الثلاثاء، 22 يناير 2013

الأسد وخامنئي واتفاقية شر جديد

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")




«عدم التعامل مع الشر واجب، كواجب التعامل مع الخير»
مهاتما غاندي الزعيم الهندي



كتب: محمد كركوتـــي


تربط نظام سفاح سورية بشار الأسد، مع نظام علي خامنئي الإيراني، معاهدة يمكن تسميتها بسهولة ودون تردد ''معاهدة الهلاك''، تستهدف الشعب السوري بـ ''فورانها الراهن''، إلى جانب استهدافها المتأصل لكل المنطقة العربية. وليس أفضل للمخطط الإيراني التاريخي، من أن يكون قلب العرب (سورية) في أيدي الملالي، وليس أسهل للاحتفاظ بهذا القلب أطول فترة ممكنة، إلا وجود حاكم لا شرعي في دمشق. وهو كذلك في زمن الأب أيضاً. معاهدة الهلاك هذه، وُلدت في الواقع من خلال حلف بين الطرفين، ظهرت أشكاله المتنوعة طبقاً للمراحل المتنوعة التي مرت بها المنطقة ككل. وعلى هذا الأساس تزداد اتفاقيات المعاهدة وتتنوع أيضاً. بعض هذه الاتفاقيات لا يُوقَع، على اعتبار أن محتواها بحد ذاته يشكل تهمة، والبعض الآخر يدخل إطار التوقيع، كجزء من الشكليات المطلوبة. بروتوكولياً وإعلامياً على الأقل.
لو تمكن الأسد وخامنئي من الإعلان عن وحدة ''انصهارية'' لفعلا ذلك. لكن ليس الأمر مهماً، طالما أن معايير ''الانصهار'' هي التي تحكم العلاقات بينهما. فـ ''انصهار'' فعلي حقيقي على الأرض، أفضل آلاف المرات من ''انصهار'' معلن، سيؤدي حتماً إلى رفع عدد ''العيون'' التي تحدق بهذه العلاقة المشينة، وسيضطر ''المنصهران'' للإجابة على أسئلة لن تصب في مصلحتهما، وفي أفضل الأحوال، تنغص عليهما. لا بأس إذن من معاهدة تحت مسميات مختلفة، ولكنها في النهاية ستبقى ''معاهدة الهلاك''، استناداً لـ ''منتجاتها''، وآثارها المدمرة في كل الاتجاهات، سورياً وعربياً وإقليمياً ودولياً. وعلى هذا الأساس، اتفق الجانبان على إعلان التوقيع عن اتفاقية نقل الطاقة ومعدات كهربائية، وخط تسهيل ائتماني يصل إلى مليار دولار أمريكي، بين المصرف التجاري ''السوري''، وبنك تنمية الصادرات في إيران. وهي – كبقية الاتفاقيات- ليست سوى ''اتفاقية شر'' جديد، تدعم الاستراتيجية الإيرانية الثابتة، القائمة على دعم وتمويل وإمداد الأسد وعصاباته بكل شيء أملاً في مد عمر نظامه المتهاوي. وهذا الأخير، يحتاج إلى أي عون، ليس للتنمية (طبعاً)، بل لاستكمال حرب الإبادة التي يشنها على الشعب السوري، منذ قرابة العامين. فقد استنزفت هذه الحرب ما تركه الناهبون (أركان النظام) من أموال في سورية.
المليار دولار الجديد، يضاف إلى مليارات الدولارات التي وصلت إلى الأسد من نظام خامنئي، منذ اندلاع الثورة الشعبية في سورية. ففي عام واحد فقط، ضخ الإيرانيون أكثر من ستة مليارات دولار نقداً في خزائن الأسد، إلى جانب الجسور الجوية لنقل الأسلحة له عبر الأجواء العراقية، وشحنات الوقود التي لم تتوقف، فضلاً عن تصدير المرتزقة الإيرانيين المتخصصين في قنص وقتل السوريين، وفي توفير التدريب الملائم للقتل. وأمام هذه الحقائق، لا يكاد المليار دولار الجديد يساوي شيئاً، مقارنة بما قدمته (وتقدمه) إيران للأسد، وبما تستعد لتقديمه له في المرحلة المقبلة. فـ ''معاهدة الهلاك'' تعج بالاتفاقيات السياسية والعسكرية والاقتصادية، وتكفل الدعم اللازم للأسد، حتى دون اتفاقيات. وللتأكيد على ذلك، جعل خامنئي بند التسهيل الائتماني في الاتفاقية الأخيرة مفتوحاً، أو في أحسن الأحوال مرناً، بحيث ترتفع قيمته بصورة أوتوماتيكية، دون الحاجة (طبعاً) لمفاوضات ومحادثات بهذا الشأن.
تقوم إيران اليوم (وغداً) بكل هذا، وهي لا تعاني فقط أزمة اقتصادية، بل تواجه خطر انهيار اقتصادها الوطني، مع تراجع مخيف لاحتياطيها من القطع الأجنبي، ومن الجولات المتعددة - المتجددة للعقوبات الغربية عليها. وتقدم تسهيلات ائتمانية بينما تتبخر قيمة عملتها الوطنية. الشيء الوحيد الذي يؤجل انهيار هذا الاقتصاد، هو نجاح متميز لعمليات الاحتيال التي يقوم بها النظام الإيراني على العقوبات المفروضة عليه. وهو لا يزال يستطيع العثور، ليس على شركات ومؤسسات ومصارف تساعد في الاحتيال فحسب، بل على حكومات تقوم بذلك أيضاً. وهذه لوحدها مصيبة تواجه الجهات الفارضة للعقوبات. فالاحتيال في كل شيء، هو جزء أصيل من سياسة نظام خامنئي، فكيف الحال وهو يتعرض لهول العقوبات المتجددة؟!
من الواضح، أن ''معاهدة الهلاك'' بين الأسد وخامنئي، تحتم عليهما المضي قدماً حتى النهاية. نهاية أحدهما أو كليهما معاً. وهي ليست فقط ''مصنعاً'' لتوليد الاتفاقيات التي يحتاج إليها الأسد، ولكنها بمنزلة فتوى غريبة أخرى من فتاوى خامنئي ونظامه. فما يحتاج إليه الأسد يحرم على الشعب الإيراني نفسه! وإنقاذ سفاح سورية (أو بالأحرى وهم إنقاذه)، له الأولوية على كل الأولويات الأخرى، بما في ذلك الاحتياجات المعيشية والاجتماعية للإيرانيين أنفسهم! والأسد ليس خياراً إيرانياً، بل هو حتمية إيرانية لكل شيء. وهو في النهاية أداة من أدوات خامنئي تساعده في التمتع بأوهام السيطرة على المنطقة، أو تخريبها، أو ضرب استقرارها، وذلك انتظاراً لـ ''عودة'' المهدي الضائع، رغم أنه يتصل (كما يروج أتباع خامنئي، بل ويؤكدون) بهذا الأخير حتى عبر الهاتف المحمول، بالصوت و''المسجات''! ولكن لا أعرف.. لماذا لا يختصر الطريق، ويوفر على نفسه توقيع الاتفاقيات ويبعث للمهدي بـ ''مسج'' يطلب منه إنقاذ الأسد؟!
لو تمكن الأسد وخامنئي من الإعلان عن وحدة ''انصهارية'' لفعلا ذلك. لكن ليس الأمر مهماً، طالما أن معايير ''الانصهار'' هي التي تحكم العلاقات بينهما. فـ ''انصهار'' فعلي حقيقي على الأرض، أفضل آلاف المرات من ''انصهار'' معلن، سيؤدي حتماً إلى رفع عدد ''العيون'' التي تحدق بهذه العلاقة المشينة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق