الثلاثاء، 9 أغسطس 2011

إيران والأسد واقتصاد الهلاك

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")






""قادة النظام الإيراني، يتخذون مواقف، ويطلقون تصريحات بغيضة، لم نشهد ونسمع مثلها منذ أدولف هتلر"
توم لانتوس عضو سابق في مجلس النواب الأميركي



كتب : محمد كركوتـــي

بعد تدفق خبراء وعصابات كل من الحرس الثوري الإيراني (لاسيما فيلق القدس)، وحزب الله الإيراني الشيعي في لبنان، إلى سورية في مهمة واسعة يائسة لإنقاذ سلطة بشار الأسد المتهاوية، وجد هذا الأخير (بدون عناء)، أن الثورة الشعبية السلمية العارمة في كل أرجاء سورية، تجاوزت تحالفه المريع مع نظام العمائم السوداء (ولا بأس من البيضاء). وقبل أن يهب من تبقى من أولئك الذين لا يزالون يدافعون عن الأسد وعصابيته المحلية والإيرانية ومرتزقتهما من حزب الله، أطلب منهم الاطلاع على تقرير لجنة تابعة للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة بدورها إلى الأمم المتحدة، الذي توصل بعد تحقيقات واتصالات وشهادات وصور ومواد تلفزيونية مختلفة، إلى أن "إيران وحزب الله متورطان في قتل الجنود السوريين الرافضين، لأوامر إطلاق النار على المتظاهرين العزل". وهذا يعزز التقارير السابقة، التي تضمنت قرائن وشهادات، على أن المرتزقة (الذين ينتظرون المهدي لضبط الكون وحل مشاكله!)، يقتلون السوريين العُزَل، بعد أن يقتلوا من يرفض قتلهم من الجنود الشرفاء. فقد أشرت في مقال سابق لي، إلى أن هذا النوع من المرتزقة (والأصح القول: قطاع الطرق)، يقدمون خدمات لبشار الأسد، أكثر جودة من زملائهم المحليين، لأنهم يؤمنون بأن المحرمات، ليست سوى أشياء سخيفة، تتعارض مع تكوينهم العقائدي، وسلوكياتهم التي حلت مكان الأخلاق، إن وجدت لديهم أصلاً. ومع ذلك، فقد استمرت المظاهرات السلمية في سورية، وتحدت سلطة وحشية ليست شرعية منذ وصولها إلى الحكم، وصدمت بإصرارها، كلاً من حسن نصر الله، زعيم الحزب الشيعي الإيراني في لبنان، ومعه قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، الذي اتخذ من دمشق مقراً له منذ أربعة أشهر. ولمن نسي، فقد أشرف كل من هذا الأخير ونصر الله، على أبشع العمليات الإجرامية التي شهدها (ويشهدها) العراق.

بعد أن فشلت عمليات القتل والسحل والتعذيب والتهجير والاعتقال والإخفاء والتجويع، واعتقال حتى الجثث والتمثيل بها، وفق "استراتيجية قطاع الطرق"، اكتشف الأسد بأن الخناق يضيق يومياً على الاقتصاد في البلاد، خصوصاً بعد أن تأكد له (ولأي قارئ عادي للأوضاع)، بأن ما بدأته الثورة العارمة، يمكن ببساطة أن يستكمله الاقتصاد. لم يلجأ إلى صندوق النقد والبنك الدوليين، وإلى المؤسسات المالية العالمية المعروفة، فهو يعرف بأن مثل هذه المؤسسات، لا تتدخل في بلد، ليس فيه معيار اقتصادي حقيقي واحد، ولا إحصائية تنموية واقعية واحدة، ولا أرقام مستقلة، ولا تقارير صادقة، ولا تحقيقات مع فاسدين وناهبين. وهذه المؤسسات تعرف تماماً (وبدون جهد)، أن الاقتصاد الموجود في سورية، لا يعدو عن كونه اقتصاد "التشبيح"، وهو المرادف "الألطف" لاقتصاد "قطاع الطرق". يضاف إلى ذلك، أن المؤسسات العالمية، لا تتدخل في بلد ترتكب سلطة غير شرعية فيه ضد شعب أعزل، فظائع تفوق بشاعة ما تم ارتكابه في البوسنة والهرسك في منتصف تسعينات القرن الماضي، لتكون الأبشع على الإطلاق منذ الحرب العالمية الثانية. (وهذا ليس تقليلاً من فظائع البوسنة، لكن البوسنيين كانوا مسلحين وكذلك الليبيين الآن).

في ظل المشهد الاقتصادي المأساوي في سورية، كانت إيران حاضرة، ليس لحماية البلاد، بل لحماية استراتيجيتها المريبة والمريعة في المنطقة ككل، عن طريق إسناد سلطة الأسد المتهاوية. وبعد أن أرسلت خبراء الإجرام وعصاباتهم من الإيرانيين واللبنانيين إلى دمشق وكل المدن السورية، قامت بإرسال خبراء الاقتصاد، وهم يحملون 5,8 مليار دولار أميركي، في طائرات، تحمل أيضاً كل ما لا يملكه الأسد من آلات القتل. ومن المفارقات، أن حال الاقتصاد الإيراني ليس أفضل من حال "زميله" السوري، مع اختلاف واحد، هو أن للأول معايير واضحة بعض الشيء، بينما ليست هناك معايير ولا ملامح (على الإطلاق) للثاني. ولأن الأمر كذلك.. فإلى جانب الاستراتيجية الإجرامية لكل من نظام إيران وسلطة الأسد، تَشكَل في سورية ما يمكن وصفه بـ "اقتصاد الهلاك". وهو اقتصاد جديد محلي-خارجي، بعد أن كانت تسود سورية على مدى 41 عاماً مجموعة "متنوعة" من الاقتصادات، بدأت بـ "اقتصاد التفقير" وانتقلت إلى "اقتصاد التشبيح" لتمر قبل ذلك، بـ"اقتصاد الفقر وما دونه".. وكلها "اقتصادات" محلية صرفة. ومع المحاولات الدولية، لتفكيك شبكة الممولين لسلطة الأسد، وتدمير البنية المالية لها، عن طريق استهداف "مصرفييها" وفي مقدمتهم رامي مخلوف (ابن خال الأسد) الذي يسيطر على 60 في المائة من اقتصاد الأمة بأكملها، ومن خلال قطع الإمدادات المالية، وتجميد الأرصدة (إن تم العثور عليها)، وجد نظام طهران، ضرورة حتمية، لتحالف اقتصادي جديد، يبدأ بـ 5,8 مليار دولار، بغية تكريس ارتماء الأسد في حضن إيران، وإنقاذه من السوريين الأحرار، لاستكمال استراتيجيتها الإقليمية. فـ "استراتيجية الهلاك"، تستوجب وجود "اقتصاد الهلاك".

لكن المشكلة، أن حال "اقتصاديو الهلاك"، ليس أفضل من حال خبراء وعصابات القتل، الذي جاؤوا من نفس جهة التصدير. فالأموال الإيرانية القذرة، لم تحقق بعد شهر من تخصيصها للأسد أي شيء، بل على العكس تماماً، وجد أصحاب "عمائم الهلاك"، أعلامهم تُحرق وتُداس بأرجل الشعب السوري الحر، ومعها أعلام الحزب الإيراني في لبنان، إلى جانب صور زعيمه نصر الله، في زحمة تحطيم أصنام الأسد الأب والابن، وحرق صورهما. ولولا الخشية من الله لنبشوا قبر الأب. لم يُدخل "اقتصاديو الهلاك" دولاراً واحداً إلى خزائن المصرف المركزي التي تتناقص الأموال فيها على مدار الساعة، رغم أن هذا المصرف هو في الواقع "بنك أسري" لا مركزي ولا وطني ولا احتياطي. لماذا؟ لأن الحالة الشعبية تجاوزت مرحلة إسناد مصرف، لم يعد بعيداً عن الوصول إلى أيدي السوريين أصحابه الحقيقيين. ولذلك فإن الليرة السورية تتهاوى، والنمو بات صفراً، والعصيان المدني على الأبواب. لم يوفر "اقتصاد الهلاك" الجديد، إلا إمدادات قصيرة الأجل لدفع رواتب العاملين في القطاع الحكومي، وأخرى طويلة الأجل لدفع أجور قطاع الطرق، بواسطة الوكيل المُعيَن حزب الله الإيراني في لبنان، إضافة إلى شراء ما يلزم من أسلحة ومعدات لمواصلة المجازر بحق الشعب السوري الأعزل. فاستمرار الثورة بهذا الإصرار المنقطع النظير (إقليميا وعالمياً)، يستوجب تطوير آليات الأسد الوحشية.

الذي يبدو واضحاً، أن بشار الأسد وصل إلى مرحلة من اليأس والبؤس (بالإضافة إلى وحشية نادرة)، لم يعد معها يعرف أن كل اقتصادات الدنيا، لن تنقذه، وأن "اقتصاد الهلاك" مع إيران، لن يكون أفضل من اقتصادات والده واقتصاداته المحلية (غير المستوردة)، التي ساهمت في اندلاع الثورة الشعبية السلمية العارمة ضده، وأن إيران ستغرق معه في النهاية، في بحور الدماء والخراب. فلا يمكن أن ينجو أصحاب العمائم السوداء ومعهم وكيلهم "اللبناني"، عندما يتحطم قارب النجاة الوحيد لهم في كل المنطقة. فإرادة السوريين الأحرار التي قهرت واضعي "اقتصاد التفقير"، و"اقتصاد الفقر وما دونه"، و"اقتصاد التشبيح"، تقهر الآن مبتكري "اقتصاد الهلاك".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق