الخميس، 25 أبريل 2013

قرض .. «بركة».. مسؤولون لا يفهمون

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")



«مصر تعود. إنها عادت. وسوف تكون مركز الامتياز في المنطقة وربما في العالم أجمع»
هشام قنديل - رئيس وزراء مصر



كتب: محمد كركوتـــي


طالما ظل الإخوان المسلمون في مصر، يتمسكون بحكومة هشام قنديل، على الرغم من أنها أثبتت ''جدارة'' لا حدود لها في ارتكاب الفشل تلو الآخر، عليهم أن يفكروا بإخضاع رئيس الوزراء لدورات تدريبية ومعه (على الأقل) أركان حكومته المكلفين برعاية الشؤون الاقتصادية في البلاد. لقد انضم الوزراء في هذه الحكومة إلى ''البطالة المقَنَّعة''. وعلى الرغم من أن قرار المرشد بإجراء تعديل وزاري وصل إلى الرئيس المؤمن جدًّا محمد مرسي، وأسرع هذا الأخير بالإعلان عنه، إلا أنه لم يشر بأي شكل من الأشكال، إلى أن هذا التعديل سيشمل المسؤولين عن السياسة الاقتصادية (إن وجدت أصلًا) في مصر. ربما أراد المرشد، أن يدخل التاريخ بأي طريقة كانت، فأمر بأسرع تعديل وزاري، ويعزز دخوله أكثر، بالإبقاء على الفريق الاقتصادي، كمكافأة على فشله.
أتى وفد صندوق النقد الدولي إلى مصر، وغادرها دون اتفاق على القرض الذي يعلق عليه مرسي آمالًا كبيرة، في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من اقتصاد البلاد، أو في أحسن الأحوال في تخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة. بعد 12 يومًا من المفاوضات والمباحثات، وجد أعضاء وفد ''الصندوق''، أن أحدًا من الجانب المصري، ليس مؤهلًا لخوض هذا النوع من المفاوضات، بل ليس مؤهلًا حتى لعرض خطة اقتصادية متماسكة. وباستثناء محافظ البنك المركزي، الذي يتمتع بالحد المطلوب في نطاق اختصاصاته، فإن باقي أعضاء الفريق المصري، لا يملكون الحد الأدنى من الخبرات. وقد نُسب إلى أحد المسؤولين في ''الصندوق'' قوله: ''إن صندوق النقد، لم يصادف مثل هذا النوع من المفاوضين، منذ تأسيسه وحتى الآن''. لقد أثبت كل واحد من المسؤولين المصريين المفاوضين، بأنه بلا وزن، ليس على صعيد التفاوض فحسب، بل من جهة الخبرة وفهم ما يجري على ساحتهم الاقتصادية الداخلية أيضًا.
أمام هذا الواقع المخيف، ليس أمام ''صندوق النقد'' إلا أن يقترح على مرسي، أن يرسل مفاوضيه إلى إحدى الدورات التدريبية التي تطلقها منظمة العمل الدولية، قبل أن تعود المفاوضات إلى الدوران من جديد، هذا إن كان هناك أمل في عودتها. لا يعقل بأي حال من الأحوال، ألا يوجد في مصر كلها اقتصادي يفهم ما يقول، إلا محافظ البنك المركزي! وبالفعل تواجه الجهات الدولية المعنية بالقرض وبغيره من القضايا الاقتصادية المرتبطة، أزمة حقيقية في التواصل، للوصول إلى استنتاجات واقعية. وهذا جانب من الجوانب التي تعطل الوصول إلى اتفاق ما بين الطرفين، إضافة إلى أن الخطة التي قدمتها حكومة قنديل، لم تكن واقعية، بل إنها تكاد تكون خطة لبلد آخر غير مصر، كما قال أحد المقربين من وفد ''صندوق النقد''. وأيضًا لا تتوقف القضية عند هذا الحد. فـ''الصندوق'' يخشى أساسًا من ضعف حكومة مرسي، ومن تخبطها، ومن عدم الاستقرار السياسي، ومن الفوضى في اتخاذ القرارات. وهذا يجعلها غير قادرة على إجراء إصلاحات بسيطة طلبها ''الصندوق''، ولا سيما بعد أن خفض المفاوضون من حجم مطالبهم من الحكومة المصرية.
مصر تحتاج لقرض ''الصندوق''، ليس فقط من ناحية قيمته المالية البالغة 4,8 مليار دولار أمريكي؛ بل لأنه أيضًا يفتح أمام البلاد آفاقًا استثمارية جديدة. فالقرض في النهاية هو إشارة واضحة إلى وجود ثقة بالاقتصاد المصري، الأمر الذي تحتاج إليه مصر في هذا الوقت بالذات. فالاحتياطي من القطع الأجنبي في تدهور مستمر، والسياحة تتراجع، وكذلك الاستثمارات. ولو أضفنا إلى هذا المشهد، ريبة مفاوضي ''الصندوق'' من قدرة المسؤولين في حكومة مرسي على فهم ما يجري، نستطيع أن نتصور الناتج النهائي، لكل هذه المفاوضات. تستطيع مصر حاليًّا تدبُّر أمرها بدون القرض المنشود، ولكن ليس لوقت طويل. فكل التقديرات تجمع على أن البلاد يمكنها أن تتحمل النقص في كل شيء تقريبًا، كما أنها تستطيع أن تتجنب أزمة في ميزان المدفوعات، حتى نهاية العام الحالي فقط. وبعد ذلك، سيصل اقتصاد البلاد إلى حافة الهاوية، مما سيرفع حجم الاحتياجات المطلوبة أكثر.
ما تحتاج إليه مصر الآن، ليس فقط قرضًا دوليًّا يوفر لها بعض الثقة، بل فهم عملي من القائمين على صنع القرار لما يجري على الساحة. هل يعقل أن يسوق الإخوان المسلمون في وسائل إعلامهم، أن ''البركة'' طُرحت في محصول القمح حتى قبل جَنْيِهِ! بينما الرئيس مرسي ''المبارك'' يستجدي زيادة في صادرات القمح الروسي إلى مصر؟! كان وفد صندوق النقد الدولي على حق، عندما غادر القاهرة مصدومًا من نظرائه، الذين يفترض أن تكون لهم القدرة على إقناع الطرف الآخر بما يطرحونه من أفكار ومخططات ومشاريع تخص مستقبل أمة بأكملها. المصيبة، أن رئيس وفد ''الصندوق'' أندرياس باور قالها بوضوح وبصورة معلنة: ''ليس لديهم خطط واضحة على الصعيدين المالي والاقتصادي''. دون أن يقول طبعًا، إنه لا يعترف بـ ''بركة'' الرئيس مرسي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق