزانة العامة لبلاده. فهو يعيش حالة اقتصادية ليست أفضل كثيرًا من الحالة التي يعيشها الأسد، في مقدمة مسبباتها العقوبات الدولية المختلفة المفروضة عليه، والحصار الاقتصادي الذي يخترقه، ولكن ليس بالشكل الذي يوفر السيولة المالية المنقذة لسفاح سورية.
في الإمدادات المالية القاتلة (مستقبلًا) للشعب السوري، هناك محاذير. ولكن في الإمدادات العسكرية المبيدة (حاليًّا) لهذا الشعب، لا توجد أي محاذير، لا على الجانب الروسي ولا على الجانب الإيراني. والأكاذيب الروسية جاهزة في هذا المجال، كما الفتاوى الإيرانية. سيحاول خامنئي مَدَّ الأسد إلى آخر مدى في كل شيء، بما في ذلك ما يستطيع ماليًّا. فقد اعتبر علنًا، أن هذا الأخير ليس سوى مجرد محافظ لمدينة إيرانية! وهو بذلك يقدم الإمدادات لمدينة في بلاده! وعند طهران أهمية الشعب لا ترقى أبدًا إلى أهمية ''المحافظ''، كذلك تفعل مع نوري المالكي في العراق، وحسن نصر الله في لبنان. لكن معايير بوتين تختلف، وتختلف أكثر كلما عرف موعد نهاية الأسد، لتأخذ منحى أشد صرامة، وأكثر قيودًا، وأكبر بلاء للشعب السوري في دولته المقبلة الحرة.
يقول الأديب الأمريكي مارك توين: ''إن قلت الحقيقة، ليس عليك أن تتذكر كل شيء''، وعندما يتحدث من تبقى من الموالين لسفاح سورية، لا يطرحون إلا الأشياء الجانبية الوهمية، لتغطية ما أمكن من فداحة الأكاذيب. لقد قال حاكم المصرف المركزي ''السوري'': ''إن الوضع الاقتصادي في سورية، يشبه الوضع الاقتصادي في اليونان''! إنه حسني البورظان (الممثل السوري الراحل) ''الاقتصادي''، الذي كان يردد في مشاهد التهريج عبارته الشهيرة ''إذا أردنا أن نعرف ما في إيطاليا، علينا أن نعرف ما في البرازيل''!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق