الاثنين، 22 أغسطس 2011

الكماشة الاقتصادية حول عنق الأسد

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")

"الطغاة يركبون على النمور جيئة وذهاباً، يخشون الترجل من على ظهرها، عندما تشعر بالجوع"
ونستون تشرتشل رئيس وزراء بريطانيا الراحل





كتب: محمد كركوتــــي

الكماشة تضيق حول عنق سفاح سورية بشار الأسد، بطرفيها السياسي والاقتصادي. فقد بلغ هو وعصابته مراحل متقدمة في الطريق نحو نهايته، بعد أن انتهت إلى الأبد مسلماته البائسة التي كان يطلقها قبل الثورة الشعبية السلمية العارمة ضده بأن سورية محصنة من نسائم التغيير التي هبت على الساحة العربية. فالذي حدث أن سورية أطلقت في الواقع أعاصير التغيير، والمرحلة التي سبقت الخامس عشر من مارس/ آذار الماضي، باتت تاريخاً قاتماً ومريعاً، في ظل صناعة هائلة لمستقبل بلد، ظن السفاح أنه يملكه إلى الأبد. ولأنه كان –ولايزال- جاهلاً وفاقداً لعقله، لم يفهم ما قاله الأديب الفرنسي فيكتور هوغو –مع شكي في أنه يعرفه- ماذا قال: "عندما يكون الطغيان حقيقة، تكون الثورة محقة".

لن أتحدث هنا عن الطرف السياسي للكماشة، فقد أصبح واضحاً، ويمكن اختصاره بأن سفاح سوريا بات قاب قوسين أو أدنى، من العزل الدولي الشامل. والحقيقة أنه يستحقه منذ أن بدأ بقتل وحشي منظم للسوريين الأحرار، وهو يستحقه قبل ذلك بأعوام طويلة. كان النظام الإيراني الذي صدَر قطاع الطرق (بمن فيهم عصابات حزب الله الإيراني في لبنان)، والوسائل المساعدة لقتل الشعب السوري، يعرف أن الكماشة الاقتصادية مطبقة لا محالة حول رقبة الأسد، ولذلك، فقط استبق استحقاقات الثورة في حركة بائسة ويائسة، وضخ ما يقرب من 5,8 مليار دولار أميركي، في خزائن أسرة الأسد وعصاباتها، على أمل نجدته من مصيره المحتم، وهو الزوال. وعلى الرغم من مرور أكثر من شهرين على ضخ هذه الأموال الطائلة، إلا أنها لم تمنع مظاهرة سلمية واحدة، بما في ذلك تلك التي تضم العشرات، لا عشرات الآلاف ولا مئاتها. ومع ارتفاع حدة العقوبات وتعدد ماهياتها ضد العصابة الحاكمة في سورية، وإضافة المزيد من أسماء الخارجين عن الشرعية والقانون، بمن فيهم بشار الأسد نفسه، بات نظام الملالي ومعه عصابة حزب الله، يواجهون أزمة أخرى مشتقة من الأزمات التي طالتهم من جراء ثورة السوريين الأحرار، خصوصاً بعد أن أضافت الدول الكبرى أسماء إيرانيين إلى قوائم الحظر التي أصدرتها تباعاً.

وبعد تردد يولد الغيظ، أقدمت دول الاتحاد الأوروبي على فرض حظر على استيراد النفط السوري، الذي يمثل الشريان المالي الدائم للأسد الفاقد للشرعية منذ وصوله إلى السلطة. ولمن نسي، فإن موارد النفط السوري لا تدخل في نطاق الخزينة العامة أصلاً، وتذهب منذ عهد السفاح الأكبر حافظ الأسد مباشرة، إلى العصابة الحاكمة في البلاد. فقد كان الأسد (الأب والابن) أكثر فساداً في هذا المجال، من سفاح ليبيا معمر القذافي. فهذا الأخير اختلق صندوقاً أطلق عليه اسم "الحساب المجنب"، كان يضع فيه قسماً من الموارد النفطية، ولا يحق لأحد الاقتراب منه، بينما كان الأب والابن في سورية يضعان كل الموارد النفطية السورية في جيوبهما، ولا بأس من جيوب بعض أفراد عصابتيهما. يصدر الأسد لحسابه الخاص، قرابة أربعين في المائة من النفط السوري إلى السوق الأوروبية، وهذا يعني أن الموارد التي يستخدمها لقتل شعبه، سوف تنخفض في الأيام القليلة المقبلة، إلى جانب تراجع العوائد المالية الناجمة عن مختلف القطاعات الاقتصادية في البلاد، فضلاً عن تراجع مخيف لعوائد غسيل الأموال، وإن كان الذراع المالي اللبناني-السوري لهذه التجارة المشينة، لا يزال يتحرك. والغريب أن الأسد هرَب إلى لبنان ما يقرب من 23 مليار دولار أميركي منذ اندلاع الثورة ضده، في الوقت الذي تضيق فيه الكماشة الاقتصادية حول رقبته، وهذا أسلوب يعتمده عادة رؤساء العصابات الذين يتعرضون إلى الملاحقة. فقد كان عليه أن يُبقي هذه الأموال في البلاد، لإعانته على مواصلة حكمه غير الشرعي أطول فترة ممكنة. لكن الواضح أنه بات يعرف –حتى بعد أن فقد عقله- بأن أيامه باتت معدودة، أو على الأقل أصبح يعرف ماهية مصيره المحتوم.

شكلت أموال نظام الملالي الإيراني طوق نجاة للأسد لفترة زمنية محدودة، ولم تمثل طوق إنقاذ له. فمع خمس جولات من العقوبات الأوروبية، وجولتين أميركتين مماثلتين، استهدفت كيانات اقتصادية مختلفة، وبعد وضع أسماء 50 شخصية سورية وإيرانية ولبنانية ضمن قائمة الخارجين عن القانون، وعلى رأسهم سفاح سورية، باتت المعونات الإيرانية المالية بلا قيمة، خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار المشاكل الاقتصادية التي تعيشها إيران، من جراء سياسات نظامها العدواني الذي يسعى إلى نشر أوبئته السرطانية في المنطقة العربية كلها. هذا الوضع، يستحضر الساحة السورية إلى أكثر ما يخشاه الأسد وعصابته، وهو العصيان المدني، التي بدأت بوادره بالظهور من خلال اضرابات تلقائية في العديد من المدن التي تشهد حرب إبادة يشنها واحد من أسوأ الأنظمة على الإطلاق منذ النازي الألماني أدولف هتلر، والفاشي الإيطالي بينيتو موسوليني، يضاف إلى ذلك امتناع شرائح متعاظمة من الشعب السوري، عن تسديد التزاماتها المالية للحكومة، بما في ذلك دفع فواتير الخدمات، بل وامتناع أعداد من الموظفين الحكوميين للالتحاق بوظائفهم، خوفاً من عصابات القتل المأجورة من الأسد مباشرة.

إن الوضع الاقتصادي الراهن في سورية هو على الشكل التالي: تراجع مخيف في الاحتياطيات المالية للبنك المركزي( اعترف به حاكم البنك نفسه)، الذي تسيطر عليه مباشرة عائلة الأسد. انخفاض متواصل لقيمة الليرة السورية. هروب كبير لرؤوس الأموال الشرعية وغير الشرعية. اضمحلال العوائد السياحية كاملة. إغلاق مشاريع استثمارية كبيرة ومتوسطة. تأجيل مشاريع أخرى. ولو أضفنا إلى ذلك كله، العقوبات الدولية المختلفة، واحتمالات فرض عقوبات عربية مشابهة في المستقبل القريب، فإن الكماشة الاقتصادية، ستتحول إلى ما يشبه حبل المشنقة حول رأس السلطة الحاكمة في سورية. وبالتالي يمكن القول، إن ما بدأته الثورة السلمية الشعبية العارمة في البلاد، الهادفة لإزالة حكم الأسد غير الشرعي، ووقف حرب الإبادة ضد السوريين الأحرار سينهيه الاقتصاد. إن ذلك من حقائق التاريخ، وأحسب أن سفاح سورية لم يقرأ التاريخ جيداً.

هناك تعليق واحد: