الثلاثاء، 2 أغسطس 2011

إيران.. إنقاذ الأسد بالهمجية والمال

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية"



"المصالح ليست من الآليات التي تساعد الناس على العيش، بل هي من تلك الآليات التي تصنع الحرب"
سيمون فيل فيلسوفة فرنسية

 
 
  كتب: محمد كركوتــي
 
ليس أمام النظام القائم في إيران، سوى آليتين مفضوحتين للمساعدة في إخراج يائس وبائس لسلطة بشار الأسد من مأزقها المصيري، الناجم عن ثورة شعبية سلمية عارمة، لا مثيل لها ( من حيث عناصرها ووحشية السلطة) في تاريخ البلاد والمنطقة ككل، كما أنها لا تشبه حتى "زميلاتها" العربيات، بما في ذلك الثورة الشعبية ضد سفاح ليبيا معمر القذافي. ورغم وحشيه وبربرية هذا الأخير، لا يزال دون مستوى "جودة" وحشية وهمجية زميله بشار الأسد. فالأول صعَد من قتله الليبيين، بعد أن حمل الثوار السلاح، بينما الثاني، بلغ أوج مجازره منذ اليوم الأول لثورة لم يحمل فيها الثائرون سكين مطبخ، وأطبق حصاراً على المدن والمناطق والأرياف منذ اليوم الثاني لها، وقتل حملة الزهور والشموع في يومها الثالث، ونشر الدبابات مكان السيارات العائلية في اليوم الرابع. ومع اتمام الثورة السورية شهرها الرابع، اكتسبت الفرق العسكرية، والأجهزة "الأمنية"، وعصابات الحرس الثوري الإيراني ومعها عصابات حزب الله اللبناني، ولا بأس من خبراء فنزويليين.. اكتسبت بجدارة صفة القوات المحتلة، بينما المحتل الإسرائيلي يعربد في الجولان منذ أكثر من 44 عاماً، بل ويُصدر الأوامر المُطاعة لقوات الأسد!

الآلية الإيرانية الأولى، لإنقاذ يائس لسلطة بشار الأسد، هي تلك التي تُستخدم الآن في كل بقعة من الأرض السورية، وهي تستحق بدون منازع (مع "زميلتها" الأسدية) صفة "الآلية الهمجية"، لأنها ببساطة توفر أبشع "المنتجات". القتل والسحل والترويع والتهجير والاعتقال.. جزء أصيل منها، بالإضافة طبعاً، إلى التعذيب والإخفاء القسري والتجويع والإهانة والحصار ومداهمة المنازل. والمشكلة التي تواجهها سلطة الأسد (مع النظام المنتظِر للمهدي لـ "حل مشاكل الكون")، هي أن الآلية الموحدة بينهما، صدأة في مساحة زمنية قصيرة جداً جداً، تستحق الدخول في منافسة ضمن موسوعة "غينس" للأرقام القياسية. فمنذ الأيام الأولى للثورة السورية، لم تعد هذه الآلية قادرة حتى على منع متظاهر واحد أعزل، من الخروج طالباً للحرية، ولم ينفع وجود القناصين المرابطين على أسطح المنازل والمباني، في تخويف هذا المتظاهر أو ذاك. وقد بات مؤكداً، من خلال استعراض للمشهد العام في سورية، أن سلطة الأسد ومعها نظام العمائم السوداء (أو البيضاء، لا فرق)، لن ينجحا في إيقاف زخم التظاهر السلمي العَصي على الإخماد، حتى لو استوردا قناصاً واحداً لكل مواطن، وحتى لو حاصرا الأحياء، حياً.. حياً، وحتى لو احتلا المنازل، منزلاً.. منزلاً. والحقيقة أن النظام الإيراني أخطأ، عندما اعتقد بأن آلته الوحشية، التي نالت من الانتفاضات المتكررة ضده في إيران، يمكن أن تنال بالتحالف مع مثيلتها الأسدية، من ثورة الشعب السوري. فإرادة المقاوم (حتى سلمياً) من أجل المستقبل الحر، لا تقف أمامها إرادة ممسك بأوهام الماضي، مهما بلغت سماتها الوحشية والهمجية.

فشلت الآلية الأولى. والأصح أنها تفشل على مدار الساعة في سورية. فالدبابة أصبحت هشة، كما السلطة التي نشرتها، والقناص بات مرتعداً، كما رئيس العصابة الذي خصص له مكان تمركزه، والفرد "العسكري" أضحى خائفاً، كما قائده الذي أصدر له الأوامر. حسناً.. يقول النظام الإيراني، علينا بالمال. أخذ هذا النظام، يستعرض التجارب "الناجحة" لآليته المالية في لبنان، وكيف استطاع عن طريق ذراعه السورية- اللوجستية هناك، توفير مزيد من المتانة لأرضية المندوب الإيراني- اللبناني حزب الله، وكيف استطاع (حتى بعد الخروج المُهين لقوات الأسد من لبنان)، مواصلة رص أرضية الحزب وميليشياته، عبر نفس الذراع، لكن بعد أن تحولت إلى سرية مفضوحة! لا سيما بعدما تكرست الممانعة والمقاومة، كنكتة سمجة، ليس لبنانياً وسورياً وعربياً وعالمياً فحسب، بل إسرائيلياً أيضاً. يقول نظام طهران، دعونا نجرب الجانب المالي لإخماد الثورة السورية، ليس عن طريق دعم الاقتصاد الوطني الذي لا يقوم على أسس معلومة، ولكن عبر المساعدات وفق "استراتيجية الدكاكين". يقول هذا النظام الخائف على سلطة الأسد، لا داعي لدراسة الأمر، لقد طبقنا هذه الاستراتيجية سابقاً في لبنان عن طريق مندوبنا هناك، دعونا ننسخ الاستراتيجية نفسها عبر حليفنا نفسه.

على الفور أطلق نظام طهران حزمة مساعدات تصل إلى 5,8 مليار دولار أميركي، غير أن هذه الحزمة لن تدخل في هيكلية الاقتصاد (المتهاوي)، إلا في الجزء الخاص بتوفير مرتبات لأجل ليس طويلاً لموظفي الحكومة (وذلك في محاولة لتأخير انطلاقة جامحة وطبيعية لعصيان مدني آت)، أما الباقي الأعظم من الأموال الإيرانية، فهو عبارة عن هبات لشراء تأييد شعبي لسلطة الحليف الاستراتيجي. ففي عز الهدوء والاستقرار في سورية (التي يُفترض بأنها الحليف الاستراتيجي الأكبر، بل والوحيد للنظام الإيراني)، لم تستثمر إيران أكثر من مليار دولار أميركي، ذهبت نسبة كبيرة منها إلى حسابات (الغالبية العظمى من هذه الحسابات في إيران ولبنان) للعائلة الحاكمة المالكة، وبعض أركان السلطة، إلى جانب المشاركة في مصنع للسيارات، تباع منتجاته للسوريين بالترهيب قبل الترغيب! ولا بأس من مشروعات غير إنتاجية، يستفيد منها الإيرانيون، لاسيما أولئك الذي حولوا سورية إلى حج لهم! بعد أن تجاوز عدد الحسينيات في مختلف أنحاء سورية، أعداد السوريين العاملين في المشاريع "الاستثمارية" الإيرانية!

حولت المساعدات الإيرانية على مدى السنوات الماضية بشار الأسد، إلى تابع مطيع للنظام الإيراني. وبينما كان الأسد الأب يعمل مع طهران لاستكمال استراتيجيتها التوسعية الخطيرة والمريعة الخاصة بالمنطقة ككل، عن طريق "قلب العروبة النابض"، أصبح الأسد الابن (الوارث غير الشرعي لبلد بأكملها)، يعمل عند إيران. وعن طريق المساعدات الجديدة، يسعى نظام طهران، إلى تحقيق هدفين اثنين. الأول: إنقاذ سلطة الأسد المتهاوية، والثاني: شراء ولاء الشعب السوري، على طريقة شراء ولاء الموالين لحزب الله في لبنان. ومن أجل ذلك بدأ بالفعل في الأسابيع القليلة الماضية، بعمليات "رشى شعبية" بتنظيم من وكيلها القابع في دمشق. أخذت الأموال تظهر هنا وهناك، والمبالغ الملوثة كبيرة، لكن طهران أخطأت (ومعها الوكيل) مرة أخرى، ولا يبدو أنها ستكون الأخيرة. فالوطنية السورية، لم تكن بضاعة، حتى في عز ممارسة الأسد الأب سياسة الابتزاز، التي استهدفت العرب قبل غيرهم. فلم يكن تاجراً دمشقياً أو حلبياً أو حمصياً أو حموياً، كان تاجراً آتياً من مسرحية شكسبير الشهيرة (تاجر البندقية). لقد كان شايلوك نفسه في عصر حديث. والوطنية السورية لن تكون بضاعة، في ظل سلطة الأسد الابن الآيلة إلى السقوط. لن تشتري الأموال الإيرانية الملوثة، سورياً حراً واحداً، رغم أن شخصاً واحداً يسقط شهيداً كل ساعتين، وآخر يصبح مفقوداً كل ساعة، وجريحاً كل 15 دقيقة! وهذه الإحصائيات المريعة، ليست من عندي، بل هي لـ "منظمة العمل السياسي الدولية" المعروفة اختصاراً باسم "آفاز".

لم تع إيران بعد، أن ما ينفع في جنوب لبنان لا ينفع في سوريا، حتى وإن تساوت ميليشيا حزب الله مع قوات الأسد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق