الثلاثاء، 16 أبريل 2013

التسلل الاقتصادي الإيراني باتجاه المتسللين في مصر

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")



«قطع العلاقات مع إيران كان خطأ، ولا بد من الاستعانة بخبراتها»
جمال حشمت قيادي في جماعة الإخوان المسلمين المصرية

كتب: محمد كركوتـــي

تخسر إيران تدريجيًّا سفاح سورية بشار الأسد. ''واقعيو'' النظام الإيراني– إن وجدوا- يعرفون ذلك، ويدركون أيضًا أن الأسد حالة زائلة، وأن الإمدادات الإيرانية، من المرتزقة والقتلة، إلى الإمدادات المالية والعسكرية، إلى تشغيل العراق وعصابة ''حزب الله''، لن تساهم في منع حتمية الزوال، وإن أخَّرتها. الإيرانيون يخسرون جيوبهم الإقليمية. وهذه الجيوب ليست لها ''أزرار''؛ لأن متانة ''البطانة'' أضعف من أن تشبك ''زرًّا'' واحدًا. علي خامنئي يحتاج إلى جيب بديل. وهل هناك أهم من مصر (بعد الأسد) من جيب؟ خصوصًا أن الرئيس ''المؤمن جدًّا'' محمد مرسي، يرى في إيران ما لا يراه العرب أو العالم أجمع! بينما لم يحاول– منذ وصوله إلى السلطة فرحًا بشرعية طفيفة- أن يُحسن البيئة التاريخية الحاضنة للعلاقات بين مصر والغالبية العظمى من البلدان العربية، وفي مقدمتها دول الخليج.
هناك تشابه استراتيجي تاريخي بين تسلل إيران وتسلل الإخوان، يوفر أرضية سهلة للتناغم بين الطرفين. ليس مهمًّا الخلاف الطائفي المحوري بينهما، طالما أنه لا ينال من أهدافهما. فالنظام الإيراني يتحالف مع الشر، والنظام الإخواني يتحالف مع الشيطان، والفتاوى جاهزة. ولا بأس أن يسمح خامنئي لمرسي بالترضي على الخلفاء الراشدين في طهران، ليعيش هذا الأخير نشوة نصر وهمي، وأيضًا لا بأس لمرسي أن يسمح لمساعديه، بإطلاق توصيف الأشقاء على المسؤولين الإيرانيين. في الواقع لقد فعلها الأسد ونظامه قبله بعقود، وكانت النتيجة ''الإيرانيون الأشقاء.. العرب الأعداء''! حسنًا.. ألم يعلن علي أكبر ولايتي مستشار خامنئي ''إننا ندعم الإخوان؛ لأنهم الأقرب إلينا عقائديًّا بين كل الجماعات الإسلامية''؟!
إيران لم تتسلل إلى مصر سياسيًّا. فالمواقف المعلنة المتبادلة للطرفين، واضحة لا تحتاج لتفسير، والعروض الإيرانية في هذا المجال كثيرة وفاضحة، بما في ذلك إعلان نظام الملالي، عن استعداده لنقل التجربة الإيرانية في ماذا؟ في أسلمة الدولة. ولا أعرف إذا ما كان ''الخبراء'' الإيرانيون سينقلون معهم المادة 12 من دستورهم، التي تنص على ''أن المذهب الجعفري الإنثي عشري يبقى إلى الأبد المذهب الرسمي لإيران وغير قابل للتغير''. التسلل الإيراني ينحصر في الجانب الاقتصادي، إضافة (طبعًا) إلى التسلل الطائفي المتواصل لنشر التشيع في مصر. ورغم المصائب الاقتصادية التي تواجهها إيران منذ سنوات، بما في ذلك، الانهيار المستمر لعملتها، وارتفاع تاريخي للتضخم، وتراجع مخيف لاحتياطيها من النقد الأجنبي، وعجزها حتى عن صيانة منشآتها النفطية، بل تخلفها عن سداد مرتبات العاملين في منشآتها النووية نفسها! غير أنها مستعدة اقتصاديًّا لمساعدة مصر. فاحتواء هذا البلد يبرر كل شيء، ولا سيما أن للتسلل.. متسللين محليين يسهلون.
لكن السؤال الأهم، هل يستطيع نظام خامنئي أن يقدم ما يمكن أن يحمي الاقتصاد المصري المتداعي؟ علمًا بأن مصر ليست بحاجة إلى خبراء لأسلمة المؤسسات. فالأسلمة (الأخونة) المحلية تسير بسرعة أوليمبية. والسؤال الآخر، هل ستتمكن طهران من تمويل الأسد ومرسي في آن معًا؟ لقد استنزف الأول (ومعه العقوبات الدولية المفروضة على إيران) الأموال والقدرات الإيرانية. الوعود انهالت على مرسي سواء بشكل مباشر، أو عن طريق المرشد الحاكم الفعلي للبلاد، وهي تدور حول الدعم الاقتصادي والتجاري والمالي. تحتاج مصر لأموال ضامنة هائلة، لا تنفع في حالتها الوعود. فحتى القرض الذي يمني مرسي النفس به من صندوق النقد الدولي، لن يكفي البلاد إلا أشهر، رغم مخاطره التي باتت معروفة حتى في أوساط ''صبيان'' المقاهي.
تستطيع إيران التسلل. هذا في صلب استراتيجيتها. وتستطيع أن تنشر الوعود في الأرجاء، وتستطيع أيضًا أن تتعانق أطول فترة ممكنة مع المتسللين المحليين. لكنها لن تتمكن من تقديم ما يفيد مصر وشعبها. بل على العكس تمامًا، لن تقدم إلا الشر. لننظر فقط إلى سورية والعراق ولبنان واليمن وقطاع غزة والبحرين. لقد بدأ الإيرانيون دعمهم لمرسي (لا لمصر) بماذا؟ بتصدير وفود ''سياحية''، وهذا أسلوب قديم مفضوح للتغلغل وللتخريب الاجتماعي. بالتأكيد لن تنفع هذه الوفود في دفع عجلة الاقتصاد أو حل مشكلة من مشاكله الكبيرة، إلا أنها تمثل (في النهاية) جزءًا أصيلًا من أدوات أساسية إلى بلد، سمح حكامه لخامنئي بالإنفاق على مزارات آل البيت فيه! وهذه أولى خطوات التغلغل بعد التسلل. اليوم سياح، وغدًا حجاج، وبعد غد حقوق الشيعة في مصر، وبعده (ربما) حزب الله المصري.
إنها استراتيجية تقليدية، ليس من المتوقع أن يعرفها مرسي، ولا أي مسؤول عند المرشد. فهؤلاء مشغولون الآن (وغدًا) بـ ''الأخونة''؛ لأنها هي الاستراتيجية المحورية لديهم، ولا وقت عندهم للانشغال لا بالاستثمارات ولا الإصلاحات ولا السياسات الاقتصادية التي تحاكي الكارثة، وتقلل معاناة الشعب المصري المعيشية. كما أنهم لا يريدون أن يفهموا حقيقة وعود اقتصادية إيرانية، لا تأتي (إن أتت) إلا تسللًا، تجر معها برنامج الشر، بحثًا عن جيب آخر، لن يستهدف إلا العرب قبل غيرهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق