الاثنين، 15 أغسطس 2011

تاريخية الكلمة من تاريخية قائلها

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")







"وما المرء إلا بإخوانه.. كما تقبض الكف بالمعصم
ولا خير في الكف مقطوعة.. ولا خير في الساعد الأجذم "
محمد بن عمران الضبي شاعر عربي

 
 
 
 
كتب: محمد كركوتـــي
 
إنها ليست من تلك الكلمات التي ينتهي أثرها، قبل أن تُستكمل سطورها، وليست من تلك المليئة بشعارات بدون معنى، وبلاغة بلا وقع، وإنشاء بدون وزن، وقافية بلا موسيقى. إنها كلمة تاريخية بكل معنى الكلمة، تلك التي وجهها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، إلى سورية. والحقيقة أن تاريخيتها لا تنبع فقط من زخم وفداحة الحدث "الدرامي" السوري، بل من تاريخية ووزن ومكانة قائلها. ولأن الأمر كذلك، فقد كانت الكلمة التي بدأها خادم الحرمين الشريفين بـتلك العبارة -التي ألهبت المشاعر مستندة إلى الحقائق والصدق لا الأوهام- "إلى أشقائنا في سوريا.. سوريا العرب والإسلام"، بليغة في تاريخيتها ، وتاريخية في بلاغتها. كانت كلمات مقتضبة، لكنها أقوى من غالبية الخطابات (العربية تحديداً)، ذكرتني بمقولة شهيرة لرئيس وزراء بريطانيا الراحل ونستون تشرتشل " لقد كتبت خطاباً طويلاً، لأنني لا أملك الوقت لأكتبه قصيراً"، وعندما تكون كلمة واحدة من القائل، تفوق ملايين الكلمات أهمية، لا معنى للمساحة، بل المعنى كله يكون في الأثر، وقبل هذا وذاك ينصهر المعنى بقوتها.

والحقيقة، أن هذه الكلمة سبقتها نصائح لم تتوقف من الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى سفاح سورية بشار الأسد، وتقدمتها اتصالات لم تهدأ من أجل حقن دماء الشعب السوري الأبي، وأيضاً من أجل التوصل إلى حلول للكارثة التي تسبب بها الأسد وأعوانه، بأقل الأضرار الممكنة، لكن الذي بدا واضحاً، أن سفاح سورية، فقد عقله في ظل فقدانه للشرعية الوطنية، منذ وصوله إلى السلطة مغتصباً لها، ووارثاً لحكم ما كان له، لو طبقت عليه أدنى المعايير المعروفة في عمليات انتقال السلطات. فوصوله إلى الحكم، شكل إهانة أخرى للشعب السوري، من نظام حزب البعث الفاشي، الذي امتلك القرار المطلق وحصره في مجموعة صغيرة جداً، لا ينطبق عليها إلا توصيف العصابة، كما فتح شهية الأنظمة الجمهورية العربية الأخرى للتوريث. ومن هنا نجد أساساً سورياً –على سبيل المثال- لانهيار نظامي حسني مبارك في مصر وزين العابدين بن علي في تونس، وأساساً يستكمل انهيار نظامي علي عبدالله صالح في اليمن، وسفاح ليبيا معمر القذافي، يضاف إلى ذلك، أن هؤلاء الأربعة، لم يستمعوا إلى النصائح التي كانت ستوفر الكثير على شعوبهم أولاً، وحتى عليهم، بل تعاملوا مع هذه النصائح كــ "مخططات عدائية لهم"، فلا غرابة إذن.. من قيام بشار الأسد وأعوانه السوريين وغير السوريين، من توجيه الاتهامات إلى الناصحين، بلغت أعلى درجات الأكاذيب، بأن هؤلاء – أي الناصحين- يمولون الثورة الشعبية السلمية العارمة، بماذا؟ بالسلاح!! في حين لم يجد العالم المراقب والمتابع لما يجري في سورية، سكين مطبخ في يدي أي متظاهر سوري، يطالب بحرية سلبت منه منذ أكثر من 41 عاماً، وأن هذا المتظاهر –كغيره من بقية السوريين- لا يملك إلا كرامته يحارب بها، واحداً من أسوأ الأنظمة الوحشية منذ الحرب العالمية الثانية.

كلمة خادم الحرمين الشريفين، لم تضع فقط الأمور في نصابها، بل أوجدت جهة لا تقف إلا مع الحق، تقف إلى جانب الشعب السوري الأعزل، الذي استخدمت ضده كل أنواع الأسلحة، بما في ذلك، الدبابات والمدرعات والقاذفات والمروحيات والسفن الحربية، بالإضافة طبعاً إلى المرتزقة الذي يستحقون بجدارة توصيف قطاع الطرق، خصوصاً أولئك المرتزقة المستوردين من الخارج، وتحديداً من إيران وعصابات حزب الله الإيراني في لبنان. فقد وجد الأسد، أن المرتزقة المحليين أقل "جودة" في قتل الأبرياء والجنود الشرفاء الأحرار من أولئك المستورَدين. لقد أظهر الشعب السوري –باعتراف المجتمع الدولي- شجاعة لا حدود لها في حراكه نحو الحرية، وأثبت مجدداً أنه يقوم بواجباته العربية والقومية، حتى وهو في أحلك ظروفه الحياتية. كيف؟ إنه يقاوم بأجساد لا تحمل إلا الكرامة، تغلغلاً سرطانياً إيرانياً، ليس في سورية فحسب بل في المنطقة ككل، ويقاوم أيضاً عصابات حزب الله، التي تقوم بتنفيذ مشروع لم يعد خافياً على أحد، لنشر الفوضى في المنطقة، استكمالاً للمشروع الإيراني الكبير.

إن أجمل ردود الأفعال على كلمة الملك عبد الله بن عبد العزيز، أتت على الفور من الشعب السوري، الذي يمثل الشرعية الوحيدة في سورية، جاءت من هذا الشعب الذي عرف مرة أخرى، أن المملكة العربية السعودية التي وقفت إلى جانبه منذ أن تأسست، لن تتخلى عنه، خصوصاً وهو يخوض "حرباً" فريدة من نوعها، ليس من جهة غياب موازين القوى فيها، بل لأنها تُشَن من طرف واحد (لا طرفين) يملك الآلة والوحشية، ومستعد للمضي إلى ما بعد النهاية، لاستكمال حرب إبادة منظمة، تستند على استراتيجية الهلاك. خصوصاً وأن هذه الاستراتيجية حصلت على ذراع مالية إيرانية بلغت –حتى الآن 5,8 مليار دولار أميركي- أسست ما يمكن تسميته بـ "اقتصاد الهلاك"، وهو اقتصاد لا يحقق نمواً إلا في إطار توصيفه، فـ "الدخل الإجمالي" له لا ينفق إلا على استيراد قطاع الطرق، وشراء الأسلحة التي يحتاجها الأسد وعصابته لإتمام حرب الإبادة، ولا بأس من تقديم الرشى (إن وجد من يقبلها من السوريين) بما يتناسب وأهداف استراتيجية الهلاك.

إن الوزن الهائل لكلمة خادم الحرمين الشريفين إلى سوريا العرب والإسلام، لا يمكن أن تستوعبه بيانات الإشادة، ولا مانشيتات الصحف، ولا العناوين الرئيسية للأخبار، إنه من ذلك الوزن الذي يصنع التحولات، لا من ذاك الذي يدخل في نطاق التعليق على الأحداث، لأنه ببساطة صانع للأحداث. إنه الفعل لا رد الفعل. وعلى هذا الأساس، يمثل أساساً مطلوباً لأي تحرك ناجع لوقف نزيف الدم في سورية العرب والإسلام، إنه ليس أقل من جدول أعمال لقمة عربية أو اجتماع لوزراء الخارجية العرب. إن هذه الكلمة تتدخل ببساطة التاريخ من فرط وزنها وقيمتها، لا بقرارات رسمية، تعودنا عليها من أنظمة بلا شرعية، يلقي قادتها كلمات بلا معنى ولا أثر ولا أفق، بل وبلا أخلاق وقيم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق